تفسير سورة القصص

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة القصص من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة القصص مكية وفيها من المدني :﴿ الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون ﴾ إلى قوله :﴿ سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ الآيات : ٥٢-٥٥ ].
وفيها آية ليست بمكية ولا مدنية قوله :﴿ إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ﴾ آية، نزلت بالجحفة أثناء الهجرة.
وعداد آياتها ثمان وثمانون آية كوفية.

﴿ طسۤمۤ ﴾ [آية: ١] ﴿ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ﴾ يعني القرآن ﴿ ٱلْمُبِينِ ﴾ [آية: ٢] يعني بين ما فيه ﴿ نَتْلُواْ عَلَيْكَ ﴾ يعني نقرأ عليك يا محمد ﴿ مِن نَّبَإِ ﴾ يعنى من حديث ﴿ مُوسَىٰ وَفِرْعَوْنَ ﴾ اسمه فيطوس ﴿ بِٱلْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٣] يعني يصدقون بالقرآن.
ثم أخبر عن فرعون، فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ ﴾ يعني تعظم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني أرض مصر ﴿ وَجَعَلَ أَهْلَهَا ﴾ يعني من أهل مصر ﴿ شِيَعاً ﴾ يعني أحزاباً ﴿ يَسْتَضْعِفُ طَآئِفَةً مِّنْهُمْ ﴾ يعني من أهل مصر يستضعف بني إسرائيل ﴿ يُذَبِّحُ ﴾ يعني يقتل ﴿ أَبْنَآءَهُمْ ﴾ يعني أبناء بني إسرائيل ﴿ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ﴾ يقول: ويترك بناتهم فلا يقتلهن، وكان جميع من قتل من بني إسرائيل، ثمانية عشر طفلاً ﴿ إِنَّهُ ﴾ يعني فرعون ﴿ كَانَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٤] يعني كان يعمل في الأرض بالمعاصي. يقول الله عز وجل: ﴿ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ ﴾ يقول: نريد أن ننعم ﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ ﴾ يعني بني إسرائيل حين أنجاهم من آل فرعون ﴿ فِي ٱلأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ﴾ يعني قادة في الخير، يقتدى بهم في الخير ﴿ وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَارِثِينَ ﴾ [آية: ٥] لأرض مصر بعد هلاك فرعون.﴿ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني في أرض مصر ﴿ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا ﴾ القبط ﴿ مِنْهُمْ ﴾ يعني من بني إسرائيل ﴿ مَّا كَانُواْ يَحْذَرونَ ﴾ [آية: ٦] من مولود بني إسرائيل أن يكون هلاكهم في سببه، وهو موسى صلى الله عليه وسلم، وذلك أن الكهنة أخبروا فرعون أنه يولد في هذه السنة مولود في بني إسرائيل يكون هلاكك في سببه، فجعل فرعون على نساء بني إسرائيل قوابل من نساء أهل مصر، وأمرهن أن يقتلن كل مولود ذكر يولد من بني إسرائيل مخافة ما بلغه، فلم يزل الله عز وجل بلطفه يصنع لموسى، عليه السلام، حتى نزل بآل فرعون من الهلاك ما كانوا يحذرون، وملك فرعون أربع مائة سنة، وستة وأربعين سنة.
﴿ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ ﴾ واسمها يوكابد من ولد لاوى بن يعقوب ﴿ أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ فأمرها جبريل، عليه السلام، بذلك ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ ﴾ القتل وكانت أرضعته ثلاثة أشهر، وكان خوفها أنه كان يبكي من قلة اللبن، فيسمع الجيران بكاء الصبي، فقال: ﴿ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي ٱليَمِّ ﴾ يعني في البحر، وهو بحر النيل، فقالت: رب، إني قد علمت أنك قادر على ما تشاء، ولكن كيف لي أن ينجو صبي صغير من عمق البحر، وبطون الحيتان، فأوحى الله عز وجل إليها أن تجعله في التابوت، ثم تقذفه في اليم، فإني أوكل به ملك يحفظه في اليم، فصنع لها التابوت حزقيل القبطي، ووضعت موسى في التابوت، ثم ألقته في البحر يقول الله عز وجل: ﴿ وَلاَ تَخَافِي ﴾ عليه الضيعة ﴿ وَلاَ تَحْزَنِيۤ ﴾ عليه القتل ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٧] إلى مصر فصدقت، بذلك ففعل الله عز وجل ذلك، به وبارك الله تعالى على موسى، عليه السلام، وهو في بطن أمه ثلاث مائة وستين بركة.﴿ فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ ﴾ من البحر من بين الماء والشجر، وهو في التابوت، فمن ثم سمي موسى، بلغة القبط الماء: مو، والشجر: سى، فسموه موسى، ثم قال تعالى ﴿ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً ﴾ في الهلاك ﴿ وَحَزَناً ﴾ يعني وغيظاً في قتل الأبكار، فذلك قوله عز وجل:﴿ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴾[الشعراء: ٥٥] لقتلهم أبكارنا، ثم قال سبحانه: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُواْ خَاطِئِينَ ﴾ [آية: ٨].
﴿ وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ ﴾ واسمها آسية بنت مزاحم، عليها السلام: ﴿ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ ﴾ فإنا أتينا به من أرض أخرى، وليس من بني إسرائيل.
﴿ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا ﴾ فنصيب منه خيراً ﴿ أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً ﴾ يقول الله عز وجل: ﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ٩] أن هلاكهم في سببه.﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغاً إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ وذلك أنها رأت التابوت يرفعه موج ويضعه آخر، فخشيت عليه الغرق، فكادت تصيح شفقة عليه، فذلك قوله عز وجل: ﴿ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ﴾ يقول: إن همت لتشعر أهل مصر بموسى، عليه السلام، أنه ولدها ﴿ لَوْلاۤ أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا ﴾ بالإيمان ﴿ لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٠] يعني من المصدقين بتوحيد الله عز وجل، حين قال لها: ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾.
﴿ وَقَالَتْ ﴾ أم موسى ﴿ لأُخْتِهِ ﴾ يعني أخت موسى لأبيه وأمه، واسمها مريم: ﴿ قُصِّيهِ ﴾ يعني قصي أثره في البحر، وهو في التابوت يجري في الماء، حتى تعلمي علمه من يأخذه ﴿ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ ﴾ يعني كأنها مجانبة له بعيداً من أن ترقبه كقوله تعالى:﴿ وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ ﴾[النساء: ٣٦] يعني بعيداً منهم من قوم آخرين، وعينها إلى التابوت معرضة بوجهها عنه إلى غيره.
