ﰡ
مكيّة وهى اثنتان وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ن من الحروف المقطعة وقد مر البحث عنها فى أوائل سورة البقرة وقيل اسم للحوت والمراد به الجنس او البهموت وهو الذي عليه الأرض او الدوات فان بعض الحيتان يستخرج منه أشد سوادا من النفس يكتب به لكن كتابته بصورة الحروف قراءته بالسكون وصلا ووقفا يؤيد القول الاول ويابى عن غيره من الأقوال قرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بإخفاء النون اجراء للواو المنفصل كالمتصل والباقون بالإظهار وَالْقَلَمِ الواو للقسم والقلم هو الذي خط اللوح عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله - ﷺ - ان أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب قال ما اكتب قال اكتب القدر فكتب ما كان وما هو كائن الى الابد رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب وعن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله - ﷺ - كتب الله مقادير الخلائق قبل ان يخلق السموات والأرض بخمسين الف سنة قال وعرشه على الماء رواه مسلم قال البغوي هو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض ويحتمل ان يراد جنس القلم اقسم به لكثرة فوايده وَما يَسْطُرُونَ والضمير للقلم بالمعنى الاول على التعظيم او بالمعنى الثاني بارادة الجنس وأسند الفعل الى الآلة وأجريت مجرى اولى العلم بإقامتها مقامهم او لاصحابه على المعنى الثاني او بغير المذكور اى الحفظة الذين يكتبون اعمال بنى آدم او العلماء الذين يكتبون علوم الدين.
ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ اى ملتبسا بنعمة ربك من النبوة والمروة وكمال العقل والفهم وجلال الفضل وانواع المكارم والعلوم والعامل فى الحال معنى النفي وقيل مجنون والباء لا يمنع كونه عاملا فيما قبله لكونه زائدة لكنه ضعيف من حيث المعنى بِمَجْنُونٍ قال البغوي هذا جواب لقول الكفار يا ايها الذي نزل عليه الذكر انك لمجنون وكذا اخرج ابن المنذر عن ابن جريج وانما قالوا ذلك استبعادا منهم ما ادعاه النبي - ﷺ - من الرسالة من الله تعالى
وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً على احتمال الأذى وتبليغ الرسالة والتنكير للتعظيم غَيْرَ مَمْنُونٍ اى مقطوع او ممنون به عليك من الناس فان الله يعطيك وعلى الناس منة منك والجملة معطوفة على جواب القسم او حال من أنت وكذلك قوله تعالى.
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فانك تحتمل من قولك ما لا يحتمل امثالك قال رسول الله - ﷺ - وما أوذي أحد ما أوذيت فى الله رواه ابو نعيم فى الحلية عن انس وابن عساكر عن جابر نحوه وعن ابى هريرة قال يا رسول الله ادع على المشركين قال انى ما ابعث لعانا وانما بعثت رحمة رواه مسلم والكفار لما رموه - ﷺ - بالجنون والجنون لا يستحق اجرا او لا يكون له حق حسن فايراد هذين الجملتين على العطف والحال تأكيد لما سبق من نفى الجنون ورد لقول الكفار على ابلغ الوجوه قال ابن عباس ومجاهد خلق عظيم دين عظيم ولا دين أحب الى ولا ارضى عندى منه وهو دين الإسلام قال الحسن هو آداب القران سئلت عايشة عن خلق رسول الله - ﷺ - فقالت كان خلقه القران الست تقرأ القران قد أفلح المؤمنون إلخ رواه مسلم وأخرجه البخاري فى الأدب المفرد وقال قتادة هو ما كان يأتمر به من امر الله وينتهى عنه من ما نهى الله عنه يعنى انك على الخلق الذي أمرك الله به فى القران وقال جند الخلق العظيم ان لا يكون همته غيره تعالى فصل فى أخلاقه - ﷺ - عن البراء قال كان رسول الله - ﷺ - احسن الناس وجها أحسنه
بحسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار رواه ابو داود وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله - ﷺ - ان من أحبكم الى أحسنكم أخلاقا رواه البخاري وفى الصحيحين بلفظ ان من خياركم أحسنكم أخلاقا وعن رجل من مزلة وعند البيهقي فى شعب الايمان وعن اسامة بن شريك فى شرح السنة قالوا يا رسول الله ما خير ما اعطى الإنسان قال الخلق الحسن وعن معاذ قال كان آخر ما وصّانى به رسول الله - ﷺ - حين وضعت رجلى فى الفرزان قال يا معاذ احسن خلقك للناس رواه مالك.
