تفسير سورة القصص

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة القصص من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
وهي مكية إلا قوله تعالى﴿ الذين آتيناهم الكتاب ﴾ إلى قوله﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ وفيها آية نزلت بين مكة والمدينة وهي قوله﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ وهي ثمان وثمانون آية وأربعمائة وإحدى وأربعون كلمة وخمسة آلاف وثمانمائة حرف.

سورة القصص
وهي مكية إلا قوله تعالى الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ إلى قوله لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ وفيها آية نزلت بين مكة والمدينة وهي قوله إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ وهي ثمان وثمانون آية وأربعمائة وإحدى وأربعون كلمة وخمسة آلاف وثمانمائة حرف.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة القصص (٢٨): الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢)
قوله عز وجل طسم تِلْكَ إشارة إلى آيات السورة آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ قيل هو اللوح المحفوظ وقيل هو الكتاب الذي أنزله على نبيه صلّى الله عليه وسلّم ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٣ الى ٧]
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)
نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ أي خبر مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ أي بصدق لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ أي يصدقون بالقرآن إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا أي تجبر وتكبر فِي الْأَرْضِ أي أرض مصر وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً أي فرقا في أنواع الخدمة والتسخير يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يعني بني إسرائيل يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ سمى هذا استضعافا لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ أي بالقتل والتجبر في الأرض وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ أي ننعم عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ يعني بني إسرائيل وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً أي قادة في الخير يقتدى بهم وقيل ولاة ملوكا وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يعني أملاك فرعون، وقومه بأن نجعلهم في مساكنهم وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أي نوطن لهم أرض مصر والشام، ونجعلها لهم سكنا وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ أي يخافون وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل وكانوا على حذر منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون. قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى هو وحي إلهام، وذلك بأن قذف في قلبها واسمها يوحانذ من نسل لاوي بن يعقوب أَنْ أَرْضِعِيهِ قيل أرضعته ثمانية أشهر وقيل أربعة وقيل ثلاثة وكانت ترضعه، وهو لا يبكي ولا يتحرك في حجرها فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ أي الذبح فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ أي في البحر وأراد نيل مصر وَلا
356
تَخافِي
أي عليه من الغرق وقيل الضيعة وَلا تَحْزَنِي أي على فراقه إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ قال ابن عباس إن بني إسرائيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر فسلط الله عليهم القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يد نبيه موسى عليه الصلاة والسلام.
ذكر القصة في ذلك
قال ابن عباس: إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، كانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها، وقالت لها: قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم، فعالجت قبالها فلما وقع موسى بالأرض هالها نور عيني موسى فارتعش كل مفصل فيها، ودخل حب موسى قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا مرادي قتل ولدك، ولكن وجدت لولدك حبا ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك، فإني أراه عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا إلى أم موسى، فقالت أخته: يا أماه هذا الحرس بالباب فلفته بخرقة وألقته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى ولم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن فقالوا ما أدخل القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخته فأين الصبي؟ فقالت: لا أدري فسمعت بكاء الصبي في التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه بردا وسلاما فاحتملته، قال: ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في قلبها أن تتخذ تابوتا له ثم تقذف التابوت في النيل فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتا صغيرا فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت؟ فقالت: ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته، وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطلق الكلام وجعل يشير بيديه فلم تدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم: اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضا يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ لسانه وبصره فلم يطق الكلام، ولم يبصر شيئا فضربوه وأخرجوه، وبقي حيران فجعل لله عليه إن رد عليه لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه فيحفظه، حيثما كان فعرف الله صدقه فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجدا فقال يا رب: دلني على هذا العبد الصالح فدله عليه فآمن به وصدقه وقال وهب لما حملت أم موسى بموسى، كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله تعالى، وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي ولد فيها، بعث فرعون القوابل وتقدم الأمين ففتش النساء تفتيشا لم يفتش قبل ذلك مثله، وحملت بموسى ولم يتغير لونها ولم ينب بطنها فكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم وأوحى الله إليها أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ فكتمته ثلاثة أشهر فلما خافت عليه عملت تابوتا، مطبقا، ثم ألقته في اليم وهو البحر ليلا.
قال ابن عباس وغيره: كان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إليه وكان بها برص شديد وكان فرعون قد جمع لها الأطباء والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا: أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك وذلك في يوم كذا في ساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ البحر
357
قوله عز وجل ﴿ تلك ﴾ إشارة إلى آيات السورة ﴿ آيات الكتاب المبين ﴾ قيل هو اللوح المحفوظ وقيل هو الكتاب الذي أنزله على نبيه صلى الله عليه وسلم ووصفه بأنه مبين لأنه بين فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام.
﴿ نتلو عليك من نبأ ﴾ أي خبر ﴿ موسى وفرعون بالحق ﴾ أي بصدق ﴿ لقوم يؤمنون ﴾ أي يصدقون بالقرآن.
﴿ إن فرعون علا ﴾ أي تجبر وتكبر ﴿ في الأرض ﴾ أي أرض مصر ﴿ وجعل أهلها شيعاً ﴾ أي فرقاً في أنواع الخدمة والتسخير ﴿ يستضعف طائفة منهم ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ﴾ سمى هذا استضعافاً لأنهم عجزوا وضعفوا عن دفعه عن أنفسهم ﴿ إنه كان من المفسدين ﴾ أي بالقتل والتجبر في الأرض.
﴿ ونريد أن نمن ﴾ أي ننعم ﴿ على الذين استضعفوا في الأرض ﴾ يعني بني إسرائيل ﴿ ونجعلهم أئمة ﴾ أي قادة في الخير يقتدى بهم وقيل ولادة ملوكاً ﴿ ونجعلهم الوارثين ﴾ يعني أملاك فرعون، وقومه بأن نجعلهم في مساكنهم.
﴿ ونمكن لهم في الأرض ﴾ أي نوطن لهم أرض مصر والشام، ونجعلها لهم سكناً ﴿ ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ﴾ أي يخافون وذلك أنهم أخبروا أن هلاكهم على يد رجل من بني إسرائيل وكانوا على حذر منه فأراهم الله ما كانوا يحذرون.
قوله تعالى ﴿ وأوحينا إلى أم موسى ﴾ هو وحي إلهام، وذلك بأن قذف في قلبها واسمها يوحانذ من نسل لاوي بن يعقوب ﴿ أن أرضعيه ﴾ قيل أرضعته ثمانية أشهر وقيل أربعة وقيل ثلاثة وكانت ترضعه، وهو لا يبكي ولا يتحرك في حجرها ﴿ فإذا خفت عليه ﴾ أي الذبح ﴿ فألقيه في اليم ﴾ أي في البحر وأراد نيل مصر ﴿ ولا تخافي ﴾ أي عليه من الغرق وقيل الضيعة ﴿ ولا تحزني ﴾ أي على فراقه ﴿ إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ﴾ قال ابن عباس إن بني إسرئيل لما كثروا بمصر استطالوا على الناس، وعملوا بالمعاصي ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر فسلط القبط فاستضعفوهم إلى أن أنجاهم الله على يد نبيه موسى عليه الصلاة والسلام.
ذكر القصة في ذلك :
قال ابن عباس : إن أم موسى لما تقاربت ولادتها، كانت قابلة من القوابل التي وكلهن فرعون بحبالى بني إسرائيل مصافية لأم موسى فلما ضربها الطلق أرسلت إليها، وقالت لها : قد نزل بي ما نزل فلينفعني حبك إياي اليوم، فعالجت قبالها فلما وقع موسى بالأرض هالها نور عيني موسى فارتعشت كل مفصل فيها، ودخل حب موسى قلبها ثم قالت لها يا هذه ما جئت إليك حين دعوتني إلا مرادي قتل ولدك، ولكن وجدت لولدك حباً ما وجدت حب شيء مثل حبه فاحفظي ابنك، فإني أراه عدونا فلما خرجت القابلة من عندها أبصرها بعض العيون فجاؤوا إلى بابها ليدخلوا إلى أم موسى، فقالت أخته : يا أماه هذا الحرس بالباب فلفته بخرقة وألقته في التنور وهو مسجور، وطاش عقلها فلم تعقل ما تصنع قال فدخلوا فإذا التنور مسجور ورأوا أم موسى ولم يتغير لها لون، ولم يظهر لها لبن فقالوا ما أدخل القابلة قالت هي مصافية لي فدخلت علي زائرة، فخرجوا من عندها فرجع إليها عقلها فقالت لأخته فأين الصبي ؟ فقالت : لا أدري فسمعت بكاء الصبي في التنور فانطلقت إليه وقد جعل الله النار عليه برداً وسلاماً فاحتملته، قال : ثم إن أم موسى لما رأت إلحاح فرعون في طلب الولدان خافت على ابنها، فقذف الله في قلبها أن تتخذ تابوتاً له ثم تقذف التابوت في النيل فانطلقت إلى رجل نجار من قوم فرعون، فاشترت منه تابوتاً صغيراً فقال النجار ما تصنعين بهذا التابوت ؟ فقالت : ابن لي أخبئه في التابوت، وكرهت الكذب قال ولم تقل أخشى عليه كيد فرعون، فلما اشترت التابوت وحملته، وانطلقت به انطلق النجار إلى الذباحين ليخبرهم بأمر أم موسى فلما هم بالكلام أمسك الله لسانه، فلم يطلق الكلام وجعل يشير بيديه فلم تدر الأمناء ما يقول، فلما أعياهم أمره قال كبيرهم : اضربوه فضربوه وأخرجوه فلما انتهى النجار إلى موضعه رد الله عليه لسانه فتكلم فانطلق أيضاً يريد الأمناء فأتاهم ليخبرهم فأخذ الله لسانه وبصره فلم يطق الكلام، ولم يبصر شيئاً فضربوه وأخرجوه، وبقي حيران فجعل لله عليه إن رد عليه لسانه وبصره أن لا يدل عليه وأن يكون معه فيحفظه، حيثما كان فعرف الله صدقه فرد عليه لسانه وبصره فخر لله ساجداً فقال يا رب : دلني على هذا العبد الصالح فدله عليه فآمن به وصدقه وقال وهب لما حملت أم موسى بموسى، كتمت أمرها عن جميع الناس فلم يطلع على حملها أحد من خلق الله تعالى، وذلك شيء ستره الله تعالى لما أراد أن يمن به على بني إسرائيل فلما كانت السنة التي ولد فيها، بعث فرعون القوابل وتقدم الأمين ففتش النساء تفتيشاً لم يفتش قبل ذلك مثله، وحملت بموسى ولم يتغير لونها ولم ينب بطنها فكانت القوابل لا تتعرض لها فلما كانت الليلة التي ولد فيها ولدته ولا رقيب عليها ولا قابلة ولم يطلع عليها أحد إلا أخته مريم وأوحى الله إليها ﴿ أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ﴾ فكتمته ثلاثة أشهر فلما خافت عليه عملت تابوتاً، مطبقاً، ثم ألقته في اليم وهو البحر ليلاً.
قال ابن عباس وغيره : كان لفرعون يومئذ بنت ولم يكن له ولد غيرها وكانت من أكرم الناس عليه وكان لها كل يوم ثلاث حاجات ترفعها إليه وكان لها برص شديد كان فرعون قد جمع لها الأطباء والسحرة فنظروا في أمرها فقالوا : أيها الملك لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه الإنسان فيؤخذ من ريقه فيلطخ به برصها فتبرأ من ذلك وذلك في يوم كذا في ساعة كذا حين تشرق الشمس فلما كان ذلك اليوم غدا فرعون إلى مجلس كان له على شفير النيل ومعه امرأته آسية بنت مزاحم وأقبلت بنت فرعون في جواريها حتى جلست على شاطئ البحر مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون : إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجر ائتوني به فابتدروه بالسفن من كل ناحية حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه.
فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نوراً لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في التابوت وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمص منه لبناً فألقى الله محبته في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه. وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت إلى ما يسيل من أشداقه من ريقه فلطخت به برصها فبرأت ثم قبلته وضمته إلى صدرها فقالت : الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر فزعاً منك فهم فرعون بقتله فقالت آسية : قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أي فنصيب منه خيراً أو نتخذه ولداً وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها. وقال فرعون : أما أنا فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« لو قال يومئذٍ قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها الله » فقيل لآسية سميه فقالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر لأن موسى هو الماء وهو الشجر.
