تفسير سورة القلم

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة القلم من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة القلم
«١» قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» اسم كريم من شهد لطفه لم يتذلّل بعده لمخلوق، ولم يستعن فيما نابه من ضرّ أصابه أو خير أراده بمحدث مرزوق.
إن أعطاه قابله بالشّكر، وإن منعه استجابه بجميل الحمد «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣) وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)
«ن» قيل: الحوت الذي على ظهره الكون، ويقال: هى الدواة.
ويقال: مفتاح اسمه ناصر واسمه نور.
ويقال: إنه أقسم بنصرة الله تعالى لعباده المؤمنين.
وأقسم بالقلم- وجواب القسم قوله:
«ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ» ما أوجب لصدره من الوحشة من قول الأعداء عنه:
إنه مجنون، أزاله عنه بنفيه، ومحقّقا ذلك بالقسم عليه... وهذه سنّة الله تعالى مع رسوله ﷺ فما يقوله الأعداء فيه يردّه- سبحانه- عليهم بخطابه وعنه ينفيه.
(١) هكذا في ص، وفي م سورة ن والقلم.
(٢) يمكن أن يفيد ذلك في التمييز بين الشكر والحمد- كما يرى القشيري.
«وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ» : أي غير منقوص.. لمّا سمت همّته ﷺ عن طلب الأعواض أثبت الله له الأجر، فقال له: إن لك لأجرا غير منقوص- وإن كنت لا تريده.
ومن ذلك الأجر العظيم هذا الخلق، فأنت لست تريد الأجر- وبنا لست تريد فلولا أن خصصناك بهذا التحرّر لكنت كأمثالك في أنهم في أسر الأعواض.
قوله جل ذكره: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» كما عرّفه الله سبحانه أخبار من قبله من الأنبياء عرّفه أنه اجتمعت فيه متفرقات أخلاقهم فقال له: إنك لعلى خلق عظيم.
ويقال: إنه عرض عليه مفاتيح الأرض فلم يقبلها، ورقّاه ليلة المعراج، وأراه جميع الملكة والجنة فلم يلتفت إليها، قال تعالى: «ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى» فما التفت يمينا ولا شمالا، ولهذا قال تعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».. ويقال: «لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ» :
لا بالبلاء تنحرف، ولا بالعطاء تنصرف احتمل صلوات الله عليه في الأذى شجّ رأسه وثغره، وكان يقول:
«اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون». وغدا كلّ يقول: نفسى نفسى وهو صلوات الله عليه يقول: أمتى أمتى.
ويقال: علّمه محاسن الأخلاق بقوله: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ» «١».
سأل صلوات الله عليه جبريل: بماذا يأمرنى ربى؟ قال: يأمرك بمحاسن الأخلاق يقول لك: صل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمّن ظلمك، فتأدّب بهذا فأثنى عليه وقال: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٦ الى ١٦]
بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧) فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨) وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠)
هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢) عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣) أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)
سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)
(١) آية ١٩٩ سورة الأعراف.
617
المفتون: المجنون لأنه فتن أي محن بالجنون.
«فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ» معبودك واحد فليكن مقصودك واحدا وإذا شهدت مقصودك واحدا فليكن مشهودك واحدا..
«وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ» من أصبح عليلا تمنّى أن يكون الناس كلّهم مرضى.. وكذا من وسم بكيّ الهجران ودّ أن يشاركه فيه من عاداه.
«وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ» وهو الذي سقط من عيننا، وأقميناه بالبعد عنا.
«هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» محجوب عنّا معذّب بخذلان الوقيعة في أوليائنا.
«مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ» «١» مهان بالشّحّ، مسلوب التوفيق.
«مُعْتَدٍ أَثِيمٍ» ممنوع الحياء، مشتّت في أودية الحرمان.
«عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ» لئيم الأصل، عديم الفضل، شديد الخصومة بباطله، غير راجع في شىء من الخير إلى حاصله.
«أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ»
(١) عند الجمهور- هو الوليد بن المغيرة، وكان يقول لبنيه العشرة: من أسلم منكم منعته رفدى.
618
(أي: لا تطعه لأن كان ذا مال وبنين... ثم استأنف الكلام فقال) «١» : إذا تتلى... قابلها بالتكذيب، وحكم أنّ القرآن من الأساطير.
«سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ» أي سنجعل له في القيامة على أنفه نشويها لصورته كى يعرف بها.
