تفسير سورة القلم

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة القلم من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة :
هذه السورة مكية وآياتها ثنتان وخمسون. وهي مبدوءة بالقسم من الله، إذ يقسم بالقلم وبما يكتبه الكاتبون، على صدق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمانته وأنه غير مجنون، كما يهذي السفهاء والجهلاء من المشركين الضالين. بل إنه في غاية الحسن والكمال من الخلق البشري المفضال بشهادة الله الخالق ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾.
وفي السورة تحذير من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالمشركين المكذبين، ومن مداهنتهم وكيدهم وإضلالهم. وفيها تخويف من أهوال القيامة وما يقع فيها من أحداث مخوفة جسام. ويتجلى ذلك في قوله سبحانه :﴿ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ﴾ لا جرم أن الساعة رعيبة مخوفة، وفيها من البلايا والنوازل والفظائع ما يزلزل القلوب والأبدان.
وفي السورة بيان بحقيقة العين الحاسدة، التي تزلق المصابين المحسودين، لنبين عند ذلك أن سبيل التحرز من حسد الحاسدين، قراءة القرآن، ثم الضراعة إلى الله بالدعاء.
إلى غير ذلك من المعاني والمواعظ التي تفيض بها هذه السورة في آياتها العجاب، وعباراتها المثيرة الحسان، وألفاظها الربانية العليا.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ ن والقلم وما يسطرون ١ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ٢ وإن لك لأجرا غير ممنون ٣ وإنك لعلى خلق عظيم ٤ فستبصر ويبصرون ٥ بأييّكم المفتون ٦ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين ﴾.
﴿ ن ﴾ حرف من حروف التهجي كغيره من فواتح السور وقد سميت به السورة، وما ينبغي أن نذهب بعيدا في تأويل هذا الحرف، كي لا نوغل أو نتيه في الشطحات من الإسرائيليات. فالله أعلم بما يريده من مثل هذه الحروف.
قوله :﴿ والقلم وما يسطرون ﴾ أقسم الله بالقلم لما فيه من البيان وما يناط به من التبيين. وهو في ذلك كاللسان ينطق بالمعاني فتعيها الآذان وتدركها الأذهان. وفي القسم من الله بالقلم ما يدل على الأهمية البالغة للقلم الذي تخطّ به العلوم والمعارف وكل الدروس والأخبار والحكم. والمراد به كل قلم مما يكتب به الكاتبون سواء في الأرض أو السماء ﴿ وما يسطرون ﴾ ما، اسم موصول. أي والذي يسطرون. والضمير عائد إلى أصحاب القلم الذين يكتبون به. والمعنى : وما يكتبه الكاتبون من الناس أو الملائكة الحفظة.
قوله :﴿ ما أنت بنعمة ربك بمجنون ﴾ وهذا جواب القسم. ما نافية. وأنت اسمها، وخبرها ﴿ بمجنون ﴾ والله بذلك ينفي الجنون عن رسوله صلى الله عليه وسلم، إذ رماه به المشركون الظالمون، فقد كانوا يقولون : إن محمدا مجنون. إن ذلكم افتراء وباطل، يهذي به الأفاكون السفهاء على خير الأنام ورسول البشرية، أكمل الناس صفاتا، وأكرمهم أخلاقا، عليه أفضل الصلاة والسلام.
والمعنى : أنت لست بنعمة الله عليك، ورحمته بك، بمجنون يا محمد.
قوله :﴿ وإن لك لأجرا غير ممنون ﴾ يعني لك من الله ثواب جزيل غير مقطوع بما اضطلعت به من أداء الأمانة، واصطبارك على المكاره والأذى في تبليغ الحق للناس.
قوله :﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ وهذه شهادة كريمة عليا من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأنه ذو خلق عظيم. لقد كان ( عليه الصلاة والسلام ) تتجلى فيه كل المحاسن من الآداب وكريم الصفات والخصال، من حياء ومروءة وشجاعة وسخاء وتضحية، وإيثار وبر ورحمة ولين ونظافة، فضلا عما يرسخ في أعماقه من طهارة السريرة وسلامة النية، فكان أخشع الناس قلبا وأصدقهم طوية، إلى غير ذلك من عظيم الخلال مما لا يتسع لذكره المجال.
