ﰡ
والجواب : قال أبو علي الفارسي : جعل لها خمسة معان :
المعنى الأول : صبر، نحو قوله تعالى :﴿ وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا ﴾١.
وضابطه انتقال الحقيقة إلى صفة زائدة على ذاتها، كجعل الطين خزفا.
والمعنى الثاني : سمي، كقوله تعالى :﴿ وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثا ﴾٢ أي : سموهم، إذ لا قدرة لهم على التصرف في ذوات الملائكة، فلم يبق إلا التسمية.
والثالث : جعل بمعنى خلق، وهو يتعدى على مفعول واحد بخلاف الأولين، كقوله تعالى :﴿ وجعل الظلمات والنور ﴾٣ أي : خلقهما.
﴿ وما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ﴾٤ أي : لم يشرع.
والرابع : بمعنى دخل في الفعل، نحو : " جعل زيد يقوم " أي : شرع في القيام.
والخامس : بمعنى ألقى، تقول : " جعلت متاعك بعضه على بعض "، أي : ألقيت بعضه على بعض. فالمناسب للآية أن يكون " جعل " من باب فعل، أي : ما خلقنا أصحاب النار إلا ملائكة وفائدة هذا الإخبار الرد على المشركين، لما سمعوا أن عليها تسعة عشر استهزؤوا بذلك وقالوا هذا العدد لا يغلبنا، فأخبر الله تعالى أنه خلقهم ملائكة لا يقدر البشر على رؤيتهم، فضلا عن مقابلتهم. وكذلك جعل الثاني بمعنى فعل ويكون المعنى : " وما ذكرنا عدتهم إلا فتنة "، فالجعلان واحد. وأما الصحبة هاهنا فهي الملازمة لا المصادقة، ولذلك قيل للمعذبين أنهم أصحاب النار، لأجل الملازمة.
وأما العدة تكون فتنة، فمعناه : اختبار أهل يستهزئ بها الكفار أم لا ؟
والمستثنى منه في الموضعين مختلف. ففي الأول : من الصفات ؛ أي : لم يخلقهم في صفة الجان لا الإنس، في صفة أخرى هي صفة الملائكة. فكل صفة منفية إلا صفة الملائكة.
وأما المستثنى منه في الثاني : فهو مفعول من أجله لا من الصفات والأحوال والمعنى : ما ذكرنا العدة لمعنى لا من المعاني ولا لسبب من الأسباب إلا لسبب الفتنة والاختبار. فالمستثنى والمستثنى منه في الموضعين مختلف. ( الاستغناء : ٢٤٥-٢٤٦ )
٢ - سورة الزخرف : ١٨..
٣ - سورة الأنعام : ١..
٤ - سورة المائدة : ١٠٣..
والجواب : قال الضحاك وغيره : " المعنى في الآية : كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن بعمله أحد من أهل الجنة إن شاء الله تعالى " ١ فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويكون العام مخصوصا. ( الاستغناء : ٤٠١-٤٠٢ )
ومعنى الرهن هاهنا، أن النفس تكون كالرهن في الدين، والوفاء بحقوق الله تعالى هو الدين، والواقع هو التفريط في حقوق الله تعالى، لا سيما والله تعالى يقول في حق جميع الخلق :﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾٢.
وإذا فرط العبد في حقوق الله تعالى أخذت نفسه للعذاب، كما يؤخذ الرهن للبيع ويحال بين صاحبه وبين الانتفاع بنفسه. وهذا إليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ أولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾٣ وعلى هذا تكون تسمية هذا المعنى رهنا مجازا من باب الاستعارة والتشبيه، ويتجه أيضا على هذا قول المفسرين : إن المراد من حقت عليه كلمة العذاب، فإنه هو الذي حيل بينه وبين الانتفاع بنفسه، وأما من دخل الجنة فقد مكن من الانتفاع بنفسه.
قال المفسرون : والهاء في " رهينة " للمبالغة ولأجل تأنيث لفظ النفس، والأصل أن نقول : كل نفس بما كسبت رهين، نظرا للفظ، " كل "، فإنه مفرد.
وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- : " أصحاب اليمين في هذه الآية أطفال المسلمين٤.