مع جواريها تلاعبهن وتنضح الماء على وجوههن إذ أقبل النيل بالتابوت تضربه الأمواج فقال فرعون: إن هذا الشيء في البحر قد تعلق بالشجر ائتوني به فابتدروه بالسفن من كل ناحية حتى وضعوه بين يديه فعالجوا فتح الباب فلم يقدروا عليه وعالجوا كسره فلم يقدروا عليه. فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا لم يره غيرها فعالجته ففتحت الباب فإذا هي بصبي صغير في التابوت وإذا نور بين عينيه وقد جعل الله رزقه في إبهامه يمص منه لبنا فألقى الله محبته في قلب آسية وأحبه فرعون وعطف عليه. وأقبلت بنت فرعون فلما أخرجوا الصبي من التابوت عمدت إلى ما يسيل من أشداقه من ريقه فلطخت به برصها فبرأت ثم قبلته وضمته إلى صدرها فقالت: الغواة من قوم فرعون أيها الملك إنا نظن أن ذلك المولود الذي تحذر منه من بني إسرائيل هو هذا رمي به في البحر فزعا منك فهم فرعون بقتله فقالت آسية: قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أي فنصيب منه خيرا أو نتخذه ولدا وكانت لا تلد فاستوهبت موسى من فرعون فوهبه لها. وقال فرعون: أما أنا فلا حاجة لي فيه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «لو قال يومئذ قرة عين لي كما هو لك لهداه الله كما هداها الله» فقيل لآسية سميه فقالت سميته موسى لأنا وجدناه في الماء والشجر لأن موسى هو الماء وهو الشجر فذلك قوله تعالى:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٨ الى ١٢]
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢)
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ الالتقاط هو وجود الشيء من غير طلب لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً أي عاقبة أمرهم إلى ذلك لأنهم لم يلتقطوه ليكون لهم عدوا وحزنا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ أي آثمين وقيل: هو من الخطأ ومعناه أنهم لم يشعروا أنه الذي يذهب بملكهم وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ قال وهب لما نظر إليه فرعون قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكانت آسية امرأة فرعون من خيار النساء ومن بنات الأنبياء.
وكانت أما للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وأنت أمرت أن تذبح ولدان هذه السنة فدعه يكون عندي. وقيل: إنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى وليس هو من بني إسرائيل فاستحياه فرعون وألقى الله محبته عليه قال ابن عباس لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه قوله تعالى وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً أي خاليا من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه وقيل معناه ناسيا للوحي الذي أوحى الله عز وجل إليها حين أمرها أن تلقيه في اليم ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد إليها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءها الشيطان وقال كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله وألقيته في البحر وأغرقته. ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت إنه قد وقع في يد عدوه الذي فررت منه فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي لتصرح بأنه ابنها من شدة وجلها.
قال ابن عباس كادت تقول وا ابناه وقيل لما رأت التابوت ترفعه موجة وتحطه أخرى خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شدة شفقتها عليه. وقيل كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون موسى ابن فرعون
﴿ وقالت امرأة فرعون قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولداً وهم لا يشعرون ﴾ قال وهب لما نظر إليه فرعون قال عبراني من الأعداء فغاظه ذلك وقال كيف أخطأ هذا الغلام الذبح وكانت آسية امرأة فرعون من خيار النساء ومن بنات الأنبياء. وكانت أماً للمساكين ترحمهم وتتصدق عليهم فقالت لفرعون وهي قاعدة إلى جنبه هذا الوليد أكبر من ابن سنة وأنت أمرت أن تذبح ولدان هذه السنة فدعه يكون عندي. وقيل : إنها قالت إنه أتانا من أرض أخرى وليس هو من بني إسرائيل فاستحياه فرعون وألقى الله محبته عليه قال ابن عباس : لو أن عدو الله قال في موسى كما قالت آسية عسى أن ينفعنا لنفعه الله ولكنه أبى للشقاء الذي كتبه الله عليه.
قوله تعالى ﴿ وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً ﴾ أي خالياً من كل شيء إلا من ذكر موسى وهمه وقيل معناه ناسياً للوحي الذي أوحى الله عز وجل إليه حين أمرها أن تلقيه في اليم ولا تخاف ولا تحزن والعهد الذي عهد إليها أن يرده إليها ويجعله من المرسلين، فجاءها الشيطان وقال كرهت أن يقتل فرعون ولدك فيكون لك أجره وثوابه وتوليت أنت قتله وألقيته في البحر وأغرقته. ولما أتاها الخبر بأن فرعون أصابه في النيل قالت إنه قد وقع في يد عدوه الذي فررت منه فأنساها عظم البلاء ما كان من عهد الله إليها ﴿ إن كادت لتبدي به ﴾ أي لتصرح بأنه ابنها من شدة وجلها.
قال ابن عباس كادت تقول وا ابناه وقيل لما رأت التابوت ترفعه موجة وتحطه أخرى خشيت عليه الغرق فكادت تصيح من شدة شفقتها عليه. وقيل كادت تظهر أنه ابنها حين سمعت الناس يقولون موسى ابن فرعون فشق عليها ذلك وكادت تقول هو ابني وقيل كادت تبدي بالوحي الذي أوحى إليها ﴿ لولا أن ربطنا على قلبها ﴾ أي بالعصمة والصبر والتثبت ﴿ لتكون من المؤمنين ﴾ أي من المصدقين بوعد الله إياها.
﴿ وقالت لأخته ﴾ أي لمريم أخت موسى ﴿ قصيه ﴾ أي اتبعي أثره حتى تعطي خبره ﴿ فبصرت به عن جنب ﴾ أي عن بعد قيل كانت تمشي جانباً وتنظره اختلاساً ترى أنها لا تنظره ﴿ وهم لا يشعرون ﴾ أنها أخته وأنها ترقبه.
﴿ وحرمنا عليه المراضع ﴾ المراد به المنع قيل مكث موسى ثمان ليال لا يقبل ثدياً قال ابن عباس إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد من ترضعه كلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها وهم في طلب من يرضعه لهم ﴿ من قبل ﴾ أي قبل مجيء أم موسى وذلك لما رأته أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلب ذلك ﴿ فقالت ﴾ يعني أخت موسى ﴿ هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم ﴾ أي يضمونه ويرضعونه وهي امرأة قتل ولدها فأحب ما تدعى إليه أن تجد صغيراً ترضعه ﴿ وهم له ناصحون ﴾ أي لا يمنعونه ما ينفعه من تربيته وغذائه والنصح إخلاص العمل من شوائب الفساد. قيل لما قالت : وهم له ناصحون قالوا : إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله قالت ما أعرفه ولكن قلت وهم للملك ناصحون وقيل : إنها قالت إنما قلت ذلك رغبة في سرور الملك واتصالنا به. وقيل قالوا من هم قالت أمي قالوا ولأمك ولد قالت نعم هارون وكان هارون ولد في السنة التي لا يقتل فيها قالوا صدقت فأتينا بها فانطلقت إليها وأخبرتها بحال ابنها وجاءت بها إليهم فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه رياً قيل كانوا يعطونها كل يوم ديناراً.
فشق عليها ذلك وكادت تقول هو ابني وقيل كادت تبدي بالوحي الذي أوحى الله إليها لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها أي بالعصمة والصبر والتثبت لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من المصدقين بوعد الله إياها وَقالَتْ لِأُخْتِهِ أي لمريم أخت موسى قُصِّيهِ أي اتبعي أثره حتى تعطي خبره فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن بعد قيل كانت تمشي جانبا وتنظره اختلاسا ترى أنها لا تنظره وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ أنها أخته وأنها ترقبه وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ المراد به المنع قيل مكث موسى ثمان ليال لا يقبل ثديا قال ابن عباس إن امرأة فرعون كان همها من الدنيا أن تجد من ترضعه كلما أتوا بمرضعة لم يأخذ ثديها وهم في طلب من يرضعه لهم مِنْ قَبْلُ أي قبل مجيء أم موسى وذلك لما رأته أخت موسى التي أرسلتها أمه في طلب ذلك فَقالَتْ يعني أخت موسى هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ أي يضمونه ويرضعونه وهي امرأة قتل ولدها فأحب ما تدعى إليه أن تجد صغيرا ترضعه وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ أي لا يمنعونه ما ينفعه من تربيته وغذائه والنصح إخلاص العمل من شوائب الفساد. قيل لما قالت:
وهم له ناصحون قالوا: إنك قد عرفت هذا الغلام فدلينا على أهله قالت ما أعرفه ولكن قلت وهم للملك ناصحون وقيل: إنها قالت إنما قلت ذلك رغبة في سرور الملك واتصالنا به. وقيل قالوا من هم قالت أمي قالوا ولأمك ولد قالت نعم هارون وكان هارون ولد في السنة التي لا يقتل فيها قالوا صدقت فأتينا بها فانطلقت إليها وأخبرتها بحال ابنها وجاءت بها إليهم فلما وجد الصبي ريح أمه قبل ثديها وجعل يمصه حتى امتلأ جنباه ريا قيل كانوا يعطونها كل يوم دينارا فذلك قوله تعالى:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ١٣ الى ١٨]
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥) قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧)
فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها أي برد موسى إليها وَلا تَحْزَنَ أي لئلا تحزن وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي برده إليها وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أن الله وعدها أن يرده إليها وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ قيل الأشد ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين سنة وقيل الأشد ثلاث وثلاثون سنة وَاسْتَوى أي بلغ أربعين سنة قاله ابن عباس: وقيل انتهى شبابه وتكامل آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً أي عقلا وفهما في الدين فعلم وحكم موسى قبل أن يبعث نبيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ قوله تعالى وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يعني موسى والمدينة قيل هي منف من أعمال مصر وقيل هي قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر وقيل هي مدينة شمس عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها قيل هي نصف النهار واشتغال الناس بالقيلولة وقيل دخلها ما بين المغرب والعشاء وقيل سبب دخول المدينة في ذلك الوقت أن موسى كان يسمى ابن فرعون وكان يركب في مراكب فرعون ويلبس لباسه فركب فرعون يوما وكان موسى غائبا فلما جاء قيل له إن فرعون قد ركب فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها وليس في أطرافها أحد. وقيل كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينه حتى أنكروا ذلك منه وخافوه وخافهم فكان لا يدخل قرية إلا خائفا مستخفيا على حين غفلة من أهلها.
﴿ ولما بلغ أشده ﴾ قيل الأشد ما بين ثمانية عشر إلى ثلاثين سنة وقيل الأشد ثلاث وثلاثون سنة ﴿ واستوى ﴾ أي بلغ أربعين سنة قاله ابن عباس : وقيل انتهى شبابه وتكامل ﴿ آتيناه حكماً وعلماً ﴾ أي عقلاً وفهماً في الدين فعلم وحكم موسى قبل أن يبعث نبياً ﴿ وكذلك نجزي المحسنين ﴾.
قوله تعالى ﴿ ودخل المدينة ﴾ يعني موسى والمدينة قيل هي منف من أعمال مصر وقيل هي قرية يقال لها حابين على رأس فرسخين من مصر وقيل هي مدينة شمس ﴿ على حين غفلة من أهلها ﴾ قيل هي نصف النهار واشتغال الناس بالقيلولة وقيل دخلها ما بين المغرب والعشاء وقيل سبب دخول المدينة في ذلك الوقت أن موسى كان يسمى ابن فرعون وكان يركب في مراكب فرعون ويلبس لباسه فركب فرعون يوماً وكان موسى غائباً فلما جاء قيل له إن فرعون قد ركب فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض منف فدخلها وليس في أطرافها أحد. وقيل كان لموسى شيعة من بني إسرائيل يسمعون منه ويقتدون به فلما عرف ما هو عليه من الحق رأى فراق فرعون وقومه فخالفهم في دينه حتى أنكروا ذلك منه وخافوه وخافهم فكان لا يدخل قرية إلا خائفاً مستخفياً على حين غفلة من أهلها.
