تفسير سورة سورة القصص من كتاب المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
المعروف بـتفسير ابن عطية
.
لمؤلفه
ابن عطية
.
المتوفي سنة 542 هـ
' بسم الله الرحمن الرحيم '
سورة القصص
هذه السورة مكية إلا قوله عز وجل ' إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد '١ نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قاله ابن سلام وغيره وقال مقاتل فيها من المدني ' الذين آتيناهم الكتاب٢ ' إلى قوله ' لا نبتغي الجاهلين '٣.
سورة القصص
هذه السورة مكية إلا قوله عز وجل ' إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد '١ نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قاله ابن سلام وغيره وقال مقاتل فيها من المدني ' الذين آتيناهم الكتاب٢ ' إلى قوله ' لا نبتغي الجاهلين '٣.
١ الآية ٨٥ من السورة..
٢ الآية ٥٢ من السورة..
٣ الآية ٥٥ من السورة. وقد قال الحسن، وعطاء، وعكرمة: السورة مكية كلها..
٢ الآية ٥٢ من السورة..
٣ الآية ٥٥ من السورة. وقد قال الحسن، وعطاء، وعكرمة: السورة مكية كلها..
ﰡ
بسم الله الرّحمن الرّحيم
سورة القصصهذه السورة مكية. إلا قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥]، نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله ﷺ إلى المدينة، قاله ابن سلام وغيره، وقال مقاتل: فيها من المدني الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ [القصص: ٥٢] إلى قوله لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص: ٥٥].
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤)تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا، وقوله تعالى: تِلْكَ يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل طسم مثالا لحروف المعجم جاءت الإشارة ب تِلْكَ إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال تِلْكَ في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئا فشيئا فسائغ أن يقال في الإشارة إليها تِلْكَ.
قال القاضي أبو محمد: والأصل أن تِلْكَ إشارة إلى ما غاب و «هذه» إشارة إلى ما حضر، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعد ما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى، فهو وعصاه في منزل غيب، فساغ ذلك، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون تِلْكَ بمنزلة هذه آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة، ونَتْلُوا معناه نقص ونتابع القصص، وخص تعالى بقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ من حيث هم المنتفعون بذلك دون غيرهم فخصوا تشريفا، وعَلا فِي الْأَرْضِ من علو الطغيان والتغلب، وقوله فِي الْأَرْضِ يريد في أرض مصر وموضع ملكه،
ومتى جاءت الْأَرْضِ هكذا عامة فإنما يراد بها الأرض التي تشبه قصة القول المسوق لأن الأشياء التي تعم الأرض كلها قليلة والأكثر ما ذكرناه، و «الشيع» الفرق، وكان هذا الفعل من فرعون بأن جعل القبط ملوكا مستخدمين، وجعل بني إسرائيل عبيدا مستخدمين، وهم كانوا الطائفة المستضعفة، ويُذَبِّحُ مضعف للمبالغة والعبارة عن تكرار الفعل، وقال قتادة كان هذا الفعل من فرعون بأنه قال له كهنته وعلماؤه إن غلاما لبني إسرائيل يفسد ملكك، وقال السدي: رأى في ذلك رؤيا- فأخذ بني إسرائيل يذبح الأطفال سنين فرأى أنه يقطع نسلهم، فعاد يذبح عاما ويستحيي عاما، فولد هارون في عام الاستحياء وولد موسى في عام الذبح، وقرأ جمهور القراء «يذبح» بضم الياء وكسر الباء على التكثير، وقرأ أبو حيوة، وابن محيصن بفتح الياء وسكون الذال، قال وهب بن منبه: بلغني أن فرعون ذبح في هذه المحاولة سبعين ألفا من الأطفال، وقال النقاش: جميع ما قتل ستة عشر طفلا.
قال الفقيه الإمام القاضي: طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥ الى ٧]
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)
المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين، و «الأئمة» ولاة الأمور قاله قتادة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يريد أرض مصر والشام، وقرأ الأعمش «ولنمكن» بلام، وقرأ الجمهور «ونري فرعون» بضم النون وكسر الراء وفتح الياء ونصب فرعون، وقرأ حمزة والكسائي «ويرى» بالياء وفتح الراء وسكون الياء على الفعل الماضي وإسناد الفعل إلى فِرْعَوْنَ ومن بعده والمعنى ويقع فرعون وقومه وجنوده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وظهورهم، وَهامانَ هو وزير فرعون وأكبر رجاله، فذكر لمحله من الكفر ولنباهته في قومه فله في هذا الموضع صغار ولعنة لا شرف، وهذا «الوحي» إِلى أُمِّ مُوسى قالت فرقة: كان قولا في منامها، وقال قتادة: كان إلهاما، وقالت فرقة: كان بملك تمثل لها وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [القصص: ١٣] وهذا معنى قوله لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص: ١٠] أي بالوعد، وقال السدي وغيره: أمرت أن ترضعه عقب الولادة وتصنع به ما في الآية. لأن
قال الفقيه الإمام القاضي: طمع بجهله أن يرد القدر وأين هذا المنزع من قول النبي عليه السلام «فلن تقدر عليه» يعني ابن صياد، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥ الى ٧]
وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ (٥) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ (٦) وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧)
المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين، و «الأئمة» ولاة الأمور قاله قتادة وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ يريد أرض مصر والشام، وقرأ الأعمش «ولنمكن» بلام، وقرأ الجمهور «ونري فرعون» بضم النون وكسر الراء وفتح الياء ونصب فرعون، وقرأ حمزة والكسائي «ويرى» بالياء وفتح الراء وسكون الياء على الفعل الماضي وإسناد الفعل إلى فِرْعَوْنَ ومن بعده والمعنى ويقع فرعون وقومه وجنوده فيما خافوه وحذروه من جهة بني إسرائيل وظهورهم، وَهامانَ هو وزير فرعون وأكبر رجاله، فذكر لمحله من الكفر ولنباهته في قومه فله في هذا الموضع صغار ولعنة لا شرف، وهذا «الوحي» إِلى أُمِّ مُوسى قالت فرقة: كان قولا في منامها، وقال قتادة: كان إلهاما، وقالت فرقة: كان بملك تمثل لها وأجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك لها على نحو تكليم الملك للأقرع والأبرص في الحديث المشهور وغير ذلك مما روي من تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وجملة أمر أم موسى أنها علمت أن الذي وقع في نفسها هو من عند الله ووعد منه، يقتضي ذلك قوله تعالى بعد: فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [القصص: ١٣] وهذا معنى قوله لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [القصص: ١٠] أي بالوعد، وقال السدي وغيره: أمرت أن ترضعه عقب الولادة وتصنع به ما في الآية. لأن
الخوف كان عقب كل ولادة، وقال ابن جريج: أمرت برضاعه أربعة أشهر في بستان فإذا خافت أن يصيح لأن لبنها لا يكفيه، صنعت به هذا.
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده أمران: أحدهما قوله فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ و «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان، والآخر أنه لم يقبل المراضع والطفل إثر ولادته لا يعقل ذلك، اللهم إلا أن يكون هذا منه بأن الله تعالى حرمها عليه وجعله يأباها بخلاف سائر الأطفال، وقرأ عمرو بن عبد الواحد «أن أرضعيه» بكسر النون وذلك على حذف الهمزة عبطا لا تخفيفا، والتخفيف القياسي فتح النون قاله ابن جني، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والْيَمِّ جمهور الماء ومعظمه، والمراد نيل مصر، وروي في قصص هذه الآية أن أم موسى واسمها يوحانه أخذته ولفته في ثيابه وجعلت له تابوتا صغيرا وسدته عليه بقفل وعلقت مفتاحه عليه وأسلمته ثقة بالله وانتظارا لوعده فلما غاب عنها عاودها بثها وأسفت عليه وأقنطها الشيطان فاهتمت به وكادت تفتضح وجعلت الأخت تقصه أي تطلب أثره.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨ الى ١١]
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١)
«الالتقاط» اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر [نقادة الأسدي] :[الرجز]
ومنه اللغطة وآلُ فِرْعَوْنَ أهله وجملته، وروي أن آسية امرأة فرعون رأت التابوت يعوم في اليم فأمرت بسوقه وفتحته فرأت فيه صبيا صغيرا فرحمته وأحبته، وقال السدي: إن جواريها كان لهن في القصر على النيل فرضة يدخل الماء فيها إلى القصر حتى ينلنه في المرافق والمنافع فبينا هنّ يغسلن في تلك الفرضة إذ جاء التابوت فحملنه إلى مولاتهن، وقال ابن إسحاق: رآه فرعون يعوم فأمر بسوقه وآسية جالسة معه فكان ما تقدم، وقوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً هي لام العاقبة لا أن المقصد بالالتقاط كان لأن يكون عدوا، وقرأ الجمهور «وحزنا» بفتح الحاء والزاي.
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش «وحزنا» بضم الحاء وسكون الزاي، و «الخاطئ» متعمد الخطأ، والمخطئ الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون قُرَّتُ
قال القاضي أبو محمد: والأول أظهر إلا أن الآخر يعضده أمران: أحدهما قوله فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ و «إذا» ظرف لما يستقبل من الزمان، والآخر أنه لم يقبل المراضع والطفل إثر ولادته لا يعقل ذلك، اللهم إلا أن يكون هذا منه بأن الله تعالى حرمها عليه وجعله يأباها بخلاف سائر الأطفال، وقرأ عمرو بن عبد الواحد «أن أرضعيه» بكسر النون وذلك على حذف الهمزة عبطا لا تخفيفا، والتخفيف القياسي فتح النون قاله ابن جني، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه والْيَمِّ جمهور الماء ومعظمه، والمراد نيل مصر، وروي في قصص هذه الآية أن أم موسى واسمها يوحانه أخذته ولفته في ثيابه وجعلت له تابوتا صغيرا وسدته عليه بقفل وعلقت مفتاحه عليه وأسلمته ثقة بالله وانتظارا لوعده فلما غاب عنها عاودها بثها وأسفت عليه وأقنطها الشيطان فاهتمت به وكادت تفتضح وجعلت الأخت تقصه أي تطلب أثره.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٨ الى ١١]
فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ (٨) وَقالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١١)
«الالتقاط» اللقاء على غير قصد وروية، ومنه قول الشاعر [نقادة الأسدي] :[الرجز]
ومنهل وردته التقاطا | لم ألق إذ وردته فراطا |
إلا الحمام القمر والغطاطا | فهن يلغطن به إلغاطا |
وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب وطلحة والأعمش «وحزنا» بضم الحاء وسكون الزاي، و «الخاطئ» متعمد الخطأ، والمخطئ الذي لا يتعمده، واختلف المتأولون في الوقت الذي قالت فيه امرأة فرعون قُرَّتُ
277
عَيْنٍ لِي وَلَكَ، فقالت فرقة: كان ذلك عند التقاط التابوت لما أشعرت فرعون به سبق إلى وهمه أنه من بني إسرائيل وأن ذلك قصد به ليخلص من الذبح فقال عليّ بالذباحين فقالت امرأته ما ذكر فقال فرعون: أما لي فلا، قال النبي ﷺ «لو قال فرعون نعم لآمن بموسى ولكان قرة عين له»، وقال السدي: بل ربته حتى درج فرأى فرعون فيه شهامة وظنه من بني إسرائيل وأخذه في يده فمد موسى يده ونتف لحية فرعون فهم حينئذ بذبحه وحينئذ خاطبته بهذا وجربته له في الجمرة والياقوتة فاحترق لسانه وعلق العقدة، وقوله لا يَشْعُرُونَ أي بأنه الذي يفسد الملك على يديه قال قتادة وغيره، وقرأ ابن مسعود «لا تقتلوه قرة عين لي ولك» قدم وأخر، وقوله وَأَصْبَحَ عبارة عن دوام الحال واستقرارها وهي كظل، ومنه قول أبي سفيان للعباس يوم الفتح: لقد أصبح ملك ابن أخيك اليوم عظيما يريد استقرت حاله عظيما. وقرأ جمهور الناس «فارغا» من الفراغ واختلف في معنى ذلك فقال ابن عباس: «فارغا» من كل شيء إلا من ذكر موسى، وقال مالك: هو ذهاب العقل.
قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: ٤٣] وقالت فرقة «فارغا» من الصبر، وقال ابن زيد «فارغا» من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة «فارغا» من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن «فزعا» من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس «قرعا» بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة رضي الله عنهم «فرغا» بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]
أي هدرا تالفا لا يتبع، وقرأ الخليل بن أحمد «فرغا» بضم الفاء والراء. وقوله تعالى: إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ أي أمر ابنها، وروي أن رسول الله ﷺ قال: «كادت أم موسى أن تقول وا ابناه وتخرج صائحة على وجهها» و «الربط على القلب» تأنيسه وتقويته، ومنه قولهم للشجاع والصابر في المضايق: رابط الجأش، قال قتادة: وربط على قلبها بالإيمان، وقوله لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي من المصدقين بوعد الله وما أوحى إليها به، ثم قالت لأخت موسى طمعا منها وطلبا، قُصِّيهِ، والقص طلب الأثر، فيروى أن أخته خرجت في سكك المدينة تبحث مختفية بذلك فرأته عند قوم من حاشية امرأة فرعون يطلبون به امرأة ترضعه حين لم يقبل المراضع، وعَنْ جُنُبٍ أي عن ناحية من غير قصد ولا قرب يشعر لها به، يقال فيه جنب وجناب وجنابة ومن جناب قول الشاعر: [الطويل]
ومن جنابة قول الأعشى: [الطويل]
قال الفقيه الإمام القاضي: وكأن معنى هذه الألفاظ عن مكان جنب أي عن بعد ومعنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها، وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن عبدة: [الطويل]
قال الفقيه الإمام القاضي: نحو قوله وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ [إبراهيم: ٤٣] وقالت فرقة «فارغا» من الصبر، وقال ابن زيد «فارغا» من وعد الله تعالى ووحيه إليها أي تناسته بالهم وفتر أثره في نفسها وقال لها إبليس فررت به من قتل لك فيه أجر وقتلته بيدك، وقال أبو عبيدة «فارغا» من الحزن إذ لم يغرق، وقرأ فضالة بن عبد الله ويقال ابن عبيد والحسن «فزعا» من الفزع بالفاء والزاي، وقرأ ابن عباس «قرعا» بالقاف والراء من القارعة وهي الهم العظيم، وقرأ بعض الصحابة رضي الله عنهم «فرغا» بالفاء المكسورة والراء الساكنة والغين المنقوطة ومعناها ذاهبا هدرا تالفا من الهم والحزن، ومنه قول طليحة الأسدي في حبال أخيه: [الطويل]
فإن تك قتلى قد أصيبت نفوسهم | فلن يذهبوا فرغا بقتل حبال |
لقد ذكرتني عن جناب حمامة | بعسفان أهلي فالفؤاد حزين |
أتيت حريثا زائرا عن جنابة | فكان حريث عن عطائي جامدا |
278
ﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ
ﰋ
ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼ
ﰌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ
ﰍ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ
ﰎ
فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة | فإني امرؤ وسط القباب غريب |
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٢ الى ١٥]
وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٤) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فَوَجَدَ فِيها رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هذا مِنْ شِيعَتِهِ وَهذا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ قالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (١٥)
قوله تعالى: وَحَرَّمْنا يقتضي أن الله تعالى خصه من الامتناع من ثدي النساء بما يشد به عن عرف الأطفال وهو تحريم تنقيص، والْمَراضِعَ جمع مرضع واستعمل دون هاء التأنيث لأنه لا يلتبس بالرجال.
وقوله تعالى: مِنْ قَبْلُ معناه من أول أمره، وقَبْلُ مبني، والضمير في «قالت» لأخت موسى قال النقاش اسمها مريم، ويَكْفُلُونَهُ، معناه يحسنون تربيته وإرضاعه، وعلم القوم أن مكلمتهم من بني إسرائيل وكان ذلك عرف بني إسرائيل أن يكونوا مراضع وخدمة، وقوله وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ يحتمل أن الضمير يعود على الطفل ويحتمل أن يعود على الملك الذي كان الطفل في ظاهر أمره من جملته، وقال ابن جريج: إن القوم تأولوا أنها أعادت الضمير على الطفل فقالوا لها إنك قد عرفته فأخبرينا من هو فقالت: ما أردت إلا أنهم ناصحون للملك، فتخلصت منهم بهذا التأويل.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يعود الضمير على الطفل ولكن يكون النصح له بسبب الملك وحرصا على التزلف إليه والتقرب منه، وفي الكلام هنا حذف يقتضيه الظاهر وهو أنها حملتهم إلى أم موسى وكلموها في ذلك فدرت عليه وقبلها وحظيت بذلك وأحسن إليها وإلى أهل بيتها، و «قرت عينها» أي سرت بذلك، وروي أن فرعون قال لها: ما سبب قبول هذا الطفل؟ فقالت إني طيبة الرائحة طيبة اللبن ودمع الفرح بارد ودموع الهم حرّى سخنة فمن هذا المعنى قيل قرت العين وسخنت، وقرأ يعقوب «نقر» بنون مضمومة وكسر القاف، ووَعْدَ اللَّهِ المشار إليه وهو الذي أوحاه إليها أولا إما بملك وإما بمنامة وإما بإلهام حسب اختلاف المفسرين في ذلك، والقول بالإلهام يضعف أن يقال فيه وَعْدَ، وقوله تعالى: أَكْثَرَهُمْ
يريد القبط، و «الأشد»، جمع شدة كنعمة وأنعم، هذا قول سيبويه وقال غيره: «الأشد» جمع شد وقالت فرقة «الأشد» اسم مفرد وليس بجمع، واختلف في قدر الأشد من السنين، فقالت فرقة: بلوغ الحلم وهي نحو خمسة عشر عاما، وقالت فرقة: ثمانية عشر عاما، وقال السدي: عشرون، وقالت فرقة: خمسة وعشرون، وقالت فرقة: ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس: ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة: ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة «الاستواء» أربعون سنة، وقال مكي وقيل هو ستون سنة وهذا ضعيف، و «الأشد» شدة البدن واستحكام أسره وقوته، واسْتَوى معناه تكامل عقله وحزمه، وذلك عند الجمهور مع الأربعين، و «الحكم» الحكمة، و «العلم»، والمعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام وهي مقدمة نبوته عليه السلام، واختلف المتألون في قوله تعالى وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِها فقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون وكان يركب مراكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، فقالوا فركب فرعون يوما وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف ثم علم موسى بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة وهو حين الغفلة، قاله ابن عباس وقال أيضا هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق بل الْمَدِينَةَ مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهرة لفرعون وقومه بما يكرهون فكان مختفيا بنفسه متخوفا منهم فدخل متنكرا حذرا مغتفلا للناس، وقال ابن زيد: بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي أمره وجاء هو والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل كان يوم عيد، وقوله تعالى: يَقْتَتِلانِ في موضع الحال أي مقتتلين، وشِيعَتِهِ بنو إسرائيل، وعَدُوِّهِ القبط، وذكر الأخفش سعيد «استعانه» بالعين غير معجمة وبالنون وهي تصحيف لا قراءة، وذكر الثعلبي أن الذي مِنْ شِيعَتِهِ هو السامري وأن الآخر طباخ فرعون، وقوله هذا وَهذا حكاية حال قد كانت حاضرة ولذلك عبر ب هذا عن غائب ماض، «والوكز» الضرب باليد مجموعا كعقد ثلاثة وسبعين، وقرأ ابن مسعود «فلكزه» والمعنى واحد، إلا أن اللكز في اللحا، والوكز على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود «فنكزه» بالنون والمعنى واحد، «وقضى عليه»، معناه قتله مجهزا، وكان موسى عليه السلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته فندم ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو عليه السلام على ذلك وبهذا الوجه جعله من عمله وكان فضل قوة موسى ربما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٦ الى ١٨]
قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
ثم إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى فغفر الله خطأه ذلك. قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٦ الى ١٨]
قالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٦) قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ (١٧) فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قالَ لَهُ مُوسى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (١٨)
ثم إن ندم موسى حمله على الخضوع لربه والاستغفار عن ذنب باء به عنده تعالى فغفر الله خطأه ذلك. قال قتادة: عرف والله المخرج فاستغفر.
قال القاضي أبو محمد: ولم يزل عليه السلام يعتمد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر حتى أنه في القيامة يقول «وقتلت نفسا لم أؤمر بقتلها» حسبما صح في حديث الشفاعة، ثم قال عليه السلام لربه معاهدا رَبِّ بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معينا لِلْمُجْرِمِينَ هذا أحسن ما تؤول.
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله فَلَنْ أَكُونَ، والقسم لا يتلقى ب «لن»، والفاء تمنع أن تنزل «لن» منزلة «لا» أو «ما» فتأمله، واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله «فلا تجعلني ظهيرا».
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى فَأَصْبَحَ عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالما، ويَتَرَقَّبُ معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثا ومنه قول الشاعر [سلامة بن جندل] :[البسيط]
فلما رأى موسى قتاله لآخر أعظم ذلك وقال له معاتبا ومؤنبا إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ وكانت إرادة موسى مع ذلك أن ينصر الإسرائيلي فلما دنا منهما خشي الإسرائيلي وفزع منه وظن أنه ربما ضربه وفزع من قوته التي رأى بالأمس فناداه بالفضيحة وشهر أمر المقتول.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٩ الى ٢١]
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)
قرأ جمهور القراء «يبطش»، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، وغلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غيره
وقال الطبري إنه قسم أقسم بنعمة الله تعالى عنده ويضعفه صورة جواب القسم فإنه غير متمكن في قوله فَلَنْ أَكُونَ، والقسم لا يتلقى ب «لن»، والفاء تمنع أن تنزل «لن» منزلة «لا» أو «ما» فتأمله، واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله «فلا تجعلني ظهيرا».
قال الفقيه الإمام القاضي: واحتج أهل العلم والفضل بهذه الآية في خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح وغيره، وقوله تعالى فَأَصْبَحَ عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته كما تقول: أصبح زيد عالما، ويَتَرَقَّبُ معناه عليه رقبة من فعله في القتل فهو متحسس، قال ابن عباس: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر من القبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم فلما رأى الإسرائيلي موسى استصرخه بمعنى صاح به مستغيثا ومنه قول الشاعر [سلامة بن جندل] :[البسيط]
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع | كان الصراخ له فرع الظنابيب |
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ١٩ الى ٢١]
فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما قالَ يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (٢٠) فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢١)
قرأ جمهور القراء «يبطش»، وقرأ الحسن وأبو جعفر بضم الطاء وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل، والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح، قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى من المقدمات أتى رأي فرعون وملئه على قتل موسى وذبحه، وغلب على نفس فرعون أنه المشار إليه بفساد المملكة فأنفذ فيه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل فخرج على الطريق الأعظم، وأخذ رجل يقال إنه مؤمن آل فرعون ويقال إنه غيره
في بنيات الطريق قصد إلى موضع موسى فبلغه قولهم له إِنَّ الْمَلَأَ الآية، ويَسْعى معناه يسرع في مشيه قاله الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: ويَأْتَمِرُونَ وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيرا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضا وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: ٦]، وقد قال النمر بن تولب: [المتقارب]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة... وفي كل حادثة يؤتمر
وأنشد الطبري: [الكامل]
ما تأتمر فينا فأمرك في... يمينك أو شمالك
ومنه قول ربيعة بن جشم: [المقارب]
أجار بن كعب كأني خمر... ويعدو على المرء ما يأتمر
فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فركب مجهلتها واثقا بالله تعالى ومتوكلا عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكا غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغير فرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: ١٨] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ شمعون، وقال ابن إسحاق: شمعان.