﴿ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ ﴾ [آية: ١١] أنها ترقبه.﴿ وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَرَاضِعَ مِن قَبْلُ ﴾ أن يصير إلى أمه، وذلك أنه لم يقبل ثدي امرأة ﴿ فَقَالَتْ ﴾ أخته مريم: ﴿ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ﴾ يعني يضمنون لكم رضاعه.
﴿ وَهُمْ لَهُ ﴾ للولد ﴿ نَاصِحُونَ ﴾ [آية: ١٢] هن أشفق عليه وأنصح له من غيره، فأرسل إليها فجاءت، فلما وجد الصبى ريح أمه قبل ثديها. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَرَدَدْنَاهُ إِلَىٰ أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ لقوله: ﴿ إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ ثم قال تعالى: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني أهل مصر ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٣] بأن وعد الله عز وجل حق.
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ ﴾ موسى ﴿ أَشُدَّهُ ﴾ يعني لثماني عشرة سنة.
﴿ وَٱسْتَوَىٰ ﴾ يعني أربعين سنة.
﴿ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾ يقول: أعطيناه علماً وفهماً.
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١٤] يقول: هكذا نجزي من أحسن، يعني من آمن بالله عز وجل، وكان بقرية تدعى خانين على رأس فرسخين، فأتى المدينة فدخلها نصف النهار. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَدَخَلَ ٱلْمَدِينَةَ ﴾ يعني القرية ﴿ عَلَىٰ حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا ﴾ يعني نصف النهار، وقت القائلة.
﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ ﴾ كافرين ﴿ يَقْتَتِلاَنِ هَـٰذَا مِن شِيعَتِهِ ﴾ يعني هذا من جنس موسى، من بني إسرائيل ﴿ وَهَـٰذَا ﴾ الآخر ﴿ مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ من القبط.
﴿ فَٱسْتَغَاثَهُ ٱلَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى ٱلَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ ﴾ بكفه مرة واحدة.
﴿ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ ﴾ الموت، وكان موسى، عليه السلام، شديد البطش، ثم ندم موسى، عليه السلام، فقال: إني لم أومر بالقتل.
﴿ قَالَ هَـٰذَا مِنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ ﴾ يعني من تزيين الشيطان ﴿ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥].
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ يعني أضررت نفسي بقتل النفس.
﴿ فَٱغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ [آية: ١٦] بخلقه ﴿ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ ﴾ يقول: إذ أنعمت على بالمغفرة، فلم تعاقبني بالقتل.
﴿ فَلَنْ ﴾ أعود أن ﴿ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ١٧] يعني معيناً للكافرين، فيما بعد اليوم، لأن الذي نصره موسى كان كافراً.﴿ فَأَصْبَحَ ﴾ موسى من الغد ﴿ فِي ٱلْمَدِينَةِ خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ ﴾ يعني ينتظر الطلب.
﴿ فَإِذَا ٱلَّذِي ٱسْتَنْصَرَهُ بِٱلأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ ﴾ يعني يستغيثه ثانية على رجل آخر كافر من القبط.
﴿ قَالَ لَهُ مُوسَىٰ ﴾ للذي نصره بالأمس، الإسرائيلى: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٨] يقول: إنك لمضل مبين قتلت أمس في سببك رجلاً.﴿ فَلَمَّآ أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ ﴾ الثانية بالقبطي ﴿ بِٱلَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا ﴾ يعني عدواً لموسى وعدواً للإسرائيلى، ظن الإسرائيلي أن موسى يريد أن يبطش به لقول موسى له: ﴿ إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ ﴿ قَالَ ﴾ الإسرائيلى ﴿ يٰمُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِٱلأَمْسِ إِن تُرِيدُ ﴾ يعني ما تريد ﴿ إِلاَّ أَن تَكُونَ جَبَّاراً ﴾ يعني قتالاً ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ مثل سيرة الجبابرة القتل في غير حق ﴿ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْمُصْلِحِينَ ﴾ [آية: ١٩] يعني من المطيعين لله عز وجل في الأرض، ولم يكن أهل مصر علموا بالقاتل، حتى أفشى الإسرائيلي على موسى، فلما سمع القبطي بذلك انطلق، فأخبرهم أن موسى هو القاتل، فائتمروا بينهم بقتل موسى.
﴿ وَجَآءَ رَجُلٌ ﴾ فجاء حزقيل بن صابوث القبطي، وهو المؤمن ﴿ مِّنْ أَقْصَا ٱلْمَدِينَةِ ﴾ يعني أقصى القرية ﴿ يَسْعَىٰ ﴾ على رجليه، فـ ﴿ قَالَ يٰمُوسَىٰ إِنَّ ٱلْمَلأَ ﴾ من أهل مصر ﴿ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ ﴾ بقتلك القبطي.
﴿ فَٱخْرُجْ ﴾ من القرية ﴿ إِنِّي لَكَ مِنَ ٱلنَّاصِحِينَ ﴾ [آية: ٢٠].
﴿ فَخَرَجَ ﴾ موسى، عليه السلام.
﴿ مِنْهَا ﴾ من القرية ﴿ خَآئِفاً ﴾ أن يقتل ﴿ يَتَرَقَّبُ ﴾ يعني ينتظر الطلب، وهو هارب منهم ﴿ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢١] يعني المشركين، أهل مصر، فاستجاب الله عز وجل له، فأتاه جبريل، عليه السلام، فأمره أن يسير تلقاء مدين، وأعطاه العصا، فسار من مصر إلى مدين في عشرة أيام بغير دليل. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ ﴾ بغير دليل خشى أن يضل الطريق ﴿ قَالَ عَسَىٰ رَبِّيۤ أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ ﴾ [آية: ٢٢] يعني يرشدني قصد الطريق إلى مدين فبلغ مدين. فذلك قوله تعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ ﴾ ابن إبراهيم خليل الرحمن لصلبه، عليهم السلام، وكان الماء لمدين فنسب إليه، ثم قال: ﴿ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً ﴾ يقول: وجد موسى على الماء جماعة ﴿ مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ ﴾ أغنامهم.
﴿ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمْرَأَتَينِ تَذُودَانِ ﴾ يعني حابستين الغنم لتسقي فضل ماء الرعاء، وهما ابنتا شعيب النبي صلى الله عليه وسلم، واسم الكبرى صبورا، واسم الصغرى عبرا، وكانتا توأمتين، فولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار.
