ﰡ
قوله: (وهذا رد لقولهم) أي كما حكاه الله عنهم في قوله: (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون). قوله: ﴿ وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ ﴾ أي بل هو دائم جار مستمر لا ينقطع، فهو صلى الله عليه وسلم دائماً يترقى في الكمالات، فمقامه بعد وفاته أعظم منه في حال حياته، ومقامه في الآخرة أعلى من مقامه في الدنيا. قوله: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ قال ابن عباس: معناه على دين عظيم، لا دين أحب إلي ولا أرضى عندي منه، وهو دين الإسلام، وقال الحسن: هو آداب القرآن، بدليل أن عائشة لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، ولذا قال قتادة: هو ما كان يأتمر به من أوامر الله، وينتهي عنه من نهي الله تعالى، والمعنى: إنك على الخلق الذي أمرك الله به في القرآن، وهذا أعظم مدح له صلى الله عليه وسلم، ولذا قال العارف البوصيري رضي الله عنه: فهو الذي تم معناه وصوته ثم اصطفاه حبيباً بارئ النسمقوله: ﴿ فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴾ أي فستعلم ويعلمون في الدنيا، بظهور عاقبة أمرك، واستيلائك عليهم بالقتل والنهب، ويوم القيامة حين يتميز الحق من الباطل. قوله: ﴿ بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ ﴾ ﴿ بِأَييِّكُمُ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ ٱلْمَفْتُونُ ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة في محل نصب تنازعها كل من تبصر ويبصرون، أعمل الثاني وأضمر في الأول وحذف لأنه فضلة، وليس قوله: ﴿ بِأَييِّكُمُ ﴾ متعلقاً بيبصرون، لأنه معلق بالاستفهام عن العمل. قوله: (مصدر كالمعقول) أي جاء على صيغة مفعول، كالمعقول والميسور قوله: ﴿ إِنَّ رَبَّكَ ﴾ الخ، تعليل لما قبله، وتأكيد الوعد والوعيد. قوله: (له) أي للسبيل. قوله: (وأعلم بمعنى عالم) أشار بذلك إلى أن اسم التفضيل ليس على بابه، وإلا لاقتضى مشاركة الحادث للقديم وهو باطل.
قوله: (متعلق معنى بعلينا) أي متصل به، وليس المراد التعلق الصناعي، فإنه مختص بالفعل، أو ما فيه رائحة الفعل، أو بالمقدر في الظرف، أي هي ثابتة لكم علينا إلى يوم القيامة، ولا تخرج عن عهدتها إلا يومئذ إذا حكمناكم. قوله: (وفي هذا الكلام) أي قوله: ﴿ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ ﴾ الخ. قوله: (أي أقسمنا لكم) مفعوله محذوف، أي اقسمنا لكم أيماناً موثقة. قوله: ﴿ سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَلِكَ ﴾ الخ ﴿ سَلْهُمْ ﴾ ينصب مفعولين الأول الضمير المتصل، والثاني جملة ﴿ أَيُّهُم ﴾، وأي مبتدأ، و ﴿ زَعِيمٌ ﴾ خبره، و ﴿ بِذَلِكَ ﴾ متعلق بزعيم. قوله: ﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ ﴾ ﴿ لَهُمْ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ شُرَكَآءُ ﴾ مبتدأ مؤخر، وهذه كالجملة معطوفة معنى على جملة أيهم زعيم، واختلف في الشركاء فقيل: المراد بهم ناس يشاركونهم في القول المذكور، وقيل المراد بها الأصنام وكلام المفسر محتمل لهما. قوله: (يكلفون لهم به) أي بصحته ونفوذه. قوله: ﴿ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ﴾ شرط حذف جوابه لدلالة ماقبله عليه.
قوله: (بأن لا يصلوا) أشار بذلك إلى أن المراد بالسجود الثاني هو الصلاة، واتفق المفسرون على أن المراد بالسجود الأول حقيقته. قوله: ﴿ فَذَرْنِي ﴾ تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخويف للكافرين، والمعنى: أترك أمر المكذبين إلى أكفك ذلك. قوله: ﴿ وَمَن يُكَذِّبُ ﴾ في محل نصب إما معطوف على الياء في ذرني، أو مفعول معه، والأول أرجح، قال ابن مالك: والعطف إن يمكن بلا ضعف أحق والنصب مختار لدى عطف النسققوله: ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ ﴾ استئناف مسوق لبيان كيفية التعذيب المستفاد إجمالاً من قوله ذرني الخ، قوله: (نأخذهم قليلاً قليلاً) أي فالاستدراج: الأخذ بالتدريج شيئاً فشيئاً، والمعنى: لما أنعمنا عليهم، اعتقدوا أن ذلك الإنعام تفضيل لهم على المؤمنين، وهو في الحقيقة سبب لهلاكهم. قوله: ﴿ وَأُمْلِي لَهُمْ ﴾ عطف على ﴿ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ ﴾ عطف تفسير. قوله: ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ الكيد في الأصل الاحتيال، وهو أن تفعل ما فيه نفع ظاهر، أو تريد به الضر، وإنما سمى إنعامه عليهم استدراجاً بالكيد لأنه في صورته، فما وقع لهم من سعة الأرزاق وطول الأعمار وعافية الأبدان بإحسان ونفع ظاهري فقط، والمقصود به معاقبتهم وتعذيبهم على ذلك، ووصف الكيد بالمتانة، إشارة إلى أنه لا يتأتى إفلات المستدرجين مما أراده بهم، بخلاف كيد المخلوق، فتارة يقع وتارة لا يتمكن منه. قوله: ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ﴾ هو في المعنى مرتبط بقوله سابقاً﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ ﴾[القلم: ٤١] الخ، والمعنى: أم تلتمس منهم ثواباً على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله تعالى. قوله: ﴿ مُّثْقَلُونَ ﴾ أي مكلفون حملاً ثقيلاً. قوله: (فلا يؤمنون لذلك) أي لسؤال الأجر المرتب عليه الغرم، وهو ثقيل على النفس، لأن شأن النفس أن تستثقل ما يطلب منها. قوله: (أي اللوح) الخ، هذا قول ابن عباس، وقيل: ﴿ ٱلْغَيْبُ ﴾ هو علم ما غاب عنهم. قوله: (ما يقولون) أي ما يحكمون به ويستغنون به عن اعلمك.