قال الفقيه القاضي أبو محمد: والثبت في هذا ونحوه بعيد.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة والأول عندي أظهر في هذه الآية: ويَأْتَمِرُونَ وزنه يفتعلون ويفتعلون يأتي كثيرا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهل ابن قتيبة إلى أنه بمعنى يأمر بعضهم بعضا وقال: لو كان ذلك لكان يتأمرون.
قال الفقيه الإمام القاضي: وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل وفي القرآن وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق: ٦]، وقد قال النمر بن تولب: [المتقارب]
أرى الناس قد أحدثوا شيمة... وفي كل حادثة يؤتمر
وأنشد الطبري: [الكامل]
ما تأتمر فينا فأمرك في... يمينك أو شمالك
ومنه قول ربيعة بن جشم: [المقارب]
أجار بن كعب كأني خمر... ويعدو على المرء ما يأتمر
فخرج موسى عليه السلام وأفلت القوم فلم يجده أحد منهم وخرج بحكم فزعه ومبادرته إلى الطريق المؤدية إلى مدين وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى لا يعرف تلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فركب مجهلتها واثقا بالله تعالى ومتوكلا عليه، قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل، وقيل ملكا غيره، فسدده إلى طريق مدين وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعي الغنم في مدين وهو أصح وأكثر، وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغير فرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج أو ابن أبي نجيح، شك الطبري أنه قال: إن الذي أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ هو الإسرائيلي فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ [القصص: ١٨] ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى وخاطبه بالفضح وكان موسى من الندامة والتوبة في حد لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر، وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ شمعون، وقال ابن إسحاق: شمعان.
قال الفقيه القاضي أبو محمد: والثبت في هذا ونحوه بعيد.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ (٢٢) وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (٢٣) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤)
282
ولما خرج موسى عليه السلام فارا بنفسه منفردا حافيا لا شيء معه، رأى حاله وعدم معرفته بالطريق وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تعالى وقالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ، وهذه الأقوال منه تقتضي أنه كان عارفا بالله تعالى عالما بالحكمة والعلم الذي آتاه الله تعالى، وتَوَجَّهَ، رد وجهه إليها، وتِلْقاءَ معناه ناحية، أي إلى الجهة التي يلقى فيها الشيء المذكور، وسَواءَ السَّبِيلِ معناه وسطه وقويمه، وفي هذا الوقت بعث الله تعالى الملك المسدد حسبما ذكرناه قبل وقال مجاهد: أراد ب سَواءَ السَّبِيلِ طريق مدين وقال الحسن: أراد سبيل الهدى.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أبدع ونظيره قول الصديق عن النبي ﷺ «هذا الذي يهديني السبيل» الحديث، فمشى عليه السلام حتى ورد مَدْيَنَ أي بلغها، و «وروده الماء» معناه بلغه لا أنه دخل فيه، ولفظة «الورود» قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الإطلال عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل فيه فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه، وهذه الوجوه في اللفظة تتأول في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١]، ومَدْيَنَ لا ينصرف إذ هي بلدة معروفة، و «الأمة» الجمع الكثير، ويَسْقُونَ معناه ماشيتهم، ومِنْ دُونِهِمُ، معناه ناحية إلى الجهة التي جاء منها فوصل إلى «المرأتين» قبل وصوله إلى الأمة وهكذا هما مِنْ دُونِهِمُ بالإضافة إليه، وتَذُودانِ معناه تمنعان وتحبسان، ومنه قوله عليه السلام «فليذادن رجال عن حوضي» الحديث، وشاهد الشعر في ذلك كثير، وفي بعض المصاحف «امرأتين حابستين تذودان»، واختلف في المذود، فقال عباس وغيره تَذُودانِ غنمهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء، وقال قتادة تَذُودانِ الناس عن غنمهما، فلما رأى موسى عليه السلام انتزاح المرأتين قالَ ما خَطْبُكُما أي ما أمركما وشأنكما، وكان استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شَيْخٌ كَبِيرٌ فالمعنى أنه لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا يقدران على مزاحمة الأقوياء وأن عادتهما التأتي حتى يصدر الناس عن الماء ويخلى، وحينئذ تردان، وقالت فرقة كانت الآبار مكشوفة وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقي لهما زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه، وصفته إحداهما بالقوة، وقالت فرقة: بل كانت آبارهم على أفواهها حجارة كبار وكان ورود المرأتين تتبع ما في صهاريج الشرب من الفضلات التي تبقى للسقاة وأن موسى عليه السلام عمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد، وقال ابن جريج: عشرة، وقال ابن عباس: ثلاثون، وقال الزجاج: أربعون، فرفعه موسى وسقى للمرأتين، فعن رفع الصخرة وصفته بالقوة، وقيل إن بئرهم كانت واحدة وإنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات، وقرأ الجمهور «نسقي» بفتح النون، وقرأ طلحة «نسقي» بضمها، وقرأ أبو عمرو وابن عامر «حتى يصدر» بفتح الياء وضم الدال وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وقتادة، وقرأ الباقون «يصدر» بضم الياء وكسر الدال على حذف المفعول تقديره مواشيهم وحذف المفعول
قال القاضي أبو محمد: وهذا أبدع ونظيره قول الصديق عن النبي ﷺ «هذا الذي يهديني السبيل» الحديث، فمشى عليه السلام حتى ورد مَدْيَنَ أي بلغها، و «وروده الماء» معناه بلغه لا أنه دخل فيه، ولفظة «الورود» قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الإطلال عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل فيه فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه، وهذه الوجوه في اللفظة تتأول في قوله تعالى وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١]، ومَدْيَنَ لا ينصرف إذ هي بلدة معروفة، و «الأمة» الجمع الكثير، ويَسْقُونَ معناه ماشيتهم، ومِنْ دُونِهِمُ، معناه ناحية إلى الجهة التي جاء منها فوصل إلى «المرأتين» قبل وصوله إلى الأمة وهكذا هما مِنْ دُونِهِمُ بالإضافة إليه، وتَذُودانِ معناه تمنعان وتحبسان، ومنه قوله عليه السلام «فليذادن رجال عن حوضي» الحديث، وشاهد الشعر في ذلك كثير، وفي بعض المصاحف «امرأتين حابستين تذودان»، واختلف في المذود، فقال عباس وغيره تَذُودانِ غنمهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء، وقال قتادة تَذُودانِ الناس عن غنمهما، فلما رأى موسى عليه السلام انتزاح المرأتين قالَ ما خَطْبُكُما أي ما أمركما وشأنكما، وكان استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر فكأنه بالجملة في شر فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شَيْخٌ كَبِيرٌ فالمعنى أنه لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمه وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا يقدران على مزاحمة الأقوياء وأن عادتهما التأتي حتى يصدر الناس عن الماء ويخلى، وحينئذ تردان، وقالت فرقة كانت الآبار مكشوفة وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقي لهما زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه، وصفته إحداهما بالقوة، وقالت فرقة: بل كانت آبارهم على أفواهها حجارة كبار وكان ورود المرأتين تتبع ما في صهاريج الشرب من الفضلات التي تبقى للسقاة وأن موسى عليه السلام عمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد، وقال ابن جريج: عشرة، وقال ابن عباس: ثلاثون، وقال الزجاج: أربعون، فرفعه موسى وسقى للمرأتين، فعن رفع الصخرة وصفته بالقوة، وقيل إن بئرهم كانت واحدة وإنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات، وقرأ الجمهور «نسقي» بفتح النون، وقرأ طلحة «نسقي» بضمها، وقرأ أبو عمرو وابن عامر «حتى يصدر» بفتح الياء وضم الدال وهي قراءة الحسن وأبي جعفر وقتادة، وقرأ الباقون «يصدر» بضم الياء وكسر الدال على حذف المفعول تقديره مواشيهم وحذف المفعول
283
كثير في القرآن والكلام، وهي قراءة الأعرج وطلحة والأعمش وابن أبي إسحاق وعيسى، والرِّعاءُ جمع راع، وتَوَلَّى موسى عليه السلام إلى ظل سمرة قاله ابن مسعود، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ، ولم يصرح بسؤال، هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، قال ابن عباس: وكان قد بلغ به الجوع واخضر لونه من أكل البقل وضعف حتى لصق بطنه بظهره، ورئيت خضرة البقل في بطنه وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله، وروي أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على الله تعالى.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة، وقيل إن اسمها صوريا، وقال وهب: زوجه الكبرى، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر، وقال النقاش: ويقال كانتا توأمتين، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، وقوله تَمْشِي حال من إِحْداهُما، وقوله عَلَى اسْتِحْياءٍ أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا من النساء ولاجة خراجة، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة: يثرون، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فأنسه بقوله لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون.
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ الآية، فلما وصفته بالقوة والأمانة
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (٢٦) قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٢٧)
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر قدره ابن إسحاق فذهبتا إلى أبيهما سريعتين وكانت عادتهما الإبطاء في السقي فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما فأمر الكبرى من بنتيه، وقيل الصغرى، أن تدعوه له فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما ليا والأخرى شرفا، وروي أن اسم زوجة موسى منهما صفورة، وقيل إن اسمها صوريا، وقال وهب: زوجه الكبرى، وروي عن النبي عليه السلام أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر، وقال النقاش: ويقال كانتا توأمتين، وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار، وقوله تَمْشِي حال من إِحْداهُما، وقوله عَلَى اسْتِحْياءٍ أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا من النساء ولاجة خراجة، واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى عليه السلام من هو، فقال الجمهور هو شعيب عليه السلام وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال أبو عبيدة: يثرون، وقيل هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما وهو كان صاحب الغنم وهو المزوج ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته، وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب فقام يتبعها إلى أبيها فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها فتحرج موسى من النظر إليها فقال لها ارجعي خلفي وأرشديني الطريق ففهمت عنه فذلك سبب وصفها له بالأمانة قاله ابن عباس، فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه فقص عليه أمره من أوله إلى آخره فأنسه بقوله لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون.
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ الآية، فلما وصفته بالقوة والأمانة
ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇ
ﰛ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ
ﰜ
ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁ
ﰝ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ
ﰞ
ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕ
ﰟ
قال لها أبوها ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إليّ وقت هبوب الريح، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد وغيرهم، فقال له عند ذلك الأب إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ قال ابن عباس فزوجه التي دعته، و «تأجر»، معناه تثيب وقال مكي في هذه الآية خصائص في النكاح منها أنه لم يعين الزوجة ولا حد أول الأمر وجعل المهر إجارة ودخل ولم ينقد شيئا.