فَسَتُبْصِرُ يا محمد والسين للتحقيق وَيُبْصِرُونَ اى الكفار يوم القيامة.
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ أيكم مبتداء والباء زايدة والمفتون بمعنى المجنون خبره او المفتون مصدر بمعنى الجنون كالمعقول والمجلود مبتداء والخبر مقدم او المعنى باى الفريقين منكم الجنون بفريق المؤمنين او بفريق الكافرين فى أيهما من يستحق هذا الاسم والجملة الاستفهامية بتأويل المفرد مفعول للفعلين السابقين على سبيل التنازع والحاصل ان الجنون ليس بالكفار فانه لا شك ان مقتضى العقل انه من خبر بين الخبرين اختارا خبرهما ومن ابتلى ببليتين اختار أهونهما والمؤمنون اختاروا الاشتغال بالله سبحانه الجميل المتصف بجميع الكمالات المنزه عن جميع النقائص أنصار النافع وبذلوا همتهم فى ابتغاء مرضاته واجتنبوا موجبات سخطه واختاروا نعم الاخروية القوية الابدية على النعم الدنيوية الدنية الزائلة الكائنة كان لم تكن والكفار اختاروا الممكنات التي لا تضر ولا تنفع الا بإذن الله بل اختاروا للعبادة الحجارة وتركوا الله الواحد القهار القيام واختاروا الحظوظ العاجلة لا تدرك منها الا ما شاء الله على النعم الابدية واختاروا النار على الجنة.
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ضمير فصل أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ متعلق بأعلم عَنْ سَبِيلِهِ فهم المجانين على الحقيقة فان مقتضى الجنون الضلال عن سبيل الحق وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ الفاء للسببية يعنى إذا ظهر انك على الهدى والمكذبين على الضلال فلا تطعهم.
وَدُّوا حال بتقدير قد من المكذبين لَوْ تُدْهِنُ لو للتمنى بيان للوداد والادهان اللين المشتق من الدهن فَيُدْهِنُونَ الفاء للعطف والتعقيب هى ودوا المداهنة من الجانبين لكن يحبون ان يكون ادهانهم بعد ادهانك او للسببية اى ودوا لو تدهن فهم يدهنون ودوا ادهانك فهم الان يدهنون طمعا فيه يعنى لو تلين لهم بترك نهيهم عن الشرك او توافقهم فى بعض الأمور أحيانا فينالونك بترك الطعن والموافقة فى بعض الأمور- (مسئله) وهذه الاية تدل على ان المداهنة فى امر الدين حرام.
وَلا تُطِعْ تخصيص بعد تعميم قال قتادة نزلت فى الوليد بن المغيرة واخرج المنذر عن الكلبي وابن ابى حاتم عن السدى نزلت فى الأخنس بن شريق وكذا ذكر البغوي قول عطاء وقال ابن ابى حاتم عن مجاهد نزلت فى الأسود بن عبد يغوث كُلَّ حَلَّافٍ لفظه كل ورد لتاكيد شمول النهى كل فرد بقرينة المقام فلا يدل على جواز إطاعة البعض والمراد بالحلاف كثير الحلف بالباطل وقد مر فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ مسئله ان الإكثار بالحلف مكروه مَهِينٍ حقير فعيل من المهانة بمعنى الحقارة وهى قلة الرأي والتميز.