﴿ قَالَ ﴾ لهما موسى: ﴿ مَا خَطْبُكُمَا ﴾ يعني ما أمركما.
﴿ قَالَتَا لاَ نَسْقِي ﴾ الغنم ﴿ حَتَّىٰ يُصْدِرَ ٱلرِّعَآءُ ﴾ بالغنم راجعة من الماء إلى الرعي، فنسقي فضلتهم ﴿ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ ﴾ [آية: ٢٣] لا يستطيع أن يسقي الغنم من الكبر، فقال لهما موسى، عليه السلام: أين الماء؟ فانطلقا به إلى الماء، فإذا الحجر على رأس البئر لا يزيله إلا عصابة من الناس، فرفعه موسى، عليه السلام، وحده بيده، ثم أخذ الدلو، فأدلى دلواً واحداً، فأفرغه في الحوض، ثم دعا بالبركة.﴿ فَسَقَىٰ لَهُمَا ﴾ الغنم، فرويت ﴿ ثُمَّ تَوَلَّىٰ ﴾ يعني انصرف ﴿ إِلَى ٱلظِّلِّ ﴾ ظل شجرة، فجلس تحتها من شدة الحر وهو جائع.
﴿ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴾ [آية: ٢٤] يعني إلى الطعام، فرجعت الكبيرة إلى موسى لتدعوه. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَجَآءَتْهُ إِحْدَاهُمَا ﴾ يعني الكبرى ﴿ تَمْشِي عَلَى ٱسْتِحْيَآءٍ ﴾ يعني على حياء، وهي التي تزوجها موسى، عليه السلام، فـ ﴿ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ وبين موسى وبين أبيها ثلاثة أميال، فولا الجوع الذي أصابه ما اتبعها، فقام يمشي معها، ثم أمرها أن تمشي خلفه وتدله بصوتها على الطريق كراهية أن ينظر إليها، وهما على غير جادة، يقول: ﴿ فَلَمَّا جَآءَهُ ﴾: فلما أتى موسى شعيباً، عليهما السلام.
﴿ وَقَصَّ عَلَيْهِ ﴾ يعني على شعيب ﴿ ٱلْقَصَصَ ﴾ الذي كان من أمره أجمع، أمر القوابل اللائي قتلن أولاد بني إسرائيل، وحين ولد وحين قذف في التابوت في اليم، ثم المراضع بعد التابوت، حتى أخبره بقتل الرجل من القبط.
﴿ قَالَ ﴾ له شعيب: ﴿ لاَ تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٢٥] يعني المشركين.﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا ﴾ وهي الكبرى ﴿ يٰأَبَتِ ٱسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ ٱسْتَأْجَرْتَ ﴾ يقول: إن الذي استأجرت هو ﴿ ٱلْقَوِيُّ ٱلأَمِينُ ﴾ [آية: ٢٦] قال شعيب لابنته: من أين علمت قوته؟ وأمانته؟ قالت: أزال الحجر وحده عن رأس البئر، وكان لا يطيقه إلا رجال، وذكرت أنه أمرها أن تمشي خلفه كراهية أن ينظر إليها. فـ ﴿ قَالَ ﴾ شعيب لموسى، عليهما السلام: ﴿ إِنِّيۤ أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ٱبْنَتَيَّ ﴾ يعني أن أزواجك إحد ابنتي ﴿ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ﴾ نفسك ﴿ ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً ﴾ يعني عشر سنين.
﴿ فَمِنْ عِندِكَ وَمَآ أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ﴾ في العشر ﴿ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ٢٧] يعني من الرافقين بك، كقول موسى لأخيه هارون:﴿ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ﴾[الأعراف: ١٤٢] يعني وارفق بهم، في سورة الأعراف.﴿ قَالَ ﴾ موسى: ﴿ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا ٱلأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ ﴾ ثماني سنين، أو عشر سنين.
﴿ فَلاَ عُدْوَانَ ﴾ يعني فلا سبيل ﴿ عَلَيَّ وَٱللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٌ ﴾ [آية: ٢٨] يعني شهيد فيما بيننا، كقوله عز وجل:﴿ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ وَكِيلاً ﴾[النساء: ٨١]، يعني شهيداً، فأتم موسى، عليه السلام، عشر سنين على أن يزوج ابنته الكبرى اسمها صبورا بنت شعيب بن نويب بن مدين بن إبراهيم.
﴿ فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى ٱلأَجَلَ ﴾ السنين العشر.
﴿ وَسَارَ بِأَهْلِهِ ﴾ ليلة الجمعة ﴿ آنَسَ ﴾ يعني رأى ﴿ مِن جَانِبِ ﴾ يعني من ناحية ﴿ ٱلطُّورِ ﴾ يعني الجبل ﴿ نَاراً ﴾ وهو النور بأرض المقدسة، فـ ﴿ قَالَ لأَهْلِهِ ٱمْكُثُوۤاْ ﴾ مكانكم ﴿ إِنِّيۤ آنَسْتُ نَاراً ﴾ يقول: إن رأيت ناراً ﴿ لَّعَلِّيۤ آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ ﴾ أين الطريق وكان قد تحير ليلاً، فإن لم أجد من يخبرني.
