تفسير سورة الواقعة

النهر الماد من البحر المحيط
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب النهر الماد من البحر المحيط .
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾ الآية هذه السورة مكية ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر ما آل إليه الثقلان من عذاب ونعيم ذكر ذلك هنا مفصلاً للسابقين المقربين وأصحاب اليمين والمكذبين الضالين والواقعة والأزقة والطامة من أسماء الساعة فقوله وقعت الواقعة أي وقعت التي لا بد من وقوعها كما تقول حدثت الحادثة وكانت الكائنة ووقوع الأمر نزوله يقال وقع ما كنت أتوقعه أي نزل ما كنت أترقب نزوله والعامل في إذا الفعل بعدها على ما قررناه في كتب النحو فهي في موضع نصب بوقعت كسائر أسماء الشرط. قال الزمخشري: فإِن قلت بم انتصب إذا قلت بليس كقولك يوم الجمعة ليس لي شغل أو بمحذوف يعني إذا وقعت كان كيت وكيت أو بإِضمار أذكر " انتهى ". أما نصبها بليس فلا يذهب نحوي ولا من شد أشيأ من صناعة الاعراب إلى مثل هذا لأن ليس في النفي كما وما لا تعمل فكذلك ليس وذلك أن ليس مسلوبة الدلالة على الحدث والزمن والقول بأنها فعل هو على سبيل المجاز لأن حد الفعل لا ينطبق عليها والعامل في الظرف إنما هو ما يقع فيه من الحدث فإِذا قلت يوم الجمعة أقوم فالقيام في يوم الجمعة واقع ليس لأحدث لها فكيف يكون لها عمل في الظرف والمثال الذي شبه به وهو يوم الجمعة ليس لي شغل لا يدل على أن يوم الجمعة منصوب بالعامل في خبر ليس والجار والمجرور فهو من تقديم معمول الخبر على ليس وتقديم ذلك مبني على جواز تقدّم الخبر الذي لليس عليها وهو مختلف فيه ولم يسمع من العرب قائماً ليس زيد وليس إنما تدل على نفي الحكم الخبري عن المحكوم عليه فقط فهي كما لكنه لما اتصلت بها ضمائر الرفع جعلها ناس فعلاً وهي في الحقيقة حرف نفي كما النافية ويظهر من تمثيل الزمخشري إذاً بقوله يوم الجمعة أنه سلبها الدلالة على الشرط الذي هو غالب فيها ولو كانت شرطاً وكان الجواب الجملة المصدرة بليس لزمت الفاء لأن أن حذفت في شعر أن ورد ذلك فتقول إذاً أحسن إليك زيد فلست تترك مكافأته ولا يجوز لست بغير فاء إلى أن اضطر إلى ذلك وأما تقديره إذا وقعت كان كيت كيت فيدل على أن عنده شرطية ولذلك قدر لها جواباً عاملاً فيها وأما قوله أو بإِضمار أذكر فإِنه سلبها الظرفية وجعلها مفعولاً بها منصوبة باذكر. و ﴿ كَاذِبَةٌ ﴾ ظاهره أنها إسم فاعل من كذب وهو صفة لمحذوف فقدره الزمخشري نفس كاذبة والذي يظهر أنها جملة اعتراض بين الشرط وجوابه وقرىء.﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ برفعهما على تقدير هي ونصبهما على الحال.﴿ إِذَا رُجَّتِ ﴾ قال ابن عباس زلزلت وحركت بعنف.﴿ وَبُسَّتِ ﴾ فتتت وإذا رجت بدل من إذا وقعت وجواب الشرط عندي ملفوظ به وهو قوله: فأصحاب الميمنة والمعنى إذا كان كذا فأصحاب الميمنة ما أسعدهم وما أعظم ما يجازون به أي إن سعادتهم وعظم رتبتهم عند الله تعالى تظهر في ذلك الوقت الشديد الصعب وعلى العالم. وقال الزمخشري: ويجوز أن ينتصب بخافضة رافعة أن تخفض وترفع وقت رج الأرض وبس الجبال لأنه عند ذلك ينخفض ما هو مرتفع ويرتفع ما هو منخفض " انتهى ". ولا يجوز أن ينصب بها معاً بل بأحدهما لأنه لا يجمع مؤثران على أثر واحد وقال ابن جني وأبو الفضل الرازي إذا رجت في موضع رفع على أنه خبر للمبتدأ الذي هو إذا وقعت وليست واحدة منهما شرطية بل جعلت بمعنى وقت وما بعد إذا أحوال ثلاثة والمعنى وقت وقوع الواقعة صادقة الوقوع خافضة قوم رافعة آخرين وقت رج الأرض وهكذا ادعى ابن مالك أن إذا تكون مبتدأ واستدل بهذا وقواه وقد ذكرتا في شرح التسهيل ما تبقى به إذا على مدلولها من الشرط.﴿ وَكُنتُمْ ﴾ خطاب للعالم.﴿ أَزْوَاجاً ﴾ أصنافاً.﴿ ثَلاَثَةً ﴾ وهذه رتب الناس يوم القيامة.﴿ فَأَصْحَابُ ﴾ مبتدأ وما مبتدأ ثان استفهام في معنى التعظيم وأصحاب الميمنة خبر عن ما وما بعدها خبر عن أصحاب وربط الجملة هنا بالمبتدأ تكرار المبتدأ بلفظه وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم واعراب أصحاب المشأمة كذلك.