هَمَّازٍ عياب مغتاب وقيل من يشير بعينه وحاجبه الى عيوب الناس مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ فعال للحديث على وجه السعاية.
مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ يمنع الناس عن الخير من الايمان والانفاق والعمل الصالح مُعْتَدٍ متجاوز عن الحد فى الظلم أَثِيمٍ كثير الإثم.
عُتُلٍّ قال فى فى القاموس الأكول المنيع الجافي الغليظ بَعْدَ ذلِكَ الظرف متعلق بزنيم وكلمة بعد بمعنى مع او المعنى بعد ما عدت من رزائله زَنِيمٍ قال فى القاموس الزنيم المستلحق فى قوم ليس منهم والدعي وفيه ايضا الدعي كغنى من تبنيته والمتهم فى النسبة قال البيضاوي الزنيم ماخوذ من زنمتى الشاه وهما المتدليتان من اذنها وحلفها وكان الوليد بن مغيرة ادعاه أبوه بعد ثمانى عشر سنة من مولده والأخنس بن شريق أصله من ثقيف وعداده فى زهرة قال البغوي فى الدنيا معصما فكان الناس ظلوما قال فذلك العقل الزنيم مرسل له شواهد روى عن عكرمة
أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ قرأ ابو جعفر وابن عامر وحمزة وابو بكر ويعقوب ان كان بهمزتين أحدهما للاستفهام ثم حمزة وابو بكر يخففان الهمزتين بلا مد وبمد الهمزتين الاولى ابو جعفر وابن عامر ويعقوب ويلينون الثانية وقرأ الآخرون بهمزة واحدة بلا استفهام وتقديره لان كان متعلق بالنهى فى لا تطع فالمعنى على تقدير عدم الاستفهام لا يكن منك إطاعة من كان هذا شانه لكونه ذا مال وبنين كما ان عادة الناس إطاعة اصحاب المال والثروة وعلى تقدير الاستفهام أتطيعه لكونه ذا مال وبنين فالاستفهام للانكار او متعلق بمدلول جملة بعده اى كفر وكذب القران لاجل الغنى تكبرا وبطرا والمعنى كان الغنى موجبا للشكر فكفر على عكس ما ينبغى.
إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اى شىء كتبوه كذبا من قصص الأولين فى القاموس الأساطير الأحاديث لا نظام لها إذا متعلق بقال اى قال ذلك ح.
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ على الالف كانه شبهه بالفيل والخنزير وانفه بالخرطوم جملة مستأنفة بالوعيد والتهديد قال الفراء المراد به الوجه فان بعض الشيء يعبر به عن الكل وقال ابو العاليه ومجاهد يسود وجهه فيجعل له علما فى الاخرة يعرف به وهو سواد الوجه وقال ابن عباس سخطه بالسيف وفعل ذلك يوم البدر.
إِنَّا بَلَوْناهُمْ يعنى اهل مكة بالقحط والجوع لما دعى رسول الله - ﷺ - عليهم وقال اللهم اجعل عليهم سنين كسنى يوسف حتى أكلوا العظام والجيف جملة مستانفة فى جواب سوال مقدر اى ما فعل لهم حين كذبوا النبي - ﷺ - وقالوا مجنون كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ صفة مصدر محذوف
وَلا يَسْتَثْنُونَ حال من فاعل اقسموا اى اقسموا غبر مستثنين اى قائلين ان شاء الله وانما سماه استثناء لما فيه من الإخراج غير ان المخرج به خلاف المذكور والمخرج بالاستثناء عينه او لان افعل ان شاء الله ولا افعل الا ان شاء الله واحد ويحتمل ان يكون جملة لا يستثنون معطوفة على ليصر منها داخلة فى جواب القسم والمعنى ولا يستثنون حصة المساكين كما كان يخرج أبوهم او يكون جملة مستانفة اى كان شانهم ذلك.