وقال ابن عباس : الملائكة٥.
وقال الضحاك٦ : هم الذين سبقت لهم منا الحسنى٧.
وقال ابن كيسان٨ : هم المسلمون المخلصون وأن هؤلاء كلهم ليسوا بمرتهنين، ويتعين الانقطاع في الاستثناء حينئذ. والله أعلم٩.
٢ - سورة الأنعام : ٩١..
٣ - سورة هود : ٢١..
٤ -ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨- والدر المنثور : ٦/٤٥٩..
٥ - جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٦ هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، تابعي، مفسر. (ت : ١٠٠هج) ن : ميزان الاعتدال : ١/٤٧١- الأعلام : ٣/٢١٥- تهذيب التهذيب : ٤/٤٥٣..
٧ لم أعثر على هذا النص في كتب التفسير بالمأثور التي استطعت الإطلاع عليها..
٨ - هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن كيسان، لغوي، أخذ عن المبرد وعن ثعلب (ت: ٢٩٩هج) ن : الأعلام : ٥/٣٠٨...
٩ - الدر المنثور : ٦/٤٥٩ بتصرف..
والجواب : قال الضحاك وغيره :" المعنى في الآية : كل نفس حقت عليها كلمة العذاب ولا يرتهن بعمله أحد من أهل الجنة إن شاء الله تعالى " ١ فعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا، ويكون العام مخصوصا. ( الاستغناء : ٤٠١-٤٠٢ )
ومعنى الرهن هاهنا، أن النفس تكون كالرهن في الدين، والوفاء بحقوق الله تعالى هو الدين، والواقع هو التفريط في حقوق الله تعالى، لا سيما والله تعالى يقول في حق جميع الخلق :﴿ وما قدروا الله حق قدره ﴾٢.
وإذا فرط العبد في حقوق الله تعالى أخذت نفسه للعذاب، كما يؤخذ الرهن للبيع ويحال بين صاحبه وبين الانتفاع بنفسه. وهذا إليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ أولئك الذين خسروا أنفسهم ﴾٣ وعلى هذا تكون تسمية هذا المعنى رهنا مجازا من باب الاستعارة والتشبيه، ويتجه أيضا على هذا قول المفسرين : إن المراد من حقت عليه كلمة العذاب، فإنه هو الذي حيل بينه وبين الانتفاع بنفسه، وأما من دخل الجنة فقد مكن من الانتفاع بنفسه.
قال المفسرون : والهاء في " رهينة " للمبالغة ولأجل تأنيث لفظ النفس، والأصل أن نقول : كل نفس بما كسبت رهين، نظرا للفظ، " كل "، فإنه مفرد.
وقال علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- :" أصحاب اليمين في هذه الآية أطفال المسلمين٤.
وقال ابن عباس : الملائكة٥.
وقال الضحاك٦ : هم الذين سبقت لهم منا الحسنى٧.
وقال ابن كيسان٨ : هم المسلمون المخلصون وأن هؤلاء كلهم ليسوا بمرتهنين، ويتعين الانقطاع في الاستثناء حينئذ. والله أعلم٩.
٢ - سورة الأنعام : ٩١..
٣ - سورة هود : ٢١..
٤ -ن : جامع البيان : ١٢/٣١٨- والدر المنثور : ٦/٤٥٩..
٥ - جامع البيان : ١٢/٣١٨..
٦ هو الضحاك بن مزاحم البلخي الخراساني، أبو القاسم، تابعي، مفسر. (ت : ١٠٠هج) ن : ميزان الاعتدال : ١/٤٧١- الأعلام : ٣/٢١٥- تهذيب التهذيب : ٤/٤٥٣..
٧ لم أعثر على هذا النص في كتب التفسير بالمأثور التي استطعت الإطلاع عليها..
٨ - هو محمد بن أحمد بن إبراهيم، أبو الحسن، المعروف بابن كيسان، لغوي، أخذ عن المبرد وعن ثعلب (ت: ٢٩٩هج) ن : الأعلام : ٥/٣٠٨...
٩ - الدر المنثور : ٦/٤٥٩ بتصرف..