تفسير سورة الواقعة

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه تعيلب . المتوفي سنة 2004 هـ
( ٥٦ ) سورة الواقعة مكية
وآياتها ست وتسعون
كلماتها : ٣٩٨ ؛ حروفها : ١٧٠٣.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا وقعت الواقعة ( ١ ) ﴾
اذكر إذا حدثت القيامة كان ما علمتك من أحوالها وأهوالها ؛ [ وسميت واقعة لأنها تقع عن قرب ؛ وقيل : لكثرة ما يقع فيها من الشدائد ؛ و﴿ إذا ﴾ للوقت ؛ والجواب قوله :﴿ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ﴾ ]١.
و﴿ الواقعة ﴾ اسم من أسماء اليوم الآخر، ولشدة كربه وعظم بلائه كثرت أسماؤه، فهو يوم الدين، ويوم الفصل، ويوم التغابن، والحاقة، والصاخة، والطامة الكبرى، والقارعة.
١ - ما بين العارضتين مما أورد القرطبي..
﴿ ليس لوقعتها كاذبة ( ٢ ) ﴾.
وحين تقع تلك الداهية، وتجيء السقطة القوية، ويدمر الخلق، ويبعث من في القبور ؛ لن تجد نفسها مكذبة بحدوثها- لأنها حدثت – ولن تلقى منكرا لوقوعها ؛ أو يكون المعنى : ليس لوقعتها ارتداد ولا رجعة- كما يقال : حمل على الأعداء حملة صادقة-.
﴿ خافضة رافعة ( ٣ ) ﴾
الواقعة خافضة لأهل الكبرياء والغرور والاستعلاء، رافعة للمؤمنين الأتقياء الرحماء.
نقل عن عمر – رضي الله تعالى عنه- : خفضت أعداء الله تعالى إلى النار، ورفعت أولياءه إلى الجنة.
وقال ابن عطاء : خفضت أقواما بالعدل، ورفعت آخرين بالفضل ؛ والخفض والرفع يستعملان عند العرب في المكان والمكانة، والعز والمهانة ؛ ونسب سبحانه الخفض والرفع للقيامة توسعا ومجازا على عادة العرب في إضافتها الفعل إلى المحل والزمان وغيرهما مما لم يكن منه الفعل... والخافض والرافع على الحقيقة إنما هو الله وحده، فرفع أولياءه في أعلى الدرجات، وخفض أعداءه في أسفل الدركات.
﴿ إذا رجت الأرض رجا ( ٤ ) ﴾
إذا حركت الأرض وهزت وزلزلت زلزالا شديدا تهدم كل ما عليها وتفتت
[ وجواب الشرط عندي ملفوظ به، وهو قوله تعالى :﴿ فأصحاب الميمنة ﴾ والمعنى : إذا كان كذا وكذا فأصحاب الميمنة ما أسعدهم.. ]١.
[ وقيل : أي اذكر ﴿ إذا رجت الأرض رجا ﴾ مصدر ؛ وهو دليل على تكرير الزلزلة ]٢
١ - نسبه صاحب روح المعاني إلى أبي حيان..
٢ - أورده القرطبي..
﴿ وبست الجبال بسا ( ٥ ) ﴾
وقطعت الجبال، وفتت صخرها، وتناثرت أجزاؤها، ونسفت نسفا ؛ أو : سيرت تسييرا، وإلى هذا يشير قول الحق جل علاه :﴿ وسيرت الجبال فكانت سرابا ﴾١
١ - سورة النبأ (عم). الآية ٢٠..
﴿ فكانت هباء منبثا ( ٦ ) ﴾
فاستحالت وصارت غبارا متفرقا منتشرا ؛ نقل عن ابن عباس : وهو ما يثور مع شعاع الشمس إذا دخلت من كوة.
وفي آية كريمة في سورة القارعة ضرب الله تعالى مثلا للجبال يوم الوعيد فقال تبارك اسمه :﴿ وتكون الجبال كالعهن المنفوش ﴾.
﴿ وكنتم أزواجا ثلاثة ( ٧ ) ﴾
وصرتم يا معشر المكلفين أصنافا ثلاثة ؛ فلن يسوي الحكم الحق الخبير بين المتقين والفجار، ولا بين المؤمنين والكفار، بل ولا بين مؤمن فاضل ومؤمن مفضول ﴿ .. وللآخرة أكبر درجات وأكفر تفضيلا ﴾١.