وفي حقيقة خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى الإمام أحمد عن السيدة عائشة أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : " كان خلقه القرآن ".
وثبت في الصحيحين عن أنس قال : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط. ولا قال لشيء فعلته لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله ألا فعلته. وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا، ولا مسست خزّا ولا حريرا ولا شيئا كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا شممت مسكا ولا عطرا كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى الإمام أحمد عن عائشة قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادما له قط ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا خيّر بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثما، ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله عز وجل.
وروى الإمام أحمد أيضا عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ".
قوله :﴿ فستبصر ويبصرون ﴾ يعني سوف تعلم يا محمد ويعلمون يوم الحساب، وحينئذ يوقن المجرمون أنهم صالوا الجحيم، وأنهم هاوون في الخسران والعذاب الأليم.
قوله :﴿ بأييّكم المفتون ﴾ الباء زائدة للتأكيد. يعني ستعلم ويعلمون من الذي فتن، أو مال عن الحق وضل عن سبيل الله المستقيم. وقيل : المفتون معناه المجنون.
قوله :﴿ إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ﴾ الله عليم بمن مال عن سبيله وهو دينه الحق، دين الإخلاص والتوحيد والنجاة ﴿ وهو أعلم بالمهتدين ﴾ الله عليم بمن اهتدى فسلك سبيل الحق والصواب، وسار في درب الهداية والرشاد. وهذه شهادة من الله لرسوله والمؤمنين، بأنهم على الحق والهدى، على طريق الله المستقيم، ودينه القويم، وما من غيره إلا الشرك والضلال والاعوجاج١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٠٢، ٤٠٣ والكشاف جـ ٤ ص ١٤١..
قوله تعالى :﴿ فلا تطع المكذبين ٨ ودوا لو تدهن فيدهنون ٩ ولا تطع كل حلاف مهين ١٠ هماز مشّاء بنميم ١١ منّاع للخير معتد أثيم ١٢ عتلّ بعد ذلك زنيم ١٣ أن كان ذا مال وبنين ١٤ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ١٥ سنسمه على الخرطوم ﴾.
يحذر الله نبيه صلى الله عليه وسلم من الاغترار بالكافرين المكذبين ومطاوعتهم، أو ممالأتهم والميل إليهم فيما كانوا يدعونه إليه، من الكف عن دينه ليكفوا عنه، أو فيما كانوا يدعونه إليه من دين آبائهم، دين الشرك والضلال.
قوله :﴿ ودوا لو تدهن فيدهنون ﴾ تدهن من الإدهان والمداهنة. وهي المصانعة أو المواربة١ يعني : ود المشركون لو تصانعهم في دينك يا محمد فيصانعونك في دينهم. أو ودوا لو تعبد آلهتهم مدة من الوقت ليعبدوا إلهك مدة. فقد طلب المشركون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يداهنهم أو يصانعهم في دين الله، فيتخلى عن بعضه ليتخلوا هم عن بعض دينهم. وذلك هو اللين أو المصانعة والمجاملة للكافرين على حساب دين الله. وذلك هو ديدن الكافرين وأعوانهم في كل زمان. فهم يودون أن يداهنهم دعاة الإسلام ليكفوا عن الدعوة إلى دين الله، أو لينكفّوا ويجحموا عن بعض قواعده وأحكامه، ومنها قضايا السياسة والجهاد وغير ذلك من قضايا الأحوال الشخصية، أو رفض المفاصلة الواضحة بين عقيدة التوحيد الخالص وغيره من ملل الهوى والشرك.
فما يجوز لمسلم البتة أن يلاين الكافرين أو يداهنهم، فينكفّ عن شيء من أحكام الإسلام، ليرضى عنه الكافرون الظالمون وأعوانهم من المتمالئين، وإنما يبتغي المسلم في كل الأحوال مرضاة الله وحده، فهو بذلك لا يرتضي بغير منهج الله وشرعه بديلا، ويأبى التنازل عن شيء من أحكامه مهما قل.