وقيل لما ضرب موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله قالت امرأته هو صغير فتركه وأمر بإخراجه من مدينته فأخرج منه فلم يدخل عليهم حتى كبر وبلغ أشده فدخل على حين غفلة من أهلها يعني عن ذكر موسى ونسيانهم خبره ولبعد عهدهم به. وعن علي أنه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم ﴿ فوجد فيها رجلين يقتتلان ﴾ أي يتخاصمان ويتنازعان ﴿ هذا من شيعته ﴾ أي من بني إسرائيل ﴿ وهذا من عدوه ﴾ يعني من القبط وقيل هذا مؤمن وهذا كافر وقيل الذي كان من الشيعة هو السامري والذي من عدوه هو طباخ فرعون واسمه فاتون وكان القبطي يريد أن يأخذ الإسرائيلي يحمله الحطب. وقال ابن عباس : لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط ﴿ فاستغاثه الذي من شيعته ﴾ يعني الإسرائيلي ﴿ على الذي من عدوه ﴾ يعني الفرعوني والاستغاثة طلب الغوث والمعنى أنه سأله أن يخلصه منه وأن ينصره عليه فغضب موسى واشتد غضبه لأنه أخذه وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة فقال موسى للفرعوني : خلِّ سبيله فقال : إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة ﴿ فوكزه موسى ﴾ يعني ضربه بجميع كفه وقيل الوكز الضرب في الصدر وقيل الوكز الدفع بأطراف الأصابع ﴿ فقضى عليه ﴾ يعني قتله وفرغ من أمره فندم موسى عليه ولم يكن قصد القتل فدفنه في الرمل ﴿ قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ﴾ يعني بين الضلالة وقيل في قوله هذا إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه، والمعنى أن عمل هذا المقتول من عمل الشيطان والمراد منه بيان كونه مخالفاً لله سبحانه وتعالى مستحقاً للقتل وقيل هذا إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان وحزبه.
﴿ قال رب إني ظلمت نفسي ﴾ يعني بقتل القبطي من غير أمر وقيل هو على سبيل الاتضاع لله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب. وقوله ﴿ فاغفر لي ﴾ يعني ترك هذا المندوب وقيل يحتمل أن يكون المراد ﴿ رب إن ظلمت نفسي ﴾ حيث فعل هذا فإن فرعون إذا عرف ذلك قتلني به فقال أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون ﴿ فغفر له ﴾ أي فستره عن الوصول إلى فرعون ﴿ إنه هو الغفور الرحيم ﴾.
﴿ قال رب بما ﴾ أي بالمغفرة والستر الذي ﴿ أنعمت عليَّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين ﴾ معناه فأنا لا أكون معاوناً لأحد من المجرمين قال ابن عباس الكافرين وفيه دليل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافراً.
قال ابن عباس لم يستثن فابتلي في اليوم الثاني أي لم يقل فلم أكن إن شاء الله ظهيراً للمجرمين.
﴿ فأصبح في المدينة ﴾ أي التي قتل فيها القبطي ﴿ خائفاً يترقب ﴾ أي ينتظر سوءاً والترقب انتظار المكروه وقيل ينتظر متى يؤخذ به ﴿ فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ﴾ أي يستغيث به من بعد. قال ابن عباس : أتي فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلاً فخذ لنا بحقنا فقال اطلبوا قاتله ومن يشهد عليه فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونياً فاستغاثه على الفرعوني وكان موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي ﴿ قال له موسى ﴾ للإسرائيلي ﴿ إنك لغوي مبين ﴾ أي ظاهر الغواية قاتلت رجلاً بالأمس فقتلته بسببك وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه.
وقيل لما ضرب موسى فرعون بالعصا في صغره فأراد فرعون قتله قالت امرأته هو صغير فتركه وأمر بإخراجه من مدينته فأخرج منها فلم يدخل عليهم حتى كبر وبلغ أشده فدخل على حين غفلة من أهلها يعني عن ذكر موسى ونسيانهم خبره لبعد عهدهم به. وعن علي أنه كان يوم عيد لهم قد اشتغلوا بلهوهم ولعبهم فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ أي يتخاصمان ويتنازعان هذا مِنْ شِيعَتِهِ أي من بني إسرائيل وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ يعني من القبط وقيل هذا مؤمن وهذا كافر وقيل الذي كان من الشيعة هو السامري والذي من عدوه هو طباخ فرعون واسمه فاتون وكان القبطي يريد أن يأخذ الإسرائيلي يحمله الحطب. وقال ابن عباس: لما بلغ موسى أشده لم يكن أحد من آل فرعون يخلص إلى أحد من بني إسرائيل بظلم حتى امتنعوا كل الامتناع وكان بنو إسرائيل قد عزوا بمكان موسى لأنهم كانوا يعلمون أنه منهم فوجد موسى رجلين يقتتلان أحدهما من بني إسرائيل والآخر من القبط فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ يعني الإسرائيلي عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ يعني الفرعوني والاستغاثة طلب الغوث والمعنى أنه سأله أن يخلصه منه وأن ينصره عليه فغضب موسى واشتد غضبه لأنه أخذه وهو يعلم منزلة موسى من بني إسرائيل وحفظه لهم ولا يعلم الناس إلا أنه من قبل الرضاعة فقال موسى للفرعوني: خلّ سبيله فقال: إنما أخذته ليحمل الحطب إلى مطبخ أبيك فنازعه فقال الفرعوني لقد هممت أن أحمله عليك وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق وشدة في القوة فَوَكَزَهُ مُوسى يعني ضربه بجميع كفه وقيل الوكز الضرب في الصدر وقيل الوكز الدفع بأطراف الأصابع فَقَضى عَلَيْهِ يعني قتله وفرغ من أمره فندم موسى عليه ولم يكن قصد القتل فدفنه في الرمل قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ يعني بين الضلالة وقيل في قوله هذا إشارة إلى عمل المقتول لا إلى عمل نفسه، والمعنى أن عمل هذا المقتول من عمل الشيطان والمراد منه بيان كونه مخالفا لله سبحانه وتعالى مستحقا للقتل وقيل هذا إشارة إلى المقتول يعني أنه من جند الشيطان وحزبه قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي يعني بقتل القبطي من غير أمر وقيل هو على سبيل الاتضاع لله تعالى والاعتراف بالتقصير عن القيام بحقوقه وإن لم يكن هناك ذنب. وقوله فَاغْفِرْ لِي يعني ترك هذا المندوب وقيل يحتمل أن يكون المراد «رب إني ظلمت نفسي» حيث فعل هذا فإن فرعون إذا عرف ذلك قتلني به فقال أي فاستره علي ولا توصل خبره إلى فرعون فَغَفَرَ لَهُ أي فستره عن الوصول إلى فرعون إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ قالَ رَبِّ بِما أي بالمغفرة والستر الذي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ معناه فأنا لا أكون معاونا لأحد من المجرمين قال
ابن عباس الكافرين وفيه دليل على أن الإسرائيلي الذي أعانه موسى كان كافرا.
قال ابن عباس لم يستثن فابتلي في اليوم الثاني أي لم يقل فلم أكن إن شاء الله ظهيرا للمجرمين فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ أي التي قتل فيها القبطي خائِفاً يَتَرَقَّبُ أي ينتظر سوءا والترقب انتظار المكروه وقيل ينتظر متى يؤخذ به فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ أي يستغيث به من بعد. قال ابن عباس: أتي فرعون فقيل له إن بني إسرائيل قتلوا منا رجلا فخذ لنا بحقنا فقال اطلبوا قاتله ومن يشهد عليه فبينما هم يطوفون لا يجدون بينة إذ مر موسى من الغد فرأى ذلك الإسرائيلي يقاتل فرعونيا فاستغاثه على الفرعوني وكان موسى قد ندم على ما كان منه بالأمس من قتل القبطي قالَ لَهُ مُوسى للإسرائيلي إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ أي ظاهر الغواية قاتلت رجلا بالأمس فقتلته بسببك وتقاتل اليوم آخر وتستغيثني عليه.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ١٩ الى ٢٤]
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣)
فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)
360
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما وذلك أن موسى أخذته الغيرة والرقة للإسرائيلي فمد يده ليبطش بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضب موسى وسمع قوله إنك لغوي مبين قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ معناه أنه لم يكن علم أحد من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي حتى أفشى عليه الإسرائيلي ذلك فسمعه القبطي فأتى فرعون فأخبره بذلك إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ أي بالقتل ظلما وقيل الجبار هو الذي يقتل ويضرب ولا ينظر في العواقب وقيل هو الذي يتعاظم ولا يتواضع لأمر الله تعالى وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ ولما فشا أن موسى قتل القبطي أمر فرعون بقتله فخرجوا في طلبه وسمع بذلك رجل من شيعة موسى يقال إنه مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل سمعان وهو قوله تعالى وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى أي يسرع في مشيه وأخذ طريقا قريبا حتى سبق إلى موسى وأخبره وأنذره بما سمع قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ يعني يتشاورون فيك لِيَقْتُلُوكَ وقيل يأمر بعضهم بعضا بقتلك فَاخْرُجْ يعني من المدينة إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ يعني في الأمر بالخروج فَخَرَجَ مِنْها يعني موسى خائِفاً على نفسه من آل فرعون يَتَرَقَّبُ يعني ينتظر الطلب هل يلحقه فيأخذه ثم لجأ إلى الله تعالى لعلمه أنه لا ملجأ إلا إليه قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني الكافرين.
قوله تعالى وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ يعني قصد نحوها ماضيا قيل إنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأن أهل مدين من ولد إبراهيم وموسى من ولد إبراهيم ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلد باسمه وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام، قيل خرج موسى خائفا بلا ظهر ولا زاد ولا أحد ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض حتى رأى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله لموسى قالَ يعني موسى عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ يعني قصد الطريق إلى مدين وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل لما دعا موسى جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قوله عز وجل وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم وَجَدَ عَلَيْهِ يعني على الماء أُمَّةً يعني جماعة مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ يعني مواشيهم وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ يعني سوى الجماعة وقيل بعيدا من الجماعة امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ أي تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تند وتذهب والقول الأول أولى لما بعده وهو قوله قالَ يعني موسى للمرأتين ما خَطْبُكُما أي ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس قالَتا لا نَسْقِي يعني أغنامنا حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ أي حتى يرجع الرعاء من الماء والمعنى أنا امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا نحن مواشينا من فضل ما بقي منهم في الحوض وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ أي لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم، قيل أبوهما هو شعيب عليه الصلاة والسلام. وقيل هو بيرون ابن أخي شعيب وكان شعيب قد مات بعد ما كف بصره وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما فاقتلع صخرة من على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقيل زاحم القوم ونحاهم كلهم عن البئر وسقى لهما الغنم وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى فرفع الحجر ونزع دلوا واحدا فيه بالبركة وسقى الغنم فرويت فذلك قوله تعالى فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ يعني
361
ولما فشا أن موسى قتل القبطي أمر فرعون بقتله فخرجوا في طلبه وسمع بذلك رجل من شيعة موسى يقال إنه مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل سمعان وهو قوله تعالى ﴿ وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى ﴾ أي يسرع في مشيه وأخذ طريقاً قريباً حتى سبق إلى موسى وأخبره وأنذره بما سمع ﴿ قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ﴾ يعني يتشاورون فيك ﴿ ليقتلوك ﴾ وقيل يأمر بعضهم بعضاً بقتلك ﴿ فاخرج ﴾ يعني من المدينة ﴿ إني لك من الناصحين ﴾ يعني في الأمر بالخروج.
﴿ فخرج منها ﴾ يعني موسى ﴿ خائفاً ﴾ على نفسه من آل فرعون ﴿ يترقب ﴾ يعني ينتظر الطلب هل يلحقه فيأخذه ثم لجأ إلى الله تعالى لعلمه أنه لا ملجأ إلا إليه ﴿ قال رب نجني من القوم الظالمين ﴾ يعني الكافرين.
وقوله تعالى ﴿ ولما توجه تلقاء مدين ﴾ يعني قصد نحوها ماضياً قيل إنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأن أهل مدين من ولد إبراهيم وموسى من ولد إبراهيم ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلد باسمه وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام، قيل خرج موسى خائفاً بلا ظهر ولا زاد ولا أحد ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض حتى رأى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله لموسى ﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ﴾ يعني قصد الطريق إلى مدين وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل لما دعا موسى جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين.
قوله عز وجل ﴿ ولما ورد ماء مدين ﴾ هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم ﴿ وجد عليه ﴾ يعني على الماء ﴿ أمة ﴾ يعني جماعة ﴿ من الناس يسقون ﴾ يعني مواشيهم ﴿ ووجد من دونهم ﴾ يعني سوى الجماعة وقيل بعيداً من الجماعة ﴿ امرأتين تذودان ﴾ أي تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تند وتذهب والقول الأول أولى لما بعده وهو قوله ﴿ قال ﴾ يعني موسى للمرأتين ﴿ ما خطبكما ﴾ أي ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس ﴿ قالتا لا نسقي ﴾ يعني أغنامنا ﴿ حتى يصدر الرعاء ﴾ أي حتى يرجع الرعاء من الماء والمعنى أنا امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا نحن مواشينا من فضل ما بقي منهم من الحوض ﴿ وأبونا شيخ كبير ﴾ أي لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم، قيل أبوهما هو شعيب عليه الصلاة السلام. وقيل هو بيرون ابن أخي شعيب وكان شعيب قد مات بعدما كف بصره وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب.
فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما فاقتلع صخرة من على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقيل زاحم القوم ونحاهم كلهم عن البئر وسقى لهما الغنم وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى فرفع الحجر ونزع دلواً واحداً فيه بالبركة وسقى الغنم فرويت فذلك قوله﴿ فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ﴾ يعني عدل إلى رأس الشجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع ﴿ فقال رب لما أنزلت إلي من خير فقير ﴾ معناه أنه طلب الطعام لجوعه واحتياجه إليه.
قال ابن عباس : إن موسى سأل الله فلقة خبز يقيم بها صلبه وعن ابن عباس قال : لقد قال موسى :﴿ رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ﴾ وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة وقيل ما سأل إلا الخبز فلما رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما ؟ قالتا وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه إلي.
عدل إلي رأس الشجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ معناه أنه طلب الطعام لجوعه واحتياجه إليه.
قال ابن عباس: إن موسى سأل الله فلقة خبز يقيم بها صلبة وعن ابن عباس قال: لقد قال موسى: «رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير» وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة وقيل ما سأل إلا الخبز فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما؟ قالتا وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه إلي قال الله تعالى:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٢٥ الى ٢٨]
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧) قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨)
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قيل هي الكبرى واسمها صفوراء وقيل صفراء وقيل بل هي الصغرى واسمها ليا وقيل صفيراء وقال عمر بن الخطاب ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء وقيل استحيت منه لأنها دعته لتكافئه وقيل لأنها رسول أبيها قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا قيل لما سمع موسى ذلك كره أن يذهب معها ولكن كان جائعا فلم يجد بدا من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكانت الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها فكره موسى أن يرى ذلك منها فقال لها امشي خلفي ودليني على الطريق إذا أخطأت ففعلت ذلك فلما دخل موسى على شعيب إذا هو بالعشاء مهيئا فقال: اجلس يا فتى فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذاك ألست بجائع؟
قال بلى ولكني أخاف أن يكون هذا عوضا من الدنيا فقال له شعيب: لا والله يا فتى ولكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس وأكل فذلك قوله عز وجل فَلَمَّا جاءَهُ أي موسى وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ أي أخبره بأمره أجمع من خبر ولادته وقتله القبطي وقصد فرعون قتله قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ يعني من فرعون وقومه وإنما قال ذلك لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ أي اتخذه أجيرا ليرعى أغنامنا إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ يعني إن خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة فقال لها أبوها ما أعلمك بقوته وأمانته؟ قالت أما قوته فإنه رفع الحجر من على رأس البئر ولا يرفعه إلا عشرة.
وقيل أربعون رجلا وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك قالَ شعيب عند ذلك إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ أي أزوجك إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ قيل زوجه الكبرى وقال الأكثرون إنه زوجه الصغرى منهما واسمها صفوراء وهي التي ذهبت في طلب موسى عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ أي تكون لي أجيرا ثمان سنين فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أي فإن أتممت العشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب عليك وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ أي ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وقيل يريد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته قالَ يعني موسى ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ يعني ما شرطت علي فلك وما شرطت من تزوج
﴿ قالت إحداهما يا أبت استأجره ﴾ أي اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا ﴿ إن خير من استأجرت القوي الأمين ﴾ يعني إن خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة فقال لها أبوها ما أعلمك بقوته وأمانته ؟ قالت أما قوته فإنه رفع الحجر من على رأس البئر ولا يرفعه إلا عشرة.
وقيل أربعون رجلاً وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك.
﴿ قال ﴾ شعيب عند ذلك ﴿ إني أريد أن أنكحك ﴾ أي أزوجك ﴿ إحدى ابنتي هاتين ﴾ قيل زوجه الكبرى وقال الأكثرون إنه زوجه الصغرى منها واسمها صفوراء وهي التي ذهبت في طلب موسى ﴿ على أن تأجرني ثماني حجج ﴾ أي تكون لي أجيراً ثمان سنين ﴿ فإن أتممت عشراً فمن عندك ﴾ أي فإن أتممت العشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب عليك ﴿ وما أريد أن أشق عليك ﴾ أي ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع ﴿ ستجدني إن شاء الله من الصالحين ﴾ أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وقيل يريد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته.
﴿ قال ﴾ يعني موسى ﴿ ذلك بيني وبينك ﴾ يعني ما شرطت علي فلك وما شرطت من تزوج إحداهما فلي والأمر بيننا على ذلك ﴿ أيما الأجلين قضيت ﴾ أي أيّ الأجلين أتممت وفرغت منه الثمانية أو العشرة ﴿ فلا عدوان علي ﴾ أي لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منه ﴿ والله على ما نقول وكيل ﴾ قال ابن عباس شهيد بيني وبينك ( خ ) عن سعيد بن جبير قال : سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى ؟ قلت لا أدري حتى أقدم على خير العرب فاسأله فقدمت فسألت ابن عباس : فقال قضى أكثرهما وأطيبهما لأن رسول الله إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعاً :« إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإذا سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوج صغراهما وقضى أوفاهما ». وقال وهب أنكحه الكبرى وروى شداد بن أوس مرفوعاً بكى شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فقال الله له : ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار فقال : لا يا رب ولكن شوقاً إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئاً لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك كليمي موسى ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاه يدفع بها السباع عن غنمة قيل كانت من آس الجنة حملها آدم معه فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى.
ثم إن موسى لما قضى الأجل سلم شعيب إليه ابنته فقال لها موسى اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها ذلك فقال لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها وقيل إن شعيباً أراد أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراماً وصلة لابنته فقال له : إني قد وهبت لك ولد أغنامي كل أبلق وبلقاء في هذه السنة فأوحى الله تعالى إلى موسى في النوم أن أضرب بعصاك الماء، ثم اسق الأغنام منه ففعل ذلك فما أخطأت واحدة إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن هذا رزق ساقه الله إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وأعطاه الأغنام.
إحداهما فلي والأمر بيننا على ذلك أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ أي أيّ الأجلين أتممت وفرغت منه الثمانية أو العشرة فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ أي لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منه وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ قال ابن عباس شهيد بيني وبينك (خ) عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى؟ قلت لا أدري حتى أقدم على خير العرب فاسأله فقدمت فسألت ابن عباس فقال: قضي أكثرهما وأطيبهما لأن رسول الله إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعا: «إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإذا سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوج صغراهما وقضى أوفاهما». وقال وهب أنكحه الكبرى وروى شداد بن أوس مرفوعا بكى شعيب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فقال الله له: ما هذا البكاء أشوقا إلى الجنة أم خوفا من النار فقال: لا يا رب ولكن شوقا إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئا لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك كليمي موسى ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاه يدفع بها السباع عن غنمة قيل كانت من آس الجنة حملها آدم معه فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى.
ثم إن موسى لما قضى الأجل سلم شعيب إليه ابنته فقال لها موسى اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها ذلك فقال لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها وقيل إن شعيبا أراد أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراما وصلة لابنته فقال له: إني قد وهبت لك ولد أغنامي كل أبلق وبلقاء في هذه السنة فأوحى الله تعالى إلى موسى في النوم أن اضرب بعصاك الماء، ثم اسق الأغنام منه ففعل ذلك فما أخطأت واحدة إلا وضعت حملها ما بين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن هذا رزق ساقه الله إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وأعطاه الأغنام.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٢٩ الى ٣٥]
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢) قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣)
وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥)
فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ أي أتمه وفرغ منه وَسارَ بِأَهْلِهِ قيل مكث موسى بعد الأجل عند شعيب عشر سنين أخرى ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فسار بأهله أي بزوجته قاصدا إلى مصر آنَسَ أي أبصر مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً وذلك أنه كان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أي عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ أي قطعة وشعلة من النار وقيل: الجذوة العود الذي اشتعل بعضه لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ أي تستدفئون فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ
﴿ فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن ﴾ يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى ﴿ في البقعة المباركة ﴾ جعلها الله مباركة لأن الله تعالى كلم موسى هناك وبعثه نبياً وقيل يريد البقعة المقدسة ﴿ من الشجرة ﴾ يعني من ناحية الشجرة قال ابن مسعود : كانت سمرة خضراء تبرق وقيل كانت غوسجة وقيل كانت من العليق وعن ابن عباس إنها العناب ﴿ أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ﴾ قيل إن موسى لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله تعالى فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى. وقيل : إن الله تعالى خلق في نفس موسى علماً ضرورياً بأن المتكلم هو الله وأن ذلك الكلام كلام الله تعالى. وقيل : إنه قيل لموسى كيف عرفت أنه نداء الله قال إني سمعته بجميع أجزائي فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم بذلك أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.
﴿ وأن ألق عصاك ﴾ يعني فألقاها ﴿ فلما رآها تهتز ﴾ يعني تتحرك ﴿ كأنها جان ﴾ هي الحية الصغيرة والمعنى أنها في سرعة حركتها كالحية السريعة الحركة ﴿ ولى مدبراً ﴾ يعني هارباً منها ﴿ ولم يعقب ﴾ يعني ولم يرجع قال وهب إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها حتى إن موسى سمع صرير أسنانها وقعقعة الشجر والصخر في جوفها فحينئذ ولى مدبراً ولم يعقب فنودي عند ذلك ﴿ يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ﴾.
قوله عز وجل ﴿ اسلك يدك ﴾ يعني أدخل يدك ﴿ في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ﴾ يعني برص والمعنى أنه أدخل يده فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس ﴿ واضمم إليك جناحك من الرهب ﴾ يعني من الخوف والمعنى إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى وقال ابن عباس : أمر الله موسى أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده صدره زال خوفه.
وقيل المراد من ضم الجناح السكون أي سكن روعك واخفض عليك جناحك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه. وقيل الرهب الكم بلغة حمير ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من كمك لأنه تناول العصا ويده في كمه ﴿ فذانك ﴾ يعني العصا واليد البيضاء ﴿ برهانان ﴾ يعني آيتان ﴿ من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين ﴾ يعني خارجين عن الحق.
﴿ قال رب إني قتلت منهم نفساً ﴾ يعني القبطي ﴿ فأخاف أن يقتلون ﴾ يعني به.
﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لساناً ﴾ يعني بياناً وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه ﴿ فأرسله معي ردءاً ﴾ يعني عوناً ﴿ يصدقني ﴾ يعني فرعون وقيل تصديق هارون هو أن يلخص الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل الكفار فهذا هو التصديق المفيد ﴿ إني أخاف أن يكذبون ﴾ يعني فرعون وقومه.
﴿ قال سنشد عضدك بأخيك ﴾ يعني سنقويك به وكان هارون بمصر ﴿ ونجعل لكما سلطاناً ﴾ يعني حجة وبرهاناً ﴿ فلا يصلون إليكما ﴾ أي بقتل ولا سوء ﴿ بآياتنا ﴾ قيل معناه نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما ﴿ أنتما ومن اتبعكما الغالبون ﴾ يعني لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ جعلها الله مباركة لأن الله تعالى كلم موسى هناك وبعثه نبيا وقيل يريد البقعة المقدسة مِنَ الشَّجَرَةِ يعني من ناحية الشجرة قال ابن مسعود: كانت سمرة خضراء تبرق وقيل كانت عوسجة وقيل كانت من العليق وعن ابن عباس إنها العناب أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ قيل إن موسى لما رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدر على الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله تعالى فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى. وقيل: إن الله تعالى خلق في نفس موسى علما ضروريا بأن المتكلم هو الله تعالى وأن ذلك الكلام كلام الله تعالى. وقيل: إنه قيل لموسى كيف عرفت أنه نداء الله قال إني سمعته بجميع أجزائي فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم بذلك أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ يعني فألقاها فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ يعني تتحرك كَأَنَّها جَانٌّ هي الحية الصغيرة والمعنى أنها في سرعة حركتها كالحية السريعة الحركة وَلَّى مُدْبِراً يعني هاربا منها وَلَمْ يُعَقِّبْ يعني ولم يرجع قال وهب إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها حتى إن موسى سمع صرير أسنانها وقعقعة الشجر والصخر في جوفها فحينئذ ولى مدبرا ولم يعقب فنودي عند ذلك يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ.