قال الراغب : الزوج يكون لكل واحد من القرينين من الذكر والأنثى في الحيوانات المتزاوجة ؛ ولكل قرينين فيها وفي غيرها، كالخف والنعل ؛ ولكل ما يقترن بآخر مماثلا له أو مضادا.
١ - سورة الإسراء. من الآية ٢١..
﴿ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة ( ٨ ) ﴾
فما أعظم حال أصحاب اليمين، أو الميامين المباركين، ﴿ فأصحاب الميمنة ﴾ مبتدأ، و﴿ ما ﴾ استفهامية مبتدأ ثان، و﴿ أصحاب ﴾ خبره، والجملة خبر المبتدأ الأول ؛ والرابط الظاهر القائم مقام الضمير : أي : أي شيء هم في حالهم وصفتهم.
﴿ وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة ( ٩ ) ﴾
وما أتعس أصحاب الشمال المشائيم على أنفسهم بمعاصيهم وفجورهم، وترديهم في العذاب وخسارهم.
[ أصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية – وأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية، أخذا من تيمنهم بالميامن، وتشؤمهم بالشمائل، كما نسمع في السانح والبارح وهو مجاز شائع ]١.
قال عطاء ومحمد بن كعب : أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بشماله ؛ وقال ابن جريح : أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات ؛ وقال الحسن والربيع : أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم بالأعمال الصالحة، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم بالأعمال السيئة القبيحة٢.
وفي صحيح مسلم من حديث الإسراء عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( فلما علونا السماء الدنيا فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يساره أسودة- قال- فإذا نظرنا قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكى- قال- فقال مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح- قال- قلت يا جبريل من هذا قال هذا آدم عليه السلام وهذه الأسودة التي عن يمينه وعن شماله نسم بنيه فأهل اليمين أهل الجنة والأسودة التي عن شماله أهل النار ).
١ - مقتبس من روح المعاني..
٢ - نقل هذا صاحب الجامع لأحكام القرآن..
﴿ والسابقون السابقون ( ١٠ ) ﴾
حدثت الآيتان السابقتان عن صنفي الأبرار والفجار، وأما هذه الآية المباركة فتحدث عن الصنف الثالث وهو أفضلهم.
ولعل المراد : السابقون إلى كل خير في الدنيا والآخرة.
[.. الجملة مبتدأ أو خبر، والمعنى :﴿ والسابقون ﴾ هم الذين اشتهرت أحوالهم وعرفت فخامتهم، كقوله : أنا أبو النجم وشعرى شعري ؛ وفيه من تفخيم شأنهم والإيذان بشيوع فضلهم ما لا يخفى ؛ وقيل : متعلق السبق مخالف لمتعلق السبق الثاني، أي :﴿ السابقون ﴾ إلى طاعة الله تعالى ﴿ السابقون ﴾ إلى رحمته سبحانه ؛ أو ﴿ السابقون ﴾ إلى الخير ﴿ السابقون ﴾ إلى الجنة ]١.
١ -نقله صاحب روح المعاني..
﴿ أولئك المقربون ( ١١ ) ﴾
هؤلاء قريب إلى العرش العظيم درجاتهم
وربما تأخر ذكرهم وجاء بعد صنفي الأبرار والفجار مع أنهم أكرم الثلاثة ليتبعهم بأوصافهم الفاضلة.
﴿ في جنات النعيم ( ١٢ ) ﴾
هم كائنون في جنات النعيم، وليست فحسب جنات الخلود ؛ وهكذا بينت الآيات في سورة الرحمان علو درجة هؤلاء :﴿ ولمن خاف مقام ربه جنتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* ذواتا أفنان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما عينان تجريان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما من كل فاكهة زوجان* ﴾ إلى قوله سبحانه :﴿ فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* كأنهن الياقوت والمرجان* ﴾ ؛ بينهما وصفت جنات المسلمين المفضولين بالقول الرباني الكريم :﴿ ومن دونهما جنتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* مدهامتان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما عينان نضاختان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهما فاكهة ونخل ورمان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* فيهن خيرات حسان* فبأي آلاء ربكما تكذبان* حور مقصورات في الخيام* ﴾.