١ مختار الصحاح ص ٢١٤..
قوله :﴿ ولا تطع كل حلاف مهين ﴾ الحلاف كثير الحلف بالباطل. والمهين من المهانة، وهي ضعف العقل وهوان التمييز والفهم. والمراد به الكذاب الأشر، والوضيع الفاجر المحتقر عند الله. وذلك الذي نهى الله نبيه صلى الله عليه وسلم عن طاعته أو الاستماع إليه.
قوله :﴿ هماز مشاء بنميم ﴾ الهماز الذي يغتاب الناس فيذكرهم بالسوء وفاحش القول في غيابهم. أما المشّاء بنميم، فهو الذي يمشي بين الناس بالنميمة ليفسد بينهم، فيوقع بينهم الخصومة والعداوة. وفي الحديث " لا يدخل الجنة قتّات " والقتات، النمام.
قوله :﴿ مناع للخير معتد أثيم ﴾ المناع للخير، الذي يبخل بالمال فلا يؤدّيه في وجوه الخير، من صدقة ونفقة ونحوهما. أو هو الذي يصدّ الناس عن فعل المعروف، ويمنعهم من فعل الخير، ويكرّه إليهم الدخول في الإسلام، ﴿ معتد أثيم ﴾ المعتدي، المتجاوز للحد في الظلم، والأثيم هو كثير الإثم والمعاصي.
قوله :﴿ عتلّ بعد ذلك زنيم ﴾ اختلف المفسرون في تأويل العتل. فقد قيل : العتلّ، الشرير الفاحش الخلق. وقيل : الشديد الخصومة في الباطل. وقيل : هو الغليظ الجافي. وقيل : الأكول المنوع. وأما الزنيم فهو الدعيّ الملصق بالقوم، وهو ليس منهم. وقيل : الظلوم.
قوله :﴿ أن كان ذا مال وبنين ﴾ أن كان، مفعول لأجله، وتقديره : لأن كان ذا مال وبنين١ والمعنى : لا تطعه لماله وبنيه.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٤٥٣..
قوله :﴿ إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ﴾ هذا الشرير الظلوم الشقي، إذا سمع آيات القرآن تتلى عليه، بادر التكذيب والجحود على سبيل المكابرة والاستنكاف، فقال : ذلك ضرب من قصص الأولين السابقين وخرافاتهم.
قوله :﴿ سنسمه على الخرطوم ﴾ والمراد بالخرطوم، الأنف. أي سنلحق به عيبا في أنفه يظل يشينه ولا يفارقه. وقيل : سنخطمه على أنفه بالسيف١.
١ فتح القدير جـ ٥ ص ٢٦٨، ٢٦٩..
قوله تعالى :﴿ إنّا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنّها مصبحين ١٧ ولا يستثنون ١٨ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ١٩ فأصبحت كالصّريم ٢٠ فتنادوا مصبحين ٢١ أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ٢٢ فانطلقوا وهم يتخافتون ٢٣ أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين ٢٤ وغدوا على حرد قادرين ٢٥ فلما رأوها قالوا إنّا لضالون ٢٦ بل نحن محرومون ﴾.
ذلك إخبار من الله عن فئة من الناس استأثرت لنفسها بالمال، فضنت به عن أداء الحق منه للفقراء بعد أن استحوذت عليهم لوثة الشح وفرط الحب للمال. فما لبثوا أن انقلبوا محزونين حائرين بعد أن ألفوا زرعهم وثمارهم قد أتت عليها آفة من السماء فأحرقتها بالكلية، انتقاما منهم لبخلهم ومنعهم حق الفقراء، وذلك هو قوله :﴿ إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة ﴾ والذين ابتلاهم الله كفار مكة، فقد ابتلوا بالجوع والقحط عقب بطرهم وكفرانهم نعمة ربهم عليهم، وتكذيبهم نبيهم صلى الله عليه وسلم. لقد ابتلاهم الله بالقلة وسوء العيش، كما ابتلى أصحاب الجنة، وخبر هؤلاء معروف لدى أهل مكة. والجنة المذكورة في الآية كانت بأرض اليمن، على مقربة من صنعاء، وكان صاحبها يؤدي حق الله فيها حتى إذا مات وصارت الجنة لأولاده، منعوا الفقراء منها وبخلوا بحق الله فيها. وقيل : المراد بهم قوم من ثقيف، كانوا باليمن مسلمين، ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل، وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شيء حظّا للمساكين عند الحصاد والصرام. فقال بنوه : المال قليل، والعيال كثير، ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا. وعزموا على حرمان المساكين، فصارت عاقبتهم أن بعث الله على زرعهم وثمرهم آفة من السماء جعلته خرابا. وقيل : كان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير.
