تفسير سورة القلم

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة القلم من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ ن وَالْقَلَمِ
مكية، وآيها اثنتان وخمسون آية، وحروفها: ألف ومئتان وستة وخمسون حرفًا، وكلمها: ثلاث مئة كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ (١)﴾.
[١] ﴿ن﴾ قرأ الكسائي، ويعقوب، وخلف، وهشام عن ابن عامر: بإدغام النون الذي هو آخر نون في الواو بغنة؛ إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل؛ فإن النون الساكنة تخفى مع حروف (٢) الفم إذا اتصلت بها، واختلف عن ورش، وعاصم، والبزي، وابن ذكوان، وقرأ الباقون: بالبيان للنون عند الواو، وهم: أبو عمرو، وحمزة، وأبو جعفر، وقالون، وورش (٣)، وأبو جعفر على أصله يقف على (ن) (٤).
واختلف في (ن)، فقال الجمهور من المفسرين: هو حرف مقطوع،
(١) "والقلم" زيادة من "ت".
(٢) في "ت": "نون".
(٣) في "ت": "وقنبل".
(٤) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٤٦)، و"التيسير" للداني (ص: ١٨٣)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ١٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٩٥).
فيدخله من الاختلاف ما يدخل في أوائل السور، ويختص هذا الموضع من الأقوال بأن قال ابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، والسدي، والكلبي: إنه الحوت الأعظم الذي تحت الأرضين السبع، واسمه يهموت (١).
﴿وَالْقَلَمِ﴾ الذي كتب به اللوح المحفوظ ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ أي: ما يكتبون: الملائكةُ الحفظةُ من أعمال بني آدم.
...
﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢)﴾.
[٢] وهو قسم جوابه: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ بإنعامه عليك بالنبوة ﴿بِمَجْنُونٍ﴾ وهو جواب لقولهم: ﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [الحجر: ٦]، فأقسم الله بالنون والقلم، وما يكتب به الأعمال إنه ليس مجنونًا، وقد أنعم عليه بالنبوة والحكمة.
...
﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣)﴾.
[٣] ﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْرًا﴾ بصبرك على افترائهم.
﴿غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي: مقطوع.
...
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤)﴾.
[٤] ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وسمي خلقه - ﷺ - عظيمًا؛ لامتثاله
(١) ذكره البغوي في "تفسيره" (٤/ ٤٤١)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٥/ ٣٤٥). وقال أبو حيان في "البحر المحيط" (٨/ ٣٠١) بعد ذكره لهذه الأقوال: لا يصح شيء من ذلك، انتهى.
122
تأديبَ الله تعالى، والخلق العظيم يجتمع فيه مكارم الأخلاق، وهي تجتمع في النبي - ﷺ -، وقد أمره الله بمكارم الأخلاق في قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، فأمره بتوبة آدم، وشكر نوح، ووفاء إبراهيم، ووعد إسماعيل، وحلم إسحاق، وحسن ظن يعقوب، واحتمال يوسف، وصبر أيوب، وإنابة داود، وتواضع سليمان، وإخلاص موسى، وعبادة زكريا، وعصمة يحيى، وزهد عيسى، ففعلها، وهي من مكارم الأخلاق، فأثنى الله عليه بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
وسئلت عائشة عن خلقه، فقالت: "كان خلقُه القرآن" (١).
عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: إن رسولَ الله - ﷺ - لم يكن فاحشًا ولا متفحشًا، وكان يقول: "خياركم أحاسنُكم أخلاقًا" (٢).
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما ضرب رسول الله - ﷺ - بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادمًا ولا امرأة" (٣).
وعنها قالت: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول (٤): "إن المؤمنَ يدرك بحسن خلقه درجةَ قائم الليل وصائم النهار" (٥).
(١) رواه مسلم (٧٤٦)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض، بلفظ فيه:... فإن خلق نبي الله - ﷺ - كان القرآن".
(٢) رواه البخاري (٥٦٨٨)، كتاب: الأدب، باب: حسن الخلق والسخاء، ومسلم (٢٣٢١)، كتاب: الفضائل، باب: كثرة حيائه - ﷺ -.
(٣) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (٩١٦٣)، والإمام أحمد في "المسند" (٦/ ٢٢٩)، وابن حبان في "صحيحه" (٤٨٨).