﴿ ثلة من الأولين ( ١٣ ) ﴾
هم جماعة من الأولين ؛ أو : منهم جماعة من الأولين المتقدمين في وجودهم وأزمنتهم على أمة خاتم النبيين.
﴿ وقليل من الآخرين ( ١٤ ) ﴾
ومن المقربين جماعة من خيار المؤمنين من لدن نبينا صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ؛ وإنما هم قلة بالنسبة لمجموع أتباع الأنبياء قبل نبينا محمد – صلوات الله وسلامه على رسل الله أجمعين-[ فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكفر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم... ]١.
[.. لأن الأنبياء السابقين كثروا فكثر السابقون إلى الإيمان منهم، فزادوا على من سبق إلى التصديق من أمتنا ؛ وقيل : لما نزل هذا شق على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت ﴿ ثلة من الأولين. وثلة من الآخرين ﴾ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة بل ثلث أهل الجنة بل نصف أهل الجنة وتقاسمونهم في النصف الثاني ) رواه أبو هريرة ؛ ذكر الماوردي وغيره ؛ ومعناه ثابت في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن مسعود. ]٢.
١ - أورده صاحب روح المعاني..
٢ - نقل هذا القرطبي في تفسير جـ ١٧ ص ٢٠٠..
﴿ على سرر موضونة ( ١٥ ) ﴾
مجالس المقربين على سرر- جمع سرير- ﴿ موضونة ﴾ منسوخة بالذهب- كما نقل عن ابن عباس- أو مشبكة بالدر والياقوت- كما جاء عن عكرمة- وقيل ﴿ موضونة ﴾ متصل بعضها ببعض كحلق الدرع، والمراد متقاربة.
والوضن : النسج المضاعف والنضد.
﴿ متكئين عليها متقابلين ( ١٦ ) ﴾
وجلسة هؤلاء المكرمين على سررهم جلسة المنعم الهانئ المستريح، فهو وأحبابه على أسرة متضامة بعضهم قبالة بعض.
نقل عن مجاهد : لا ينظر أحدهم في قفا صاحبه ؛ وهو وصف لهم بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق ورعاية الأدب وصفاء البواطن.
﴿ يطوف عليهم ولدان مخلدون ( ١٧ ) ﴾
وفي خدمة هؤلاء المقربين ولدان غلمان لا يشيبون ولا يهرمون ولا يتغيرون.
وهل هم أبناء الكفار الذين ماتوا وهم صغار ؟ أم أبناء المسلمين الذين فارقوا الدنيا قبل بلوغ سن التكليف ؟ أم أنشأهم الله تعالى لأهل الجنة كما يشاء دون ولادة –يطوفون عليهم- بكل قيل.
﴿ بأكواب وأباريق وكأس من معين ( ١٨ ) ﴾
يطوف الولدان على السابقين- أهل السبق والقرب- بكيزان مستديرة حلوقها، وليست لها عرى ولا خراطيم، وأوان من الأقداح ذات العرى والخراطيم، وقدح يصب لهم فيه من خمر الجنة التي تجري كما تجري العيون على وجه الأرض.
نقل عن النحاس : ونقل من يوثق به من أهل اللغة أن العرب تقول للقدح إذا كان فيه خمر : كأس، فإذا لم يكن فيه خمر فهو قدح ؛ كما يقال للخوان إذا كان عليه طعام : مائدة، فإذا لم يكن عليه طعام لم تقل له مائدة.
﴿ لا يصدعون عنها ولا ينزفون ( ١٩ ) ﴾
لا يشكون صداعا بشربهم إياها، فهي لذة بلا أذى- بخلاف خمر الدنيا- ولا تسكرهم فتذهب عقولهم، فهي لا تضر الأجسام، ولا تسقم الأفهام.
﴿ وفاكهة مما يتخيرون ( ٢٠ ) ﴾
وينعمون بما يطوف عليهم به الولدان- مع الأكواب والأباريق والكأس- من فاكهة متشابهة وثمرات جنية هنية مما يرتضونه ويختارونه.
صحيح أن قطوف الجنة دانية، وثمارها مذللة، لكن الطواف بالفاكهة فيه مزيد محبة وتكريم وتعظيم.