﴿ أَوْ جَذْوَةٍ ﴾ يعني آتيكم بشعلة، وهو عود قد احترق بعضه ﴿ مِّنَ ٱلنَّارِ لَعَلَّكُمْ ﴾ يعني لكى ﴿ تَصْطَلُونَ ﴾ [آية: ٢٩] من البرد، فترك موسى، عليه السلام، امرأته وولده في البرية بين مصر ومدين، ثم استقام فذهب بالرسالة، فأقمت امرأته مكانها ثلاثين سنة في البرية مع ولدها وغنمها، فمر بها راع فعرفها، وهي حزينة تبكى، فانطلق بها إلى أبيها.﴿ فَلَمَّآ أَتَاهَا ﴾ أتى النار ﴿ نُودِيَ ﴾ ليلا ﴿ مِن شَاطِىءِ ﴾ يعني من جانب، يعني من الناحية ﴿ ٱلْوَادِ ٱلأَيْمَنِ ﴾ يعني يمين الجبل ﴿ فِي ٱلْبُقْعَةِ ٱلْمُبَارَكَةِ ﴾ والمباركة، لأن الله عز وجل كلم موسى، عليه السلام، في تلك البقعة نودي ﴿ مِنَ ٱلشَّجَرَةِ ﴾ وهي عوسجة، وكان حول العوسجة شجر الزيتون، فنودي ﴿ أَن يٰمُوسَىٰ ﴾ في التقديم ﴿ إِنِّيۤ أَنَا ٱللَّهُ ﴾ الذي ناديتك ﴿ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٣٠] هذا كلامه عز وجل لموسى، عليه السلام.﴿ وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ﴾ وهي ورق الآس أس الجنة من يدك ﴿ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ ﴾ تحرك ﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾ يقول: كأنها حية لم تزل. قال الهذيل، عن غير مقاتل: ﴿ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ﴾ يعني شيطان ﴿ وَلَّىٰ مُدْبِراً ﴾ من الرهب من الحية، يعني من الخوف، فيها تقديم ﴿ وَلَمْ يُعَقِّبْ ﴾ يعني ولم يرجع، قال سبحانه: ﴿ يٰمُوسَىٰ أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ ﴾ من الحية ﴿ إِنَّكَ مِنَ ٱلآمِنِينَ ﴾ [آية: ٣١] من الحية.﴿ ٱسْلُكْ ﴾ يعني ادخل ﴿ يَدَكَ ﴾ اليمنى ﴿ فِي جَيْبِكَ ﴾ فجعلها في جيبه من قبل الصدر، وهي مدرعة من صوف مضربة ﴿ تَخْرُجْ ﴾ يدك من الجيب ﴿ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ﴾ يعني من غير برص لها شعاع كشعاع الشمس، يغشى البصر ﴿ وَٱضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ ﴾ يعني عضدك من يدك ﴿ مِنَ ٱلرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ ﴾ يعني آيتين من ربك يعني اليد والعصا ﴿ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإَِيْهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾ [آية: ٣٢]، يعني عاصين.
﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴾ [آية: ٣٣] ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً فَأَرْسِلْهِ مَعِيَ رِدْءاً ﴾ يعني عوناً لكي ﴿ يُصَدِّقُنِي ﴾ وهارون يومئذ بمصر لكي يصدقنى فرعون ﴿ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴾ [آية: ٣٤].
﴿ قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ ﴾ يعني ظهرك بأخيك هارون ﴿ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً ﴾ يعني حجة بآياتنا، يعني اليد والعصا، فيها تقديم ﴿ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ بقتل، يعني فرعون وقومه لقولهما في طه: ﴿ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ ﴾ بالقاتل ﴿ أَوْ أَن يَطْغَىٰ ﴾، فذلك قوله سبحانه: ﴿ فَلاَ يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا ﴾ ﴿ بِآيَاتِنَآ أَنتُمَا وَمَنِ ٱتَّبَعَكُمَا ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ٣٥].
﴿ فَلَمَّا جَآءَهُم مُّوسَىٰ بِآيَاتِنَا ﴾ اليد والعصا ﴿ بَيِّنَاتٍ ﴾ يعني واضحات التي في طه والشعراء.
﴿ قَالُواْ مَا هَـٰذَآ ﴾ الذي جئت به يا موسى.
﴿ إِلاَّ سِحْرٌ مُّفْتَرًى ﴾ افتريته يا موسى، أنت تقولته وهارون ﴿ وَ ﴾ قالوا: ﴿ وَمَا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِيۤ آبَآئِنَا ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٣٦] يعني اليد والعصا.﴿ وَ ﴾ لما كذبوه بما جاء به ﴿ وَقَالَ مُوسَىٰ رَبِّيۤ أَعْلَمُ بِمَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ مِنْ عِندِهِ ﴾ فإنى جئت بالهدى من عند الله عز وجل.
﴿ وَ ﴾ هو أعلم بـ ﴿ وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ ٱلدَّارِ ﴾ يعني دار الجنة ألنا أو لكم؟ ثم قال: ﴿ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ [آية: ٣٧] في الآخرة لا يفوز المشركون، يعني لا يسعدون.
﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يٰأَيُّهَا ٱلْملأُ ﴾ يعني الأشراف من قومه ﴿ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي ﴾ هذا القول من فرعون كفر ﴿ فَأَوْقِدْ لِي يٰهَامَانُ عَلَى ٱلطِّينِ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً ﴾ يقول: أوقد النار على الطين حتى يصير اللبن أجراً، وكان فرعون أول من طبخ الأجر وبناه.
﴿ فَٱجْعَل لِّي صَرْحاً ﴾ يعني قصراً طويلاً.
﴿ لَّعَلِّيۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ ﴾ فبنى، وكان ملاطة خبث القوارير، فكان الرجل لا يستطيع القيام عليه مخافة أن تنسفه الريح، ثم قال فرعون: فاطلع إلى إله موسى ﴿ وَإِنِّي لأَظُنُّهُ ﴾ يقول: إني لأحسب موسى ﴿ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾ [آية: ٣٨] بما يقول: إن في السماء إلهاً.﴿ وَٱسْتَكْبَرَ ﴾ فرعون ﴿ هُوَ وَجُنُودُهُ ﴾ عن الإيمان ﴿ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ﴾ يعني بالمعاصي ﴿ وَظَنُّوۤاْ ﴾ يقول: وحسبوا ﴿ أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٣٩] أحياء بعد الموت في الآخرة. يقول الله عز وجل: ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ ﴾ يعني فقذفناهم في نهر النيل الذي بمصر ﴿ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٤٠] يعني المشركين، أهل مصر كان عاقبتهم الغرق.
﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً ﴾ يعني قادة في الشرك ﴿ يَدْعُونَ إِلَى ٱلنَّارِ ﴾ يعني يدعون إلى الشرك، وجعل فرعون والملأ قادة الشرك، وأتبعناهم أهل مصر ﴿ وَيَوْمَ ٱلْقِيامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ [آية: ٤١] يعني لا يمنعون من العذاب ﴿ وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً ﴾ يعني الغرق ﴿ وَيَوْمَ القِيَامَةِ ﴾ في النار ﴿ هُمْ مِّنَ ٱلْمَقْبُوحِينَ ﴾ [آية: ٤٢].
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا ﴾ بالعذاب في الدنيا ﴿ ٱلْقُرُونَ ٱلأُولَىٰ ﴾ يعني نوحاً، وعاداً، وقوم إبراهيم، وقوم لوط، وقوم شعيب، وغيرهم كانوا قبل موسى، ثم قال عز وجل: ﴿ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ ﴾ يقول: في هلاك الأمم الحالية بصيرة لبني إسرائيل ﴿ وَهُدًى ﴾ يعني التوراة هدى من الضلالة لمن عمل بها.