قوله عز وجل اسْلُكْ يَدَكَ يعني أدخل يدك فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ يعني برص والمعنى أنه أدخل يده فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ يعني من الخوف والمعنى إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى وقال ابن عباس: أمر الله موسى أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده على صدره زال خوفه. وقيل المراد من ضم الجناح السكون أي سكن روعك واخفض عليك جناحك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه. وقيل الرهب الكم بلغة حمير ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من كمك لأنه تناول العصا ويده في كمه فَذانِكَ يعني العصا واليد البيضاء بُرْهانانِ يعني آيتان مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ يعني خارجين عن الحق قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً يعني القبطي فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ يعني به وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً يعني بيانا وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يعني عونا يُصَدِّقُنِي يعني فرعون وقيل تصديق هارون هو أن يلخص الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل الكفار فهذا هو التصديق المفيد إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ يعني فرعون وقومه قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ يعني سنقويك به وكان هارون بمصر وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً يعني حجة وبرهانا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما أي بقتل ولا سوء بِآياتِنا قيل معناه نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ يعني لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٣٦ الى ٤٥]
فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠)
وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥)
364
فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ يعني واضحات قالُوا ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً يعني مختلق وَما سَمِعْنا بِهذا يعني بالذي تدعونا إليه فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ يعني أنه يعلم المحق من المبطل وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ يعني الكافرون وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فيه إنكار لما جاء به موسى من توحيد الله وعبادته فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ يعني اطبخ لي الآجر قيل إنه أول من اتخذ آجرا وبنى به فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً أي قصرا عاليا وقيل منارة. قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء وطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء فبنوه ورفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعا لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دما فقال: قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده راكبا على البراذين فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعة منه على عسكره فقتلت منهم ألف رجل ووقعت قطعة منه في البحر وقطعة في المغرب فلم يبق أحد عمل شيئا فيه إلا هلك فذلك قوله لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى يعني أنظر إليه وأقف على حاله وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ
يعني موسى مِنَ الْكاذِبِينَ يعني في زعمه أن للأرض والخلق إلها غيري وأنه أرسله وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ يعني تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق بالباطل والظلم بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ يعني للحساب والجزاء فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ يعني فألقيناهم في البحر وهو القلزم فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ يعني حين صاروا إلى الهلاك وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يعني قادة ورؤساء يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ أي الكفر والمعاصي التي يستحقون بها النار لأن من أطاعهم ضل ودخل النار وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ يعني لا يمنعون من العذاب وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً يعني خزيا وبعدا وعذابا وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ يعني المبعدين وقيل المهلكين.
وقال ابن عباس من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون. وقوله عز وجل وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ يعني التوراة مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا قبل موسى بَصائِرَ لِلنَّاسِ ليبصروا ذلك فيهتدوا به وَهُدىً يعني من الضلالة لمن عمل به وَرَحْمَةً يعني لمن آمن به لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ يعني بما فيه من المواعظ وَما كُنْتَ الخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلّم أي وما كنت يا محمد بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ يعني بجانب الجبل الغربي قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ يعني الحاضرين ذلك المقام الذي أوحينا إلى موسى فيه فتذكره من ذات نفسك وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً يعني خلقنا بعد موسى أمما فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ يعني طالت عليهم المدة فنسوا عهد الله وتركوا أمره وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهودا في محمد والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها وَما كُنْتَ ثاوِياً أي مقيما فِي أَهْلِ مَدْيَنَ أي كمقام موسى وشعيب فيهم تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا يعني تذكرهم بالوعد والوعيد وقيل معناه لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ أي أرسلناك رسولا
365
﴿ وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ﴾ يعني أنه يعلم المحق من المبطل ﴿ ومن تكون له عاقبة الدار ﴾ يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة ﴿ إنه لا يفلح الظالمون ﴾ يعني الكافرون.
﴿ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري ﴾ فيه إنكار لما جاء به موسى من توحيد الله وعبادته ﴿ فأوقد لي يا هامان على الطين ﴾ يعني اطبخ لي الآجر قيل إنه أول من اتخذ آجراً وبنى به ﴿ فاجعل لي صرحاً ﴾ أي قصراً عالياً وقيل منارة. قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان العمال والفعلة حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء وطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء فبنوه ورفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر بنشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دماً فقال : قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده راكباً على البراذين فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعه منه على عسكره فقتلت منه ألف رجل ووقعت قطعة منه في البحر وقطعة في المغرب فلم يبق أحد عمل شيئاً فيه إلا هلك فذلك قوله ﴿ لعلي أطلع إلى إله موسى ﴾ يعني أنظر إليه وأقف على حاله ﴿ وإني لأظنه ﴾ يعني موسى ﴿ من الكاذبين ﴾ يعني في زعمه أن للأرض والخلق إلهاً غيري وأنه أرسله.
﴿ واستكبر هو وجنوده في الأرض ﴾ يعني تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق بالباطل والظلم ﴿ بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون ﴾ يعني للحساب والجزاء.
﴿ فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ﴾ يعني فألقيناهم في البحر وهو القلزم ﴿ فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ﴾ يعني حين صاروا إلى الهلاك.
﴿ وجعلناهم أئمة ﴾ يعني قادة ورؤساء ﴿ يدعون إلى النار ﴾ أي الكفر والمعاصي التي يستحقون به النار لأن من أطاعهم ضل ودخل النار ﴿ ويوم القيامة لا ينصرون ﴾ يعني لا يمنعون من العذاب.
﴿ وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة ﴾ يعني خزياً وبعداً وعذاباً ﴿ ويوم القيامة هم من المقبوحين ﴾ يعني المبعدين وقيل المهلكين.
وقال ابن عباس من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون.
قوله عز وجل ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب ﴾ يعني التوراة ﴿ من بعد ما أهلكنا القرون الأولى ﴾ يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا قبل موسى ﴿ بصائر للناس ﴾ ليبصروا ذلك فيهتدوا به ﴿ وهدى ﴾ يعني من الضلالة لمن عمل به ﴿ ورحمة ﴾ يعني لمن آمن به ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ يعني بما فيه من المواعظ.
﴿ وما كنت ﴾ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وما كنت يا محمد ﴿ بجانب الغربي ﴾ يعني بجانب الجبل الغربي قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه ﴿ إذ قضينا إلى موسى الأمر ﴾ يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون ﴿ وما كنت من الشاهدين ﴾ يعني الحاضرين ذلك المقام الذي أوحينا إلى موسى فيه فتذكره من ذات نفسك.
﴿ ولكنا أنشأنا قروناً ﴾ يعني خلقنا بعد موسى أمماً ﴿ فتطاول عليهم العمر ﴾ يعني طالت عليهم المدة فنسوا عهد الله وتركوا أمره وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهوداً في محمد والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها ﴿ وما كنت ثاوياً ﴾ أي مقيماً ﴿ في أهل مدين ﴾ أي كمقام موسى وشعيب فيهم ﴿ تتلوا عليهم آياتنا ﴾ يعني تذكرهم بالوعد والوعيد وقيل معناه لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم ﴿ ولكنا كنا مرسلين ﴾ أي أرسلناك رسولاً وأنزلنا إليك كتاباً فيه هذه الأخبار لتتلوها عليه ولولا ذلك لما علمتها أنت ولم تخبرهم بها.
وأنزلنا إليك كتابا فيه هذه الأخبار لتتلوها عليه ولولا ذلك لما علمتها أنت ولم تخبرهم بها.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٤٦ الى ٥٣]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦) وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ أي بناحية الجبل الذي كلم الله موسى عليه إِذْ نادَيْنا أي موسى خذ الكتاب بقوة وقال وهب قال موسى: يا رب أرني محمدا وأمته قال إنك لن تصل إلى ذلك ولكن إن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم قال بلى يا رب قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم. وقال ابن عباس قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء والأرحام أي أرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي قد أعطيتكم قبل أن تسألوني وقد أجبتكم قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تستغفروني ومن جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبدي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أي رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك واطلاعك على الأخبار الغائبة عنك لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ يعني أهل مكة لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ اعلم أن الله تعالى لما بين قصة موسى عليه الصلاة والسلام لرسوله صلّى الله عليه وسلّم فجمع بين هذه الأحوال الثلاثة العظيمة التي اتفقت لموسى فالمراد بقوله: «إذ قضينا إلى موسى الأمر» هو إنزال التوراة عليه حتى تكامل دينه واستقر شرعه والمراد بقوله «وما كنت ثاويا في أهل مدين» أول أمر موسى والمراد بقوله إذ نادينا ليلة المناجاة فهذه أعظم أحوال موسى ولما بينها لرسوله ولم يكن في هذه الأحوال حاضرا بين الله أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال الدالة على نبوته صلّى الله عليه وسلّم ومعجزته كأنه قال في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة دلالة ظاهرة على نبوتك.
قوله تعالى وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ أي عقوبة ونقمة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ يعني من الكفر والمعاصي فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أي هلّا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ومعنى الآية لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم وقيل معناه لما بعثناك إليهم رسولا ولكنا بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم قالُوا يعني كفار مكة لَوْلا أي هلا أُوتِيَ محمد مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى يعني من الآيات كالعصا واليد البيضاء. وقيل:
أوتي كتابا جملة واحدة كما أوتي موسى التوراة قال الله تعالى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قيل إن اليهود أرسلوا إلى قريش أن يسألوا محمدا صلّى الله عليه وسلّم مثل ما أوتي موسى فقال الله تعالى: أو لم يكفروا بما أوتي موسى من قبل يعني اليهود الذين استخرجوا هذا السؤال قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا يعني التوراة والقرآن يقوي كل واحد
قوله تعالى :﴿ ولولا أن تصيبهم مصيبة ﴾ أي عقوبة ونقمة ﴿ بما قدمت أيديهم ﴾ يعني من الكفر والمعاصي ﴿ فيقولوا ربنا لولا ﴾ أي هلاّ ﴿ أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ﴾ ومعنى الآية لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم وقيل معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ولكنا بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
﴿ فلما جاءهم الحق من عندنا ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ﴿ قالوا ﴾ يعني كفار مكة ﴿ لولا ﴾ أي هلا ﴿ أوتي ﴾ محمد ﴿ مثل ما أوتي موسى ﴾ يعني من الآيات كالعصا واليد البيضاء. وقيل : أوتي كتاباً جملة واحدة كما أوتي موسى التوراة قال الله تعالى ﴿ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ قيل إن اليهود أرسلوا إلى قريش أن يسألوا محمداً مثل ما أوتي موسى فقال الله تعالى :﴿ أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل ﴾ يعني اليهود الذي استخرجوا هذا السؤال ﴿ قالوا سحران تظاهرا ﴾ يعني التوراة والقرآن يقوي كل واحد منهما الآخر وقيل ساحران يعني محمداً وموسى. وقيل إن مشركي مكة بعثوا على رؤوس اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فقالوا ساحران تظاهرا ﴿ وقالوا إنا بكل كافرون ﴾ يعني بالتوراة والقرآن وقيل بمحمد وموسى.
﴿ قل ﴾ يا محمد ﴿ فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما ﴾ يعني من التوراة والقرآن ﴿ أتبعه ﴾ يعني الكتاب الذي تأتون به من عند الله وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله ﴿ إن كنتم صادقين ﴾.
﴿ فإن لم يستجيبوا لك ﴾ أي فإن لم يأتوا بما طلبت ﴿ فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ﴾ يعني أن ما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه وإنما آثروا أتباعهم ما هم عليه من الهوى ﴿ ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ﴾.
قوله عز وجل ﴿ ولقد وصلنا لهم القول ﴾ قال ابن عباس : بينا وقيل أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً، وقيل بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم، وقيل وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا ﴿ لعلهم يتذكرون ﴾ أي يتعظون.
﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبلة ﴾ أي من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل من قبل القرآن ﴿ هم به يؤمنون ﴾ نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر بن أبي طالب فلما رأوا ما بالمسلمين من الحاجة والخصاصة قالوا : يا رسول الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا بها المسلمين فأذن لهم فانصرفوا فأتوا فواسوا بها المسلمين. فنزلت هذه الآيات إلى قوله ﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾ وقال ابن عباس : نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام.
ثم وصفهم الله تعالى فقال ﴿ وإذا يتلى عليهم ﴾ يعني القرآن ﴿ قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا ﴾ وذلك أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ﴿ إنا كنا من قبله مسلمين ﴾ أي من قبل القرآن مخلصين لله التوحيد ومؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم إنه نبي حق.