﴿ ولحم طير مما يشتهون ( ٢١ ) ﴾
كما يطاف عليهم بلحم طير- وهو أهنأ اللحم وألطفه وأيسره- يأخذون منه ما تطيب له نفوسهم.
﴿ وحور عين ( ٢٢ ) ﴾
وفي الجنة التي وعد المقربون نساء أنشأهن الله الكريم ليكن زوجات لهم، فضلا عن نسائهم وزوجاتهم في الدنيا.
و﴿ حور ﴾ جمع حوراء، وهي شديدة بياض العينين، مع شدة سواد حدقتيهما. و﴿ عين ﴾ مفردها عيناء، وهي واسعة العينين.
وقد وصفهن القرآن الكريم في الآية الكريمة :﴿ كأنهن الياقوت والمرجان ﴾١ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صفتهن :(... ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما٢ ريحا ولطاب ما بينهما٢ ولنصيفها٣ على رأسها خير من الدنيا وما فيها ). رواه الشيخان عن أنس.
١ -سورة الرحمان. الآية ٥٨..
٢ - أي ما بين السماء والأرض..
٣ - النصيف: الخمار وغطاء الرأس..
﴿ كأمثال اللؤلؤ المكنون ( ٢٣ ) ﴾
هن في جمال خلقتهن، وصفاء مظهرهن، وتشاكل أجسادهن، وحسنهن من كافة جوانبهن، كالجواهر المصونة، يشابهن اللؤلؤ الذي لم تمسه الأيدي، ولم يخالطه الغبار، فهو أشد ما يكون صفاء وتلألؤا.
﴿ جزاء بما كانوا يعملون ( ٢٤ ) ﴾
يجزون كل هذا النعيم جزاء بالذي استداموا عمله في دنياهم ؛ أو : يجزون جزاء –للتوكيد-.
﴿ لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما ( ٢٥ ) ﴾
ومما ينعم به المقربون أن خلطاءهم هدوا إلى الطيب من القول، فلا يتكلم أحد بلغو فضلا عن باطل أو كذب، ولا ينطق هنالك أحد بقبيح يأثم قائله أو سماعه.
قالوا : واللغو : ما لا يعتد به من الكلام، وهو الذي يورد لا عن روية وفكر، فيجري مجرى اللغا- وهو صوت العصافير ونحوها من الطير- وقد يسمى كل كلام قبيح لغوا.
﴿ إلا قيلا سلاما سلاما ( ٢٦ ) ﴾
لكن قولهم فيما بينهم : سلام بعد سلام، سلام من إخوانهم، وسلام من الملائكة الكرام :﴿ ... والملائكة يدخلون عليهم من كل باب. سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ وفوق ذلك سلام من ربهم الكبير المتعال :﴿ تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما ﴾١
١ - من سورة الأحزاب: الآية ٤٤..
﴿ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين ( ٢٧ ) ﴾
استفهام يراد به التفخيم والتعجيب، وتعظيم شأن ما نالوه.
بعد بيان جانب من نعيم السابقين المقربين، جاءت الآيات تبين بعض نعيم أهل اليمين.
﴿ في سدر مخضود ( ٢٨ ) ﴾
السدر : شجر النبق.
المخضود : الذي خضد – أي قطع- شوكه.
أخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي أمامة قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن الله تعالى ينفعنا بالأعراب ومسائلهم- أقبل أعرابي يوما فقال : يا رسول الله ؟ لقد ذكر الله تعالى في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؛ قال : " وما هي " ؟ قال : السدر، فإن له شوكا : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أليس الله يقول في ﴿ في سدر مخضود ﴾ خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة وإن الثمرة من ثمره تفتق عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر ).
﴿ وطلح منضود ( ٢٩ ) ﴾
موز مرصص.
[ الطلح شجر الموز، واحده طلحة ؛ قاله أكثر المفسرين علي وابن عباس وغيرهم... والمنضود : المتراكب الذي قد نضد أوله وآخره بالحمل، ليست له سوق بارزة بل هو مرصوص ]١.
وقال السدي : طلح الجنة يشبه طلح الدنيا لكن له ثمر أحلى من العسل.
١ - مما أورده القرطبي جـ ١٧ ص ٢٠٨-٢٠٩..
﴿ وظل ممدود ( ٣٠ ) ﴾
والجنة كلها ظل لا شمس معه، فهو ظل دائم ممتد منبسط لا ينقطع ولا يتفاوت ولا يتقلص.