قوله :﴿ إذ أقسموا ليصرمّنها مصبحين ﴾ الصرم معناه القطع، ومصبحين منصوب على الحال. يعني حلفوا ليقطعن ثمار جنتهم وزرعها في وقت الصباح.
قوله :﴿ ولا يستثنون ﴾ أي لا يقولون إن شاء الله. أو لا يستثنون للمساكين شيئا من زرعهم وثمارهم كما كان يفعل أبوهم.
قوله :﴿ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ﴾ المراد بالطائف نار. أي أتت على جنتهم من عند الله نار أحرقت كل زرعهم وثمارهم حال كونهم نائمين.
قوله :﴿ فأصبحت كالصريم ﴾ أي كالشيء الذي صرمت ثماره أي قطعت. وقيل : أصبحت كالليل الأسود المظلم بعد أن أتت عليها النار فصيّرتها رمادا أسود.
قوله :﴿ فتنادوا مصبحين ﴾ يعني نادى بعضهم بعضا في الصباح ﴿ أن اغدوا على حرثكم ﴾ أن، المفسرة. يعني قال بعضهم لبعض : اخرجوا غدوة، أي في الصباح- على ثماركم وزرعكم ﴿ إن كنتم صارمين ﴾ أي إن كنتم قاصدين للقطع عازمين عليه.
قوله :﴿ فانطلقوا وهم يتخافتون ﴾ يتخافتون من الخفت وهو السكون. وخفت أي سكن ولم ينبس. والمعنى : ذهب أصحاب الجنة إلى جنتهم وهم يسرّون الكلام بينهم، كيلا يعلم بهم أحد.
قوله :﴿ أن لا يدخلنّها اليوم عليكم مسكين ﴾ أن، المفسرة للتخافت المذكور. أي يسرّ بعضهم إلى بعض هذا التخافت وهو : لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين فيسألكم إعطاءه منها ما كان يعطيه أبوكم.
قوله :﴿ وغدوا على حرد قادرين ﴾ الحرد، معناه القصد١ أي ذهبوا إلى جنتهم في الصباح مستسرّين، قادرين على جنتهم عند أنفسهم أو على قدرة في أنفسهم وجدّ أو قادرين على المساكين.
١ مختار الصحاح ص ١٢٩..
قوله :﴿ فلما رأوها قالوا إنا لضالون ﴾ لما رأوا ما حل بجنتهم من الآفة السماوية الحارقة التي أذهبت ثمارهم وزرعهم وأحرقته إحراقا، قالوا وهم يعتصرهم اليأس والندم ﴿ إنا لضالون ﴾ قال ذلك بعضهم لبعض، وهو : أنا قد ضللنا طريق جنتنا وليست هذه هي.
ثم لما نظروا وأيقنوا أن هذه جنتهم ورأوا ما حل بها من إفناء الزرع والثمر قالوا :﴿ بل نحن محرومون ﴾.
أي حرمنا الله الاستفادة من جنتنا عقابا لنا بما عزمنا عليه من منع المساكين وصدهم عن الانتفاع منها١.
١ فتح القدير جـ ٥ ص ٢٧١ وتفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٠٦..
قوله تعالى :﴿ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبّحون ٢٨ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ٢٩ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ٣٠ قالوا ياويلنا إنا كنا طاغين ٣١ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون ٣٢ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ﴾.
