تفسير سورة الشعراء

الوجيز للواحدي
تفسير سورة سورة الشعراء من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي مائتان وعشرون وست آيات

﴿طسم﴾ أقسم الله بطَوله وسنانه وملكه
﴿تلك﴾ هذه ﴿آيات الكتاب المبين﴾ يعني: القرآن
﴿لعلَّك باخعٌ نفسك﴾ قاتلٌ نفسك ﴿أن لا يكونوا مؤمنين﴾ لتركهم الإِيمان وذلك أنَّه لما كذَّبه أهل مكًّة شقَّ عليه ذلك فأعلمه الله سبحانه أنَّه لو شاء لاضطرهم إلى الإِيمان فقال:
﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فظلت أعناقهم لها خاضعين﴾ يذلُّون بها فلا يلوي أحدٌ منهم عنقه إلى معصية الله تعالى
﴿وما يأتيهم من ذكرٍ﴾ من وعظٍ ﴿من الرحمن محدث﴾ في الوحي والتَّنزيل
﴿فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون﴾ فسيعلمون نبأ ذلك وهو وعيدٌ لهم وقوله:
﴿كَمْ أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ من كلِّ نوع محمودٍ ممَّا يحتاج إليه النَّاس
﴿إنَّ في ذلك لآية﴾ لدلالةً على توحيد الله سبحانه وقدرته ﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ لما سبق في علمي وقضائي
﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾
﴿و﴾ اذكر يا محمَّدُ ﴿إذ نادى ربك موسى﴾ ليلة رأى الشَّجرة والنَّار ﴿أن ائت القوم الظالمين﴾ لأنفسهم بالكفر
﴿قوم فرعون ألا يتقون﴾ ألا يخافون الله سبحانه فيؤمنوا به
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أخاف أن يكذبون﴾
﴿وَيَضِيقُ صدري﴾ من تكذيبهم إيَّاي ﴿ولا ينطلق لساني﴾ بأداء الرِّسالة للعقدة التي في فيه ﴿فأرسل إلى هارون﴾ ليظاهرني على التَّبليغ
﴿ولهم عليَّ ذنب﴾ بقتل القبطيِّ
﴿قال كلا﴾ لا يقتلونك ﴿إنَّا معكم﴾ بالنُّصرة ﴿مستمعون﴾ نسمع ما تقول ويقال لك
﴿فأتيا فرعون فقولا إنا رسول﴾ ذوا رسالة ﴿ربّ العالمين﴾
﴿أن أرسل معنا بني إسرائيل﴾ مفسَّرٌ في سورة طه فلمَّا أتاه بالرِّسالة عرفه فرعون فقال:
﴿ألم نُربِّك فينا وليداً﴾ صبيّاً ﴿ولبثت فينا من عمرك سنين﴾ ثلاثين سنةً
﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ﴾ يعني: قتل القبطيِّ ﴿وأنت من الكافرين﴾ الجاحدين لنعمتي عليك
﴿قَالَ﴾ موسى: ﴿فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ الجاهلين لم يأتني من الله شيء
﴿فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿وتلك نعمة تمنُّها عليَّ﴾ أقرَّ بإنعامه عليه فقال: هي نعمةٌ إذ ربَّيتني ولم تستعبدني كاستعبادك بني إسرائيل ﴿عبَّدت﴾ معناه: اتَّخذت عبيداً
﴿قال فرعون وما ربُّ العالمين﴾ أَيُّ شيءٍ ربُّ العالمين الذي تزعم أنَّك رسوله؟
﴿قال رب السماوات وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أنَّه خالقهما
﴿قال﴾ فرعون ﴿لمن حوله﴾ من أشراف قومه مُعجبِّاً لهم: ﴿ألا تستمعون﴾ إلى ما يقوله: موسى؟ ! فقال موسى
﴿ربكم وربُّ آبائكم الأولين﴾
﴿قال﴾ فرعون: ﴿إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون﴾ يتكلَّم بكلام لا تعرف صحَّته
﴿قال﴾ موسى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ تعقلون﴾ فقال فرعون حين لزمته الحجَّة
﴿لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ﴾ من المحبوسين في السِّجن
﴿قال﴾ موسى: ﴿أو لو جِئِتُكَ بشيء مبين﴾ يعني: أو نفعل ذلك وإن أتيتُك على ما أقول بحجَّةٍ بيِّنةٍ؟
﴿قال فأت به﴾ مفسَّر أكثره إلى قوله تعالى:
﴿فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾
﴿وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ﴾
﴿قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ﴾
﴿يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تأمرون﴾
﴿قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾
﴿يأتوك بكل سحار عليم﴾
﴿فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ﴾
﴿وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ﴾
﴿لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ﴾
﴿فلما جاء السحرة قالوا لفرعون أإن لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ﴾
﴿قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾
﴿قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ﴾
﴿فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لنحن الغالبون﴾
﴿فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يأفكون﴾
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾
﴿قَالُوا آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿رب موسى وهارون﴾
﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾
﴿قالوا لا ضير﴾ لا ضرر ﴿إنا إلى ربنا منقلبون﴾ راجعون إلى ثوابٍ
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أنْ كنا﴾ لأن كنَّا ﴿أول المؤمنين﴾ من هذه الأُمَّة
﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ متبعون﴾ يتَّبعكم فرعون وقومه
﴿فأرسل فرعون في المدائن حاشرين﴾ يعني: الشُّرَط ليجمعوا له الجيش وقال لهم:
﴿إنَّ هؤلاء﴾ يعني: بني إسرائيل ﴿لشرذمة﴾ عصبةٌ ﴿قليلون﴾
﴿وإنهم لنا لغائظون﴾ مُغضبون بمخالفتهم إيَّانا
﴿وإنا لجميع حاذرون﴾ مُستعدّون للحرب بأخذ أداتها و ﴿حذرون﴾ متيقِّظون
﴿فأخرجناهم من جنات﴾ يعني: حين خرجوا من مصر ليلحقوا موسى وقومه
﴿ومقام كريم﴾ مجلسٍ حسنٍ
﴿كذلك﴾ كما وصفنا ﴿وأورثناها﴾ بهلاكهم ﴿بني إسرائيل﴾
﴿فأتبعوهم﴾ لحقوهم ﴿مشرقين﴾ في وقت شروق الشَّمس
﴿فلما تراء الجمعان﴾ رأى كلُّ واحدٍ الآخر ﴿قال أصحاب موسى إنا لمدركون﴾ أيْ: سيدركنا جمع فرعون
﴿قال: كلا﴾ لن يدركونا ﴿إنًّ معي ربي﴾ بالنُّصرة ﴿سيهدين﴾ طريق النَّجاة
﴿فكان كلُّ فرق﴾ قطعةٍ من الماء ﴿كالطود العظيم﴾ كالجبل
﴿وأزلفنا ثمَّ الآخرين﴾ قرَّبنا قوم فرعون إلى الهلاك وقدمناهم إلى البحر
﴿وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ﴾
﴿ثم أغرقنا الآخرين﴾
﴿وما كان أكثرهم مؤمنين﴾ لم يؤمن من أهل مصر إلاَّ رجلٌ وامرأتان وقوله:
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾
﴿وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ﴾
﴿قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ﴾
﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ﴾
﴿أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ﴾
﴿قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾
﴿قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾
﴿أنتم وآباؤكم الأقدمون﴾
﴿فإنَّهم عدوٌّ لي﴾ أَيْ: هذه الآلهة التي تعبدونها عدوٌّ لي أعاديهم أنا ولا أعبدهم ﴿إلاَّ ربَّ العالمين﴾ لكن ربّ العالمين أعبده
﴿الذي خلقني﴾ ظاهرٌ إلى قوله:
﴿وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ﴾
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾
﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ﴾
﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدين﴾
﴿رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين﴾
﴿لسان صدقٍ في الآخرين﴾ أَيْ: ذكراً جميلاً وثناءً حسناً في الأمم التي تجيء بعدي
﴿واجعلني﴾ ممَّن يرث الجنَّة بفضلك ورحمتك وقوله:
﴿وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ﴾
﴿وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ﴾
﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ﴾
﴿إِلا مَنْ أتى الله بقلب سليم﴾ سلم من الشِّرك
﴿وأزلفت الجنة﴾ قرِّبت ﴿للمتقين﴾
﴿وبرزت﴾ وأُظهرت ﴿الجحيم للغاوين﴾ للكافرين
﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ﴾
﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾
﴿فكبكبوا فيها﴾ طُرح بعضهم على بعض في الجحيم ﴿هم والغاوون﴾ يعني: الشَّياطين
﴿وجنود إبليس﴾ أتباعه من الجنِّ والإِنس
﴿قالوا﴾ للشَّياطين والمعبودين:
﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
﴿إِذْ نسويكم﴾ نَعْدِلُكُمْ ﴿بربِّ العالمين﴾ في العبادة
﴿وما أضلّنا﴾ وما دعانا إلى الضَّلال ﴿إلاَّ المجرمون﴾ أوَّلونا الذين اقتدينا بهم
﴿فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ﴾
﴿ولا صديق حميم﴾ قريبٍ يشفع
﴿فلو أنَّ لنا كرَّة﴾ رجعةً إلى الدُّنيا تمنَّوا أن يرجعوا إلى الدُّنيا فيؤمنوا وقوله:
﴿إني لكم رسول أمين﴾ على الوحي والرِّسالة لأنَّكم عرفتموني قبل هذا الأمانة وقوله:
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿فاتقوا الله وأطيعون﴾
﴿واتبعك الأرذلون﴾ يعني: السلفة والحاكة وقوله:
﴿قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
﴿إِنْ حِسَابُهُمْ إِلا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ﴾
﴿وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ﴾
﴿إن أنا إلاَّ نذير مبين﴾
﴿من المرجومين﴾ أَيْ: من المشتومين وقيل: من المقتولين
﴿قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ﴾
﴿فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِي من المؤمنين﴾
و ﴿الفلك المشحون﴾ المملوء وقوله:
﴿ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ﴾
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مؤمنين﴾
﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾
﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿أتبنون بكلِّ ريع﴾ أَيْ: شَرَفٍ ومكانٍ مرتفعٍ ﴿آية﴾ علماً ﴿تعبثون﴾ تلعبون: يعني: أبنية الحمام وبروجها
﴿وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون﴾ أَيْ: تتخذون مباني وقصوراً للخلود لا تُفكِّرون في الموت
﴿وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جبارين﴾ إذا ضربتم بالسوط وإذا عاقبتم قتلتم فعل الجبَّارين الذين يقتلون على الغضب بغير حق وقوله:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ﴾
﴿أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ﴾
﴿وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾
﴿إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم﴾
﴿قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ من الواعظين﴾
﴿إن هذا﴾ ما هذا الذي تدعونا إليه ﴿إلا خَلْق الأوَّلين﴾ كذبهم وافتراؤهم ومَنْ قرأ ﴿خُلق الأولين﴾ فمعناه: عادة الأوَّلين أَيْ: الذي نحن فيه عادة الأوَّلين يعيشون ما عاشوا ثمَّ يموتون ولا بعثٌ ولا حساب وقوله:
﴿وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾
﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كان أكثرهم مؤمنين﴾
﴿إن رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاَّ على رب العالمين﴾
﴿أتتركون في ما هاهنا﴾ أَيْ: في الدُّنيا ﴿آمنين﴾ من الموت والعذاب وقوله:
﴿في جنات وعيون﴾
﴿ونخل طلعها﴾ أَيْ: ثمرها ﴿هضيم﴾ أَيْ: ليِّنٌ نضيجٌ
﴿وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ﴾ حاذقين بنحتها و ﴿فارهين﴾ أشرين بطرين وكانوا مُعمَّرين لا يبقى البناء مع عمرهم فنحتوا في الجبال بيوتا وقوله:
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ﴾
﴿الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون﴾
﴿إنما أنت من المسحرين﴾ أَيْ: من الذين سُحروا مرَّةً بعد أخرى: وقيل ممَّن له سَحر وهو الرِّئة أَيْ: إنَّما أنت بشر مثلنا وقوله:
﴿مَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصادقين﴾
﴿لها شربٌ﴾ أَيْ: حظٌّ ونصيب من الماء
﴿ولا تمسوها بسوء﴾ بعقر وقوله:
﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾
﴿فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ﴾
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاَّ على رب العالمين﴾
﴿أتأتون الذكران من العالمين﴾ يريد: ما كان من فعل قوم لوطٍ مِنْ إتيان الرِّجال في أدبارهم
﴿وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لكم ربكم من أزواجكم﴾ وتدَعون أن تأتوا نسائكم ﴿بل أنتم قوم عادون﴾ ظالمون غاية الظُّلم
﴿قَالُوا: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ من المخرجين﴾ عن بلدنا
﴿قال: إني لعملكم﴾ يعني: اللِّواط ﴿من القالين﴾ من المبغضين وقوله:
﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ﴾
﴿فنجيناه وأهله أجمعين﴾
﴿إلاَّ عجوزاً﴾ يعني: امرأته ﴿في الغابرين﴾ في الباقين في العذاب
﴿ثم دمرنا﴾ أهلكنا
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾
﴿كذَّب أصحاب الأيكة﴾ وهي الغيضة وهم قوم شعيب