وليس يعني هذا أن الذين عاشوا يخشون الحرور هم – دون غيرهم- يحسون هذا النعيم بالبرد الكريم، لا ! بل الذين قضوا حياتهم في الجليد والتجمد ولقوا ربهم على الإيمان لهم من مقامهم في الجنة النعيم العظيم المقيم :﴿ .. لا يرون فيها شمسا ولا زمهرير ﴾١.
١ - من سورة الإنسان. من الآية ٦٣..
﴿ وماء مسكوب ( ٣١ ) ﴾
وينعمون بماء ينصب وينساب جاريا إلى حيث يشاءون، يجري الليل والنهار في غير أخاديد، لا ينقطع جريانه.
[ وكانت العرب أصحاب بادية وبلاد حارة، وكانت الأنهار في بلادهم عزيزة لا يصلون إلى الماء إلا بالدلو والرشا، فوعدوا في الجنة خلاف ذلك، ووصف لهم أسباب النزهة المعروفة في الدنيا، وهي الأشجار وظلالها، والمياه والأنهار اطرادها ]١.
١ - مما أورده القرطبي جـ ١٧ ص ٢٠٨-٢٠٩..
﴿ وفاكهة كثيرة ( ٣٢ ) ﴾
التنوين للتعظيم، فهي عظيمة القدر، كثيرة الأنواع والأجناس، ليست بالقليلة النادرة.
﴿ لا مقطوعة ولا ممنوعة ( ٣٣ ) ﴾
ليست بمنقطعة في حين من الأحيان- كالذي يكون في فاكهة الدنيا ينقطع بعضها صيفا وينقطع بعضها شتاء- ولا تمنع عمن يريدها بل هي قريبة المنال يتناولها دون عناء ويجاء بها إليه متى يشاء ﴿ .. ولهم ما يدعون ﴾١.
١ -سورة يس. من الآية ٥٧..
﴿ وفرش مرفوعة ( ٣٤ ) ﴾
الفرش : واحدها فراش، كالكتب واحدها كتاب، أي : فرشهن على أسرة عالية مرتفعة ؛ أو : كناية عن الزوجات، لأن المرأة يكنى عنها بالفراش كما كني عنها باللباس في قول المولى تبارك اسمه :﴿ .. هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.. ﴾١
﴿ مرفوعة ﴾ رفعهن في الأقدار والمنازل.
١ - سورة البقرة. من الآية ١٨٧..
﴿ إنا أنشأناهن إنشاء ( ٣٥ ) ﴾
الضمير عائد على ما تقدم في الآية السابقة مما كنى به عن الزوجات ؛ إنا ابتدأنا خلق زوجات لهم- لم يولدن- هن الحور العين.
﴿ فجعلناهن أبكارا ( ٣٦ ) ﴾
فصيرناهن عذارى ﴿ لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان ﴾١.
١ -سورة الرحمان. الآية ٧٤..
﴿ عربا أترابا ( ٣٧ ) ﴾
﴿ عربا ﴾ جمع : كصبر جمع صبور ؛ والعروب : حسنة التبعل والعشرة لزوجها.
﴿ أترابا ﴾ متساويات في سن واحد.
[ ﴿ أترابا ﴾ على ميلاد واحد في الاستواء وسن واحدة ثلاث وثلاثين سنة، يقال في النساء أتراب ؛ وفي الرجال أقران ؛ وكانت العرب تميل إلى من جاوزت الصبا من النساء وانحطت عن الكبر ؛ وقيل ﴿ أترابا ﴾ أمثالا وأشكالا، قاله مجاهد ؛ السدي : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهم ولا تحاسد ]١.
١ - أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن..
﴿ لأصحاب اليمين ( ٣٨ ) ﴾
هؤلاء العرب الأتراب كائنات لأصحاب اليمين.
[ وفيه إقامة الظاهر مقام الضمير لطول العهد أو للتأكيد والتحقيق ]١.
[ الحور العين للسابقين، والعرب الأتراب لأصحاب اليمين ]٢
١ - مقتبس من روح المعاني..
٢ - مما أورد ابن جرير الطبري..
﴿ ثلة من الأولين ( ٣٩ ) ﴾
هم ثلة من الأولين وأتباع الرسل السابقين، طائفة وجماعة من هؤلاء الأتباع المؤمنين يكونون أصحاب اليمين.