قال القاضي أبو محمد: أما التعيين فيشبه أنه كان في أثناء حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملا وعين بعد ذلك، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه فإما رسماه، وإلا فهو من وقت العقد وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهذا أمر قد قرره شرعنا وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص، وبعضهم إلى أنه منسوخ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة، وجوزها ابن حبيب وغيره إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة قبل ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح، أنكحه إياها أكثر من أنكحها إياه وهذا معترض، وجعل شعيب «الثمانية الأعوام» شرطا ووكل العامين إلى المروءة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٨ الى ٣٢]
قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)
لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج، وأَيَّمَا استفهام نصبه ب قَضَيْتُ وما صلة للتأكيد، وقرأ الحسن «أيما» بسكون الياء، وقرأ ابن مسعود «أي الأجلين ما قضيت»، وقرأ الجمهور «فلا عدوان» بضم العين وقرأ أبو حيوة «فلا عدوان» بكسر العين، والمعنى لا تبعة علي من قول ولا فعل، و «الوكيل» الشاهد القائم بالأمر، قال ابن زيد: ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت له فيه عصيّ وفيه هذه العصا، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها وكانت عصا آدم وكانت من عير ورقة الريحان، فروي أن شعيبا أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها، فوثبت إليه، وفعل ذلك ثالثة، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه يرشح للنبوءة فتركها له،
قال القاضي أبو محمد: أما التعيين فيشبه أنه كان في أثناء حال المراوضة وإنما عرض الأمر مجملا وعين بعد ذلك، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه بل هو مسكوت عنه فإما رسماه، وإلا فهو من وقت العقد وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهذا أمر قد قرره شرعنا وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص، وبعضهم إلى أنه منسوخ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة، وجوزها ابن حبيب وغيره إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة قبل ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح، أنكحه إياها أكثر من أنكحها إياه وهذا معترض، وجعل شعيب «الثمانية الأعوام» شرطا ووكل العامين إلى المروءة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٢٨ الى ٣٢]
قالَ ذلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ (٢٨) فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٢٩) فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٣٠) وَأَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ (٣١) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٣٢)
لما فرغ كلام شعيب قرره موسى عليه السلام وكرر معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج، وأَيَّمَا استفهام نصبه ب قَضَيْتُ وما صلة للتأكيد، وقرأ الحسن «أيما» بسكون الياء، وقرأ ابن مسعود «أي الأجلين ما قضيت»، وقرأ الجمهور «فلا عدوان» بضم العين وقرأ أبو حيوة «فلا عدوان» بكسر العين، والمعنى لا تبعة علي من قول ولا فعل، و «الوكيل» الشاهد القائم بالأمر، قال ابن زيد: ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى أن يسير إلى بيت له فيه عصيّ وفيه هذه العصا، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها وكانت عصا آدم وكانت من عير ورقة الريحان، فروي أن شعيبا أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها، فوثبت إليه، وفعل ذلك ثالثة، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه يرشح للنبوءة فتركها له،
285
وقيل إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها، فأبى موسى ذلك فقال له شعيب: نمد إليها جميعا فمن طاوعته فهي له، فمد إليها شعيب يده فثقلت، ومد إليها موسى فخفت ووثبت إليه، فعلما أن هذا من الترشيح، وقال عكرمة: إن عصا موسى إنما دفعها إليه جبريل ليلا عند توجهه إلى مدين، وقوله تعالى فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ، قال سعيد بن جبير سألني رجل من النصارى أي الأجلين قضى موسى، فقلت لا أدري حتى أقدم على حبر العرب أعني ابن عباس، فقدمت عليه فسألته، فقال قضى أكملهما وأوفاهما إن رسول الله ﷺ إذا قال وفى فعدت فأعلمت النصراني، فقال صدق هذا والله العالم، وروي عن ابن عباس أن النبي ﷺ سأل في ذلك جبريل فأخبره أنه قضى عشر سنين، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قضى عشرا وعشرا بعدها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر بلده وقومه وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوءة فسار وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فلما جاء في بعض طريقه في ليلة مظلمة مردة حرة قال النقاش كانت ليلة جمعة فقدوا النار وأصلد الزند وضلوا الطريق واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا وكان ذلك نورا من الله تعالى قد التبس بشجرة قال وهب كانت عليقا وقال قتادة عوسجا.
وقيل زعرورا، وقيل سمرة، قاله ابن مسعود و «آنس» معناه أحس والإحساس هنا بالبصر ومن هذه اللفظة قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء: ٦] ومنها قول حسان: [المنسرح]
وكان هذا الأمر كله في جانِبِ الطُّورِ وهو جبل معروف بالشام، والطُّورِ كل جبل، وخصصه قوم بأنه الذي لا ينبت فلما رأى موسى النار سر فقال لأهله أقيموا فقد رأيت نارا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ عن الطريق أين هو أَوْ جَذْوَةٍ وهي القطعة من النار في قطعة عود كبيرة لا لهب لها إنما هي جمرة ومن ذلك قول الشاعر [ابن مقبل] :[البسيط]
قال القاضي أبو محمد: وأحسب أن أصل «الجذوة» أصول الشجر وأهل البوادي أبدا يوقدونها، فتلك هي الجذوة حقيقة، ومنه قول السلمي يصف الصلى: [الطويل]
وقرأ الجمهور «جذوة» بكسر الجيم، وقرأ حمزة والأعمش «جذوة» بضمها، وقرأ عاصم «جذوة» بفتحها، وهي لغات والصلى حر النار، وتَصْطَلُونَ تفتعلون منه أبدلت التاء طاء، فلما أتى موسى عليه السلام ذلك الضوء الذي رآه وهو في تلك الليلة ابن أربعين سنة نبىء عليه السلام، فروي أنه كان يمشي إلى ذلك النور فكان يبعد منه تمشي به الشجرة وهي خضراء غضة حتى نُودِيَ، و «الشاطئ» والشط ضفة
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف وفي قصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما قضى الأجل أراد أن يسير بأهله إلى مصر بلده وقومه وقد كان لا محالة أحس بالترشيح للنبوءة فسار وكان رجلا غيورا لا يصحب الرفاق، فلما جاء في بعض طريقه في ليلة مظلمة مردة حرة قال النقاش كانت ليلة جمعة فقدوا النار وأصلد الزند وضلوا الطريق واشتد عليهم الخصر، فبينا هو كذلك إذ رأى نارا وكان ذلك نورا من الله تعالى قد التبس بشجرة قال وهب كانت عليقا وقال قتادة عوسجا.
وقيل زعرورا، وقيل سمرة، قاله ابن مسعود و «آنس» معناه أحس والإحساس هنا بالبصر ومن هذه اللفظة قوله تعالى: فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً [النساء: ٦] ومنها قول حسان: [المنسرح]
انظر خليلي بباب جلق هل ت | ونس دون البلقاء من أحد |
باتت حواطب ليلى يلتمسن لها | جزل الجذا غير خوار ولا دعر |
حمى حب هذا النار حب خليلتي | وحب الغواني فهي دون الحبائب |
وبدلت بعد البان والمسك شقوة | دخان الجذا في رأس أشحط شاحب |
286
ﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟ
ﰠ
ﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ
ﰡ
ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ
ﰢ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ
ﰣ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ
ﰤ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑ
ﰥ
ﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ
ﰦ
الوادي، وقوله الْأَيْمَنِ يحتمل أن يكون من اليمن صفة للوادي أو للشاطىء، ويحتمل أن يكون المعادل لليسار فذلك لا يوصف به الشاطئ إلا بالإضافة إلى موسى في استقباله مهبط الوادي أو يعكس ذلك وكل هذا قد قيل، و «بركة البقعة» هي ما خصت به من آيات الله تعالى وأنواره وتكليمه لموسى عليه السلام، والناس على ضم الباء من «بقعة»، وقرأ بفتحها أبو الأشهب، قال أبو زيد: سمعت من العرب: هذه بقعة طيبة بفتح الباء، وقوله تعالى مِنَ الشَّجَرَةِ يقتضي أن موسى عليه السلام سمع ما سمع من جهة الشجرة، وسمع وأدرك غير مكيف ولا محدد، وقوله تعالى أَنْ يا مُوسى يحتمل أن تكون أَنْ مفسرة ويحتمل أن تكون في موضع نصب بإسقاط حرف الجر، وقرأت فرقة «أني أنا الله» بفتح «أني»، ثم أمره الله تعالى بإلقاء العصا، فألقاها فانقلبت حية عظيمة ولها اضطراب «الجانّ» وهو صغير الحيات فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ، هذا قول بعضهم، وقالت فرقة: بل «الجانّ» يعم الكبير والصغير وإنما شبه ب «الجان» جملة العصا لاضطرابها فقط، وولى موسى عليه السلام فزعا منها، ووَ لَمْ يُعَقِّبْ، معناه لم يرجع على عقبه، من توليه فقال الله تعالى يا مُوسى أَقْبِلْ فأقبل وقد آمن بتأمين الله إياه، ثم أمره بأن يدخل يده في جيبه وهو فتح الجبة من حيث يخرج رأس الإنسان، وروي أن كم الجبة كان في غاية الضيق فلم يكن له جيب تدخل يده إلا في جيبه، و «سلك» معناه أدخل ومنه قول الشاعر: [البسيط]
وقوله تعالى: مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أي من غير برص ولا مثلة.
وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس، وقوله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي، وقوله تعالى فَذانِكَ بُرْهانانِ قال مجاهد والسدي: هي إشارة إلى العصا واليد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس «الرّهب» بفتح الراء والهاء، وقرأ عاصم وقتادة «الرهب» بسكون الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضا «الرّهب» بضم الراء وسكون الهاء، وقرأ الجحدري «الرّهب» بضم الراء والهاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فذانّك» بشد النون، وقرأ الباقون «فذانك» بتخفيف النون، وقرأ شبل عن ابن كثير «فذانيك» بياء بعد النون المخففة، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف، وقرأ ابن مسعود «فذانيك» بالياء أيضا مع شد النون وهي لغة هذيل، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون و «برهانان»، حجتان ومعجزتان، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٩]
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)
وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩)
حتى سلكن الشوا منهن في مسك | من نسل جوابة الآفاق مهداج |
وروي أن يده كانت تضيء كأنها قطعة شمس، وقوله تعالى: وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ذهب مجاهد وابن زيد إلى أن ذلك حقيقة، أمره بضم عضده وذراعه وهو الجناح إلى جنبه ليخف بذلك فزعه، ومن شأن الإنسان إذا فعل ذلك في أوقات فزعه أن يقوى قلبه، وذهبت فرقة إلى أن ذلك على المجاز والاستعارة وأنه أمره بالعزم على ما أمر به وأنه كما تقول العرب اشدد حيازيمك واربط جأشك، أي شمر في أمرك ودع الرهب، وذلك لما كثر تخوفه في غير ما موطن قاله أبو علي، وقوله تعالى فَذانِكَ بُرْهانانِ قال مجاهد والسدي: هي إشارة إلى العصا واليد، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والناس «الرّهب» بفتح الراء والهاء، وقرأ عاصم وقتادة «الرهب» بسكون الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وعاصم أيضا «الرّهب» بضم الراء وسكون الهاء، وقرأ الجحدري «الرّهب» بضم الراء والهاء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «فذانّك» بشد النون، وقرأ الباقون «فذانك» بتخفيف النون، وقرأ شبل عن ابن كثير «فذانيك» بياء بعد النون المخففة، أبدل إحدى النونين ياء كراهة التضعيف، وقرأ ابن مسعود «فذانيك» بالياء أيضا مع شد النون وهي لغة هذيل، وحكى المهدوي أن لغتهم تخفيف النون و «برهانان»، حجتان ومعجزتان، وباقي الآية بين.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٣٣ الى ٣٩]
قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)
وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ (٣٩)
287
كان موسى عليه السلام قد امتحن بمخاوف فطلب شد العضد بأخيه هارُونُ لأنه كان فصيح اللسان سجيح الخلق، وقرأ الجمهور «ردءا» بالهمز، وقرأ نافع وحده «ردا» بتنوين الدال دون همز وهي قراءة أبي جعفر والمدنيين وذلك على التخفيف من ردء، والردء الوزر المعين والذي يسند إليه في الأمر، وذهبت فرقة إلى أنها من معنى الزيادة كما قال الشاعر [القرطبي] :[الطويل]
وهذا على ترك الهمز وأن يكون وزنه فعلا، وقرأ الجمهور «يصدقني» بالجزم وذلك على جواب فَأَرْسِلْهُ، وقرأ عاصم وحمزة «يصدقني» أي مصدقا فهو صفة للردء أو حال، و «شد العضد» استعارة في المعونة والإنهاض، وقرأ الحسن بضم العين من «عضد»، وقرأ عيسى بن عمر بفتح العين والضاد، و «السلطان»، الحجة، وقوله بِآياتِنا يحتمل أن تتعلق الباء بقوله وَنَجْعَلُ لَكُما أو ب يَصِلُونَ وتكون باء السبب، ويحتمل أن تتعلق بقوله الْغالِبُونَ أي تغلبون بآياتنا، والآيات هي معجزاته عليه السلام، ولما كذبوه ورموه بالسحر قارب موسى عليه السلام في احتجاجه وراعه تكذيبهم فرد الأمر إلى الله عز وجل وعول على ما سيظهره في شأنهم وتوعدهم بنقمة الله تعالى منهم، وقرأ ابن كثير «قال موسى» بغير واو، وقرأ غيره وجميع السبعة «وقال» بواو، وقرأ الجمهور «تكون» بالتاء، وقرأ حمزة والكسائي «يكون»، بالياء على التذكير إذ هي بمنزلة العاقب فهي كالصوت والصيحة والوعظ والموعظة، واستمر فرعون في طريق مخرقته على قومه وأمر هامانُ بأن يطبخ له الآجر وأن يبني له صَرْحاً أي سطحا في أعلى الهواء، وليس الصرح إلا ما له سطح، ويحتمل أن يكون الإيقاد على الطين كالبرامي، وترجى بذلك بزعمه أن يطلع في السماء، فروي عن السدي أنه بناه أعلى ما يمكن ثم صعد فيه ورمى بالنبل فردها الله تعالى إليه مخضوبة بالدم ليزيدهم عمى وفتنة، فقال فرعون حينئذ: إني قتلت إله موسى، ثم قال وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ يريد في أن موسى أرسله مرسل، فالظن على بابه وهو معنى إيجاب الكفر بمنزلة التصميم على التكذيب، وقرأ حمزة والكسائي ونافع «لا يرجعون»، وقرأ الباقون والحسن وخالد «لا يرجعون» بضم الياء وفتح الجيم.