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ١٧ الى ٣٠]
إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧) وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠) فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)
أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢) فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥) فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧) قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (٢٨) قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠)
أي امتحنّاهم «٢».. حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فابتلاهم الله بالجوع، حتى أكلوا الجيف- كما بلونا أصحاب الجنة، قيل: إن رجلا من أهل اليمن كانت له جنة مثمرة وكان له ثلاثة بنين، وكان للمساكين كل ما تعدّاه المنجل فلم يجذه من الكرم، فإذا طرح على البساط فكل شىء سقط عن البساط فهو أيضا للمساكين، فما أخطأه القطاف من نخله وكرمه يدعه للمساكين. وكان يجتمع منه مال، فلما مات هو قال ورثته: إنّ هذا المال تفرّق فينا، وليس يمكننا أن نفعل ما كان يفعله أبونا، وأقسموا ألا يعطوا للفقراء شيئا، فأهلك الله جنّتهم فندمو وتابوا.
وقيل: أبدلهم الله جنة حسنة، فأقسموا ليصرمنّ جنّتهم وقت الصبح قبل أن تفطن المساكين، ولم يقولوا: إن شاء الله:
«فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ» أرسل عليها من السماء آفة فأحرقت ثمارهم. وأصبحت «كَالصَّرِيمِ» أي كالليل المسودّ، فنادى بعضهم بعضا وقت الصبح: أن اغدوا على حرثكم إن أردتم الصرام، فانطلقوا
(١) ما بين القوسين موجود في ص وغير موجود في م.. والمعنى: لا تطعه- مع هذه النقائص والمنالب- ليساره وحظه من الدنيا وكثرة أولاده.
(٢) يقصد أهل مكة حين دعا عليهم الرسول: اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف.
لا يرفعون أصواتهم فيما بينهم لئلا يسمعهم أحد. وقصدوا إلى الصرام «عَلى حَرْدٍ» أي:
قادرين عند أنفسهم، ويقال: على غضب منهم على المساكين.
فلمّا رأوا الجنة وقد استؤصلت قالوا: ليست هذه جنتنا!! ثم قالوا: بل هذه جنّتنا... ولكنّا حرمنا خيرها.
قال أوسطهم: أي أعدلهم طريقة وأحسنهم قولا:
«أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ؟» أي: تستثنون وتقولون: إن شاء الله «١».
«قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ» ثم أقبل بعضهم على بعض يتلاومون، ويقولون:
[سورة القلم (٦٨) : آية ٣٣]
كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)
قال تعالى: «كَذلِكَ الْعَذابُ» لأهل مكة «وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ» :
وهكذا «٢» تكون حال من له بداية حسنة ويجد التوفيق على التوالي، ويجتنب المعاصي، فيعوضه الله في الوقت نشاطا، وتلوح في باطنه الأحوال. فإذا بدر منه سوء دعوى أو ترك أدب من آداب الخدمة تنسدّ عليه تلك الأحوال ويقع في قره «٣» من الأعمال. فإذا حصل منه بالعبادات إخلال، ولبعض الفرائض إهمال- انقلب حاله، وردّ من الوصال إلى البعاد، ومن الاقتراب إلى الاغتراب عن الباب، فصارت صفوته قسوة. وإن كان له بعد ذلك توبة، وعلى ما سلف منه ندامة- فقد فات الأمر من يده، وقلمّا يصل إلى حاله.
(١) هذا أيضا رأى مجاهد، فجعل قول: إن شاء الله من التسبيح، وهذه هي حقيقة تقديم المشيئة، فهى تنزيه لله بأن لا شىء إلا بمشيئته.
(٢) هذه الإشارة موجهة إلى أرباب السلوك يقصد بها إلى التوضيح أن العبرة بالخواتيم، وينبغى الاهتمام بهذه الفقرة كلها عند بحثنا عن «وصايا القشيرى للمريدين».
(٣) جمع أقره وهو ما اسودّ من الجلد وتقشّر.
ولا يبعد أن ينظر إليه الحقّ بأفضاله، فيقبله بعد ذلك رعاية لما سلف في بدايته من أحواله... فإنّ الله تعالى رءوف بعباده.
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٣٤ الى ٣٧]
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧)
الذين يتقون الشّرك والكفر، ثم المعاصي والفسق، لهم عند الله الثواب والأجر.