فَطافَ معطوف على اقسموا عَلَيْها على جنتهم طائِفٌ بلاء نازل بالليل وهو نار نزلت من السماء فاحرقتها مِنْ رَبِّكَ من ابتدائية وَهُمْ نائِمُونَ قال.
فَأَصْبَحَتْ الجنة كَالصَّرِيمِ اى كالبستان الذي صرم ثمارها بحيث لم يبق فيها شىء فعيل بمعنى المفعول او كالليل باحتراقها واسودادها او كالنهار بابيضاضها من فرط اليبس سمى بالصريم لان كلا منها ينصرم عن صاحبه اى ينقطع وقال الحسن اى صرم منها الخير فليس فيها شىء وقال ابن عباس كالرماد الأسود بلغة خزيمة والجملة معطوفة على فطاف.
فَتَنادَوْا اصحاب الجنة مُصْبِحِينَ الجملة معطوفة على أصحت.
أَنِ اغْدُوا ان مفسرة لفعل معناه القول اعنى تنادوا
فَانْطَلَقُوا اى اصحاب الجنة وَهُمْ يَتَخافَتُونَ اى يقولون بينهم سر او خفى وخفت وخفه بمعنى كتم.
أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا اى الجنة وان مفسرة لقوله تعالى يتخافتون فانه فى معنى القول الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ نهى للمسكين عن الدخول موكدا والمراد به المبالغة فى النهى عن تمكينه عن الدخول كقوله لا أتيتك هاهنا.
وَغَدَوْا عطف على انطلقوا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ على حرد متعلق بقادرين وهو خبر لغدوا او الجملة معطوفة على انطلقوا او الحرد فى اللغة يكون بمعنى القصد والمنع والغضب فقال الحسن والقتادة وابو العالية على جد وجهد وقال القرطبي ومجاهد وعكرمة على امر مجمع قد أسسوه بينهم وكل ذلك راجع الى المقصد وقال ابو عبيدة على منع المساكين وقول الشعبي وسفيان على غضب فى المساكين وقال ابن عباس على قدرة عند أنفسهم على جنتهم وثمارها.
فَلَمَّا رَأَوْها اى الجنة محترقة قالُوا لما ظرف متعلق بقالوا إِنَّا لَضَالُّونَ الطريق فليس هذا جنتنا وانا لمخطئون حيث منعنا المساكين وتركنا الاستثناء.
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قد حرمنا خير الجنة.
قالَ أَوْسَطُهُمْ سنا او أعد لهم واعقلهم والجملة مستانفة أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ استفهام تقرير لَوْلا هلا تُسَبِّحُونَ اى تستثنون سمى الاستثناء تسبيحا لانه تعظيم لله تعالى واقرار بانه لا يقدر أحدكم على شىء الا بمشيته وقال ابو صالح كان استثناؤهم سبحان الله تعالى او هلا تسبحون الله وتشكروه على ما اعطاكم ولا تمنعوا المساكين فان الشكر صرف النعمة فى رضاء وقيل هلا تستغفرونه من فعلكم.
قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا جملة مستأنفة نزهوا الله سبحانه من ان يكون ظالما فى ما فعل واقرار على أنفسهم بالظلم وقالوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ بمنع المساكين عن حقهم.
فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ عطف على قالوا يَتَلاوَمُونَ حال من فاعل اقبل ومفعوله على طريقة لقيه راكبين اى يلوم بعضهم بعضا فى منع المساكين حقوقهم.
قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ جملة مستانفة اى أعطينا نعم الله فلم نشكرها
عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا جنة خَيْراً مِنْها من ذلك الجنة التي أحرقت إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ الى الانتهاء الرغبة او لتضمنها معنى الرجوع والجملة فى مقام التعليل للرجاء فان الرغبة الى الله تعالى يوجب الانعام قال البغوي قال ابن مسعود بلغني ان القوم أخلصوا وعرف الله منهم الصدق فابدلهم جنة يقال لها الحيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا.