أوسطهم يعني، أمثلهم وخيرهم وأسدّهم قولا ورأيا. قال هذا لبقيتهم ﴿ ألم أقل لكم لولا تسبّحون ﴾ أي تستثنون. أو تشكرون الله على ما أنعم به عليكم.
قوله :﴿ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ﴾ أي تنزه الله عن الظلم فيما صنع بجنتنا من الإفناء أو الحرق. فإنما كان ذلك بسبب ذنبنا وهو الشح والأثرة ومنع الفقراء من الخير.
قوله :﴿ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ﴾ أي يلوم بعضهم بعضا على منعهم المساكين من الخير، وعزمهم على صدهم عن الانتفاع من الجنة. ثم نادوا على أنفسهم بالويل، إذ قالوا ﴿ ياويلنا إنا كنا طاغين ﴾.
قوله :﴿ ياويلنا إنا كنا طاغين ﴾ أي عاصين متجاوزين حدود الله بمنع الفقراء والتمالؤ على صدهم عن خير الجنة.
قوله :﴿ عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ﴾ بعد إقرارهم بالخطيئة أنابوا إلى ربهم تائبين نادمين وسألوه أن يدلهم جنة خيرا من جنتهم المحترقة ﴿ إنا إلى ربنا راغبون ﴾ أي راغبون في طاعة ربنا وفي الإنابة إليه، طالبون منه العفو والخير.
قوله :﴿ كذلك العذاب ﴾ كذلك في موضع رفع خبر مقدم، والعذاب مبتدأ مؤخر. يعني مثل ذلك العذاب الذي بلوناهم به، عذاب الدنيا.
قوله :﴿ ولعذاب الأخرة أكبر ﴾ ذلك تأكيد من الله على أن عذاب الآخرة أشد وأفظع وأنكى ﴿ لو كانوا يعلمون ﴾ لو كان المشركون يعلمون ذلك. لكنهم لفرط ضلالهم وغفلتهم لا يعلمون ذلك١.
١ فتح القدير جـ ٥ ص ٢٧٣ وتفسير القرطبي جـ ١٨ ص ٢٤٤، ٢٤٥..
قوله تعالى :﴿ إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ٣٤ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ٣٥ ما لكم كيف تحكمون ٣٦ أم لكم كتاب فيه تدرسون ٣٧ إن لكم فيه لما تخيّرون ٣٨ أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون ٣٩ سلهم أيّهم بذلك زعيم ٤٠ أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ﴾.
يذكر الله جلا جلاله حال المتقين يوم القيامة وما وعدهم به من خير الجزاء وهو قوله :﴿ إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم ﴾ أي للمتقين الذين يخشون ربهم فيجتنبون عصيانه ويلتزمون شرعه وأحكام دينه ﴿ جنات النعيم ﴾ أعد الله لهم عنده في جواره وتحت رحمته جنات يقيمون فيها لابثين ما كثين ليجدوا فيها من الخير والبهجة والبركة وصنوف اللذات ما ليس له نظير.
قوله :﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ﴾ الإستفهام للإنكار. والفاء للعطف على مقدر. فقد كان صناديد قريش المشركون يرون أنهم محظوظون في الدنيا وأن المسلمين غير أولي حظوظ فيها، فلما سمعوا بذكر الآخرة وما أعدّ فيها للمسلمين قالوا : إن صح ما يزعمه محمد فلن يكون حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا.
فرد الله مقالتهم وكذبهم تكذيبا في قوله :﴿ أفنجعل المسلمين كالمجرمين ﴾ الاستفهام للإنكار. أي لن يجعل الله المسلمين كالمجرمين العصاة يوم القيامة. فالمؤمنون لهم الجنات خالدين فيها، والكافرون العصاة يصلون النار لابثين فيها لا يخرجون.
قوله :﴿ ما لكم كيف تحكمون ﴾ ذلك توبيخ من الله لهؤلاء المجرمين السفهاء. أي كيف تحكمون هذا الحكم الباطل، إذ تزعمون أنكم في الآخرة محظوظون كحالكم من وفرة الحظ في الدنيا.