وأسمر خطّي كأن كعوبه | نوى القسب قد أردى ذراعا على العشر |
288
ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪ
ﰧ
ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ
ﰨ
ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ
ﰩ
ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ
ﰪ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝ
ﰫ
ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱ
ﰬ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ
ﰭ
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)
«نبذناهم» معناه طرحناهم، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر:
وقوم فرعون وإن كانوا ساروا إلى البحر ودخلوه باختيارهم فإن ما ضمهم من القدر السابق السائق هو نبذ الله تعالى إياهم فيه، والْيَمِّ بحر القلزم في قول أكثر الناس، وقالت فرقة: كان غرقهم في نيل مصر والأول أشهر، وقوله تعالى: وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ عبارة عن حالهم وأفعالهم وخاتمتهم، أي هم بذلك كالداعين إلى النار وهم فيه أئمة من حيث اشتهروا وبقي حديثهم، فهم قدوة لكل كافر وعات إلى يوم القيامة، والْمَقْبُوحِينَ الذين يقبح كل أمرهم قولا لهم وفعلا بهم، قال ابن عباس: هم الذين قبحوا بسواد الوجوه وزرق العيون، وَيَوْمَ ظرف مقدم، وقوله تعالى: مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى إخبار بأنه أنزل التوراة على موسى بعد هلاك فرعون وقومه وبعد هذه الأمم التي قد تقدم ذكرها من عاد وثمود وقرية قوم لوط وغيرها، والقصد بهذا الإخبار التمثيل لقريش بما تقدم في غيرها من الأمم، وقالت فرقة: إن الآية مضمنة أن إنزال التوراة على موسى هو بعد أن رفع الله تعالى عذاب الأمم فلم تعذب أمة بعد نزول التوراة إلا القرية التي مسخت قردة، فيما روي، وقوله بَصائِرَ نصب على الحال، أي طرائق هادية، وقوله تعالى: لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي على ترجي البشر وما يعطيه تأميل من أمل الأمر، وروي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: ما أهلك الله تعالى أمة بعذاب منذ أنزل إلى الأرض غير القرية التي مسخت قردة وهم الذين تعدوا في السبت، وهذا التعذيب من سبب شرع موسى فكأنه لا ينقص فضيلة التوراة برفع العذاب عن الأرض.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)
المعنى ولم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها ولكنها صارت إليك بوحينا أي فكان الواجب
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٠ الى ٤٣]
فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ (٤١) وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (٤٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى بَصائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٣)
«نبذناهم» معناه طرحناهم، ومنه نبذ النواة ومنه قول الشاعر:
نظرت إلى عنوانه فنبذته | كنبذك نعلا من نعالك باليا |
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٦]
وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٤٤) وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٤٥) وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٤٦)
المعنى ولم تحضر يا محمد هذه الغيوب التي تخبر بها ولكنها صارت إليك بوحينا أي فكان الواجب
أن يسارع إلى الإيمان بك ولكن تطاول الأمر على القرون التي أنشأناها زمنا زمنا فعزبت حلومهم واستحكمت جهالتهم وضلالتهم، وقَضَيْنا معناه أبعدنا وصيرنا، والْأَمْرَ يعني النبوءة، وقالت فرقة:
يعني ما أعلمه به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله: وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً، و «الثاوي» المقيم، وقوله وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى.
وقوله تعالى: إِذْ نادَيْنا، روي عن أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة محمد، فالمعنى إِذْ نادَيْنا بأمرك وأخبرنا بنبوتك وقوله رَحْمَةً نصب على المصدر أو مفعول من أجله، وقوله وَلكِنْ مرتبط بقوله وَما كُنْتَ أي وَلكِنْ جعلناك وأنفذنا أمرك قديما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أو يكون المعنى وَلكِنْ أعلمناك ونبأناك رَحْمَةً منا لك وإفضالا، وقرأ الناس «رحمة» بالنصب، وقرأ عيسى «رحمة» بالرفع، ويريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير معاصر به من العرب، وباقي الآية بين، وقال الطبري: معنى قوله إِذْ نادَيْنا بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)
«المصيبة» عذاب في الدنيا على كفرهم، وجواب لَوْلا محذوف يقتضيه الكلام تقديره لعاجلناهم بما يستحقونه، وقال الزجاج: تقديره لما أرسلنا الرسل، وقوله جاءَهُمُ الْحَقُّ يريد القرآن ومحمدا عليه السلام، والمقالة التي قالتها قريش لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى كانت من تعليم اليهود لهم قالوا لهم لم لا يأتي بآية باهرة كالعصا واليد ونتق الجبل وغير ذلك، فعكس الله عليهم قولهم ووقفهم على أنه قد وقع منهم في تلك الآيات ما وقع من هؤلاء في هذه، فالضمير في يَكْفُرُوا لليهود، وقرأ الجمهور «ساحران» والمراد بهما موسى وهارون قاله مجاهد، وقال الحسن: موسى وعيسى وقال ابن عباس: موسى ومحمد، وقال الحسن أيضا: عيسى ومحمد عليهما السلام، والأول أظهر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «سحران» والمراد
يعني ما أعلمه به من أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل حسن يلتئم معه ما بعده من قوله: وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً، و «الثاوي» المقيم، وقوله وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ يريد وقت إنزال التوراة إلى موسى.
وقوله تعالى: إِذْ نادَيْنا، روي عن أبي هريرة أنه نودي يومئذ من السماء يا أمة محمد استجبت لكم قبل أن تدعوني وغفرت لكم قبل أن تسألوني، فحينئذ قال موسى عليه السلام: اللهم اجعلني من أمة محمد، فالمعنى إِذْ نادَيْنا بأمرك وأخبرنا بنبوتك وقوله رَحْمَةً نصب على المصدر أو مفعول من أجله، وقوله وَلكِنْ مرتبط بقوله وَما كُنْتَ أي وَلكِنْ جعلناك وأنفذنا أمرك قديما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ أو يكون المعنى وَلكِنْ أعلمناك ونبأناك رَحْمَةً منا لك وإفضالا، وقرأ الناس «رحمة» بالنصب، وقرأ عيسى «رحمة» بالرفع، ويريد بالقوم الذين لم يأتهم نذير معاصر به من العرب، وباقي الآية بين، وقال الطبري: معنى قوله إِذْ نادَيْنا بأن سأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٧ الى ٥٠]
وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٤٧) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨) قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠)
«المصيبة» عذاب في الدنيا على كفرهم، وجواب لَوْلا محذوف يقتضيه الكلام تقديره لعاجلناهم بما يستحقونه، وقال الزجاج: تقديره لما أرسلنا الرسل، وقوله جاءَهُمُ الْحَقُّ يريد القرآن ومحمدا عليه السلام، والمقالة التي قالتها قريش لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى كانت من تعليم اليهود لهم قالوا لهم لم لا يأتي بآية باهرة كالعصا واليد ونتق الجبل وغير ذلك، فعكس الله عليهم قولهم ووقفهم على أنه قد وقع منهم في تلك الآيات ما وقع من هؤلاء في هذه، فالضمير في يَكْفُرُوا لليهود، وقرأ الجمهور «ساحران» والمراد بهما موسى وهارون قاله مجاهد، وقال الحسن: موسى وعيسى وقال ابن عباس: موسى ومحمد، وقال الحسن أيضا: عيسى ومحمد عليهما السلام، والأول أظهر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «سحران» والمراد
بهما التوراة والإنجيل، قال عكرمة، وقال ابن عباس: التوراة والقرآن، وقرأ ابن مسعود «سحران اظاهرا» وهي قراءة طلحة والضحاك.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد بما أُوتِيَ مُوسى أمر محمد الذي في التوراة كأنه يقول وما يطلبون بأن يأتي ب مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى وهم قد كفروا في التكذيب بك بما أوتيه موسى من الإخبار بك، وقوله إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ يؤيد هذا التأويل، وتَظاهَرا معناه تعاونا، وقوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية، هذه حجة أمره الله تعالى أن يصدع بها، أي أنتم أيها المكذبون بهذه الكتب التي قد تضمنت الأمر بالعبادات ومكارم الأخلاق ونهت عن الكفر والنقائص ووعد الله تعالى مع ذلك الثواب عليها الجزيل إن كان تكذيبهم لمعنى وبحال صحة فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يهدي أكثر من هدي هذه أتبعه معكم، ثم قال تعالى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وهو قد علم أنهم لا يستجيبون على معنى الإيضاح لفساد حالهم، وسياق القياس البين لأنهم متبعون لأهوائهم، ثم عجب تعالى من ضلال من تبع هواه بغير هداية ولغير مقصد نير وقرر على ذلك على جهة البيان أي لا أحد أضل منه.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)
الذين وصل لَهُمُ الْقَوْلَ هم قريش قاله مجاهد وغيره، وقال أبو رفاعة القرظي: نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم ذكره الطبري، وقال الجمهور: معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام، قال الحسن وفي ذكر الأمم المهلكة وصلت لهم قصة بقصة حسب مرور الأيام، وذهب مجاهد أن معنى وَصَّلْنا فصلنا أي جعلناه أوصالا من حيث كان أنواعا من القول في معان مختلفة، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى لكن إنما عدد عليهم هاهنا تقسيمه في أنواع من القول، وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصيل الذي وصل لهم القول معناه وصل المعاني من الوعظ والزجر وذكر الآخرة وغير ذلك، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ أي إلى الإعجاز، فالمعنى وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا معجزا على نبوتك.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى الأول تقديره وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا تضمن معاني من تدبرها اهتدى، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «ولقد وصلنا» بتخفيف الصاد، وقوله لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي في طمع البشر، وظاهر الأمر عندهم وبحسبهم، ثم ذكر تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيا بهم قريشا، واختلف إلى من الإشارة، فقيل إلى جماعة من اليهود أسلمت وكانت تلقى من الكفار أذى، وقيل إلى بحيرا
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد بما أُوتِيَ مُوسى أمر محمد الذي في التوراة كأنه يقول وما يطلبون بأن يأتي ب مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى وهم قد كفروا في التكذيب بك بما أوتيه موسى من الإخبار بك، وقوله إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ يؤيد هذا التأويل، وتَظاهَرا معناه تعاونا، وقوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية، هذه حجة أمره الله تعالى أن يصدع بها، أي أنتم أيها المكذبون بهذه الكتب التي قد تضمنت الأمر بالعبادات ومكارم الأخلاق ونهت عن الكفر والنقائص ووعد الله تعالى مع ذلك الثواب عليها الجزيل إن كان تكذيبهم لمعنى وبحال صحة فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يهدي أكثر من هدي هذه أتبعه معكم، ثم قال تعالى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وهو قد علم أنهم لا يستجيبون على معنى الإيضاح لفساد حالهم، وسياق القياس البين لأنهم متبعون لأهوائهم، ثم عجب تعالى من ضلال من تبع هواه بغير هداية ولغير مقصد نير وقرر على ذلك على جهة البيان أي لا أحد أضل منه.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)