﴿ وَٱلسَّابِقُونَ ﴾ في أعمال الخيرات.﴿ ٱلسَّابِقُونَ ﴾ إلى الجنة والجملة مبتدأ وخبر ويجوز أن يكون السابقون توكيداً للأول ويكون خبر المبتدأ الجملة التي هي إسم إشارة وما بعدها وهو قوله:﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ والثلة الجماعات قلت أو كثرت والمراد بها في الآية الجماعة الكثيرة لمقابلها في قوله.﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ وارتفع ثلة على اخمارهم وفي الحديث" الفرقتان في أمتي فسابق في أول الأمة ثلة وسابق سائرها إلى يوم القيامة قليل ".﴿ مَّوْضُونَةٍ ﴾ والموضونة المنسوجة بتركيب بعض أجزائها على بعض كحلق الدرع وقال عكرمة مشبكة بالدر والياقوت.﴿ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا ﴾ أي على السرر ومتكئين حال من الضمير المستكن في على سرر.﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾ ينظر بعضهم إلى بعض وصفوا بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق وصفاء بواطنهم.﴿ وِلْدَانٌ ﴾ صغار الخدم.﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ وصفوا بالخلد وهو البقاء على حالهم من الصغر لا يكبرون وقيل مقرطون بالخلدات وهي ضروب من الاقراط.﴿ مَّعِينٍ ﴾ قال ابن عباس من خمر سائلة جارية معينة.﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ لا يلحق رؤوسهم الصداع الذي يلحق من خمر الدنيا.﴿ وَلاَ يُنزِفُونَ ﴾ أي لا يفزع خمرهم من نزف البئر استفرغ ماءها وقرىء.﴿ وَحُورٌ ﴾ بالرفع على تقدير ولهم حور وبالجر عطفاً على المجرورات قبله والمعنى أن الولدان يطوفون عليهم بالحور العين ووصف اللؤلؤ بالمكنون لأنه أصفى وأبعد من التغير وفي الحديث" صفاؤهن كصفاء الدر الذي لا تمسه الأيدي ".﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ روي أن المنازل تقسم في الجنة على قدر الأعمال ونفس دخول الجنة هو بفضل الله ورحمته لا بعمل عامل وفي النص الصحيح الصريح" لا يدخل أحد الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: " ولا أنا إلا أن يتغمدني منه بفضل ورحمة " ". واللغو سقط القول وفحشه والتأثيم ما يؤثم به أن لا يؤثم فيها أحد والظاهر أن الا قيلا سلاماً استثناء منقطع لأنه لم يندرج في اللغو ولا التأثيم.﴿ فِي سِدْرٍ ﴾ في الجنة شجرة على خلقة السدر له ثمر كقلال هجر طيب، الطعم والريح.﴿ مَّخْضُودٍ ﴾ عار من الشوك.﴿ وَطَلْحٍ ﴾ قال مجاهد هو الموز والمنضود الذي نضد من أسفله إلى أعلاه فليست له ساق تظهر.﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾ أي منبسط لا يتقلص ولا ينسخه شىء.﴿ وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ ﴾ جار في غير أخاديد.﴿ لاَّ مَقْطُوعَةٍ ﴾ أي هي دائمة لا تنقطع في بعض الأوقات كفاكهة الدنيا.﴿ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ أي لا تمنع من تناولها بوجه ولا يحظر عليها كالتي في الدنيا.﴿ وَفُرُشٍ ﴾ جمع فرش.﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ نضرت حتى ارتفعت أو رفعت على الأسرة والظاهر أن الفراش هو ما يفرش للجلوس عليه والنوم والضمير في أنشأنا عائد على الفرش في قول أبي عبيدة إذ هن النساء عنده وعلى ما دل عليه الفرش إذا كان المراد بالفرش ظاهر ما يدل عليه من الملابس التي نفترش ويضطجع عليها أي ابتدأنا خلقهن ابتداءاً جديداً من غير ولادة والظاهر أن الإِنشاء هو الاختراع الذي لم يسبق بخلق مثله ويكون ذلك مخصوصاً بالحور اللاتي لسن من نسل آدم عليه السلام.﴿ أَبْكَاراً ﴾ قيل دائمات البكارة كلما وطئن وجدن أبكاراً والعروب قال ابن عباس: المتحببة إلى زوجها.﴿ أَتْرَاباً ﴾ في الشكل والقد والسن.﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ أي من الأمم الماضية.﴿ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ أي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ولا تنافي بين قوله وثلة من الآخرين وقوله قبل وقليل من الآخرين لأن قوله وقليل من الآخرين هو في السابقين وقوله وثلة من الآخرين هو في أصحاب اليمين.