قوله :﴿ أم لكم كتاب فيه تدرسون ﴾ وذلك توبيخ آخر للمشركين السفهاء، إذ يسألهم الله موبخا مستنكرا : أم لكم كتاب تقرؤون فيه فتجدون أنكم أولو حظ كريم في الآخرة.
﴿ إن لكم فيه لما تخيّرون ﴾ كسرت همزة إن لدخول اللام في الخبر. يعني إن لكم في ذلك ما تختارون لأنفسكم من الأمور.
قوله :﴿ أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة ﴾ يعني أم لكم إلى يوم القيامة عهود ومواثيق على الله ﴿ بالغة ﴾ مؤكدة استوثقكم بها في أن يدخلكم الجنة ﴿ إن لكم لما تحكمون ﴾ أي بأن لكم حكمكم.
قوله :﴿ سلهم أيهم بذلك زعيم ﴾ يعني سل يا محمد هؤلاء المشركين المتقوّلين على الله ما ذكر، أيهم كفيل بصدق ما يزعمون ويتقوّلون.
قوله :﴿ أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين ﴾ يعني ألهؤلاء المتقولين المبطلين شركاء يؤيدونهم في افترائهم ويشهدون لهم بصدق ما يزعمون، فليأتوا بهؤلاء الشركاء ليشهدوا لهم ﴿ إن كانوا صادقين ﴾ فيما يزعمون. والأمر هنا للتعجيز١.
١ تفسير الطبري جـ ٢٩ ص ٢٣، ٢٤ وتفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٠٦..
قوله تعالى :﴿ يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ٤٢ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ٤٣ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ٤٤ وأملي لهم إن كيدي متين ٤٥ أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ٤٦ أم عندهم الغيب فهم يكتبون ﴾.
يوم، منصوب من وجهين. أحدهما : أن يكون العامل فيه : فليأتوا بشركائهم يوم يكشف عن ساق. وثانيهما : أن يكون العامل فيه فعلا مقدرا، وتقديره : واذكر يوم١، والكشف عن الساق مثل يضرب في شدة الأمر وفظاعة الخطب وهول المنظر وأصل ذلك في الروع والهزيمة وتشمير النساء ذوات الخدور عن سوقهن في الهرب. والمعنى : يشتد أمر الرحمان يوم القيامة حيث الفزع الأكبر، إذ تتفاقم الأهوال والزلازل والبلايا. أو يوم تشتد الحال أو الساعة، كما تقول : كشفت الحرب عن ساقها على سبيل المجاز ﴿ ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ﴾ تبقى أصلاب المنافقين والظالمين المكذبين طبقا واحدا يوم القيامة فلا يستطيعون السجود فإن قيل : لم يدعون إلى السجود وليس من تكليف يوم القيامة ؟ فإنه يجاب عن ذلك، بأنه يطلب منهم السجود على سبيل التوبيخ والتعنيف على تركهم السجود في الدنيا. وفي ذلك تهييج للندم الشديد، والحسرة البالغة في نفوسهم على ما فرطوا في دنياهم. وفي ذلك من زيادة التنكيل بهم ما لا يخفى.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٤٥٥..
قوله :﴿ خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلّة ﴾ خاشعة، منصوب على الحال من ضمير ﴿ يدعون ﴾. وأبصارهم مرفوع على الفاعلية١.
يعني أبصارهم خاضعة ذليلة قد غشيها الذل والندم والاستيئاس ﴿ وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ﴾ كانوا يدعون إلى الصلاة في الدنيا وهم أصحاب معافون لا يمنعهم من ذلك مانع فيدعون يوم القيامة إلى السجود فلا يستطيعون. وقال ابن عباس : هم الكفار يدعون في الدنيا وهم آمنون فاليوم يدعوهم وهم خائفون.
١ نفس المصدر السابق..
قوله :﴿ فذرني ومن يكذّب بهذا الحديث ﴾ ومن، في موضع نصب بالعطف على ضمير المتكلم في ﴿ فذرني ﴾ ١.