كَذلِكَ خبر ما بعده مبتداء اى كما فعلنا باهل مكة واصحاب الجنة الْعَذابُ فى الدنيا على ترك الشكر وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ على الكفر والمعاصي وترك الشكر ومنع الزكوة أَكْبَرُ أشد وأبقى من عذاب الدنيا لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ شرط استغنى عن الجزاء بما مضى اى لو كانوا يعلمون العذاب ما فعلوا فعلهم.
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ فى جوار القدس جَنَّاتِ النَّعِيمِ اى ليس فيها الا التنعيم الخالص جملة مستانفة سبقت الوعد للمتقين بعد وعيد المجرمين ولما قال المشركون من اهل مكة انا نعطى فى الاخرة على تقدير ثبوتها أفضل مما تعطون او مثله كما أعطينا فى الدنيا قال الله تعالى تكذيبا لهم.
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ الاستفهام لانكار مساوات المجرمين بالمسلمين ويوجب انكار تفضيل المجرمين بالطريق الاولى والجملة معطوفة محذوف الا نفضل المسلمين المطيعين على المجرمين فنجعل المسلمين كالمجرمين.
ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ كيف حال من فاعل تحكمون قدم عليه لاقتضائه صدر الكلام وتحكمون حال من معنى ما لكم تقديره ما تصنعون حال كونكم حاكمين كائنين على كيفية عجيبة مستبعدة جدا على خلاف العقل فان العقل يحكم ان المطيع يكون احسن حالا من العاصي وفيه التفات من الغيبة الى الخطاب.
أَمْ لَكُمْ كِتابٌ نزل عند اللئام أم منقطعة بمعنى بل للاضراب من الحكم على وفق العقل والهمزة للانكار عن الدليل السمعي المنزل من السماء فِيهِ اى الكتاب تَدْرُسُونَ تقرءون.
إِنَّ لَكُمْ فِيهِ اى فى ذلك الكتاب لَما تَخَيَّرُونَ ما تختارون لانفسكم وتشتهونه حذف أحد التاءين من تخيرون والجملة مفعول لتدرسون اما بتأويل القول اى تدرسون هذا القول او لانه كان فى الأصل ان مفتوحة فلما جيئت باللام على ما تخيرون كسرت ويحتمل ان يكون استينافا على سبيل الإنكار.
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ الحكم زَعِيمٌ قائم يدعيه ويصححه فليقدرونه فقد نبه سبحانه فى هذه الآيات على نفى كل ما يمكن ان يثبت به من عقل او نقل يدل عليه لاستحقاق او وعدا وتقليد لمن يقدر على اثبات ما يدعيه ثم لما نفى تسوية الكفار بالمؤمنين من الله تعالى نفى ان يكون هذا من الشركاء الذين يشركونها مع الله تعالى بنفي الشركاء فقال.
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ تجعلهم مثل المؤمنين فى الاخرة فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ويثبتوا كونهم شركاء الله تعالى مماثلا له فى العلم والقدرة والارادة والتكوين الفاء للسببية والأمر للتعجيز إِنْ كانُوا صادِقِينَ فى دعوتهم شرط مستغنى عن الجزاء بما معنى.