﴿ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ ﴾ في هذا الاستفهام تعظيم مصابهم.﴿ فِي سَمُومٍ ﴾ في أشد حر.﴿ وَحَمِيمٍ ﴾ ماء شديد السخونة.﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ اليحموم الأسود البهيم.﴿ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ صفتان للظل نفيتا سمي ظلاً وإن كان ليس كالظلال ونفى عنه برد الظل ونفعه لمن يأوى إليه.﴿ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ تتميم لنفي صفة المدح عنه وتمحيق لما يتوهم في الظل من الاسترواح إليه عنده شدّة الحر أو نفياً لكرامة من يستروح إليه.﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ ﴾ خطاب لكفار قريش.﴿ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ﴾ عن الهدى.﴿ ٱلْمُكَذِّبُونَ ﴾ للبعث.﴿ لأَكِلُونَ ﴾ من الأولى لابتداء الغاية أو للتبغيص والثانية ان كان من زقوم بدلاً فمن تحتمل الوجهين وإن لم يكن بدلاً فهي لبيان الجنس أي من شجر الذي هو زقوم.﴿ فَمَالِئُونَ ﴾ الضمير في.﴿ مِنْهَا ﴾ عائد على شجر إذ هو إسم جنس يؤنث ويذكر.﴿ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ ﴾ ذكر على لفظ الشجر كما أنث على المعنى في منها.﴿ ٱلْهِيمِ ﴾ جمع أهيم وهيماء والهيام داء معطش يصيب الإِبل تشرب حتى تموت أو تسقم سقماً شديداً؟﴿ يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴾ أي يوم الجزاء.
﴿ نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ ﴾ حض على التصديق أشار إلى النشأة الأولى وهي خلقهم ثم قال:﴿ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ ﴾ بالإِعادة وتقرون بها كما أقررتم بالنشأة الأولى.﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ ﴾ هو من المنى الذي يخرج من الإِنسان إذ ليس له في خلقه عمل ولا إرادة ولا قدرة ومفعول أرأيتم هو ما يليه والثاني جملة الاستفهام بعده وأم معادلة للهمزة وكان ما جاء من الخبر بعد نحن جيء به على سبيل التوكيد إذ لو قال أم نحن لوقع الاكتفاء به دون ذكر الخبر ونظير ذلك الجواب من قال من في الدار زيد في الدار أو زيد فيها ولو اقتصر في الجواب على زيد لا أكتفي به.﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا ﴾ أي قضيتنا وأثبتنا أو ربتنا في التقدم والتأخر فليس موت العالم دفعة واحدة بل بترتيب لا يتعدى.﴿ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ يقال سبقته على الشىء أعجزته عنه وغلبته عليه.﴿ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ من الصفات أي نحن قادرون على أن نعدمكم وننشىء أمثالكم وعلى تغيير أوصافكم مما لا يحيط به فكركم ولقد علمتم أنه هو الذي أنشأكم أولاً إنساناً وأنه خلق آدم عليه السلام من طين ولا ينكرها أحد من ولده.﴿ فَلَوْلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ حض على التذكر المؤدّي إلى الإِيمان والإِقرار بالنشأة الآخرة.﴿ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ ﴾ ما تذرونه وتبذرونه في الأَرض.﴿ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾ أي زرعا يتم وينبت حتى ينتفع به والحطام اليابس المفتت الذي لم يكن له حب ينتفع به.﴿ فَظَلْتُمْ ﴾ أصله فظلتم حذفت عين الكلمة.﴿ تَفَكَّهُونَ ﴾ قال ابن عباس: معناه تعجبون.﴿ لَمُغْرَمُونَ ﴾ أي معذبون من الغرام الذي هو أشد العذاب.﴿ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴾ أي محدودون لا حظ لنا في الخير.﴿ ٱلْمَآءَ ٱلَّذِي تَشْرَبُونَ ﴾ هذا الوصف يغني عن وصفه بالعذب ألا ترى مقابله هو الاجاج ودخلت اللام في لجعلناه حطاماً. وسقطت في جعلناه أجاجا وكلاهما فصيح والظاهر أن قوله:﴿ شَجَرَتَهَآ ﴾ المراد منه الشجر الذي يقدح منه النار كما قال تعالى:﴿ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ ٱلشَّجَرِ ٱلأَخْضَرِ نَاراً ﴾[يس: ٨٠] الآية.