﴿ وَرَحْمَةً ﴾ لم آمن بها من العذاب ﴿ لَّعَلَّهُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٤٣] فيؤمنوا بتوحيد الله، عز وجل.﴿ وَمَا كُنتَ ﴾ يا محمد ﴿ بِجَانِبِ ﴾ يعني بناحية، كقوله عز وجل﴿ جَانِبَ ٱلْبَرِّ ﴾[الإسراء: ٦٨] يعني ناحية البر ﴿ ٱلْغَرْبِيِّ ﴾ بالأرض المقدسة، والغربى، يعني غربي الجبل حيث تغرب الشمس ﴿ إِذْ قَضَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَى ٱلأَمْرَ ﴾ يقول: إذا عهدنا إلى موسى الرسالة إلى فرعون وقومه.
﴿ وَمَا كنتَ مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ ﴾ [آية: ٤٤] لذلك الأمر.﴿ وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً ﴾ يعني خلفنا قروناً.
﴿ فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ ٱلْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً ﴾ يعني شاهداً ﴿ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ يعني تشهد مدين، فتقرأ على أهل مكة أمرهم ﴿ وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴾ [آية: ٤٥] يعني أرسلناك إلى أهل مكة لتخبرهم بأمر مدين.﴿ وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ ٱلطُّورِ ﴾ يعني بناحية من الجبل الذي كلم الله عز وجل عليه موسى، عليه السلام.
﴿ إِذْ نَادَيْنَا ﴾ يعني إذا كلمنا موسى، وآتيناه التوراة ﴿ وَلَـٰكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ يقول: ولكن القرآن رحمة، يعني نعمة من ربك النبوة اختصصت بها، إذ أوحينا إليك أمرهم لتعرف كفار نبوتك، فذلك قوله: ﴿ لِتُنذِرَ قَوْماً ﴾ يعني أهل مكة بالقرآن ﴿ مَّآ أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ ﴾ يعني رسولاً ﴿ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٤٦] فيؤمنوا.﴿ وَلَوْلاۤ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ ﴾ يعني العذاب في الدنيا ﴿ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ﴾ من المعاصي، يعني كفار مكة ﴿ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ ﴾ يعني القرآن ﴿ وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٤٧] يعني المصدقين، فيها تقديم، يقول: لولا أن يقولوا: ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك، ونكون من المؤمنين لأصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم.﴿ فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ ﴾ يعني القرآن ﴿ مِنْ عِندِنَا قَالُواْ لَوْلاۤ ﴾ يعني هلا ﴿ أُوتِيَ مِثْلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ ﴾ يعني أعطي محمد صلى الله عليه وسلم القرآن جملة مكتوبة كما أعطي موسى التوراة ﴿ أَوَلَمْ يَكْفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ ﴾ قرآن محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ قَالُواْ سِحْرَانِ تَظَاهَرَا ﴾ يعنون التوراة والقرآن، ومن قرأ " ساحران " يعني موسى ومحمداً، صلى الله عليهما، " تظاهرا "، يعني تعاونا على الضلالة، يقول: صدق كل واحد منهما الآخر.
﴿ وَقَالُواْ إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ ﴾ [آية: ٤٨] يعني بالتوراة وبالقرآن لا نؤمن بهما.
يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ هُوَ أَهْدَىٰ ﴾ لأهله ﴿ مِنْهُمَآ أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ٤٩] بأنهما ساحران تظاهرا ﴿ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ ﴾ فإن لم يفعلوا: أن يأتوا بمثل التوراة والقرآن ﴿ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ ﴾ بغير علم ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ يقول: فلا أحد أضل ﴿ مِمَّنْ ٱتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٥٠] إلى دينه عز وجل.﴿ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ ﴾ يقول: ولقد بينا لكفار مكة ما في القرآن من الأمم الخالية، كيف عذبوا بتكذيبهم رسلهم.
﴿ لَعَلَّهُمْ ﴾ يعني لكي ﴿ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ٥١] فيخافون فيؤمنوا.﴿ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ ﴾ يعني أعطيناهم الإنجيل ﴿ مِن قَبْلِه ﴾ يعني القرآن ﴿ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾ [آية: ٥٢] يعني هم بالقرآن مصدقون بأنه من الله عز وجل نزلت في مسلمي أهل الإنجيل، وهم أربعون رجلاً من أهل الإنجيل، أقبلوا من الشام بحيرى، وأبرهة، والأشرف، ودريد، وتمام، وأيمن، وإدريس، ونافع. فنعتهم الله عز وجل، فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ آياتنا، يقول: وإذا قرئ عليهم القرآن ﴿ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ ﴾ يعني صدقنا بالقرآن ﴿ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ ﴾ [آية: ٥٣] يقول: إنا كنا من قبل هذا القرآن مخلصين لله عز وجل بالتوحيد. يقول الله عز وجل: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ ﴾ أجراً بتمسكهم بالإسلام حين أدركوا محمداً صلى الله عليه وسلم، فآمنوا به، وأجرهم بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم شتمهم كفار قومهم في متابعة النبي صلى الله عليه وسلم، فصفحوا عنهم وردوا معروفاً، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَيَدْرَؤُونَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ ﴾ ما سمعوا من قومهم من الأذى ﴿ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾ من الأموال ﴿ يُنفِقُونَ ﴾ [آية: ٥٤] في طاعة الله عز وجل.﴿ وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ ﴾ من قومهم، يعني من الشر والشتم والأذى.
﴿ أَعْرَضُواْ عَنْهُ ﴾ يعني عن اللغو، فلم يردوا عليهم مثل ما قيل لهم.
﴿ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ يعني لنا ديننا ولكم دينكم، وذلك حين عيروهم بترك دينهم، وقالوا لكفار قومهم: ﴿ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ﴾ يقول: ردوا عليهم معروفاً ﴿ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ ﴾ [آية: ٥٥] يعني لا نريد أن تكون مع أهل الجهل والسفه.