﴿إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ﴾
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ﴾
﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾
﴿وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إلاَّ على رب العالمين﴾
﴿أوفوا الكيل﴾ أتمُّوه ﴿ولا تكونوا من المخسرين﴾ النَّاقصين للكيل والوزن وقوله:
﴿وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ﴾
﴿وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرض مفسدين﴾
﴿والجبلَّة الأولين﴾ أَيْ: الخليقة السابقين
﴿قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ﴾
﴿وَمَا أَنْتَ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَإِنْ نَظُنُّكَ لمن الكاذبين﴾
﴿فأسقط علينا كسفاً من السماء﴾ أَيْ: قطعةً
﴿قال ربي أعلم بما تعملون﴾ فيجازيكم به وما عليَّ إلاَّ الدَّعوة
﴿فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة﴾ وذلك أنَّ الحرَّ اخذهم فلم ينفعهم ماءٌ ولا كَنٌّ فخرجوا إلى البرِّيَّة وأظلَّتهم سحابةٌ وجدوا لها برداً واجتمعوا تحتها فأمطرت عليهم ناراً فاحترقوا به وقوله:
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مؤمنين﴾
﴿وإن ربك لهو العزيز الرحيم﴾
﴿وإنه﴾ يعني: القرآن ﴿لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾
﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ﴾ جبريل عليه السَّلام
﴿على قلبك﴾ حتى وعيته
﴿بلسان عربي مبين﴾
﴿وإنه﴾ وإنَّ ذكر محمَّدٍ ﷺ ﴿لفي زبر الأولين﴾ لفي كتب الأوَّلين
﴿أو لم يكن لهم﴾ للمشركين ﴿آية﴾ دلالةً على صدقه ﴿أن يعلمه علماء بني إسرائيل﴾ يعلمون محمدا ﷺ بالنُّبوَّة والرِّسالة
﴿ولو نزلناه﴾ يعني: القرآن ﴿على بعض الأعجمين﴾ جمع الأعجم وهو الذي لا يحسن العربيَّة
﴿فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين﴾ أنفةً من اتَّباعه
﴿كذلك سلكناه﴾ أدخلنا التَّكذيب ﴿في قلوب المجرمين﴾ فذلك الذي منعهم عن الإِيمان
﴿لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾
﴿فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾
﴿فيقولوا هل نحن منظرون﴾ فلمَّا نزلت هذه الآيات قالوا: إلى متى توعدنا بالعذاب؟ فأنزل الله سبحانه
﴿أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ﴾
﴿أفرأيت إن متعناهم﴾ بالدُّنيا وأبقيناهم فيها ﴿سنين﴾
﴿ثمَّ جاءهم﴾ العذاب لم ينفعهم إمتاعهم بالدُّنيا فيما قبل
﴿مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ﴾
﴿وَمَا أهلكنا من قرية إلاَّ لها منذرون﴾ رسلٌ ينذرهم
﴿ذكرى﴾ إنذاراً للموعظة ﴿وما كنا ظالمين﴾ في إهلاكهم بعد قيام الحُجَّة عليهم
﴿وما تَنَزَّلَتْ به﴾ بالقرآن ﴿الشياطين﴾
﴿وما ينبغي لهم﴾ ذلك ﴿وما يستطيعون﴾ ذلك
﴿إنهم﴾ عن استراق من السَّماء ﴿لمعزولون﴾ بالشُّهب
﴿فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ من المعذبين﴾
﴿وأنذر﴾ خوِّف ﴿عشيرتك الأقربين﴾ أدنى أهلك وأقاربك
﴿واخفض جناحك﴾ ليِّن جانبك وقوله تعالى:
﴿فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾
﴿الذي يراك حين تقوم﴾ أَيْ: إلى صلاتك
﴿وتقلبك﴾ تصرُّفك في أركان الصَّلاة قائماً وقاعداً وراكعاَ وساجداً ﴿في الساجدين﴾ في المصلين
﴿إنه هو السميع العليم﴾
﴿هل أنبئكم﴾ أخبركم ﴿عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ﴾
﴿تنزَّل على كلِّ أفاك﴾ كذَّاب ﴿أثيم﴾ فاجرٍ مثل مسيلمة وغيره من الكهنة
﴿يلقون﴾ إليهم ما سمعوا ويخلطون بذلك كذباً كثيراً وهذا كان قبل أن حجبوا عن السَّماء
﴿والشعراء يتبعهم الغاوون﴾ يعني: شعراء الكفَّار كانوا يهجون رسول الله ﷺ فيتَّبعهم الكفَّار
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ﴾ في كلِّ لغوٍ يخوضون يمدحون بباطلٍ ويشتمون بباطلٍ ثمَّ استثنى شعراء المؤمنين فقال:
﴿وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ﴾
﴿إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا﴾ ردُّوا على مَنْ هجا رسول الله ﷺ والمسلمين ﴿وسيعلم الذين ظلموا أَيَّ منقلب ينقلبون﴾ أَيَّ مرجعٍ يرجعون إليه بعد مماتهم
Icon