﴿ تَذْكِرَةً ﴾ أي لنار جهنم.﴿ وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾ أي النازلين الأرض القوا وهي القفر وقدّم من فوائد النار ما هو أهم وآكد من تذكيرها بنار جهنم ثم اتبعه بفائدتها في الدنيا وهي الأربعة التي ذكرها الله تعالى ووقفهم عليها من أمر خلقهم وما به قوام عيشهم من المطعوم والمشروب والنار من أعظم الدلائل على البعث إذ فيها انتقال من شىء إلى شىء وإحداث شىء من شىء ولذلك أمر في آخرها بتنزيهه تعالى عما يقول الكافرون ووصف تعالى نفسه بالعظم إذ من هذه أفعاله تدل على عظمته وكبريائه وانفراده بالخلق والإِنشاء.﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ قرأ الجمهور فلا أقسم فقيل لا زائدة مؤكدة مثلها في قوله لئلا يعلم أهل الكتاب والمعنى فأقسم وقيل المنفي محذوف أي فلا صحة لما يقول الكفار ثم ابتدأ أقسم بمواقع النجوم قال ابن عباس هي نجوم القرآن التي أنزلت على الرسول عليه السلام ويؤيد هذا القول انه لقرآن فعاد الضمير على ما يفهم من قوله: ﴿ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ ﴾ أي نجوم القرآن وفي إقسامه تعالى بمواقع النجوم سر في تعظيم ذلك لا نعلمه نحن وقد أعظمه تعالى فقال:﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ والجملة المقسم عليها قوله:﴿ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ وفصل بين القسم وجوابه فالظاهر أنه اعتراض بينهما وفيه اعتراض بين الصفة والموصوف بقوله: ﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ وكريم وصف مدح ينفي عنه ما لا يليق والظاهر أن قوله:﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ ﴾ صفة لقرآن كريم فالمطهرون هم الملائكة وقيل لا يمسه صفة لكتاب مكنون فإِن كان الكتاب الذي هو في السماء فالمطهرون هم الملائكة أيضاً أي لا يطلع عليه من سواهم والإِشارة في.﴿ أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ للقرآن. و ﴿ أَنتُمْ ﴾ خطاب للكفار.﴿ مُّدْهِنُونَ ﴾ قال ابن عباس مهاودون فيما لا يحل.﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ ﴾ أي شكر ما رزقكم أي شكر ما رزقكم الله تعالى من إنزال القرآن عليكم تكذيبكم به أي تضعون مكان الشكر التكذيب.﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ ﴾ ترتيب الآية فلولا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين وفلولا الثانية مكررة للتوكيد والضمير في ترجعونها للنفس.﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ ﴾ أي المتوفى.﴿ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ وهم السابقون.﴿ فَرَوْحٌ ﴾ وهو الراحة والرحمة والريحان الرزق.﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ ﴾ يا صاحب اليمين من إخوانك أصحاب اليمين أي يسلمون عليك.﴿ فَنُزُلٌ ﴾ النزل ما يعد للضيف والفاء في المواضع الثلاثة جواب لا ما وأغنى عن جواب الشرط الذي هو ان وإذا اجتمع شرطان فالجواب للأول ويغني عن جواب الثاني ولما انقضى الإِخبار بتقسيم أحوالهم وما آل إليه كل قسم منهم أكد ذلك بقوله:﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ أي أن هذا الخبر المذكور في هذه السورة.﴿ لَهُوَ حَقُّ ٱلْيَقِينِ ﴾ فقيل هو من إضافة المترادفين على سبيل المبالغة كما تقول هذا يقين اليقين وصواب الصواب بمعنى أنه نهاية في ذلك فهما بمعنى واحد أضيف على سبيل المبالغة ولما تقدم ذكر الأقسام الثلاثة مسهباً الكلام فيهم أمره تعالى بتنزيهه عما لا يليق به من الصفات ولما أعاد التقسيم موجزاً الكلام فيه أمره أيضاً بتنزيهه والإِقبال على عبادة ربه والإِعراض عن أقوال الكفرة المنكرين للبعث والحساب والجزاء ويظهر أن سبح يتعدى بنفسه تارة كقوله:﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾[الأعلى: ١] وتسبحوه وتارة بحرف الجر كقوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ والعظيم يجوز أن يكون صفة لربك.
Icon