﴿ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ وذلك" أن أبا طالب بن عبد المطلب، قال: يا معشر بني هاشم، أطيعوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وصدقوه تفلحوا وترشدوا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا عم، تأمرهم بالنصيحة لأنفسهم وتدعها لنفسك "، قال: فما تريد يا ابن أخي؟ قال: " أريد منك كلمة واحدة، فإنك في آخر يوم من الدنيا، أن تقول: لا إله إلا الله، أشهد لك بها عند الله " عز وجل، قال: يا ابن أخي، قد علمت أنك صادق، ولكني أكره أن يقال: جزع عند الموت، ولولا أن يكون عليك، وعلى بني أبيك غضاضة وسبة لقلتها، ولأقررت بعينك عند الفراق لما أرى من شدة وجدك ونصيحتك، ولكن سوف أموت على ملة أشياخ عبد المطلب، وهاشم وعبد مناف "، فأنزل الله عز وجل: ﴿ إِنَّكَ ﴾ يا محمد ﴿ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ﴾ إلى الإسلام ﴿ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴾ [آية: ٥٦] يقول: وهو أعلم بمن قدر له الهدى.﴿ وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ ﴾ نزلت فى الحارث بن نوفل بن عبد مناف القرشي، وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق، ولكنا يمنعنا أن نتبع الهدى معك مخافة أن يتخطفنا العرب من أرضنا، يعني مكة، فإنما نحن أكلة رأس العرب، ولا طاقة لنا بهم، يقول الله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ﴾ يحمل إلى الحرم ﴿ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ يعني بكل شيء من ألوان الثمار ﴿ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا ﴾ يعني من عندنا ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ ﴾ يعني أهل مكة ﴿ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٥٧] يقول: هم يأكلون رزقى ويعبدون غيري، وهم آمنون في الحرم من القتل والسبي، فكيف يخافون لو أسلموا أن لا يكون ذلك لهم، نجعل لهم الحرم آمنا في الشرك ونخوفهم في الإسلام؟ فإنا لا نفعل ذلك بهم لو أسلموا. ثم خوفهم عز وجل، فقال سبحانه: ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ﴾ يقول: بطروا وأشروا يتقلبون في رزق الله عز وجل، فلم يشكروا الله تعالى في نعمه فأهلكهم بالعذاب ﴿ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ ﴾ يعني من بعد هلاك أهلها ﴿ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾ من المساكن فقد يسكن في بعضها ﴿ وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ ﴾ [آية: ٥٨] لما خلفوا من بعد هلاكهم يخوف كفار مكة بمثل عذاب الأمم الخالية حين قالوا: نتخوف أن نتخطف من مكة. ثم قال الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ ﴾ يعني معذب أهل القرى الخالية ﴿ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً ﴾ يعني في أكبر تلك القرى رسولاً، وهي مكة ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ﴾ يقول: يخبرهم الرسول بالعذاب بأنه نازل بهم في الدنيا إن لم يؤمنوا ﴿ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ ﴾ يعني معذبي أهل القرى في الدنيا ﴿ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ﴾ [آية: ٥٩] يقول: إلا وهم مذنبون، يقول: لم نعذب على غير ذنب.
﴿ وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ ﴾ يقول: وما أعطيتم من خير، يعني به كفار مكة ﴿ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ﴾ يقول: تمتعون في أيام حياتكم، فمتاع الحياة الدنيا وزينتها إلى فناء ﴿ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ ﴾ من الثواب ﴿ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ يعني أفضل وأدوم لأهله مما أعطيتم في الدنيا ﴿ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ٦٠] أن الباقي خير من الفاني الذاهب.﴿ أَفَمَن وَعَدْنَاهُ ﴾ يعني أفمن وعده الله عز وجل، يعني النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا ﴿ وَعْداً حَسَناً ﴾ يعني الجنة ﴿ فَهُوَ لاَقِيهِ ﴾ فهو معاينه يقول: مصيبة ﴿ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾ بالمال ﴿ ثُمَّ هُوَ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴾ [آية: ٦١] النار، يعني أبا جهل بن هشام، لعنه الله، ليسا بسواء، نظيرها في الأنعام.﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ يعني كفار مكة ﴿ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [آية: ٦٢] في الدنيا أن معي شريكاً ﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ ﴾ يعني وجب عليهم كلمة العذاب وهم الشياطين، حق عليهم القول يوم قال الله تعالى وذكره، لإبليس:﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ ﴾[الأعراف: ١٨]، فقالت الشياطين في الآخرة: ﴿ رَبَّنَا هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَغْوَيْنَآ أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ﴾ يعنون كفار بني آدم، يعني هؤلاء الذين أضللناهم كما ضللنا ﴿ تَبَرَّأْنَآ إِلَيْكَ ﴾ منهم يا رب ﴿ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٦٣] فتبرأت الشياطين ممن كان يعبدها.﴿ وَقِيلَ ﴾ لكفار بني آدم ﴿ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ﴾ يقول سلوا الآلهة: أهم الآلهة؟ ﴿ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُمْ ﴾ يقول: سألوهم فلم تجبهم الآلهة، نظيرها في الكهف. يقول الله تعالى: ﴿ وَرَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُواْ يَهْتَدُونَ ﴾ [آية: ٦٤] من الضلالة يقول: لوأنهم كانوا مهتدين في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة.﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ يقول: ويوم يسألهم، يعني كفار مكة يسألهم الله عز وجل: ﴿ فَيَقُولُ مَاذَآ أَجَبْتُمُ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٦٥] في التوحيد ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ ﴾ يعني الحجج ﴿ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ٦٦] يعني لا يسأل بعضهم بعضاً عن الحجج، لأن الله تعالى ادحض حجتهم، وأكل ألسنتهم، فذلك قوله تعالى: ﴿ فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَنبَـآءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ ﴿ فَأَمَّا مَن تَابَ ﴾ من الشرك ﴿ وَآمَنَ ﴾ يعني وصدق بتوحيد الله عز وجل: ﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَىٰ ﴾ والعسى من الله عز وجل واجب ﴿ أَن يَكُونَ مِنَ ٱلْمُفْلِحِينَ ﴾ [آية: ٦٧].
﴿ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ ﴾ وذلك أن الوليد قال في " حم " الزخرف:﴿ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾[الزخرف: ٣١] يعني نفسه، وأبا مسعود الثقفي، فذلك قوله سبحانه: ﴿ وَيَخْتَار ﴾ أي للرسالة والنبوة من يشاء، فشاء جل جلاله، لأن يجعلها في النبي صلى الله عليه وسلم، وليست النبوة والرسالة بأيديهم، ولكنها بيد الله عز وجل، ثم قال سبحانه: ﴿ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلْخِيَرَةُ ﴾ من أمرهم، ثم نزه نفسه تبارك وتعالى عن قول الوليد حين قال:﴿ أَجَعَلَ ﴾محمد صلى الله عليه وسلم﴿ ٱلآلِهَةَ إِلَـٰهاً وَاحِداً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ ﴾[ص: ٥]، فكفر بتوحيد الله عز وجل، فأنزل الله سبحانه ينزه نفسه عز وجل عن شركهم، فقال: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ وَتَعَالَىٰ ﴾ يعني وارتفع ﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [آية: ٦٨] به غيره عز وجل. ثم قال عز وجل: ﴿ وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ ﴾ يعني ما تسر قلوبهم ﴿ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [آية: ٦٩] بألسنتهم، نظيرها في النمل، ثم وحد الرب نفسه تبارك وتعالى حين لم يوحده كفار مكة، الوليد وأصحابه. فقال سبحانه: ﴿ وَهُوَ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ ٱلْحَمْدُ فِي ٱلأُولَىٰ وَٱلآخِرَةِ ﴾ يعني يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة، يعني أهل الجنة ﴿ وَلَهُ ٱلْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٧٠] بعد الموت في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم.
