تفسير سورة ق

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة ق من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ

قوله تعالى :﴿ ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾ [ ق : ١، ٢ ].
" ق " إذا جُعل اسما للسورة، فهو خبر مبتدإ محذوف، أي هذه ق، بالمعنى السابق في ص.
وإن جُعل قَسَماً فجوابه مع ما عُطف عليه محذوف، تقديره : لتُبعثُنّ( ١ )، بدليل قوله :﴿ ذلك رجع بعيد ﴾ [ ق : ٣ ] أو لقد أرسلنا محمدا، بدليل قوله :﴿ بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم ﴾.
أو هو قوله :﴿ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم ﴾ [ ق : ٤ ] حُذفت منه اللام لطول الكلام.
أو هو قوله :﴿ ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ﴾ [ ق : ١٨ ].
١ - هذا قسم حُذف جوابه أي أُقسم بالقرآن الكريم، ذي المجد والشرف الرفيع على سائر الكتب المنزّلة، لتبعثنّ يا معشر قريش بعد الموت، هذا أرجح الأقوال عند المفسرين..
قوله تعالى :﴿ فأنبتنا به جنات وحَبَّ الحصيد ﴾ [ ق : ٩ ].
إن قلتَ : فيه إضافة الشيء إلى نفسه، وهي ممتنعة، لأن الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف والمضاف إليه ؟
قلت : ليست ممتنعة مطلقا، بل هي جائزة عند اختلاف اللفظين، كما في قوله :﴿ حقّ اليقين ﴾ [ الواقعة : ٩٥ ] و﴿ حبل الوريد ﴾ [ ق : ١٦ ] و " دار الآخرة ".
وبتقدير امتناعها مطلقا، فالتقدير : حبّ الزرع أو النبات الحصيد( ١ ).
١ - المعنى: أخرجنا لكم بماء المطر، الأشجار المثمرة، وأنواع الفواكه والثمار، وأنواع الحبوب التي تُحصد، كالحنطة، والعدس، والشعير، وسائر الحبوب..
قوله تعالى :﴿ إذ يتلقّى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ﴾ [ ق : ١٧ ].
إن قلتَ : كيف قال ﴿ قعيد ﴾ ولم يقل : قعيدان، إذ إنه وصف للملكين المذكورين ؟
قلتُ : معناه عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، لكنه حُذف أحدهما لدلالة المذكور عليه، أو أن " فعيلا " يستوي فيه الواحد، والاثنان، والجمع، قال تعالى :﴿ والملائكة بعد ذلك ظهير ﴾ [ التحريم : ٤ ] أو قال ذلك رعاية للفواصل.
قوله تعالى :﴿ وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد ﴾ [ ق : ٢٣ ].
قاله هنا بالواو، وقاله بعدُ بدونها( ١ )، لأن الأولى خطاب للإنسان من قرينه ومتعلّق به، فناسب ذكر الواو، والثاني استئناف خطاب من الله، غير متعلّق بما قبله، فناسب حذفها.
قوله تعالى :﴿ ألقيا في جهنم كل كفار عنيد ﴾ [ ق : ٢٣ ].
إن قلتَ : كيف ثنى الفاعل مع أنه واحد، وهو مالك خازن النار ظ
قلتُ : بل الفاعل مثنى، وهما الملكان اللذان مرّ ذكرهما، بقوله :﴿ وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ﴾ [ ق : ٢١ ]، أو أن تثنية الفاعل أُقيمت مقام ( تكرّر الفعل ) للتأكيد، واتحادهما حكما، فكأنه قال : أَلْقِ، ألقِ، كقول امرئ القيس : قفا نبك، أو أن العرب أكثر ما يوافق الرجل منهم اثنين، فكثر على ألسنتهم خطابهما فقالوا، خليليّ، وصاحبيّ، وقفا، ونحوها.
١ - في قوله تعالى: ﴿قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد﴾ آية (٢٧)..
قوله تعالى :﴿ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد ﴾ [ ق : ٣١ ] ].
إن قلتَ : لم لم يقل : غير بعيدة، لكونه وصفا للجنة ؟
قلتُ : لأن " فعيلا " يستوي فيه المذكر والمؤنث، أو لأنه صفة لمذكر محذوف أي مكانا غير بعيد.
فإن قلتَ : ما فائدة قوله :﴿ غير بعيد ﴾ بعد قوله :﴿ وأزلفت ﴾ بمعنى قرّبت ؟
قلتُ : فائدته التأكيد، كقولهم : هو قريب غير بعيد، وعزيز غير ذليل.
قوله تعالى :﴿ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب... ﴾ [ ق : ٣٧ ] أي واعٍ، وإلا فكلّ إنسان له قلب، بل كل حيوان، أو المراد بالقلب : العقل( ١ ).
١ - عبّر عن العقل بالقلب، لأنه موضعه، كما قال تعالى: ﴿فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور﴾ ومعنى الآية إن في ذلك لموعظة وعبرة، لمن كان له عقل يتدبر به، أو أصغى إلى الموعظة، وهو حاضر القلب..
Icon