(٤) "سمعت رسول الله - ﷺ - زيادة من "ت".
(٥) رواه أبو داود (٤٧٩٨)، كتاب: الأدب، باب: في حسن الخلق.
123
﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥)﴾.
[٥] ونزل وعدًا له - ﷺ - ووعيدًا لهم: ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ فستعلم يا محمد، ويعلمون إذا نزل بهم العذاب.
...
﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦)﴾.
[٦] ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ بأي الجانبين الجنون: بجانب محمد - ﷺ - وأصحابه، أم بجانب أبي جهل وأصحابه؟
...
﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ وهو المجنون حقيقة.
﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ الفائزين بكمال العقل.
...
﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨)﴾.
[٨] ثم عطف بعد مدحه على ذم عدوه، وذكر سوء خلقه، وعدَّ معايبه، فذكر بضع عشرة خصلة من خصال الذم فيه بقوله (١): ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ يعني: قريشًا.
(١) "بقوله" زيادة من "ت".
﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩)﴾.
[٩] وذلك أنهم قالوا في بعض الأوقات لرسول الله - ﷺ -: لو عبدتَ آلهتنا وعظمتها، لعبدنا آلهتك وعظمناها، فأُمر بالتصميم على معاداتهم.
﴿وَدُّوا﴾ تمنَّوْا ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ تَلين وتُصانعهم في دينك.
﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ فيلاينونك بترك الطعن، ورفع (فَيُدْهِنُونَ) وإن كان جواب التمني؛ لأنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: فهم يدهنون، وفي بعض المصاحف: (فَيُدْهِنُوا) بلا نون.
...
﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ﴾ كثيرِ الحلف، وهذا نهي عن طاعة من يجترئ على الله تعالى، وكثرة الأيمان منهي عنه ﴿مَهِينٍ﴾ ضعيف الرأي والعقل.
...
﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١)﴾.
[١١] ﴿هَمَّازٍ﴾ مغتاب عياب للناس ﴿مَشَّاءٍ﴾ بين الناس ﴿بِنَمِيمٍ﴾ ينقل الكلم على وجه الإفساد، وهذه الأوصاف هي أجناس، لم يُرَدْ بها رجل بعينه، وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقيل: في الأخنس بن شريق، وقيل: في أبي جهل، وقيل: عتبة بن ربيعة، وقيل: الأسود بن عبد يغوث (١).
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٤٤٧).
قال ابن عطية: وظاهر اللفظ عموم من بهذه الصفة، والمخاطبة بهذا المعنى مستمرة باقي الزمن، لا سيما لولاة الأمور (١).
...
﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْر﴾ شحيح بالمال والأفعال الصالحة.
﴿مُعْتَدٍ﴾ متجاوز لحدود الأشياء. روي عن قنبل، ويعقوب: الوقف بالياء على (مُعْتَدِي) ﴿أَثِيمٍ﴾ آثم من حيث أعماله قبيحة تكسب الإثم.
...
﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿عُتُلٍّ﴾ غليظ جافي سيء الخلق ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الذي وصفناه به، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف، وإلا، فكونه عتلًا هو قبل كونه صاحب خير يمنعه.
﴿زَنِيمٍ﴾ معلَّق بالقوم وليس منهم.
...
﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ قرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم: (أَنْ كَانَ) بهمزة واحدة على الخبر، أي: إذا كان، ومعناه: لا تطعه مع هذه المثالب ليساره، وقرأ الباقون: بهمزتين على الاستفهام، وهم على أصولهم، فحقق الهمزتين
(١) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٣٤٧)، وعنده: "عموم من هذه صفته".
على الأصل: حمزة وروح عن يعقوب، وأبو بكر عن عاصم، وحقق الأولى وسهل الثانية تخفيفًا: ابنُ عامر، وأبو جعفر، ورويس عن يعقوب، وفصل بينهما بألف: أبو جعفر، وهشام، واختلف عن ابن ذكوان (١)، ولهذه القراءة وجهان: أحدهما معناه: لأن كان ذا مال وبنين تطيعه؟ يدل على المحذوف؛ (وَلاَ تُطِعْ) قبلُ، والوجه الآخر: ألأن كان ذا مال وبنين؟
...
﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا﴾ كذَّبَ بالقرآن، و ﴿قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ أكاذيبهم، ورفعها بإضمار (هي) (٢) أي: جعل مجازاة النعم التي خُوِّلها من البنين والمال الكفرَ بآياتنا.
...
﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦)﴾.
[١٦] ثم ختم ذلك بالوعيد الصادق بتمام شقائه بقوله: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ سنسوِّدُ وجهه، أو نكويه، والخرطوم: هو الأنف؛ ليكون له علمًا يعرف به؛ لأن الكافر يسود وجهه يوم القيامة، وخص الأنف بالذكر؛ لأن الوسم عليه أبشع، وقيل: أبو جهل خُطم أنفه بالسيف يوم بدر (٣).
(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٢١٣)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٤٨ - ٤٤٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٣٦٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٩٦ - ١٩٧).
(٢) في "ت": "هم".
(٣) انظر: "الكشاف" للزمخشري (٤/ ٥٩٣).
﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧)﴾.
[١٧] ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع.
﴿كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ بستان يقال له: ضروان باليمن دون صنعاء بفرسخين، كان لرجل، وكان إذا جذَّهُ، ترك ما يتعداه المنجل، وما يسقط من رؤوس النخل، وينتثر عند الدياس للمساكين، فمات، فخلفه بنوه فيها، فاحتالوا لمنع حق الفقراء بخلًا منهم.
﴿إِذْ أَقْسَمُوا﴾ حلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ ليقطعن ثمارها وزرعها ﴿مُصْبِحِينَ﴾ في أول الصبح آخر جزء من الليل خفيةً على المساكين.
...
﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ لا يقولون: إن شاء الله.
...
﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ﴾ بلاء وهلاك ليلًا ﴿مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ﴾ ولا يكون الطائف إلا بالليل، وكان ذلك الطائف نارًا نزلت من السماء فأحرقتها.
...
﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ﴾ أي: المصرومة؛ لهلاك ثمرها، وكلُّ شيء قُطع من شيء فهو صريم، والليل صريم، والصبح صريم؛ لأن كل واحد
منهما ينصرم عن صاحبه، قال ابن عباس: "كالرماد الأسود" (١).
...
﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ﴾ نادى بعضهم بعضًا.
...
﴿أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿أَنِ اغْدُوا﴾ أي: أقبلوا. قرأ نافع، وأبو جعفر، وابن كثير، وابن عامر، والكسائي، وخلف (٢): (أَنُ اغْدُوا) بضم النون في الوصل، والباقون: بكسرها (٣).
﴿عَلَى حَرْثِكُمْ﴾ نخلكم (٤) ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ قاطعين للنخل.
...
﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿فَانْطَلَقُوا﴾ مضوا إليها ﴿وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ يتسارُّون، يقول بعضهم لبعض:
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٤٥٠)، و"زاد المسير" لاين الجوزي (٨/ ٣٣٦)، و"تفسير الثعالبي" (١٠/ ١٦).
(٢) "وخلف" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٩٨)، ولم يذكر خلفًا وأبا جعفر.
(٤) في "ت": "غلتكم".
﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ وهذا مبالغة في النهي عن التمكين من الثمرة.
...
﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿وَغَدَوْا﴾ عزموا ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ منعٍ للفقراء، والحرد: المنعُ مع حدَّة وغضب ﴿قَادِرِينَ﴾ بزعمهم.
...
﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا﴾ محترقةً ﴿قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ طريقَ جنتنا، وليست هذه.
...
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧)﴾.
[٢٧] فلما تأملوا وعرفوا أنها هي، قالوا:
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُون﴾ خيرَها بسبب منعنا المساكين.
...
﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ (٢٨)﴾.
[٢٨] ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ أعدلُهم وخيرهم؛ كقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة: ١٤٣]: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿تُسَبِّحُونَ﴾ تطيعون الله وتعظمونه، وقيل: تستثنون، وسمي الاستثناء تسبيحًا؛ لأنه تعظيم الله، قال
ابن عطية: وهذا يرد عليه قولهم: ﴿سُبْحَانَ رَبِّنَا﴾ (١).
...
﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (٢٩)﴾.
[٢٩] فبادر القوم و ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بمنعنا المساكينَ.
...
﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ (٣٠)﴾.