منهما الآخر وقيل ساحران يعني محمدا وموسى. وقيل إن مشركي مكة بعثوا إلى رؤوس اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلّى الله عليه وسلّم فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فقالوا ساحران تظاهرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ يعني بالتوراة والقرآن وقيل بمحمد وموسى قُلْ يا محمد فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما يعني من التوراة والقرآن أَتَّبِعْهُ يعني الكتاب الذي تأتون به من عند الله وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي فإن لم يأتوا بما طلبت فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ يعني أن ما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه وإنما آثروا أتباعهم ما هم عليه من الهوى وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ قوله عز وجل وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ قال ابن عباس: بينا وقيل أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضا، وقيل بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم، وقيل وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي يتعظون الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم وقيل من قبل القرآن هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهم أربعون رجلا قدموا مع جعفر بن أبي طالب فلما رأوا ما بالمسلمين من الحاجة والخصاصة قالوا: يا رسول الله إن لنا أموالا فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا بها المسلمين فأذن لهم فانصرفوا فأتوا فواسوا بها المسلمين. فنزلت هذه الآيات إلى قوله «ومما رزقناهم ينفقون» وقال ابن عباس:
نزلت في ثمانين من أهل الكتاب أربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام ثم وصفهم الله تعالى فقال وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يعني القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا وذلك أن ذكر النبي صلّى الله عليه وسلّم كان مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أي من قبل القرآن مخلصين لله التوحيد ومؤمنين بمحمد صلّى الله عليه وسلّم إنه نبي حق.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٥٤ الى ٦١]
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)
وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ يعني بإيمانهم بالكتاب الأول والكتاب الآخر بِما صَبَرُوا أي على دينهم وعلى أذى المشركين (ق) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلّى الله عليه وسلّم والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها ثم تزوجها فله أجران» وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ
367
السَّيِّئَةَ
قال ابن عباس: يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله وقيل يدفعون ما سمعوا من أذى المشركين وشتمهم بالصفح والعفو وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي في الطاعة وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أي القول القبيح أَعْرَضُوا عَنْهُ وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل مكة ويقولون تبا لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ أي لنا ديننا ولكم دينكم سَلامٌ عَلَيْكُمْ ليس المراد منه سلام التحية ولكن سلام المتاركة والمعنى سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ يعني لا نحب دينكم الذي أنتم عليه. وقيل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال ثم نسخ ذلك بالقتال.
قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ أي هدايته وقيل أحببته لقرابته وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وذلك أن الله تعالى يقذف في القلب نور الهداية فينشرح الصدر للإيمان وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ أي بمن قدر له الهدى (م) عن أبي هريرة قال «إنك لا تهدي من أحببت، نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيث راود عمه أبا طالب على الإسلام وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي طالب عند الموت: «يا عم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك» ثم أنشد:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا
ولكن على ملة الأشياخ عبد المطلب وعبد مناف ثم مات فأنزل الله هذه الآية وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا يعني نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنه قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرض مكة قال الله تعالى أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا وأهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم. ومن المعروف أنه كان تأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة يُجْبى إِلَيْهِ يعني يجلب ويجمع إليه ويحمل إلى الحرم من الشام ومصر والعراق واليمن ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ يعني أن أكثر أهل مكة لا يعلمون ذلك. قوله عز وجل وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ يعني من أهل قرية بَطِرَتْ مَعِيشَتَها ي أشرت وطغت وقيل عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافرون سكونا قليلا وقيل لم يعمروا منها إلا أقلها وأكثرها خراب وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ يعني لم يخلفهم فيها أحد بعد هلاكهم وصار أمرها إلى الله تعالى لأنه الباقي بعد فناء الخلق وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى يعني الكافرة أهلها حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولًا ينذرهم وخص الأم ببعثة الرسول لأنه يبعث إلى الأشراف وهم سكان المدن وقيل حتى يبعث في أم القرى وهي مكة رسولا يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم لأنه خاتم الأنبياء يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا أي أنه يؤدي إليهم ويبلغهم وقيل يخبرهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ أي مشركون.
قوله عز وجل وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها أي تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائما غير منقطعة ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم أَفَلا تَعْقِلُونَ أي أن الباقي خير من الفاني وقيل من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل. ولهذا قال الشافعي: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً يعني الجنة فَهُوَ لاقِيهِ أي مصيبه وصائر إليه كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا أي وتزول عنه عن قريب ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أي في النار، قيل هذا في المؤمن والكافر وقيل نزلت في
368
﴿ وإذ سمعوا اللغو ﴾ أي القول القبيح ﴿ أعرضوا عنه ﴾ وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل مكة ويقولون تباً لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم ﴿ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ﴾ أي لنا ديننا ولكم دينكم ﴿ سلام عليكم ﴾ ليس المراد منه سلام التحية ولكن سلام المتاركة والمعنى سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم ﴿ لا نبتغي الجاهلين ﴾ يعني لا نحب دينكم الذي أنتم عليه. وقيل : لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال ثم نسخ ذلك بالقتال.
قوله تعالى ﴿ إنك لا تهدي من أحببت ﴾ أي هدايته، وقيل : أحببته لقرابته. ﴿ ولكن الله يهدي من يشاء ﴾ وذلك أن الله تعالى يقذف في القلب نور الهداية فينشرح الصدر للإيمان ﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾ أي بمن قدر له الهدى. ( م ) عن أبي هريرة قال :« ( إنك لا تهدي من أحببت ) نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث راود عمه أبا طالب على الإسلام. وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب عند الموت :" يا عم ؛ قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة. قال : لولا أن تعيرني قريش - يقولون إنما حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك ". ثم أنشد :
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
ولكن على ملة الأشياخ عبد المطلب وعبد مناف ؛ ثم مات.
أنزل الله هذه الآية ﴿ وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ﴾ يعني نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرض مكة قال الله تعالى ﴿ أو لم نمكن لهم حرما آمناً ﴾ وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً وأهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم. ومن المعروف أنه كان تأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة ﴿ يجبى إليه ﴾ يعني يجلب ويجمع إليه ويحمل إلى الحرم من الشام ومصر والعراق واليمن ﴿ ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون ﴾ يعني أن أكثر أهل مكة لا يعلمون ذلك.
قوله عز وجل ﴿ وكم أهلكنا من قرية ﴾ يعني من أهل قرية ﴿ بطرت معيشتها ﴾ أي أشرت وطغت وقيل عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبدوا الأصنام ﴿ فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً ﴾ قال ابن عباس : لم يسكنها إلا المسافرون سكوناً قليلاً وقيل لم يعمروا منها إلا أقلها وأكثرها خراب ﴿ وكنا نحن الوارثين ﴾ يعني لم يخلفهم فيها أحد بعد هلاكهم وصار أمرها إلى الله تعالى لأنه الباقي بعد فناء الخلق.
﴿ وما كان ربك مهلك القرى ﴾ يعني الكافرة أهلها ﴿ حتى يبعث في أمها رسولاً ﴾ ينذرهم وخص الأم ببعثة الرسول لأنه يبعث إلى الأشراف وهم سكان المدن وقيل حتى يبعث في أمر القرى وهي مكة رسولاً يعني محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء ﴿ يتلو عليهم آياتنا ﴾ أي أنه يؤدي إليهم ويبلغهم وقيل يخبرهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا ﴿ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ﴾ أي مشركون.
قوله عز وجل ﴿ وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ﴾ أي تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء ﴿ وما عند الله خير وأبقى ﴾ لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائماً غير منقطعة ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم ﴿ أفلا تعقلون ﴾ أي أن الباقي خير من الفاني وقيل من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل. ولهذا قال الشافعي : من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى.
﴿ أفمن وعدناه وعداً حسناً ﴾ يعني الجنة ﴿ فهو لاقيه ﴾ أي مصيبه وصائر إليه ﴿ كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ﴾ أي وتزول عنه عن قريب ﴿ ثم هو يوم القيامة من المحضرين ﴾ أي في النار، قيل هذا من المؤمن والكافر وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، وقيل في علي وحمزة وأبي جهل وقيل في عمار بن ياسر والوليد بن المغيرة.
النبي صلّى الله عليه وسلّم وأبي جهل، وقيل في علي وحمزة وأبي جهل وقيل في عمار بن ياسر والوليد بن المغيرة. قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٦٢ الى ٧٥]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦)
فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣) وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أي في الدنيا أنهم من شركائي قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي وجب عليهم العذاب وهم رؤوس الضلالة رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أي دعوناهم إلى الغي وهم الأتباع أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا أي أضللناهم كما ضللنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ معناه تبرأ بعضهم من بعض وصاروا أعداء وَقِيلَ يعني للكفار ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي الأصنام لتخلصكم من العذاب فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ أي لم يجيبوهم وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ معناه لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أي يسأل الكفار فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ أي خفيت واشتبهت عليهم الْأَنْباءُ يعني الأخبار والأعذار والحجج يَوْمَئِذٍ فلم يكن لهم عذر ولا حجة فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ أي لا يجيبون ولا يحتجون وقيل يسكتون فلا يسأل بعضهم بعضا فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ أي من السعداء الناجين وعسى من الله واجب.
قوله تعالى وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ نزلت هذه الآية جوابا للمشركين حين قالوا «لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم» يعني الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم لأنه المالك المطلق وله أن يخص ما يشاء بما يشاء لا اعتراض البتة ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ أي ليس لهم الاختيار، أو ليس لهم أن يختاروا على الله. وقيل معناه ويختار الله ما كان هو الأصلح والخير لهم فيه، ثم نزه الله تعالى نفسه فقال سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ أي تخفي صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ أي يظهرون وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ أي يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة في الجنة وَلَهُ الْحُكْمُ أي فصل القضاء بين الخلق وقال ابن عباس يحكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية
﴿ قال الذين حق عليهم القول ﴾ أي وجب عليهم العذاب وهم رؤوس الضلالة ﴿ ربنا هؤلاء الذي أغوينا ﴾ أي دعوناهم إلى الغي وهم الأتباع ﴿ أغويناهم كما غوينا ﴾ أي أضللناهم كما ضللنا ﴿ تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ﴾ معناه تبرأ بعضهم من بعض وصاروا أعداء.
﴿ وقيل ﴾ يعني الكفار ﴿ ادعوا شركاءكم ﴾ أي الأصنام لتخلصكم من العذاب ﴿ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ﴾ أي لم يجيبوهم ﴿ ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ﴾ معناه لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة.
﴿ ويوم يناديهم ﴾ أي يسأل الكفار ﴿ فيقول ما أجبتم المرسلين ﴾ أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين.
﴿ فعميت عليهم ﴾ أي خفيت واشتبهت عليهم ﴿ الأنباء ﴾ يعني الأخبار والأعذار والحجج ﴿ يومئذ ﴾ فلم يكن لهم عذر ولا حجة ﴿ فهم لا يتساءلون ﴾ أي لا يجيبون ولا يحتجون وقيل يسكتون فلا يسأل بعضهم بعضاً.
﴿ فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين ﴾ أي من السعداء الناجين وعسى من الله واجب.
قوله تعالى ﴿ وربك يخلق ما يشاء ويختار ﴾ نزلت هذه الآية جواباً للمشركين حين قالوا ﴿ لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ﴾ يعني الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم لأنه المالك المطلق وله أن يخص ما يشاء بما يشاء لا اعتراض البتة ﴿ ما كان لهم الخيرة ﴾ أي ليس لهم الاختيار، أو ليس لهم أن يختاروا على الله. وقيل معناه ويختار الله ما كان هو الأصلح والخير لهم فيه، ثم نزه الله تعالى نفسه فقال ﴿ سبحان الله وتعالى عما يشركون ﴾.
﴿ وربك يعلم ما تكن ﴾ أي تخفي ﴿ صدورهم وما يعلنون ﴾ أي يظهرون.
﴿ وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة ﴾ أي يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة في الجنة ﴿ وله الحكم ﴾أي فصل القضاء بين الخلق وقال ابن عباس يحكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية بالشقاوة﴿ وإليه ترجعون ﴾.
قوله عز وجل ﴿ قل ﴾ أي قل يا محمد لأهل مكة ﴿ أرأيتم ﴾ يعني أخبروني ﴿ إن جعل الله عليكم الليل سرمداً ﴾ أي دائماً ﴿ إلى يوم القيامة ﴾ لا نهار فيه ﴿ من إله غير الله يأتيكم بضياء ﴾ أي بنهار تطلبون فيه المعيشة ﴿ أفلا تسمعون ﴾ أي سماع فهم وقبول.