الذين وصل لَهُمُ الْقَوْلَ هم قريش قاله مجاهد وغيره، وقال أبو رفاعة القرظي: نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم ذكره الطبري، وقال الجمهور: معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام، قال الحسن وفي ذكر الأمم المهلكة وصلت لهم قصة بقصة حسب مرور الأيام، وذهب مجاهد أن معنى وَصَّلْنا فصلنا أي جعلناه أوصالا من حيث كان أنواعا من القول في معان مختلفة، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى لكن إنما عدد عليهم هاهنا تقسيمه في أنواع من القول، وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصيل الذي وصل لهم القول معناه وصل المعاني من الوعظ والزجر وذكر الآخرة وغير ذلك، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ أي إلى الإعجاز، فالمعنى وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا معجزا على نبوتك.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى الأول تقديره وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا تضمن معاني من تدبرها اهتدى، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «ولقد وصلنا» بتخفيف الصاد، وقوله لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي في طمع البشر، وظاهر الأمر عندهم وبحسبهم، ثم ذكر تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيا بهم قريشا، واختلف إلى من الإشارة، فقيل إلى جماعة من اليهود أسلمت وكانت تلقى من الكفار أذى، وقيل إلى بحيرا
الراهب، وقال الزهراوي: إلى النجاشي، وقيل: إلى سلمان وابن سلام، وأسند الطبري عن علي بن أبي رفاعة قال: خرج عشرة رهط من أهل الكتاب فيهم أبو رفاعة يعني أباه فأسلموا فأوذوا فنزلت فيهم هذه الآية، والضمير في قَبْلِهِ يحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يعود على القرآن، وما بعد يؤيد هذا، قوله وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ وقولهم إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ يريدون الإسلام المتحصل لهم من شريعة موسى وعيسى عليهما السلام، وأَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ معناه على ملتين وبحظوة شريعتين، وهذا المعنى هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة يؤتيهم أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي، والعبد الناصح في عبادة ربه وخدمة سيده، ورجل كانت له أمة فأدبها وعلمها ثم أعتقها وتزوجها» وقوله تعالى: بِما صَبَرُوا عام في صبرهم على ملتهم ثم على هذه وعلى الأذى الذي يلقونه من الكفار وغير ذلك من أنواع الصبر، وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ معناه يدفعون هذا وصف لمكارم الأخلاق أي يتعاقبون ومن قال لهم سوءا لا ينوه وقابلوه من القول الحسن بما يدفعه، وهذه آية مهادنة وهي في صدر الإسلام وهي مما نسخته آية السيف وبقي حكمها فيما دون الكفر يتعاطاها أمة محمد إلى يوم القيامة، وقوله تعالى: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ مدح لهم بالنفقة في الطاعات وعلى رسم الشرع، وفي ذلك حض على الصدقات ونحوها، واللَّغْوَ سقط القول، والقول يسقط لوجوه يعز حصرها، فالفحش لغو، والسب لغو، واليمين لغو حسب الخلاف فيها، وكلام مستمع الخطبة لغو، والمراد من هذا في هذه الآية ما كان سبا وأذى فأدب أهل الإسلام الإعراض عنه، والقول على جهة التبري لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وقال ابن زيد اللَّغْوَ هاهنا ما كان بنو إسرائيل كتبوه في التوراة مما ليس من عند الله.
قال القاضي أبو محمد: فهذه المهادنة هي لبني إسرائيل الكفار منهم، وسَلامٌ عَلَيْكُمْ في هذا الموضع ليس المقصود بها التحية، لكنه لفظ التحية قصد به المتاركة، وهو لفظ مؤنس مستنزل لسامعه إذ هو في عرف استعماله تحية.
قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال، ولا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ معناه لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)
أجمع جل المفسرين على أن قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة وابن المسيب وغيرهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم
قال القاضي أبو محمد: فهذه المهادنة هي لبني إسرائيل الكفار منهم، وسَلامٌ عَلَيْكُمْ في هذا الموضع ليس المقصود بها التحية، لكنه لفظ التحية قصد به المتاركة، وهو لفظ مؤنس مستنزل لسامعه إذ هو في عرف استعماله تحية.
قال الزجاج: وهذا قبل الأمر بالقتال، ولا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ معناه لا نطلبهم للجدال والمراجعة والمسابة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٦ الى ٥٨]
إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦) وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ (٥٨)
أجمع جل المفسرين على أن قوله تعالى إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ إنما نزلت في شأن أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة وابن المسيب وغيرهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم
دخل عليه وهو يجود بنفسه فقال له: «أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله»، وكان بحضرته عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل بن هشام فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب يا أبا طالب؟ فقال أبو طالب: يا محمد لولا أني أخاف أن يعير بها ولدي من بعدي لأقررت بها عينك، ثم قال أبو طالب: أنا على ملة عبد المطلب والأشياخ، فتفجع رسول الله ﷺ وخرج عنه فمات أبو طالب على كفره فنزلت هذه الآية، قال أبو روق: قوله تعالى: وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ، إشارة إلى العباس، والضمير في قوله وَقالُوا لقريش، قال ابن عباس والمتكلم بذلك فيهم الحارث بن نوفل وقصد الإخبار بأن العرب تنكر عليهم رفض الأوثان وفراق حكم الجاهلية فتخطفهم من أرضهم، وقوله والْهُدى معناه على زعمك، وحكى الثعلبي أنه قال له إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن إن اتبعناك تخطفنا العرب فقطعهم الله تعالى بالحجة، أي أليس كون الحرم لكم مما يسرناه وكففنا عنكم الأيدي فيه فكيف بكم لو أسلمتم واتبعتم ديني وشرعي، وروي عن أبي عمرو «نتخطف» بضم الفاء، و «أمن الحرم» هو أن لا يغزى ولا يؤذى فيه أحد، وقوله تعالى يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ أي تجمع وتجلب، وقرأ نافع وحده «تجبى» بالتاء من فوق، وقرأ الباقون «يجبى» بياء من تحت، ورويت التاء من فوق عن أبي عمرو وأبي جعفر وشيبة بن نصاح، وقوله تعالى: كُلِّ شَيْءٍ، يريد مما به صلاح حالهم وقوام أمرهم، وليس العموم فيه على الإطلاق، وقرأ أبان بن تغلب «ثمرات» بضم الثاء والميم، ثم توعد تعالى قريشا بضرب المثل بالقرى المهلكة، أي فلا تغتروا بالحرم والأمن والثمرات التي تجبى، فإن الله تعالى يهلك الكفرة على ما سلف في الأمم، وبَطِرَتْ معناه سفهت وأشرت وطغت قاله ابن زيد وغيره، ومَعِيشَتَها نصب على التفسير مثل قوله سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة: ١٣٠] وقال الأخفش هو إسقاط حرف الجر أي بَطِرَتْ في مَعِيشَتَها ثم أحالهم على الاعتبار في خراب ديار الأمم المهلكة كحجر ثمود وغيره وباقي الآية بين.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)
إن كانت الإرادة ب الْقُرى المدن التي في عصر النبي ﷺ ف «أم القرى» مكة، وإن كانت الإرادة الْقُرى بالإطلاق في كل زمن ف أُمِّها في هذا الموضع أعظمها وأفضلها الذي هو بمثابة مكة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت أم القرى كلها أيضا من حيث هي أول ما خلق من الأرض ومن حيث فيها البيت، ومعنى الآية أن الله تعالى يقيم الحجة على عباده بالرسل فلا يعذب إلا بعد نذارة وبعد أن يتمادى أهل القرى في ظلم وطغيان، و «الظلم» هنا يجمع الكفر والمعاصي والتقصير في الجهاد وبالجملة وضع الباطل موضع الحق، ثم خاطب تعالى قريشا محقرا لما كانوا يفخرون به من مال
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلاَّ وَأَهْلُها ظالِمُونَ (٥٩) وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى أَفَلا تَعْقِلُونَ (٦٠) أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٦١)
إن كانت الإرادة ب الْقُرى المدن التي في عصر النبي ﷺ ف «أم القرى» مكة، وإن كانت الإرادة الْقُرى بالإطلاق في كل زمن ف أُمِّها في هذا الموضع أعظمها وأفضلها الذي هو بمثابة مكة في عصر محمد صلى الله عليه وسلم، وإن كانت أم القرى كلها أيضا من حيث هي أول ما خلق من الأرض ومن حيث فيها البيت، ومعنى الآية أن الله تعالى يقيم الحجة على عباده بالرسل فلا يعذب إلا بعد نذارة وبعد أن يتمادى أهل القرى في ظلم وطغيان، و «الظلم» هنا يجمع الكفر والمعاصي والتقصير في الجهاد وبالجملة وضع الباطل موضع الحق، ثم خاطب تعالى قريشا محقرا لما كانوا يفخرون به من مال
وبنين وغير ذلك من قوة لم تكن عند محمد ﷺ ولا عند من آمن به فأخبر تعالى قريشا أن ذلك متاع الدنيا الفاني وأن الآخرة وما فيها من النعم التي أعدها الله لهؤلاء المؤمنين خَيْرٌ وَأَبْقى، ثم وبخهم بقوله تعالى: أَفَلا تَعْقِلُونَ، وقرأ الجمهور «أفلا يعقلون» بالياء، وقرأ أبو عمرو وحده بالتاء من فوق، وروي عنه بالياء، كذا قال أبو علي في الحجة، وذلك خلاف ما حكى أبو حاتم والناس، فإن نافعا يقرأ بالتاء من فوق وهي قراءة الأعرج والحسن وعيسى، ثم زادهم توبيخا بقوله أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً الآية، وقوله أَفَمَنْ وَعَدْناهُ يعم معناها جميع العالم لكن اختلف الناس فيمن نزلت، فقال مجاهد:
الذي وعد الوعد الحسن هو محمد عليه السلام وضده أبو جهل، وقال مجاهد أيضا: نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل في علي وأبي جهل، وقال قتادة: نزلت عامة في المؤمن والكافر كما معناها عام.
قال القاضي أبو محمد: ونزولها عام بين الاتساق بما قبله من توبيخ قريش، ومِنَ الْمُحْضَرِينَ، معناه في عذاب الله قاله مجاهد وقتادة، ولفظة «محضرين» مشيرة إلى سوق بجبر، وقرأ طلحة «أمن وعدناه» بغير فاء، وقرأ مسروق «أفمن وعدناه نعمة منا فهو لاقيها».
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)
التقدير واذكر يوم، وهذا النداء يحتمل أن يكون بواسطة، ويحتمل بغير ذلك، والضمير المتصل «بينادي» لعبدة الأصنام والإشارة إلى قريش وكفار العرب وقوله أَيْنَ، على جهة التقريع والتوبيخ وقوله شُرَكائِيَ أي على قولكم وزعمكم.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان هذا السؤال مسكتا لهم مبهتا فكأنه لا متعلق لجمهور الكفرة إلا ب «المغوين» لهم والأعيان، الرؤوس منهم وبالشياطين المغوين فكأن هذه الصنيفة المغوية إنما أتت الكفرة على علم فالقول عليها متحقق وكلمة العذاب ماضية لكنهم طمعوا في التبري من كل أولئك الكفرة الأتباع فقالوا رَبَّنا هؤُلاءِ إنما أضللناهم كما ضللنا نحن باجتهاد لنا ولهم وأرادوا هم اتباعنا وأحبوا الكفر كما أحببناه.