قوله: (مملوء غماً) أي من أجل خوفه من الله تعالى حيث خرج من غير إذن، فظن أن الله آخذه بذلك، وقيل: معنى مكظوم محبوس، ومنه قولهم فلان يكظم غيظه أي يحبس غضبه. قوله: ﴿ نِعْمَةٌ ﴾ اختلف في المراد بها، فقيل: الرحمة وهو الذي اختاره المفسر، وقيل: هي العصمة، وقيل: نداؤه بقوله﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأنبياء: ٨٧].
قوله: (بالأرض الفضاء) أي الخالية من النبات والأشجار والجبال. قوله: ﴿ وَهُوَ مَذْمُومٌ ﴾ أي مؤاخذ بذنبه، والجملة حال من نائب فاعل نبذ، وهو محط النفي المستفاد من ﴿ لَّوْلاَ ﴾.
قوله: (لكنه رحم) الخ، أشار بذلك إلى أن ﴿ لَّوْلاَ ﴾ حرف امتناع لوجود، والممتنع الذم، والمعنى: امتنع ذمه لسبق العصمة له، فجتباه ربه وجعله في الصالحين فيونس لم تحصل منه معصية أبداً، لا صغيرة ولا كبيرة، وإنما خروجه من بينهم، باجتهاد منه، وعتابه من الله من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين، وتقدم ذلك مفصلاً. قوله: ﴿ فَٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ ﴾ عطف على مقدر، والمعنى: فأدركته نعمة من ربه فاجتباه. قوله: (بالنبوة) هذا مبني على أنه وقت هذه الواقعة لم يكن نبياً، وإنما نبئ بعدها وهو أحد قولين، والآخر أنه كان نبياً، ومعنى اجتباه اختاره واصطفاه ورقاه مرتبة أعلى من التي كان فيها. قوله: ﴿ فَجَعَلَهُ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ أي الكاملين في الصلاح، قال ابن عباس: رد الله عليه الوحي، وشفعه في نفسه وفي قومه، وقبل توبته وجعله من الصالحين، بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون، فهداهم الله بسبب صبره. قوله: ﴿ وَإِن يَكَادُ ﴾ ﴿ وَإِن ﴾ مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن. قوله: (بضم الياء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالضم من أزلق، والفتح من زلق. قوله: ﴿ بِأَبْصَارِهِمْ ﴾ الباء إما للتعدية أو السببية. قوله: (أي ينظرون إليك نظراً شديداً) أي فليس المراد أنهم يصيبونه بأعينهم، كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه. وإنما المراد أنهم ينظرون إليه نظراً شديداً بالعداوة والبغضاء، وهذا ما مشى عليه المفسر، وقيل: أرادوا أن يصيبوه بالعين، فنظر إليه قوم من قريش المجربة اصابتهم، فعصمه الله وحماه من أعينهم فلم تؤثر فيه فنزلت، وذكر العلماء أن العين كانت في بني أسد من العرب، وكان إذا أراد أحد منهم أن يصيب أحداً وفي نفسه أو ماله، جوع نفسه ثلاثة أيام، ثم يتعرضون للمعيون أو ماله فيقول: ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكبر ولا أحسن، فيهلك المعيون هو وماله، وهذه الآية تنفع كتابه وقراءة للمعيون، فلا تضره العين. قوله: ﴿ لَمَّا سَمِعُواْ ٱلذِّكْرَ ﴾ ظرف ﴿ لَيُزْلِقُونَكَ ﴾.
قوله: (حسداً) أي وبغضاً وتنفيراً عنه. قوله: ﴿ وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ الجملة حالية من فاعل ﴿ يَقُولُونَ ﴾ مفيدة لبطلان قولهم، وتعجب السامعين حيث جعلوا عظة للعالمين، ويذكرهم سبباً لجنون من أتى به، وهذا دليل على سخافة عقلهم وسوء رأيهم، لأن هذا القرآن لا يدركه إلا من كان كامل العقل، فكيف بمن نزل على قلبه؟