﴿ قُلْ ﴾ يا محمد، لكفار مكة: ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ﴾ فدامت ظلمته ﴿ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ ﴾ يعني بضوء النهار.
﴿ أَفَلاَ ﴾ يعني أفهلا ﴿ تَسْمَعُونَ ﴾ [آية: ٧١] المواعظ، و ﴿ قُلْ ﴾ لهم ﴿ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ﴾ من النصب ﴿ أَفلاَ ﴾ يعني أفهلا ﴿ تُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ٧٢].
ثم أخبر عن صنعه تعالى ذكره، فقال سبحانه: ﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ ﴾ يعني لتستقروا ﴿ فِيهِ ﴾ بالليل من النصب ﴿ وَلِتَبتَغُواْ ﴾ بالنهار ﴿ مِن فَضْلِهِ ﴾ يعني الرزق ﴿ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [آية: ٧٣] ربكم في نعمه، فتوحدوه عز وجل.﴿ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ ﴾ يعني يسألهم ﴿ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ ﴾ [آية: ٧٤] في الدنيا ﴿ وَنَزَعْنَا ﴾ يقول: وأخرجنا ﴿ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً ﴾ يعني رسولها ونبيها يشهد عليها بالبلاغ والرسالة ﴿ فَقُلْنَا ﴾ لهم يعني للكفار: ﴿ هَاتُواْ ﴾ هلموا ﴿ بُرْهَانَكُمْ ﴾ يعني حجتكم بأن معي شريكاً، فلم يكن لهم حجة.
﴿ فَعَلِمُوۤاْ أَنَّ ٱلْحَقَّ لِلَّهِ ﴾ يعني التوحيد لله عز وجل.
﴿ وَضَلَّ عَنْهُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ ﴾ [آية: ٧٥] في الدنيا بأن مع الله سبحانه شريكاً.
﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ ﴾ يعني من بني إسرائيل، وكان ابن عمه، قارون بن أصهر بن قوهث بن لاوي بن يعقوب، وموسى بن عمران بن قوهث ﴿ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ يقول: بغى قارون على بني إسرائيل من أجل كنزه ما له ﴿ وَآتَيْنَاهُ ﴾ يعني وأعطيناه ﴿ مِنَ ٱلْكُنُوزِ ﴾ يعني من الأموال ﴿ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ ﴾ يعني خزائنه ﴿ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ ﴾ والعصبة من عشرة أنفار إلى أربعين، فإذا كانوا أربعين فهم أولو قوة يقول: لتعجز العصبة أولي القوة عن حمل الخزائن ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ ﴾ بنو إسرائيل: ﴿ لاَ تَفْرَحْ ﴾ يقول: لا تمرح ولا تبطر ولا تفخر بما أوتيت من الأموال.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ ﴾ [آية: ٧٦] يعني المرحين البطرين.﴿ وَ ﴾ قالوا له: ﴿ وَٱبْتَغِ فِيمَآ آتَاكَ ٱللَّهُ ﴾ يعني فيما أعطاك الله عز وجل من الأموال والخير.
﴿ ٱلدَّارَ ٱلآخِرَةَ ﴾ يعني دار الجنة ﴿ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ ﴾ يعني ولا تترك حظك ﴿ مِنَ ٱلدُّنْيَا ﴾ أن تعمل فيها لآخرتك.
﴿ وَأَحْسِن ﴾ العطية في الصدقة والخير فيما يرضى الله عز وجل: ﴿ كَمَآ أَحْسَنَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ ﴾ بإحسان الله إليك ﴿ ٱلْفَسَادَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يقول: لا تعمل فيها بالمعاصي.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴾ [آية: ٧٧].
فرد قارون على قومه حين أمروه أن يطيع الله عز وجل في ماله، وفيما أمره أن يطيع الله عز وجل في ماله، وفيما أمره، فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم: ﴿ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ ﴾ يعني إنما أعطيته، يعني المال ﴿ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ ﴾ يقول: على خير علمه الله عز وجل عندي، يقول الله عز وجل: ﴿ أَوَلَمْ يَعْلَمْ ﴾ قارون ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ ﴾ بالعذاب ﴿ مِن قَبْلِهِ مِنَ ٱلْقُرُونِ ﴾ حين كذبوا رسلهم ﴿ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ ﴾ من قارون ﴿ قُوَّةً ﴾ وبطشاً ﴿ وَأَكْثَرُ جَمْعاً ﴾ من الأموال، منهم نمروذ الجبار وغيره، ثم قال عز وجل: ﴿ وَلاَ يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴾ [آية: ٧٨] يقول: ولا يسأل مجرمو هذه الأمة عن ذنوب الأمم الخالية الذين عذبوا في الدنيا، فإن الله عز وجل قد أحصى أعمالهم الخبيثة وعلمها.﴿ فَخَرَجَ ﴾ قارون ﴿ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾ قومه بني إسرائيل، الزينة، يعني الشارة الحسنة خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب عليه الأرجوان، ومعه آلاف فارس على الخيل عليهم وعلى دوابهم الأرجوان، ومعه ثلاث مائة جارية بيض عليهن الحلي والثياب الحمر على البغال الشهب، فلما نظر المؤمنون إلى تلك الزينة والجمال.
﴿ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ وهم أهل التوحيد ﴿ يٰلَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَآ أُوتِيَ ﴾ يعني مثل ما أعطي ﴿ قَارُونُ ﴾ من الأموال.
﴿ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ٧٩] يقول: إنه لذو نصيب وافر في الدنيا.
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ ﴾ بما وعد الله في الآخرة للذين تمنوا مثل مما أعطي قارون ﴿ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ ٱللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ ﴾ يعني لمن صدق بتوحيد الله عز وجل.
﴿ وَعَمِلَ صَالِحاً ﴾ خير مما أوتي قارون في الدنيا.