فنحن نتبرأ إليك منهم وهم لم يعبدونا إنما عبدوا غيرنا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا التوقيف يعم جميع الكفرة، والمجيبون هم كل مغو داع إلى الكفر من الشياطين ومن الإنس الرؤساء والعرفاء والسادة في الكفر، وقرأ الجمهور «غوينا» بفتح الواو، يقال غوى الرجل يغوى بكسر الواو، وروي عن ابن عامر وعاصم «غوينا» بكسر الواو، ثم أخبر تعالى أنه يقال للكفرة العابدين للأصنام الذين اعتقدوهم آلهة ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي الأصنام التي كنتم تزعمون أنهم شركاء لله،
الذي وعد الوعد الحسن هو محمد عليه السلام وضده أبو جهل، وقال مجاهد أيضا: نزلت في حمزة وأبي جهل، وقيل في علي وأبي جهل، وقال قتادة: نزلت عامة في المؤمن والكافر كما معناها عام.
قال القاضي أبو محمد: ونزولها عام بين الاتساق بما قبله من توبيخ قريش، ومِنَ الْمُحْضَرِينَ، معناه في عذاب الله قاله مجاهد وقتادة، ولفظة «محضرين» مشيرة إلى سوق بجبر، وقرأ طلحة «أمن وعدناه» بغير فاء، وقرأ مسروق «أفمن وعدناه نعمة منا فهو لاقيها».
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٢ الى ٦٤]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٦٢) قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ (٦٣) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ (٦٤)
التقدير واذكر يوم، وهذا النداء يحتمل أن يكون بواسطة، ويحتمل بغير ذلك، والضمير المتصل «بينادي» لعبدة الأصنام والإشارة إلى قريش وكفار العرب وقوله أَيْنَ، على جهة التقريع والتوبيخ وقوله شُرَكائِيَ أي على قولكم وزعمكم.
قال القاضي أبو محمد: ولما كان هذا السؤال مسكتا لهم مبهتا فكأنه لا متعلق لجمهور الكفرة إلا ب «المغوين» لهم والأعيان، الرؤوس منهم وبالشياطين المغوين فكأن هذه الصنيفة المغوية إنما أتت الكفرة على علم فالقول عليها متحقق وكلمة العذاب ماضية لكنهم طمعوا في التبري من كل أولئك الكفرة الأتباع فقالوا رَبَّنا هؤُلاءِ إنما أضللناهم كما ضللنا نحن باجتهاد لنا ولهم وأرادوا هم اتباعنا وأحبوا الكفر كما أحببناه.
فنحن نتبرأ إليك منهم وهم لم يعبدونا إنما عبدوا غيرنا.
قال القاضي أبو محمد: فهذا التوقيف يعم جميع الكفرة، والمجيبون هم كل مغو داع إلى الكفر من الشياطين ومن الإنس الرؤساء والعرفاء والسادة في الكفر، وقرأ الجمهور «غوينا» بفتح الواو، يقال غوى الرجل يغوى بكسر الواو، وروي عن ابن عامر وعاصم «غوينا» بكسر الواو، ثم أخبر تعالى أنه يقال للكفرة العابدين للأصنام الذين اعتقدوهم آلهة ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ أي الأصنام التي كنتم تزعمون أنهم شركاء لله،
وأضاف الشركاء إليهم لما كان ذلك الاسم بزعمهم ودعواهم، فيهذا القول من الاختصاص أضاف الشركاء إليهم، ثم أخبر أنهم دعوهم فلم يكن في الجمادات ما يجيب ورأى الكفار العذاب، وقوله تعالى: لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ ذهب الزجاج وغيره من المفسرين إلى أن جواب لَوْ محذوف تقديره لما نالهم العذاب ولما كانوا في الدنيا عابدين للأصنام ففي الكلام على هذا التأويل تأسف عليهم، وذلك محتمل مع تقديرنا الجواب لما كانوا عابدين للأصنام وفيه مع تقديرنا الجواب لما نالهم العذاب نعمة منا، وقالت فرقة لَوْ متعلقة بما قبلها تقديره فودّوا لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٥ الى ٦٨]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨)
هذا النداء أيضا كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضا للكفار يوقفهم على ما أجابوا به الْمُرْسَلِينَ الذين دعوهم إلى الله تعالى فتعمى عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبرا يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتيقن وقوعه وصحته، و «عميت» معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش «فعمّيت» بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث: كان الله في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، والْأَنْباءُ جمع نبأ، وقوله تعالى فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.
ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة مَنْ تابَ من كفره وَآمَنَ بالله ورسله وَعَمِلَ بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء «عسى» من الله واجبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ظن حسن بالله تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من «عسى» أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب الله عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ [التحريم: ٥]، وقوله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ الآية، قيل سببها ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي ﷺ وقول بعضهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، ورد الله تعالى عليهم وأخبر أنه يخلق من عباده وسائر مخلوقاته ما يشاء وأنه يختار لرسالته من يريد ويعلم فيه المصلحة ثم نفى أن يكون الاختيار للناس في هذا ونحوه، هذا قول جماعة من المفسرين أن ما نافية أي ليس لهم تخير على الله تعالى فتجيء الآية كقوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ الآية [الأحزاب: ٣٦].
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٥ الى ٦٨]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ماذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (٦٥) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ (٦٦) فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (٦٧) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨)
هذا النداء أيضا كالأول في احتماله الواسطة من الملائكة، وهذا النداء أيضا للكفار يوقفهم على ما أجابوا به الْمُرْسَلِينَ الذين دعوهم إلى الله تعالى فتعمى عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ أي أظلمت لهم الأمور فلم يجدوا خبرا يخبرون به مما لهم فيه نجاة، وساق الفعل في صيغة المضي لتحقق وقوعه وأنه يقين، والماضي من الأفعال متيقن فلذلك توضع صيغته بدل المستقبل المتيقن وقوعه وصحته، و «عميت» معناه أظلمت جهاتها وقرأ الأعمش «فعمّيت» بضم العين وشد الميم، وروي في بعض الحديث: كان الله في عماء، وذلك قبل أن يخلق الأنوار وسائر المخلوقات، والْأَنْباءُ جمع نبأ، وقوله تعالى فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ معناه فيما قال مجاهد وغيره بالأرحام والمتات الذي عرفه في الدنيا أن يتساءل به لأنهم قد أيقنوا أن كلهم لا حيلة له ولا مكانة.
ويحتمل أن يريد أنهم لا يتساءلون عن الأنباء ليقين جميعهم أنه لا حجة لهم، ثم انتزع تعالى من الكفرة مَنْ تابَ من كفره وَآمَنَ بالله ورسله وَعَمِلَ بالتقوى، ورجى عز وجل فيهم أنهم يفوزون ببغيهم ويبقون في النعيم الدائم وقال كثير من العلماء «عسى» من الله واجبة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ظن حسن بالله تعالى يشبه فضله وكرمه واللازم من «عسى» أنها ترجية لا واجبة، وفي كتاب الله عز وجل عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ [التحريم: ٥]، وقوله تعالى: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ الآية، قيل سببها ما تكلمت به قريش من استغراب أمر النبي ﷺ وقول بعضهم لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ [الزخرف: ٣١] فنزلت هذه الآية بسبب تلك المنازع، ورد الله تعالى عليهم وأخبر أنه يخلق من عباده وسائر مخلوقاته ما يشاء وأنه يختار لرسالته من يريد ويعلم فيه المصلحة ثم نفى أن يكون الاختيار للناس في هذا ونحوه، هذا قول جماعة من المفسرين أن ما نافية أي ليس لهم تخير على الله تعالى فتجيء الآية كقوله تعالى وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ الآية [الأحزاب: ٣٦].
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يريد ويَخْتارُ الله تعالى الأديان والشرائع وليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام ونحوها في العبادة، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى: سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، وذهب الطبري إلى أن ما في قوله تعالى ويَخْتارُ ما كانَ مفعولة ب يَخْتارُ قال:
والمعنى أن الكفار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء فأخبر الله تعالى أن الاختيار إنما هو له وحده يخلق ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس لا كما يختارون هم ما ليس إليهم ويفعلون ما لم يؤمروا به.
قال القاضي أبو محمد: واعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ بأقوال لا تتحصل وقد رد الناس عليه في ذلك، وذكر عن الفراء أن القاسم بن معن أنشده بيت عنترة: [البسيط]
وقرن الآية بهذا البيت والرواية في البيت لو أن ذا ولكن على ما رواه القاسم يتجه في بيت عنترة أن يكون الأمر والشأن مضمرا في كان وذلك في الآية ضعيف، لأن تفسير الأمر والشأن لا يكون بجملة فيها مجرور وفي هذا كله نظر، والوقف على ما ذهب إليه جمهور الناس في قوله وَيَخْتارُ وعلى ما ذهب إليه الطبري لا يوقف على ذلك ويتجه عندي أن يكون ما مفعولة إذا قدرنا كانَ تامة أي أن الله تعالى يختار كل كائن ولا يكون شيء إلا بإذنه، وقوله تعالى: لَهُمُ الْخِيَرَةُ جملة مستأنفة معناها تعديد النعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم لو قبلوا وفهموا.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)
ذكر تعالى في هذه الآيات أمورا يشهد عقل كل مفطور بأن الأصنام لا شركة لها فيها، فمنها علم ما في النفوس وما يجيش بالخواطر، وتُكِنُّ معناه تستر، وقرأ ابن محيص «تكن» بفتح التاء وضم الكاف، وعبر عن القلب ب «الصدر» من حيث كان محتويا عليه، ومعنى الآية أن الله تعالى يعلم السر والإعلان، ثم أفرد نفسه بالألوهية ونفاها عن سواه، وأخبر أن الحمد له في الدنيا والآخرة إذ له الصفات التي تقتضي ذلك، والْحُكْمُ في هذا الموضع القضاء والفصل في الأمور، ثم أخبر بالرجعة إليه والحشر، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم على أمر الليل والنهار وما منح الله فيهما من المصالح والمرافق وأن يوقفهم على
والمعنى أن الكفار كانوا يختارون من أموالهم لأصنامهم أشياء فأخبر الله تعالى أن الاختيار إنما هو له وحده يخلق ويختار من الرسل والشرائع ما كان خيرة للناس لا كما يختارون هم ما ليس إليهم ويفعلون ما لم يؤمروا به.