يعني دعني ومن يكذب بهذا القرآن، فكله إلي فإني أكفيكه، فحسبك إيقاعا به أن تكل أمره إلي وتخلي بيني وبينه. أو لا تشغل قلبك بشأنه واعتمد على ربك في الانتقام منه. وفي هذا تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهديد شديد للمكذبين : فالله منتقم من أعداء دينه المجرمين، وهو سبحانه يملي لهم، ويمهلهم حتى إذا جاء وعدهم بالتدمير أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
قوله :﴿ سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ﴾ الاستدراج معناه النقل من حال إلى حال. واستدراجه، أدناه منه على التدريج ٢ واستدرجهم أي استنزلهم درجة فدرجة حتى يوقعهم في العقاب ﴿ من حيث لا يعلمون ﴾ أي وهم لا يشعرون بل يظنون أن في ذلك كرامة لهم وهو في الحقيقة توريط لهم وإهانة.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٤٥٥..
٢ مختار الصحاح ص ٢٠٢..
قوله :﴿ وأملي لهم إنّ كيدي متين ﴾ أي أمهلهم وأنسئ لهم في الأجل ليزدادوا إثما، كيدا لهم مني ومكرا بهم، فكيدي لهم قوي شديد.
قوله :﴿ أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون ﴾ يعني أتطلب من هؤلاء المشركين يا محمد جزاء وثوابا على ما تدعوهم إليه من الإيمان والطاعة لله فهم من هذا الجزاء مثقلون. أي شق عليهم أن يبذلوه. إنك لم تسألهم شيئا على إيمانهم وعبادة ربهم.
قوله :﴿ أم عندهم الغيب فهم يكتبون ﴾ يعني أعندهم علم ما غاب عنهم، أو عندهم اللوح المحفوظ الذي فيه علم الأولين والآخرين فهم بذلك يكتبون منه ما فيه من الغيب فيجادلونك به ويزعمون أنهم مستغنون عما تدعوهم إليه من الإيمان وأنهم عند ربك خير من المؤمنين١.
١ الكشاف جـ ٤ ص ١٤٧ وتفسير الطبري جـ ٢٩ ص ٢٨ وتفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٠٨..
قوله تعالى :﴿ فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ٤٨ لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم ٤٩ فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ٥٠ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون ٥١ وما هو إلا ذكر للعالمين ﴾.
يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر على أذى المشركين ويحتمل مساءاتهم وسفاهاتهم وهو قوله :﴿ فاصبر لحكم ربك ﴾ أي اصبر يا محمد لقضاء الله، وامض لما أمرك الله به، ولا يثنينك المشركون والظالمون بكيدهم وصدودهم وأذاهم عن تبليغ دعوة الحق للناس ﴿ ولا تكن كصاحب الحوت ﴾ وهو يونس بن متى. لا تكن مثله في الغضب والضجر والاستعجال بل اصطبر واحتمل وادع إلى دين الله مطمئن النفس راضيا بقضاء الله وقدره.
قوله :﴿ إذ نادى وهو مكظوم ﴾ أي نادى يونس ربه خاشعا متضرّعا وهو في ظلمات البحر وقد ابتلعه الحوت قائلا ﴿ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ﴾ دعا يونس ربه بهذا الدعاء ﴿ وهو مكظوم ﴾ أي مكروب ومغموم.
قوله :﴿ لولا أن تداركه نعمة من ربه ﴾ اختلفوا في المراد بالنعمة ههنا. وأولى الأقوال بالصواب في ذلك على أنها الرحمة من الله، إذ أخرجه الله من بطن الحوت سالما آمنا برحمته.
قوله : لنبذ بالعراء وهو مذموم } يعني لألقي من بطن الحوت بالعراء، وهو الفضاء من الأرض ﴿ وهو مذموم ﴾ أي مليم. وقيل : مذنب.
قوله :﴿ فاجتباه ربه فجعله من الصالحين ﴾ أي اصطفاه واختاره للنبوة ﴿ فجعله من الصالحين ﴾ أي أرسله إلى الناس مبلغا دعوة ربه.