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ الظرف متعلق باذكر وكشف الساق عبارة عن نوغ من تجلياته سبحانه تعالى فى الموقف روى الشيخان فى الصحيحين وغيرهما عن ابى سعيد الخدري ان ناسا قالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال رسول الله ﷺ نعم هل تضارون فى روية الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب وهل تضارون روية القمر ليلة البدر صحوا ليس فيها سحاب قالوا لا يا رسول الله قال ما تضارون فى روية الله تعالى يوم القيامة الا كما تضارون فى روية أحدهما إذا كان يوم القيامة اذن موذن ليتبع كل امة ما كانت تعبد فلا يبقى أحد كان يعبد بغير الله من الأصنام والأنصاب ان يتساقطون فى النار حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من بر وفاجر وفى رواية غير اهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد عزير ابن الله فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد فيقال ماذا تبغون فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا فيشار إليهم الا ترون فيحشرون الى جهنم كانها سراب يحطم لبعضها بعضا فيتساقطون فى النار ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون قالوا كنا نعبد المسيح ابن الله فيقال لهم كذبتم فذكر كما ذكر فى اليهود وفى رواية مسعود عند الحاكم وصححه الدار قطنى وغيرهما انه يمثل لكل من يعبد غير الله ما كانوا يعبدون من الشمس والقمر والأوثان
والآجري فى كتاب الروية عن ابى موسى الأشعري قال سمعت رسول الله - ﷺ - يقول إذا كان يوم القيامة مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون فى دار الدنيا فيذهب كل قوم الى كل ما يعبدون ويبقى اهل التوحيد فيقال لهم وقد ذهب الناس فيقولون ان لنا ربا كنا نعبده فى الدنيا لم نره قال وتعرفونه إذا رايتموه فيقولون نعم فيقال لهم كيف تعرفونه ولم تروه قالوا انه لا شبه له فيكشف لهم عن الحجاب فينظرون الى الله تعالى فيخرون له سجدا ويبقى أقوام فى ظهورهم مثل صياصى البقر يريدون السجود فلا يستطيعون فيقول الله تبارك وتعالى ارفعوا رؤسكم قد جعلت بدل كل رجل منكم بدلا من اليهود والنصارى وهذه الأحاديث تدل على ان لله سبحانه تجليات على انواع شتى منها تجليات صورته وذلك فى عالم المثال وليس هى روية فى الحقيقة كما رأى النبي ﷺ ربه فى المنام على صورة امرد شاب شطط فى رجليه نعلا الذهب وعند ذلك التجلي يقول القائلون فى الموقف نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئا ومنها ما يكون على غير شبه ومثال فى الموقف وفيه شائبة من الظلية ولعل من هذا النوع ما أراد الله تعالى بقوله يكشف عن ساق فح راه المؤمنون الأبرار والفجار بلا حجاب كما ترون الشمس بالظهيرة صحوا ليس معها سحاب والقمر ليلة البدر كما روينا من قبل ولا نصيب للكفار من هذا التجلي لقوله تعالى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقوله عليه السلام حتى إذا لم يبق الا من كان يعبد الله من برو فاجراتاهم رب العالمين الحديث الى قوله فيكشف عن ساق والساق من المتشابهات كاليد والوجهة لا يعلم تأويله الا الله والراسخون فى العلم يقولون أمنا به ومنها ما يكون فى الجنة بلا شائبة الظلية المعبر عنها بقوله تعالى للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وَيُدْعَوْنَ اى المؤمنون الأبرار والفجار الى السجود وهذه الدعوة إِلَى السُّجُودِ
ليس من باب التكليف إذ ليس الاخرة دار تكليف بل هى دعوة طبيعية تقتضيه افتقار الحقيقة الامكانية عند كشف سرادقات العظمة والجلال ما لم يمنع مانع فَلا يَسْتَطِيعُونَ اى العصاة منهم لصيرورة ظهرهم طبقة واحدة لما يحملون أوزارهم فالضمير راجع الى بعض المدعوين الى السجود دون الكل كما فى قوله تعالى وبعولتهن أحق بردهن بعد قوله والمطلقات وبدل على هذا الأحاديث المذكورة فالذين لا يستطيعون السجود هم المؤمنون
خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ الخشوع صفة للذوات أسند الى الابصار تجوز الظهوره فيها تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ اى يلحقهم ذلة وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فى الدنيا فلم يسجدوا كما أمرهم الله بالإخلاص وَهُمْ سالِمُونَ عن كون ظهورهم طبقة واحدة حال من فاعل يدعون الثاني وقوله تعالى خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون كلها احوال من فاعل يدعون الاول وفى قوله تعالى وقد كانوا يدعون الى السجود وهم سالمون تعليل لعدم استطاعتهم على السجود فى الاخرة.