قال القاضي أبو محمد: واعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ بأقوال لا تتحصل وقد رد الناس عليه في ذلك، وذكر عن الفراء أن القاسم بن معن أنشده بيت عنترة: [البسيط]
أمن سمية دمع العين تذريف | لو كان ذا منك قبل اليوم معروف |
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٦٩ الى ٧٣]
وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩) وَهُوَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (٧١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَداً إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٧٢) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)
ذكر تعالى في هذه الآيات أمورا يشهد عقل كل مفطور بأن الأصنام لا شركة لها فيها، فمنها علم ما في النفوس وما يجيش بالخواطر، وتُكِنُّ معناه تستر، وقرأ ابن محيص «تكن» بفتح التاء وضم الكاف، وعبر عن القلب ب «الصدر» من حيث كان محتويا عليه، ومعنى الآية أن الله تعالى يعلم السر والإعلان، ثم أفرد نفسه بالألوهية ونفاها عن سواه، وأخبر أن الحمد له في الدنيا والآخرة إذ له الصفات التي تقتضي ذلك، والْحُكْمُ في هذا الموضع القضاء والفصل في الأمور، ثم أخبر بالرجعة إليه والحشر، ثم أمر تعالى نبيه أن يوقفهم على أمر الليل والنهار وما منح الله فيهما من المصالح والمرافق وأن يوقفهم على
ﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ
ﱉ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ
ﱊ
ﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ
ﱋ
ﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅ
ﱌ
إيجاده تعالى بتقليب الليل والنهار، وأنه لو مد أحدهما سَرْمَداً لما وجد من يأتي بالآخر، و «السرمد» من الأشياء الدائم الذي لا ينقطع، وقرأت فرقة هي الجمهور «بضياء» بالياء، وقرأ ابن كثير في رواية قنبل «بضئاء» بهمزتين وضعفه أبو علي، ثم ذكر عز وجل انقسام الليل والنهار على السكون وابتغاء الفضل بالمشي والتصرف وهذا هو الغالب في أمر الليل والنهار، فعدد النعمة بالأغلب وإن وجد من يسكن بالنهار ويبتغي فضل الله بالليل فالشاذ النادر لا يعتد به، وقال بعض الناس: قوله تعالى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إنما عبر به عن الزمان لم يقصد لتقسيم، أي في هذا الوقت الذي هو ليل ونهار يقع السكون وابتغاء الفضل، وقوله وَلَعَلَّكُمْ أي على نظر البشر من يرى هذا التلطف والرفق يرى أن ذلك يستدعي الشكر ولا بد.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)
التقدير «واذكر يوم يناديهم» وكرر هذا المعنى إبلاغا وتحذيرا وهذا النداء هو عند ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين ومن خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار فَيَقُولُ الله تعالى لهم: أَيْنَ شُرَكائِيَ على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب «الشهيد» النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولا من الأمم وخيارا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، و «الشهيد» على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة هاتُوا بُرْهانَكُمْ على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون أَنَّ الْحَقَّ متوجه لِلَّهِ عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٧٤) وَنَزَعْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً فَقُلْنا هاتُوا بُرْهانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٧٥)
التقدير «واذكر يوم يناديهم» وكرر هذا المعنى إبلاغا وتحذيرا وهذا النداء هو عند ظهور كل ما وعد الرحمن على ألسنة المرسلين من وجوب الرحمة لقوم والعذاب لآخرين ومن خضوع كل جبار وذلة الكل لعزة رب العالمين.
فيتوجه حينئذ توبيخ الكفار فَيَقُولُ الله تعالى لهم: أَيْنَ شُرَكائِيَ على معنى التقريع، ثم أخبر تعالى أنه يخرج في ذلك اليوم مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً يميز بينه وبين الناس وهذا هو النزع أن يميز بين شيئين فينتزع أحدهما من الآخرة، وقال مجاهد: أراد ب «الشهيد» النبي الذي يشهد على أمته وقال الرماني: وقيل أراد عدولا من الأمم وخيارا.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهم حملة الحجة الذين لا يخلو منهم زمان، و «الشهيد» على هذا التأويل، اسم الجنس وفي هذا الموضع حذف يدل عليه الظاهر تقديره يشهد على الأمة بخيرها وشرها فيحق العذاب على من شهد عليه بالكفر ويقال لهم على جهة استبراء الحجة والاعذار في المحاورة هاتُوا بُرْهانَكُمْ على حق بأيديكم إن كان لكم، فيسقط حينئذ في أيديهم ويعلمون أَنَّ الْحَقَّ متوجه لِلَّهِ عليهم في تعذيبهم، وينتلف لهم ما كانوا بسبيله في الدنيا من كذب مختلق وزور في قولهم هذه آلهتنا للأصنام وفي تكذيبهم للرسل وغير ذلك، ومن هذه الآية انتزع قول القاضي عند إرادة الحكم أبقيت لك حجة.
قوله عز وجل:
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٧٦ الى ٧٧]
إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (٧٦) وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (٧٧)
297
قارُونَ اسم أعجمي فلذلك لم ينصرف واختلف الناس في قرابة قارُونَ من مُوسى عليه السلام فقال ابن إسحاق هو عمه، وقال ابن جريج وإبراهيم النخعي هو ابن عمه لحّا، وهذا أشهر، وقيل هو ابن خالته، وهو بإجماع رجل من بني إسرائيل كان ممن آمن بموسى وحفظ التوراة وكان من أقرأ الناس لها، وكان عند موسى من عباد المؤمنين ثم إنه لحقه الزهو والإعجاب فبغى على قومه بأنواع من البغي من ذلك كفره بموسى واستخفافه به ومطالبته له فيما قال ابن عباس بأنه عمد إلى امرأة مومسة ذات جمال وقال لها أنا أحسن إليك وأخلطك بأهلي على أن تجيئي في ملإ بني إسرائيل عندي فتقولي يا قارون اكفني أمر موسى فإنه يعترضني في نفسي، فجاءت المرأة فلما وقفت على الملإ أحدث الله تعالى لها توبة، فقالت يا بني إسرائيل إن قارون قال لي كذا وكذا، ففضحته في جميع القصة، وبرأ الله تعالى موسى من مطالبته، وقيل بل قالت المرأة ذلك عن موسى فلما بلغه الخبر وقف المرأة بمحضر ملإ من بني إسرائيل فقالت يا نبي الله كذبت عليك وإنما دعاني قارون إلى هذه المقالة وكان من بغيه أنه زاد في ثيابه شبرا على ثياب الناس، قاله شهر بن حوشب، إلى غير ذلك مما يصدر عمن فسد اعتقاده، وكان من أعظم الناس مالا وسميت أمواله «كنوزا» إذ كان ممتنعا من أداء الزكاة وبسبب ذلك عادى موسى عليه السلام أول عداوته، و «المفاتح» ظاهرها أنها التي يفتح بها ويحتمل أن يريد بها الخزائن والأوعية الكبار، قاله الضحاك لأن المفتح في كلام العرب الخزانة.
قال القاضي أبو محمد: وأكثر المفسرون في شأن قارُونَ فروي عن خيثمة أنه قال: نجد في الإنجيل مكتوبا أن مفاتيح قارون كانت من جلود الإبل وكان المفتاح من نصف شبر وكانت وقر ستين بعيرا أو بغلا لكل مفتاح كنز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي غير هذا مما يقرب منه ذلك كله ضعيف والنظر يشهد بفساد هذا ومن كان الذي يميز بعضها عن بعض وما الداعي إلى هذا وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر وعلى حصره بسهولة وكان يلزم على هذا المعنى أن تكون «مفاتيح» بياء وهي قراءة الأعمش والذي يشبه إنما هو أن تكون «المفاتيح» من الحديد ونحوه وعلى هذا «تنوء بِالْعُصْبَةِ» إذا كانت كثيرة لكثرة مخازنه وافتراقها من المواضع أو تكون «المفاتيح» الخزائن، قال أبو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا وأما قوله «تنوء» فمعناه تنهض بتحامل واشتداد ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
ومنه قول الآخر يصف راميا: [الرجز]
والوجه أن يقال إن العصبة تنوء بالمفاتح المثقلة لها وكذلك قال كثير من المتأولين المراد هذا لكنه
قال القاضي أبو محمد: وأكثر المفسرون في شأن قارُونَ فروي عن خيثمة أنه قال: نجد في الإنجيل مكتوبا أن مفاتيح قارون كانت من جلود الإبل وكان المفتاح من نصف شبر وكانت وقر ستين بعيرا أو بغلا لكل مفتاح كنز.
قال الفقيه الإمام القاضي: وروي غير هذا مما يقرب منه ذلك كله ضعيف والنظر يشهد بفساد هذا ومن كان الذي يميز بعضها عن بعض وما الداعي إلى هذا وفي الممكن أن ترجع كلها إلى ما يحصى ويقدر وعلى حصره بسهولة وكان يلزم على هذا المعنى أن تكون «مفاتيح» بياء وهي قراءة الأعمش والذي يشبه إنما هو أن تكون «المفاتيح» من الحديد ونحوه وعلى هذا «تنوء بِالْعُصْبَةِ» إذا كانت كثيرة لكثرة مخازنه وافتراقها من المواضع أو تكون «المفاتيح» الخزائن، قال أبو صالح كانت خزائنه تحمل على أربعين بغلا وأما قوله «تنوء» فمعناه تنهض بتحامل واشتداد ومن ذلك قول الشاعر: [الطويل]
ينؤن ولم يكسبن إلا قنازعا | من الريش تنواء النعاج الهزائل |
حتى إذا ما اعتدلت مفاصله | وناء في شق الشمال كاهله |
298
قلب كما تفعل العرب كثيرا، فمن ذلك قول الشاعر: [الوافر]
ومن ذلك قول الآخر [خداش بن زهير] :[الطويل]
وهذا البيت لا حجة فيه إذ يتجه على وجهه فتأمله، ومن ذلك قول الآخر:
وقال سيبويه والخليل التقدير «لتنيء العصبة» فجعل بدل ذلك تعدية الفعل بحرف الجر كما تقول ناء الحمل وأنأته ونؤت به، بمعنى جعلته ينوء والعرب تقول ناء الحمل بالبعير إذا أثقله.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يسند «تنوء» إلى المفاتح مجازا لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في «العصبة» كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملا، وقيل أحد عشر حملا على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة «لينوء» بالياء ووجهها أبو الفتح على أنه يقرأ «مفاتحه» جمعا وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ «ما إن مفتاحه» على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ، متعلق بقوله فَبَغى، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، و «الفرح» هو الذي تخلق دائما بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى ويقدم لآخرته، وقوله تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور: معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملا صالحا في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه ولا تضيع أيضا حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن: معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ونحو هذا قول الشاعر: [الطويل]
فديت بنفسه نفسي ومالي | وما آلوك إلا ما أطيق |
وتركب خيل لا هوادة بينها | وتشفي الرماح بالضياطرة الحمر |
فما كنت في الحرب العوان مغمزا | إذا شب حر وقودها أجدالها |
قال الفقيه الإمام القاضي: ويحتمل أن يسند «تنوء» إلى المفاتح مجازا لأنها تنهض بتحامل إذا فعل ذلك الذي ينهض بها وهذا مطرد في قولهم ناء الحمل بالعير ونحوه فتأمله، واختلف الناس في «العصبة» كم هي فقال ابن عباس ثلاثة، وقال قتادة من العشرة إلى الأربعين، وقال مجاهد خمسة عشر حملا، وقيل أحد عشر حملا على إخوة يوسف وقيل أربعون، وقرأ بديل بن ميسرة «لينوء» بالياء ووجهها أبو الفتح على أنه يقرأ «مفاتحه» جمعا وذكر أبو عمرو الداني أن بديل بن ميسرة قرأ «ما إن مفتاحه» على الإفراد فيستغنى على هذا عن توجيه أبي الفتح، وقوله تعالى: إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ، متعلق بقوله فَبَغى، ونهوه عن الفرح المطغي الذي هو انهماك وانحلال نفس وأشر وإعجاب، و «الفرح» هو الذي تخلق دائما بالفرح، ولا يجب في هذا الموضع صفة فعل لأنه أمر قد وقع فمحال أن يرجع إلى الإرادة وإنما هو لا يظهر عليهم بركته ولا يبهم رحمته، ثم وصوه أن يطلب بماله رضى الله تعالى ويقدم لآخرته، وقوله تعالى: وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا، اختلف المتأولون فيه فقال ابن عباس والجمهور: معناه لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملا صالحا في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام كله على هذا التأويل شدة في الموعظة.
وقال الحسن وقتادة: معناه ولا تضيع أيضا حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.
قال الفقيه الإمام القاضي: فالكلام على هذا التأويل فيه بعض الرفق به وإصلاح الأمر الذي يشتهيه وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة، وقال الحسن: معناه قدم الفضل وأمسك ما يبلغ. وقال مالك: هو الأكل والشرب بلا سرف. وحكى الثعلبي أنه قيل أرادوا بنصيبه الكفن.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا وعظ متصل كأنهم قالوا لا تنس أنك تترك جميع مالك إلا نصيبك الذي هو الكفن ونحو هذا قول الشاعر: [الطويل]