قوله :﴿ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ﴾ نزلت هذه الآية حين أراد الكفار أن يعينوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصيبوه بالعين. فنظر إليه قوم من قريش فقالوا : ما رأينا مثله ولا مثل حججه. وكانت العين في بني أسد حتى أن الناقة السمينة والبقرة السمينة تمرّ بأحدهم فيعينها ( يصيبها بعينه ) ثم يقول : يا جارية خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم من لحم هذه فما تبرح حتى تقع بالموت فتنحر. وذكر أن رجلا كان معروفا بأنه عائن. أي يصيب بعينه الدابة أو الإنسان فما يلبث أن يهلك. فسأله المشركون أن يصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعين، فعصم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأنزل هذه الآية ١ ﴿ وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ﴾ إن، مخففة من الثقيلة. ليزلقونك، من الإزلاق وهو التنحية والإزالة. يقال : زلقه وأزلقه يزلقه تزليقا إذا نحّاه وأبعده، وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه٢.
لقد أراد المشركون إزلاق النبي صلى الله عليه وسلم بإهلاكه وموته، وهو المستفاد من قوله :﴿ ليزلقونك بأبصارهم ﴾ أي ليعتانونك. رجل معيان وعيون، أي شديد الإصابة بالعين٣ وقيل : يصرعونك أو يصرفونك ﴿ بأبصارهم ﴾ أي بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه لفرط عداوتهم لك. وجملة القول أنهم يبتغون أن يصيبوك بالعين لإهلاكك.
أما العين فإنها حق وهي تصيب المعيون فتودي به. وفي ذلك روى مسلم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين " وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين يقول : " أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامّة ".
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد أو جابر بن عبد الله أن رسول الله اشتكى فأتاه جبريل فقال : " بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من كل حاسد وعين، الله يشفيك " وروى الإمام أحمد أيضا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن العين حق ".
وروى ابن ماجه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " استعيذوا بالله فإن النفس حق ". وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " العين حق لتورد الرجل القبر والجمل القدر، وإن أكثر هلاك أمتي في العين ".
وروى عن علي ( رضي الله عنه ) أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فوافقه مغتمّا فقال : يا محمد ما هذا الغم الذي أراه وجهك ؟ قال : " الحسن والحسين أصابتهما عين " قال : صدّق بالعين فإن العين حق، أفلا عوّذتهما بهؤلاء الكلمات ؟ قال : " وما هن يا جبريل " قال : قل اللهم ذا السلطان العظيم والمنّ القديم ذا الوجه الكريم وليّ الكلمات التامات والدعوات المستجابات عاف الحسن والحسين من أنفس الجن وأعين الإنس. فقالها النبي صلى الله عليه وسلم فقاما يلعبان بين يديه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " عوذوا أنفسكم ونساءكم وأولادكم بهذا التعويذ فإنه لم يتعوذ المتعوذون بمثله ".
قوله :﴿ ويقولون إنه لمجنون ﴾ ينسبون النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجنون إذا سمعوه يقرأ القرآن. وذلك لفرط حسدهم وكراهيتهم له، ولروعة ما سمعوا من الكلام العجيب الذي لم يسمعوا بمثله من قبل. فلم يجدوا من فرية يفترونها على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يرموه بالجنون وهم موقنون بصدقه وأمانته ورجاحة عقله وروعة ما جاءهم به.
١ أسباب النزول للنيسابوري ص ٢٩٣، ٢٩٤..
٢ مختار الصحاح ص ٢٧٤، والمصباح المنير جـ ٢ ص ٢٧٣..
٣ القاموس المحيط جـ ٤ ص ٢٥٤..
قوله :﴿ وما هو إلا ذكر للعالمين ﴾ يعني وما القرآن إلا موعظة وتذكير وبيان للثقلين من الإنس والجن١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤١١ والكشاف جـ ٤ ص ١٤٨ وتفسير القرطبي جـ ١٨ ص ٢٥٤- ٢٥٦ وتفسير الطبري جـ ٢٩ ص ٢٩، ٣٠..
Icon