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ معطوف على الضمير المنصوب فى ذرنى او مفعول بِهذَا الْحَدِيثِ القران جملة فذرنى معترضة لوعيد الكفار وتسلية النبي ﷺ اى لا تغتم وكله الى فانى أكفيكه سَنَسْتَدْرِجُهُمْ الضمير المنصوب راجع الى من اعتبارا بمعناه الدرج طى الكتاب والثوب يقال للمطوى ورجى استعير الدرج للموت كما استعير الطى له كذا قال الجوهري وقال قوله تعالى سنستدرجهم قيل معناه سنطويهم طى الكتاب عبارة عن إغفالهم
وَأُمْلِي لَهُمْ اى امهلهم إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ قوى لا يطاق دفعه جملة مستانفة والكيد المكر والحيلة واظهار خلاف ما أضمر من السوء فالكيد من الله الانتقام بصورة الانعام قال الجوهري فى قوله تعالى ان كيدى متين قال بعضهم أراد بالكيد العذاب والصحيح هو الاملاء والامهال يعنى ليس ما نعطيهم فى الدنيا من النعم تفضلا لهم على المؤمنين كما زعموا بل كيد واستدراج لهم (فائدة) من ارتكب المعصية فعوقب عليها بمصيبة فى الدنيا يرجى مغفرة ذنبه ومن ارتكب المعصية ثم يرى عليه ازدياد النعمة يخشى عليه المكر والاستدراج نعوذ بالله منه.
أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً على التبليغ أم منقطعة بمعنى بل والهمزة معطوفة على قوله تعالى أم لهم شركاء وما بينهما معترضات فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ فيعرضون عنك بلا حجة دفعا للغرامة الجملة الاسمية معطوفة بالفاء السببية على العقلية اى تسئلهم.
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ اى اللوح المحفوظ او المغيبات فَهُمْ يَكْتُبُونَ منه ما يحكمون جملة أم عندهم معطوفة على أم تسئلهم ذكر الله سبحانه فيما سبق نفى الدليل التحقيقى العقلي والسمعي والتقليد الذي يستدلون به العوام وذكر هاهنا نفى الكشف عن المغيبات والإلهام الذي هو سبب لحصول العلم للخواص من الأنبياء والملائكة وبعض الأولياء فان الله تعالى يكشف عليهم اللوح المحفوظ والمغيبات إذا شاء يعنى ليس شىء مما ذكرنا عندهم فما يحكمون به ليس الا باطلا لغوا.
فَاصْبِرْ يا محمد - ﷺ - على اذاهم فانهم لا يقولون ما يقولون الا بلا حجة لِحُكْمِ رَبِّكَ لقضائه بأخذ الكفار بالامهال والاستدراج ولا تضجر ولا تعجل وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ فى الضجر والاستعجال معطوف على فاصبر قال وهب ان يونس بن متى عليه السلام كان عبدا صالحا وكان فى خلقه ضيق فلما حمل عليه أثقال النبوة تضح تحتها تفسح الربع تحت الحمل الثقيل يقذفها بين يديه ويخرج هاربا منها فلذلك أخرجه الله من اولى العزم وقال للنبى - ﷺ - فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تكن كصاحب الحوت وقصته على ما ذكره ابن مسعود وسعيد بن جبير ووهب ان الله تعالى أرسله الى اهل نينوى من ارض الموصل وهم مائة الف