﴿ قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة ﴾ أي لا ليل فيه ﴿ من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ﴾ أي ما أنتم عليه من الخطأ قيل إن من نعمة الله تعالى على الخلق أن جعل الله والنهار يتعاقبان لأن المرء في حال الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى التعب ليحصل ما يحتاج إليه ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار ولأجله يحصل الاجتماع فتمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم إلا بالراحة والسكون بالليل فلا بد منهما فأما من الجنة فلا تعب ولا نصب فلا حاجة بهم إلى الليل ولذلك يدوم لهم الضياء أبداً.
فبين الله تعالى أنه القادر على ذلك ليس غيره فقال ﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار ﴾ أي يتعاقبان بالظلمة والضياء ﴿ لتسكنوا فيه ﴾ أي في الليل ﴿ ولتبتغوا من فضله ﴾ أي بالنهار ﴿ ولعلكم تشكرون ﴾ أي نعم الله فيهما.
﴿ ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ﴾ كرر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ.
﴿ ونزعنا ﴾ يعني أخرجنا وقيل ميزنا ﴿ من كل أمة شهيداً ﴾ يعني رسولهم يشهد عليهم بأنه بلغهم رسالة ربهم ونصح لهم ﴿ فقلنا ﴾ يعني للأمم المكذبة لرسلهم ﴿ هاتوا برهانكم ﴾ أي حجتكم بأن معي شريكاً ﴿ فعلموا أن الحق لله ﴾ أي التوحيد لله ﴿ وضل عنهم ما كانوا يفترون ﴾ أي يختلقون في الدنيا من الكذب على الله.
بالشقاوة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قوله عز وجل قُلْ أي قل يا محمد لأهل مكة أَرَأَيْتُمْ يعني أخبروني إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً أي دائما إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا نهار فيه مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أي بنهار تطلبون فيه المعيشة أَفَلا تَسْمَعُونَ أي سماع فهم وقبول قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي لا ليل فيه مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ أي ما أنتم عليه من الخطأ قيل إن من نعمة الله تعالى على الخلق أن جعل الليل والنهار يتعاقبان لأن المرء في حال الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى التعب ليحصل ما يحتاج إليه ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار ولأجله يحصل الاجتماع فتمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم إلا بالراحة والسكون بالليل فلا بد منهما فأما في الجنة فلا تعب ولا نصب فلا حاجة بهم إلى الليل ولذلك يدوم لهم الضياء أبدا فبين الله تعالى أنه القادر على ذلك ليس غيره فقال وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي يتعاقبان بالظلمة والضياء لِتَسْكُنُوا فِيهِ أي في الليل وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أي بالنهار وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أي نعم الله فيهما وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ كرر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ وَنَزَعْنا يعني أخرجنا وقيل ميزنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يعني رسولهم يشهد عليهم بأنه بلغهم رسالة ربهم ونصح لهم فَقُلْنا يعني للأمم المكذبة لرسلهم هاتُوا بُرْهانَكُمْ أي حجتكم بأن معي شريكا فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ أي التوحيد لله وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ أي يختلقون في الدنيا من الكذب على الله. قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٧٦ الى ٧٩]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧) قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (٧٨) فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٧٩)
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى قيل كان ابن عم موسى لأنه قارون بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب وموسى بن عمران بن قاهث. وقيل كان عم موسى ولم يكن في بني إسرائيل أقرأ منه للتوراة ولكنه نافق كما نافق السامري فَبَغى عَلَيْهِمْ قيل كان عاملا لفرعون على بني إسرائيل فظلمهم وبغى عليهم وقيل بغى عليهم بكثرة ماله وقيل زاد في طول ثيابه شبرا (ق) عن ابن عمر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثيابه خيلاء». أخرجاه في الصحيحين وقيل بغى عليهم بالكبر والعلو وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ جمع مفتح وهو الذي يفتح به الباب وقيل مفاتحه يعني خزائنه لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ معناه لثقلهم وتميل بهم إذا حملوها لتثقلها. قيل العصبة ما بين العشرة إلى الخمسة عشر وقال ابن عباس: ما بين الثلاثة إلى العشرة وقيل إلى الأربعين. وقيل إلى السبعين قال ابن عباس: كان يحمل مفاتيحه أربعون رجلا أقوى ما يكون من الرجال وقيل كان قارون أينما ذهب تحمل معه مفاتيح كنوزه وكانت من حديد فلما كثرت وثقلت عليه جعلها من خشب فثقلت فجعلها من جلود البقر كل مفتاح على قدر الأصبع وكانت تحمل معه إذا ركب على أربعين بغلا إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ يعني لا تبطر ولا تأشر ولا تمرح إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ يعني الأشرين البطرين الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم قيل إنه لا يفرح بالدنيا إلا من رضي بها واطمأن إليها فأما من يعلم أنه سيفارق الدنيا عن قريب لم يفرح ولقد أحسن من قال:
﴿ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ﴾ يعني اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله ﴿ ولا تنس نصيبك من الدنيا ﴾ أي لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل فيها للآخرة بالصدقة وصلة الرحم وقيل لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة. عن عمرو بن ميمون الأزدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه :« اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك » هذا حديث مرسل وعمرو بن ميمون لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم ﴿ وأحسن كما أحسن الله إليك ﴾ أي أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته وقيل أحسن إلى الناس ﴿ ولا تبغ ﴾ أي ولا تطلب ﴿ الفساد في الأرض ﴾ وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض ﴿ إن الله لا يحب المفسدين ﴾.
﴿ قال ﴾ يعني قارون ﴿ إنما أوتيته على علم عندي ﴾ أي على فضل وخير علمه الله عندي فرآني أهلاً لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره. وقيل هو علم الكيمياء وكان موسى يعلمه فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، فكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهباً وكان ذلك سبب كثرة أمواله وقيل كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب قال الله عز وجل ﴿ ألم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعاً ﴾ أي للأموال ﴿ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ﴾ قيل معناه أن الله تعالى إذا أراد عقاب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم لأنه عالم بحالهم وقيل لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع وقيل لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم.
قوله عز وجل ﴿ فخرج على قومه في زينته ﴾ قيل : خرج هو وقومه وهم سبعون ألفاً عليهم الثياب الحمر والصفر والمعصفرات وقيل خرج على براذين بيض عليها سرج الأرجوان. وقيل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثمائة جارية بيضاء عليهم الحلي والثياب الحمر وهن على البغال الشهب ﴿ قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم ﴾ أي من المال.
أشد الغم عندي في سرور تيقن عنه صاحبه انتقالا
وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ يعني اطلب فيما أعطاك الله من الأموال الجنة وهو أن تقوم بشكر الله فيما أنعم عليك وتنفقه في رضا الله وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا أي لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل فيها للآخرة بالصدقة وصلة الرحم وقيل لا تنس صحتك وقوتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة. عن عمرو بن ميمون الأزدي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» هذا حديث مرسل وعمرو بن ميمون لم يلق النبي صلّى الله عليه وسلّم وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ أي أحسن بطاعة الله كما أحسن إليك بنعمته وقيل أحسن إلى الناس وَلا تَبْغِ أي ولا تطلب الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ وكل من عصى الله فقد طلب الفساد في الأرض إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ يعني قارون إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أي على فضل وخير علمه الله عندي فرآني أهلا لذلك ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره. وقيل هو علم الكيمياء وكان موسى يعلمه فعلم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلم كالب بن يوقنا ثلثه وعلم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه، فكان يصنع من الرصاص فضة ومن النحاس ذهبا وكان ذلك سبب كثرة أمواله وقيل كان علمه حسن التصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب قال الله عز وجل أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً أي للأموال وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ قيل معناه أن الله تعالى إذا أراد عقاب المجرمين فلا حاجة به إلى سؤالهم لأنه عالم بحالهم وقيل لا يسألون سؤال استعلام وإنما يسألون سؤال توبيخ وتقريع وقيل لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم. قوله عز وجل فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قيل: خرج هو وقومه وهم سبعون ألفا عليهم الثياب الحمر والصفر والمعصفرات وقيل خرج على براذين بيض عليها سرج الأرجوان.
وقيل: خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف فارس وعليهم وعلى دوابهم الأرجوان ومعه ثلاثمائة جارية بيضاء عليهم الحلي والثياب الحمر وهن على البغال الشهب قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي من المال.
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٨٠ الى ٨٢]
وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً وَلا يُلَقَّاها إِلاَّ الصَّابِرُونَ (٨٠) فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ (٨١) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ (٨٢)
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أي بما وعد الله في الآخرة وقال ابن عباس: يعني الأحبار من بني إسرائيل للذين تمنوا مثل ما أوتي قارون وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ أي ما عند الله من الثواب والخير خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ أي صدق بتوحيد الله وَعَمِلَ صالِحاً أي ذلك خير مما أوتي قارون في الدنيا وَلا يُلَقَّاها إِلَّا الصَّابِرُونَ أي لا يؤتى الأعمال الصالحة إلا الصابرون وقيل لا يؤتى هذه الكلمة وهي قوله وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ إِلَّا الصَّابِرُونَ أي على طاعة الله وعن زينة الدنيا. قوله تعالى فَخَسَفْنا بِهِ وَبِدارِهِ الْأَرْضَ.
ذكر قصة قارون:
قال أهل العلم بالأخبار والسير: كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة
371
وأجملهم وأغناهم. وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطا أربعة في كل طرف خيطا أخضر كلون السماء يذكرونني به إذا نظروا إلى السماء ويعلمون أني منزل منها كلامي. فقال موسى: يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضرا فإن بني إسرائيل تستصغر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى فقال إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطا كلون السماء لكي تذكروا ربكم إذا رأيتموها ففعل بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال: إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رئاسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بقربانهم إلى هارون فيضعها على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك في نفسه فأتى إلى موسى فقال له يا موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا فقال أما أنا ما جعلتها لهارون بل الله جعلها له فقال له قارون: والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي يتعبد فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال له قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه كل وقت ولا يزيد إلا عتوا وتجبرا ومعاداة لموسى حتى بنى دارا وجعل لها بابا من الذهب. وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس: فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار وعلى كل ألف درهم عنها درهم وكل ألف شاة عنها شاة وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده شيئا كثيرا فلم تسمح نفسه بذلك فجمع بني إسرائيل وقال لهم إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا: أنت كبيرنا فمرنا بما شئت قال آمركم أن تجيئوا فلانة البغي وتجعلوا عليكم لها جعلا على أن تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل فرفضوه فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم. وقيل طستا من ذهب وقيل قال لها قارون أنزلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غدا إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال: إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في مرج من الأرض فقام فيهم فقال: يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة ومن زنى وله امرأة رجمناه إلى أن يموت فقال قارون وإن كنت أنت؟ قال: وإن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي قال: ادعوها فلما جاءت قال لها موسى: بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها أحدث توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا والله ولكن قارون جعل لي جعلا على أن أقذفك بنفسي فخرّ موسى ساجدا يبكي. ويقول: اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله إليه أني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى: يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذتهم بأقدامهم. وقيل كان على سريره وفرشه فأخذته الأرض حتى غيبت سريره ثم قال: يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وأصحابه في ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم، حتى قيل إنه ناشده أربعين مرة.
وقيل سبعين مرة وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فأطبقت عليهم الأرض
372
قوله تعالى ﴿ فخسفنا به وبداره الأرض ﴾.