[٣٠] ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ يلوم بعضهم بعضًا في منع المساكين؛ فإن منهم من أشار بذلك، ومنهم من استصوبه، ومنهم من سكت راضيًا، ومنهم من أنكره.
...
﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ (٣١)﴾.
[٣١] فنادوا على أنفسهم بالويل، و ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ﴾ في منعنا حقَّ الفقراء.
...
﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ (٣٢)﴾.
[٣٢] ثم رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ ليتوب علينا، ويرد جنتنا، رُوي أنهم تابوا، فأُبدلوا جنة خيرًا منها.
قرأ نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو: (يُبَدِّلَنَا) بفتح الباء وتشديد الدال، والباقون: بإسكان الباء وتخفيف الدال (٢).
(١) انظر: "المحرر الوجيز" (٥/ ٣٥٠).
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٤٥)، و"الكشف" لمكي (٢/ ٧٢)، و"معجم =
﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣)﴾.
[٣٣] ﴿كَذَلِكَ﴾ أي: مثلَ عذاب أولئك ﴿الْعَذَابُ﴾ الذي نعذب به أهل مكة بالقتل والأسر والهزيمة في الدنيا؛ لشركهم وكفرهم، وهو راجع إلى قوله: ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ﴾ ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ أعظمُ منه وأشدُّ.
﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ لاحترزوا عما يؤديهم إليه.
...
﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)﴾.
[٣٤] ثم أخبر بما عنده للمتقين فقال: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ﴾ في الآخرة.
﴿جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ الخالصِ.
...
﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥)﴾.
[٣٥] فقال المشركون للمسلمين: إن بعثنا على زعمكم، فإنا نُعطى أفضلَ منكم، فنزل تكذيبًا لهم: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾ (١) الألف للاستفهام على وجه التوبيخ؛ أي: لا نجعل ذلك، وفيه إضمار: أفلا تعقلون، معناه: من كان له عقل يعلم أنه لا يكون ثواب المسلمين كثواب المجرمين.
= القراءات القرآنية" (٧/ ١٩٩).
(١) انظر: "تفسير الثعالبي" (٤/ ٣٢٩)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٣٥١).
﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)﴾.
[٣٦] ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ هذا الحكمَ الفاسدَ، التفات فيه تعجيبٌ من حكمهم، واستبعادٌ له.
...
﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧)﴾.
[٣٧] ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ﴾ منزلٌ من السماء ﴿فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ تقرؤون.
...
﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ (٣٨)﴾.
[٣٨] ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ أي: إن لكم ما تختارونه وتشتهونه. قرأ البزي: (لَمَا تَّخَيَّرُونَ) بالمد وتشديد التاء، والباقون: بالتخفيف بغير مد (١).
...
﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ (٣٩)﴾.
[٣٩] ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ﴾ نعت (أَيْمَانٌ)؛ أي: ثابتة علينا.
﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ لا نخرج من عهدتها إلى يومئذ، ولما تضمن ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا﴾ معنى القسم، أجابه بقوله: ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ أي: لأقسمنا لكم أيمانًا موثقة بما تحكمون به لأنفسكم، فيجب علينا الوفاء بها.
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٢١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ١٩٩).
﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (٤٠)﴾.
[٤٠] ثم قال لنبيه - ﷺ -: ﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ كفيل لهم بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين؟
...
﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٤١)﴾.
[٤١] ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ لله بزعمهم، وهي الأصنام يكفلون لهم بذلك، فإن كان كذلك ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ في زعمهم.
...
﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)﴾.
[٤٢] ﴿يَوْمَ﴾ أي: واذكرْ يومَ ﴿يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ أي: يشتد الأمر، قال ابن عباس: "هو أشدُّ ساعة في القيامة"، يقال: كشفت الحرب عن ساقها؛ أي: شدتها.
﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ ويعني: الكفارَ والمنافقينَ على جهة التوبيخ.
﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ السجودَ؛ لأن ظهورهم تصير كصياصي البقر، كأن سفافيد الحديد فيها.
...
﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)﴾.
[٤٣] ﴿خَاشِعَةً﴾ ذليلةً ﴿أَبْصَارُهُمْ﴾ والمراد: أربابها، و ﴿خَاشِعَةً﴾ نصب على الحال، وخص الأبصار بالذكر؛ لأن الخشوع فيها أبينُ منه في كل جارحة (١).
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٢٩/ ٣٩).