﴿ وثلة من الآخرين ( ٤٠ ) ﴾
وجماعة من أصحاب اليمين هم من أتباع خاتم النبيين- على رسل الله جميعا أفضل الصلوات وأتم التسليم-.
﴿ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال ( ٤١ ) ﴾
وهذه الآيات تبين مصير الصنف الأخير من الأصناف الثلاثة، بعد بيان مآل السابقين المقربين، وجزاء أصحاب اليمين.
﴿ وأصحاب ﴾ مبتدأ، و﴿ ما أصحاب ﴾ استفهام، يفيد التهويل والتعجيب، والجملة في محل الخبر ؛ و﴿ الشمال ﴾ إما أن يراد به الشؤم فقد كانوا شؤما على أنفسهم بعصيانهم، أو أن يشار إلى أن مصير هؤلاء : الذهاب إلى ناحية الشمال- وهي النار- وسكنى دار الخبال والنكال ؛ أو لأنهم يأخذون كتبهم وصحائف أعمالهم بشمائلهم.
﴿ في سموم وحميم ( ٤٢ ) ﴾
﴿ سموم ﴾ قد يراد به الريح الباردة الشديدة التي تؤثر تأثير السم، وتدخل في مسام البدن.
﴿ وحميم ﴾ ماء حار غاية الحرارة ؛ إذ حرقت أجسادهم وأكبادهم فزعوا إلى ما حسبوه يطفي ظمأهم، لكنه يزيد عذابهم :﴿ وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم١
١ - سورة القتال. من الآية ١٥..
﴿ وظل من يحموم ( ٤٣ ) ﴾
﴿ يحموم ﴾ في اللغة هو شديد السواد، وهو يفعول من الحم، وهو الشحم المسود باحتراق النار.
يقيم أصحاب الشمال في حرق لهيب جهنم ولفحها وسمومها، فإذا تلمسوا وقاية من هذا السعير لم يجدوا إلا ظلالا من السواد هي أشد حرا – وتسميته ظلا على التشبيه التهكمي-.
نقل عن ابن عباس أنه سرادق النار المحيط بأهلها يرتفع من كل ناحية حتى يظلهم. والجار والمجرور في موضع الصفة ﴿ ظل ﴾.
﴿ لا بارد ولا كريم ( ٤٤ ) ﴾
ليس ظلا باردا كسائر الظلال، ولا يكرم من يأوي إليه مستجيرا من أذى الحر ؛ فهما صفتان للظل ؛ [ والمعنى : أنه ظل حار ضار إلا أن للنفي شأنا ليس للإثبات، ومن ذلك جاء التهكم والتعريض بأن الذي يستأهل الظل الذي فيه برد وإكرام غير هؤلاء فيكون أشجى لحلوقهم، وأشد لتحسرهم ]١.
١ - أورده صاحب روح المعاني..
﴿ إنهم كانوا قبل ذلك مترفين ( ٤٥ ) ﴾
عذاب أصحاب الشمال بهذا النكال لأنهم كانوا في الدنيا يحيون حياة الهوى الذي أضلهم عن طريق الحق واتباع أوامر الملك الكبير المتعال – سبحانه-.
وقيل في المترف : العاتي المستكبر ؛ أو الذي أطغته النعمة وأبطرته.
﴿ وكانوا يصرون على الحنث العظيم ( ٤٦ ) ﴾
واستحقوا العذاب لأنهم كانوا يداومون على الذنب العظيم ويقيمون عليه ولا يقلعون عن ارتكابه والوقوع فيه.
وقال قتادة ومجاهد : الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه.
[ وفي الخبر : كان يتحنث في حراء أي يفعل ما يسقط عن نفسه الحنث وهو الذنب. ]١.
١ - أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
﴿ وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ( ٤٧ ) ﴾
واستأهلوا السعير وسوء المصير لأنهم أكدوا إنكارهم لإحياء الله الموتى وحشرهم وحسابهم وجزائهم بقولهم : أنبعث بعد أن تصير لحومنا ترابا وعظاما نخرة بالية ! يستعبدون ذلك ويكذبونه.