ذكر قصة قارون :
قال أهل العلم بالأخبار والسير : كان قارون أعلم بني إسرائيل بعد موسى وهارون وأقرأهم للتوراة وأجملهم وأغناهم. وكان حسن الصوت فبغى وطغى وكان أول طغيانه وعصيانه أن الله تعالى أوحى إلى موسى أن يأمر قومه أن يعلقوا في أرديتهم خيوطاً أربعة في كل طرف خيطاً أخضر كلون السماء يذكرونني به إذا نظروا إلى السماء ويعلمون أني منزل منها كلامي. فقال موسى : يا رب أفلا تأمرهم أن يجعلوا أرديتهم كلها خضراً فإن بني إسرائيل تستصغر هذه الخيوط فقال له ربه يا موسى إن الصغير من أمري ليس بصغير فإذا لم يطيعوني في الأمر الصغير لم يطيعوني في الأمر الكبير فدعاهم موسى فقال إن الله يأمركم أن تعلقوا في أرديتكم خيوطاً كلون السماء لكي تذكروا ربكم إ ذا رأيتموها ففعل بنو إسرائيل ما أمرهم به موسى واستكبر قارون فلم يطعه وقال : إنما يفعل هذا الأرباب بعبيدهم لكي يتميزوا عن غيرهم فكان هذا بدء عصيانه وبغيه فلما قطع موسى ببني إسرائيل البحر جعلت الحبورة لهارون، وهي رئاسة المذبح فكان بنو إسرائيل يأتون بقربانهم إلى هارون فيضعها على المذبح فتنزل نار من السماء فتأكله فوجد قارون من ذلك في نفسه فأتى إلى موسى فقال له موسى لك الرسالة ولهارون الحبورة ولست في شيء من ذلك، وأنا أقرأ التوراة لا صبر لي على هذا فقال أما أنا ما جعلتها لهارون بل الله جعلها له فقال له قارون : والله لا أصدقك حتى تريني بيانه فجمع موسى رؤساء بني إسرائيل فقال هاتوا عصيكم فحزمها وألقاها في قبته التي يتعبد فيها وجعلوا يحرسون عصيهم حتى أصبحوا فأصبحت عصا هارون قد اهتز لها ورق أخضر وكانت من شجر اللوز فقال موسى يا قارون ترى هذا فقال له قارون والله ما هذا بأعجب مما تصنع من السحر واعتزل قارون موسى بأتباعه وجعل موسى يداريه للقرابة التي بينهما وهو يؤذيه كل وقت ولا يزيد إلا عتواً وتجبراً ومعاداة لموسى حتى بنى داراً وجعل لها باباً من الذهب. وضرب على جدرانها صفائح الذهب وكان الملأ من بني إسرائيل يغدون ويروحون فيطعمهم الطعام ويحدثونه ويضاحكونه.
قال ابن عباس : فلما نزلت الزكاة على موسى أتاه قارون فصالحه على كل ألف دينار عنها دينار وعلى كل ألف درهم عنها درهم وكل ألف شاة عنها شاة وكذلك سائر الأشياء ثم رجع إلى بيته فحسبه فوجده شيئاً كثيراً فلم تسمح نفسه بذلك فجمع بني إسرائيل وقال لهم إن موسى قد أمركم بكل شيء فأطعتموه وهو يريد أن يأخذ أموالكم فقالوا : أنت كبيرنا فمرنا بما شئت قال آمركم أن تجيئوا فلانة البغي وتجعلوا عليكم لها جعلاً على أن تقذف موسى بنفسها فإذا فعلت ذلك خرج عليه بنو إسرائيل فرفضوه فدعوها فجعل لها قارون ألف دينار وألف درهم. وقيل طستاً من ذهب وقيل قال لها قارون أنزلك وأخلطك بنسائي على أن تقذفي موسى بنفسك غداً إذا حضر بنو إسرائيل فلما كان من الغد جمع قارون بني إسرائيل ثم أتى موسى فقال : إن بني إسرائيل ينتظرون خروجك لتأمرهم وتنهاهم فخرج إليهم موسى وهم في مرج من الأرض فقام فيهم فقال : يا بني إسرائيل من سرق قطعنا يده ومن افترى جلدناه ثمانين ومن زنى وليست له امرأة جلدناه مائة جلدة ومن زنى وله امرأة رجمناه إلى أن يموت فقال قارون وإن كنت أنت ؟ قال : وأن كنت أنا قال فإن بني إسرائيل يزعمون أنك فجرت بفلانة البغي قال : ادعوها فلما جاءت قال لها موسى : بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وأنزل التوراة إلا صدقت فتداركها الله بالتوفيق فقالت في نفسها أحدث توبة أفضل من أن أوذي رسول الله فقالت لا والله ولكن قارون جعل لي جعلاً على أن أقذفك بنفسي فخرّ موسى ساجداً يبكي. ويقول : اللهم إن كنت رسولك فاغضب لي فأوحى الله إليه أني أمرت الأرض أن تطيعك فمرها بما شئت فقال موسى : يا بني إسرائيل إن الله بعثني إلى قارون كما بعثني إلى فرعون فمن كان معه فليثبت مكانه ومن كان معي فليعتزل فاعتزلوا فلم يبق مع قارون إلا رجلان ثم قال موسى يا أرض خذيهم فأخذتهم بأقدامهم. وقيل كان على سريره وفرشه فأخذته الأرض حتى غيبت سريره ثم قال : يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الركب ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأوساط ثم قال يا أرض خذيهم فأخذتهم إلى الأعناق وأصحابه في ذلك يتضرعون إلى موسى ويناشده قارون الله والرحم، حتى قيل إنه ناشده أربعين مرة. وقيل سبعين مرة وموسى في ذلك لا يلتفت إليه لشدة غضبه ثم قال يا أرض خذيهم فأطبقت عليهم الأرض فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعاً لأحد.
قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى ﴿ فما كان له من فئة ﴾ يعني جماعة ﴿ ينصرونه من دون الله ﴾ يعني يمنعونه من الله ﴿ وما كان من المنتصرين ﴾ من الممتنعين مما نزل به من الخسف.
﴿ وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ﴾ يعني صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من الأموال والزينة يندمون على ذلك التمني ﴿ يقولون ويكأن الله ﴾ ألم تعلم وقيل ألم تر. وقيل هي كلمة تقرير معناها أما ترى صنع الله وإحسانه وقيل ويك، بمعنى ويلك اعلم أن الله. وروي أن وي مفصوله من كأن والمعنى أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم وي وكأن معناها أظن وأقدر أن الله ﴿ يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ﴾ قال ابن عباس أي يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء ﴿ لولا أن من الله علينا ﴾ أي بالإيمان ﴿ لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون ﴾.
فأوحى الله إلى موسى ما أغلظ قلبك يستغيث بك قارون سبعين مرة فلم تغثه أما وعزتي وجلالي لو استغاث بي مرة لأغثته وفي بعض الآثار لا أجعل الأرض بعدك طوعا لأحد.
قال قتادة خسف به الأرض فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل لا يبلغ قرارها إلى يوم القيامة وأصبح بنو إسرائيل يقولون فيما بينهم إنما دعا موسى على قارون ليستبد بداره وكنوزه وأمواله فدعا الله موسى حتى خسف بداره وكنوزه وأمواله الأرض فذلك قوله تعالى فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يعني جماعة يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني يمنعونه من الله وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ من الممتنعين مما نزل به من الخسف وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكانَهُ بِالْأَمْسِ يعني صار أولئك الذين تمنوا ما رزقه الله من الأموال والزينة يندمون على ذلك التمني يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ألم تعلم وقيل ألم تر. وقيل هي كلمة تقرير معناها أما ترى صنع الله وإحسانه وقيل ويك، بمعنى ويلك اعلم أن الله. وروي أن وي مفصولة من كأن والمعنى أن القوم ندموا فقالوا متندمين على ما سلف منهم وي وكأن معناها أظن وأقدر أن الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ قال ابن عباس أي يوسع لمن يشاء ويضيق على من يشاء لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا أي بالإيمان لَخَسَفَ بِنا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨): الآيات ٨٣ الى ٨٨]
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٤) إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٨٥) وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ (٨٦) وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٨٧)
وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٨)
تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ أي استكبارا عن الإيمان وقيل علوا واستطالة على الناس وتهاونا بهم وقيل يطلبون الشرف والعز عند ذي سلطان وعن علي أنها نزلت في أهل التواضع من الولاة وأهل المقدرة وَلا فَساداً قيل الذين يدعون إلى غير عبادة الله تعالى وقيل أخذ أموال الناس بغير حق وقيل العمل بالمعاصي وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ أي العاقبة المحمودة لمن اتقى عقاب الله بأداء أوامره واجتناب نواهيه وقيل عاقبة المتقين الجنة مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلَّا ما كانُوا يَعْمَلُونَ تقدم تفسيره. قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ أي أنزل عليك القرآن وقيل معناه أوجب عليك العمل بالقرآن لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ قال ابن عباس إلى مكة. أخرجه البخاري عنه قال القتيبي: معاد الرجل بلده لأنه ينصرف فيعود إلى بلده وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما خرج من الغار مهاجرا إلى المدينة سار على غير الطريق مخافة الطلب فلما أمن رجع في الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام وقال له: أتشتاق إلى بلدك؟ قال نعم قال: فإن الله تعالى يقول الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية. وقال ابن عباس أيضا لرادك إلى الموت وقيل إلى القيامة، وقيل إلى الجنة قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنك لفي ضلال مبين فقال الله تعالى لهم رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى يعني نفسه وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يعني المشركين ومعناه هو أعلم بالفريقين. قوله عز وجل وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ أي يوحى إليك
373
القرآن إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فأعطاك القرآن فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً أي معينا لِلْكافِرِينَ على دينهم ذلك حين دعوه إلى دين آبائه فذكره نعمه عليه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللَّهِ يعني القرآن بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إلى معرفته وتوحيده وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قال ابن عباس:
الخطاب في الظاهر للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم والمراد به أهل دينه أي ولا تظاهر الكفار ولا توافقهم وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ معناه أنه واجب على الكل إلا أنه خاطبه به مخصوصا لأجل التعظيم. فإن قلت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان معصوما من أن يدعو مع الله إلها آخر فما فائدة هذا النهي. قلت الخطاب معه والمراد به غيره وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلا على أمورك كلها ولا تعتمد على غيره لا إِلهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ أي فان إِلَّا وَجْهَهُ أي إلا هو والوجه يعبر به عن الذات وقيل معناه إلا ما أريد به وجهه لأن عمل كل شيء أريد به غير الله فهو هالك لَهُ الْحُكْمُ أي فصل القضاء بين الخلق وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم والله أعلم بمراده.
374
﴿ من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ﴾ تقدم تفسيره.
قوله تعالى ﴿ إن الذي فرض عليك القرآن ﴾ أي أنزل عليك القرآن وقيل معناه أوجب عليك العمل بالقرآن ﴿ لرادك إلى معاد ﴾ قال ابن عباس إلى مكة. أخرجه البخاري عنه قال القتيبي : معاد الرجل بلده لأنه ينصرف فيعود إلى بلده وذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لما خرج من الغار مهاجراً إلى المدينة سار على غير الطريق مخالفة الطلب فلما أمن رجع في الطريق ونزل الجحفة بين مكة والمدينة وعرف الطريق إلى مكة فاشتاق إليها فأتاه جبريل عليه السلام وقال له : أتشتاق إلى بلدك ؟ قال نعم قال : فإن الله تعالى يقول الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد وهذه الآية نزلت بالجحفة ليست بمكية ولا مدنية. وقال ابن عباس أيضاً لرادك إلى الموت وقيل إلى القيامة، وقيل إلى الجنة ﴿ قل ربي أعلم من جاء بالهدى ﴾ هذا جواب لكفار مكة لما قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم إنك لفي ضلال مبين فقال الله تعالى لهم ﴿ ربي أعلم من جاء بالهدى ﴾ يعني نفسه ﴿ ومن هو في ضلال مبين ﴾ يعني المشركين ومعناه هو أعلم بالفريقين.
قوله عز وجل ﴿ وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب ﴾ أي يوحى إليك القرآن ﴿ إلا رحمة من ربك ﴾ فأعطاك القرآن ﴿ فلا تكونن ظهيراً ﴾ أي معيناً ﴿ للكافرين ﴾ على دينهم ذلك حين دعوه إلى دين آبائه فذكره نعمه عليه ونهاه عن مظاهرتهم على ما هم عليه.
﴿ ولا يصدنك عن آيات الله ﴾ يعني القرآن ﴿ بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربك ﴾ إلى معرفته وتوحيده ﴿ ولا تكونن من المشركين ﴾ قال ابن عباس : الخطاب في الظاهر للنبيّ صلى الله عليه وسلم والمراد به أهل دينه أي ولا تظاهر الكفار ولا توافقهم.
﴿ ولا تدع مع الله إلهاً آخر ﴾ معناه أنه واجب على الكل إلا أنه خاطبه به مخصوصاً لأجل التعظيم. فإن قلت النبيّ صلى الله عليه وسلم كان معصوماً من أن يدعو مع الله إلهاً آخر فما فائدة هذا النهي. قلت الخطاب معه والمراد به غيره وقيل معناه لا تتخذ غيره وكيلاً على أمورك كلها ولا تعتمد على غيره ﴿ لا إله إلا هو كل شيء هالك ﴾ أي فانٍ ﴿ إلا وجهه ﴾ أي إلا هو والوجه يعبر به عن الذات وقيل معناه إلا ما أريد به وجهه لأن عمل كل شيء أريد به غير الله فهو هالك ﴿ له الحكم ﴾ أي فصل القضاء بين الخلق ﴿ وإليه ترجعون ﴾ أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم والله أعلم بمراده.
Icon