قوله جل ذكره: «أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ؟ ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ؟! أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ؟» كيف تحكمون؟ هل لديكم حجة؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون؟ أم لكم منا عهود فيها تحكمون؟ والمقصود من هذه الأسئلة نفى ذلك.
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣)
«عَنْ ساقٍ» : أي عن شدّة يوم القيامة.
ويقال في التفسير: عن ساق العرش.
يؤمرون بالسجود فأمّا المؤمنون فيسجدون، وأمّا الكفار فتشدّ أصلابهم فلا تنحنى.
وقيل: يكشف المريض عن ساقه- وقت التوفّى- ليبصر ضعفه، ويقول المؤذّن:
حيّ على الصلاة- فلا يستطيع.
وعلى الجملة فقد خوّفهم بهذه القالة: إمّا عند انتهائهم في الدنيا أو ابتدائهم في الآخرة.
«... وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ» يذكّرهم بذلك ليزدادوا حسرة، ولتكون الحجة عليهم أبلغ.
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٤ الى ٤٧]
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)
سنقرّبهم من العقوبة بحيث لا يشعرون.
والاستدراج: أن يريد الشيء ويطوى عن صاحبه وجه القصد فيه، ويدرجه إليه شيئا بعد شىء، حتى يأخذه بغتة.
ويقال: الاستدراج: التمكين من النّعم مقرونا بنسيان الشكر «١».
ويقال: الاستدراج: أنهم كلما ازدادوا معصية زادهم نعمة.
ويقال: ألّا يعاقبه في حال الزّلّة، وإنما يؤخّر العقوبة إلى ما بعدها.
ويقال: هو الاشتغال بالنعمة مع نسيان المنعم.
ويقال: الاغترار بطول الإمهال.
ويقال: ظاهر مغبوط وباطن مشوّش.
قوله جل ذكره: «وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ» أمهلهم.. ثم إذا أخذتهم فأخذى أليم شديد.
قوله جل ذكره: «أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ» أي: ليس عليهم كلفة مقابل ما تدعوهم إليه، وليست عليهم غرامة إن هم اتبعوك.. فأنت لا تسأل أجرا.. فما موجبات التأخّر وترك الاستجابة؟
«أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ؟» أَمْ عِنْدَهُمُ شىء من الغيب انفردوا به وأوجب لهم أن لا يستجيبوا؟».
(١) فى النسختين (بلسان) وهي خطأ قطعا، فقد اشتهت على كلا الناسخين. ويؤيد رأينا قول سفيان الثوري فى «سَنَسْتَدْرِجُهُمْ» نسبغ عليهم النعم وننسيهم الشكر (القرطبي ح ١٨ ص ٢٥١).
قوله جل ذكره:
[سورة القلم (٦٨) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨) لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢)
صاحب الحوت: هو يونس عليه السلام، نادى وهو مكظوم: مملوء بالغيظ على قومه.
فلا تستعجل- يا محمد- بعقوبة قومك كما استعجل يونس فلقى ما لقى، وتثبّت عند جريان حكمنا، ولا تعارض تقديرنا.
«لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ» أي: لولا أنّ الله رحمه بفضله لطرح بالفضاء وهو مذموم ولكن:
«فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ» فاصطفاه واختاره، وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون.
قوله جل ذكره: «وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ» كانوا إذا أرادوا أن يصيبوا شيئا بأعينهم جاعوا ثلاثة أيام، ثم جاعوا ونظروا إلى ذلك الشيء قائلين: ما أحسنه من شىء! فكان يسقط المنظور في الوقت. وقد فعلوا ذلك بالنبي صلوات الله عليه، فقالوا: ما أفصحه من رجل! ولكنّ الله سبحانه حفظه، ومن بذكره عليه «١».
(١) ننبه إلى نقطة هامة.. ورود اسم القشيري عند القرطبي لا يعنى أنه إمامنا عبد الكريم القشيري صاحب هذا الكتاب، بل ربما كان أحد أبنائه الستة.. فكلهم أئمة. وربما كان ابنه أبا نصر عبد الرحمن (انظر القرطبي الجزء العشرين ص ٥٤) وليس أدل على ذلك من المقارنة بين قول القشيري هنا وما جاء عند القرطبي في ح ١٨ ص ٢٥٥ (قال القشيري: وفي هذا نظر لأن الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض، ولهذا قال: ويقولون إنه لمجنون) أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن.
Icon