﴿تَرْهَقُهُمْ﴾ تغشاهم ﴿ذِلَّةٌ﴾ تظهر عليهم ظهورًا يخزيهم.
﴿وَقَدْ كَانُوا﴾ هنا (١) ﴿يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ الصلاةِ.
﴿وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ وأصحاء، فلا يأتون، فلذلك منعوا السجود ثَمَّ، وخص السجود بالذكر من حيث هو أعظم الطاعات، ومن حيث به وقع امتحانهم في الآخرة.
...
﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (٤٤)﴾.
[٤٤] ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ وعيد، ولم يكن ثمَّ مانع، ولكنه كما تقول: دعني مع فلان؛ أي: سأعاقبه، والحديث المشار إليه هو القرآن.
﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ والاستدراج: هو الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر، وإنما يستعمل الاستدراج في الشر؛ أي: نجعلهم كلما أحدثوا خطيئة، جددنا لهم نعمة، وننسيهم الاستغفار. قرأ أبو عمرو: (بِهَذَا الْحَدِيث سَّنَسْتَدْرِجُهُمْ) بإدغام الثاء في السين (٢).
...
﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥)﴾.
[٤٥] ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي: أُمهلهم ﴿إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ وسُمي إحسانه
(١) "هنا" زيادة من "ت".
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٣٧٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٠١).
كيدًا واستدراجًا؛ لأنه في صورتهما؛ لأنه سبب هلاكهم، وفي معنى الاستدراج قولُ النبي - ﷺ -: "إن الله يُمهل الظالمَ، حتى إذا أخذه لم يُفْلِتْه" (١)، والمتين: القوي الذي له متانة.
...
﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا﴾ على تبليغ الرسالة ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ﴾ يعطونكه ﴿مُثْقَلُونَ﴾ فلا يؤمنون لذلك، والمراد: توبيخ الكفار؛ لأنه لو سألهم أجرًا فأثقلهم غرمُ ذلك، لكان لهم بعض العذر في إعراضهم وفرارهم.
...
﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧)﴾.
[٤٧] ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ﴾ اللوح ﴿فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ منه ما يقولون وبه يحكمون.
...
﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨)﴾.
[٤٨] ثم أمر الله تعالى نبيه بالصبر لحكمه، وأن يمضي لما أُمر به من التبليغ، واحتمال الأذى والمشقة، ونُهي عن الضجر والعجلة التي وقع فيها
(١) رواه البخاري (٤٤٠٩)، كتاب: التفسير، باب قوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾، ومسلم (٢٥٨٣)، كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الظلم، من حديث أبي موسى رضي الله عنه.
يونس -عليه السلام-، فقال: ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ فيهم بما يشاء.
﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ في عجلته وغضبه.
﴿إِذْ نَادَى﴾ داعيًا في بطن الحوت ﴿وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ مملوء غيظًا.
...
﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ﴾ أسند الفعل دون علامة تأنيث؛ لأن تأنيث النعمة غير حقيقي، المعنى: لو لم تنله رحمة ﴿مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ﴾ لأُلقي من بطن الحوت ﴿بِالْعَرَاءِ﴾ بالأرض الفضاء ﴿وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ يُذم ويلام بالذنب، ولكنه رُحم، فُنبذ غيرَ مذموم.
...
﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠)﴾.
[٥٠] ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ﴾ اختاره واصطفاه بالنبوة.
﴿فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ الأنبياء.
...
﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١)﴾.
[٥١] ثم أخبر تعالى نبيه بحال نظر الكفار إليه، فقال ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ﴾ قرأ نافع (لَيَزْلقُونَكَ) بفتح الياء، والباقون، بضمها (١)، المعنى: قارب الكفار أن يصيبوك بأعينهم.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٤٧)، و"التيسير" للداني (ص: ٢١٣)، =
﴿لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ القرآنَ ﴿وَيَقُولُونَ﴾ حسدًا: ﴿إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾.
...
﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٥٢)﴾.
[٥٢] فأكذبهم الله تعالى بقوله: ﴿وَمَا هُوَ﴾ أي: القرآن.
﴿إِلَّا ذِكْرٌ﴾ موعظة ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ من الجن والإنس، والله أعلم.
= و"تفسير البغوي" (٤/ ٤٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٧/ ٢٠٢).
Icon