لَوْلا امتناعية أَنْ تَدارَكَهُ فعل ماض بمعنى أدركه وحسن تذكير القول للفصل او مضارع منصوب بحذف تاء التفاعل حكاية عن الحال الماضي مبتداء بتأويل المصدر نِعْمَةٌ فاعل للفعل مِنْ رَبِّهِ صفة له اى رحمته وتوفيق التوبة وقبولها وخبر المبتدا محذوف تقديره لولا تدارك ونعمة ربه إياه موجود لَنُبِذَ جواب لولا بِالْعَراءِ اى الأرض الخالية عن الشجر والبناء وَهُوَ مَذْمُومٌ حال من فاعل نبذ يعتمد عليه الجواب ويتوجه النفي الى ذلك اى لولا الرحمة لنبذ مذموما على عدم التثبت والخروج من اظهر القوم بغير اذن من الله وترك الاولى يعد ذنبا بالنسبة الى الأنبياء لعظمة شانهم وان لم يكن ذنبا فى الحقيقة منافيا للعصمة لكن تداركه الرحمة لما نادى الله تعالى وتاب فنبذ بالعراء وهو سقيم كما فى سورة الصافات محمودا مرحوما وقع فى رواية العوفى وغيره عن ابن عباس قال كان يونس وقومه يسكنون فلسطين فغزاهم ملك فسبى منهم تسعة ونصفا من الأسباط وبقي سبطان ونصف فاوحى الله تعالى الى شعيا النبي ان اسر الى حزقيا الملك وقل له حتى يوجهه متينا قويا فانى القى فى قلوب أولئك حتى يرسلوا معه بنى إسرائيل وكان فى مملكته خمسة من الأنبياء فدعى الملك يونس وامره ان يخرج فقال يونس هل أمرك الله باخراجى قال لا قال فهل سمانى قال لا قال فههنا غيرى أنبياء أقويا فالحوا عليه فخرج من بينهم مغاضبا فاتى بحر الروم فركبها الى اخر القصة.
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ ورد الوحى اليه فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ عطف على اجتباه اى جعله من الكاملين فى الصلاح بالعصمة من ان يقول ما تركه اولى لا بد للصوفى الصبر على إيذاء الخلق ولا يجوز له ان يدعو على من أنكره فان الله سبحانه وتعالى لم يأذن بالدعاء على الكفار وامر بالصبر
وَإِنْ مخففة من المثقلة يدل عليه اللام فى الخبر يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ خبر يكاد قرأ نافع بفتح الياء من المجرد والباقون بالضم من الافعال وهما لغتان يقال زلقه يزلقه ازلاقا ومعناه ينفذ ذلك يقال زلق ألسنتهم إذا نفذ قال السدى يصيبونك بعيونهم وقيل يزلقونك وقال الكلبي يصرعونك بِأَبْصارِهِمْ متعلق بيزلقون وكذا قوله لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ عن جابر عن النبي ﷺ ان العين ليدخل الرجل القبر والجمل القدر أخرجه ابو نعيم فى الحلية وابن عدى عن ابى ذر نحوه رواه ابن عدى وفى الصحيحين وغيرهما عن ابى هريرة العين حق وعند احمد ومسلم عن ابن عباس العين حق ولو كان شىء سابق القدر سبقته العين وإذا استغسلتم فاغسلوا وفى رواية عن ابى هريرة العين حق يحضرها الشيطان وحسد ابن آدم وعن صبيد بن رفاعة ان اسماء بنت عميس قالت يا رسول الله ان بنى جعفر يصيبهم العين فاسترق لهم قال نعم فلو كان شىء يسبق القضاء يسبقه العين رواه البغوي والله تعالى اعلم وقال ابن قتيبة ليس الله يريد انهم يصيبونك بأعينهم كما نصيب العائن بعينه أراد انهم ينظرون إليك إذا قرأت القران نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك يقال نظر الى نظرا يكاد يصرعنى ونظيرا يكاد يأكلني كناية عن العداوة ويدل على صحة هذا المعنى تقييده بسماع القران فانهم كانوا عنه ذلك كارهين أشد الكراهة ويجدون اليه النظر بالبغضاء وَيَقُولُونَ إذ يسمعونه يقرأ القرآن إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ جملة يقولون معطوفة على معنى ان يكاد الذين كفروا.
وَما هُوَ اى القران إِلَّا ذِكْرٌ موعظة لِلْعالَمِينَ يعنى ما هو بمجنون والقران