﴿ وَلاَ يُلَقَّاهَآ ﴾ يعني الأعمال الصالحة، يعني ولا يؤتاها ﴿ إِلاَّ ٱلصَّابِرُونَ ﴾ [آية: ٨٠].
﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ ﴾ يعني بقارون، وذلك أن الله عز وجل أمر الأرض أن تطيع موسى، عليه السلام، فأمر موسى الأرض أن تأخذ قارون، فأخذته إلى قدميه، فدعا قارون موسى وذكره الرحم، فأمرها موسى، عليه السلام، أن تبتلعه، فهو يتجلجل في الأرض كل يوم قامة رجل إلى يوم القيامة، فقالت بنو إسرائيل: إن موسى إنما أهلك قارون حتى يأخذ ماله وداره، فخسف الله عز وجل بعد قارون بثلاثة أيام، بداره وماله الصامت، فانقطع الكلام، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ ﴾ يعني بقارون ﴿ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يقول الله عز وجل: لم يكن لقارون جند يمنعونه من الله عز وجل: ﴿ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ ﴾ [آية: ٨١] يقول: وما كان قارون من الممتنعين مما نزل به من الخسف.﴿ وَأَصْبَحَ ٱلَّذِينَ تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بِٱلأَمْسِ ﴾ بعد ما خسف به ﴿ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ يعني لكن الله ﴿ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ يعني يوسف الرزق على من يشاء، ويقتر على من يشاء، وقالوا: ﴿ لَوْلاۤ أَن مَّنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا ﴾ يعني لولا أن الله عز وجل أنعم علينا بالإيمان ﴿ لَخَسَفَ بِنَا ﴾، ثم قال: ﴿ وَيْكَأَنَّهُ ﴾ يعني ولكنه ﴿ لاَ يُفْلِحُ ﴾ لا يسعد ﴿ ٱلْكَافِرُونَ ﴾ [آية: ٨٢].
﴿ تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ ﴾ يعني الجنة ﴿ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً ﴾ يعني تعظماً ﴿ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ عن الإيمان بالتوحيد.
﴿ وَلاَ فَسَاداً ﴾ يقول: ولا يريدون فيها عملاً بالمعاصي.
﴿ وَٱلْعَاقِبَةُ ﴾ في الآخرة ﴿ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آية: ٨٣] من الشرك في الدنيا.
﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ يعني بكلمة الإخلاص، وهى لا إله إلا الله، وحده لا شريك له.
﴿ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا ﴾ في التقديم، يقول: فله منها خير.
﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ يعني الشرك يقول: من جاء في الآخرة بالشرك.
﴿ فَلاَ يُجْزَى ٱلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ ﴾ يعني الذين عملوا الشرك ﴿ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٨٤] من الشرك، فإن جزاء الشرك النار، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النار. حدثنا محمد، قال: حدثنا أبو القاسم، قال: حدثنا الهذيل، عن مقاتل، عن علقمة بن مرثد، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الآية: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ ﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ فقال:" هذه تنجي وهذه تردي "وقال مقاتل: إنه بلغه عن كعب بن عجرة، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ﴿ مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ ﴾ فهي لا إله إلا الله.
﴿ وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ ﴾ فهي الشرك، فهذه تنجي، وهذه تردي، قوله عز وجل: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ ﴾ وذلك" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من الغار ليلاً، ثم هاجر من وجهه ذلك إلى المدينة، فسار في غير الطريق مخافة الطلب، فلما أمن رجع إلى الطريق، فنزل بالجحفة بين مكة والمدينة، وعرف الطريق إلى مكة، فاشتاق إليها، وذكر مولده ومولد أبيه، فأتاه جبريل، عليه السلام، فقال: " أتشتاق إلى بلدك ومولدك؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال جبريل: إن الله عز وجل يقول: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ ٱلْقُرْآنَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ ﴾ "، يعني إلى مكة ظاهراً عليهم، فنزلت هذه الآية بالجحفة ليست بمكية، ولا مدنية ﴿ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ وذلك أن كفار مكة كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنك في ضلال، فأنزل الله تبارك وتعالى في قولهم: ﴿ قُل رَّبِّيۤ أَعْلَمُ مَن جَآءَ بِٱلْهُدَىٰ ﴾ فأنا الذي جئت بالهدى من عند الله عز وجل.
﴿ وَ ﴾ هو أعلم ﴿ وَمَنْ هُوَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ٨٥] يقول: أنحن أم أنتم.﴿ وَمَا كُنتَ تَرْجُوۤ ﴾ يا محمد ﴿ أَن يُلْقَىٰ إِلَيْكَ ٱلْكِتَابُ ﴾ يعني أن ينزل عليك القرآن يذكر النعم، وقال: ما كان الكتاب ﴿ إِلاَّ رَحْمَةً ﴾ يعني عز وجل نعمة ﴿ مِّن رَّبِّكَ ﴾ اختصصت بها يا محمد، وذلك حين دعي إلى دين آبائه، فأوحى الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: ﴿ فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً ﴾ يعني معيناً ﴿ لِّلْكَافِرِينَ ﴾ [آية: ٨٦] على دينهم.﴿ وَلاَ يَصُدُّنَّكَ ﴾ كفار مكة ﴿ عَنْ آيَاتِ ٱللَّهِ ﴾ يعني عن إيمان بالقرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَٱدْعُ ﴾ الناس ﴿ إِلَىٰ ﴾ معرفة ﴿ رَبِّكَ ﴾ عز وجل، وهو التوحيد، ثم أوعز إلى النبي صلى الله عليه وسلم وحذره، فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾ [آية: ٨٧] وذلك حين دعي إلى دين آبائه. فحذره الله عز وجل أن يتبع دينهم، فقال سبحانه: ﴿ وَلاَ تَدْعُ ﴾ يقول: ولا تعبد ﴿ مَعَ ٱللَّهِ ﴾ تعالى ﴿ إِلَـٰهاً آخَرَ ﴾ فإنه واحد ليس معه شريك، ثم وحد نفسه جل جلاله، فقال: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ يقول سبحانه: كل شيء من الحيوان ميت، ثم استثنى نفسه جل جلاله بأنه تعالى حي دائم لا يموت، فقال جل جلاله: ﴿ إِلاَّ وَجْهَهُ ﴾ يعني إلا هو ﴿ لَهُ ٱلْحُكْمُ ﴾ يعني القضاء ﴿ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [آية: ٨٨] أحياء في الآخرة، فيجزيكم عز وجل بأعمالكم.
Icon