﴿ أو ءاباؤنا الأولون ( ٤٨ ) ﴾
وآباؤنا الأوائل كذلك يبعثون ؟ زيادة استبعاد [ يعنون أنهم أقدم فبعثهم أبعد وأبطل ]١
١ - ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ قل إن الأولين والآخرين٤٩ لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ( ٥٠ ) ﴾
أمر الله تعالى نبيه- كما أمرنا تبعا له- أن نرد باطل المفترين المكذبين بيوم الدين ؛ فقال وهو أصدق القائلين - :﴿ قل ﴾ إن الأقدمين والمستأخرين، الخلائق أجمعين- ومن جملتهم أنتم وآباؤكم- لمحشورون على ربكم لن يفلت منكم أحد، وذلك عقب دمار الدنيا وذهاب هذا الكون وخرابه، تنتهون إلى موقف بين يدي الجبار الواحد القهار، ليفصل بين المتقين والفجار، وبين المؤمنين الكفار.
﴿ ميقات ﴾ ما وقت به وحد، وإضافته إلى ﴿ يوم ﴾ بيانية.
[ وكون يوم القيامة ميقاتا، لأنه وقتت به الدنيا ]١.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:﴿ قل إن الأولين والآخرين٤٩ لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ( ٥٠ ) ﴾
أمر الله تعالى نبيه- كما أمرنا تبعا له- أن نرد باطل المفترين المكذبين بيوم الدين ؛ فقال وهو أصدق القائلين - :﴿ قل ﴾ إن الأقدمين والمستأخرين، الخلائق أجمعين- ومن جملتهم أنتم وآباؤكم- لمحشورون على ربكم لن يفلت منكم أحد، وذلك عقب دمار الدنيا وذهاب هذا الكون وخرابه، تنتهون إلى موقف بين يدي الجبار الواحد القهار، ليفصل بين المتقين والفجار، وبين المؤمنين الكفار.


١ - ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( ٥١ ) لآكلون من شجر من زقوم ( ٥٢ ) فمالئون منها البطون ( ٥٣ ) فشاربون عليه من الحميم ( ٥٤ ) فشاربون شرب الهيم ( ٥٥ ) ﴾.
وبعد النشور والحشر والسؤال والحساب والحكم يساق الخلق إلى الجزاء ؛ وكونوا على يقين مؤكد- معشر الضالين عن الهدى المكذبين بكلمات الله ورسالاته- أن طعام أهل الجحيم : الأكل من شجر من الزقوم الذي ينبت في قاع جهنم ؛ وثمره كريه، منظره قبيح يشبه رأس الشيطان، خبيث مذاقه :﴿ كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ﴾١ ؛ ومن شدة الجوع يأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم، فإذا غلت أجوافهم وأحشاؤهم من حر ما أكلوا فلا يجدون ما يحسبون فيه الغوث إلا المسارعة إلى شرب الماء الحار الذي يقطع أمعاء شاربه، ولا يزيدهم شربه إلا عطشا، فيتابعون الشرب كالإبل الهيم : المصابة بأشنع الأدواء لا تشبع من الشرب حتى تتلف-
[ عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء ]٢.
١ -سورة الدخان. الآيتان: ٤٥-٤٦..
٢ - أورده القرطبي..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( ٥١ ) لآكلون من شجر من زقوم ( ٥٢ ) فمالئون منها البطون ( ٥٣ ) فشاربون عليه من الحميم ( ٥٤ ) فشاربون شرب الهيم ( ٥٥ ) ﴾.
وبعد النشور والحشر والسؤال والحساب والحكم يساق الخلق إلى الجزاء ؛ وكونوا على يقين مؤكد- معشر الضالين عن الهدى المكذبين بكلمات الله ورسالاته- أن طعام أهل الجحيم : الأكل من شجر من الزقوم الذي ينبت في قاع جهنم ؛ وثمره كريه، منظره قبيح يشبه رأس الشيطان، خبيث مذاقه :﴿ كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ﴾١ ؛ ومن شدة الجوع يأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم، فإذا غلت أجوافهم وأحشاؤهم من حر ما أكلوا فلا يجدون ما يحسبون فيه الغوث إلا المسارعة إلى شرب الماء الحار الذي يقطع أمعاء شاربه، ولا يزيدهم شربه إلا عطشا، فيتابعون الشرب كالإبل الهيم : المصابة بأشنع الأدواء لا تشبع من الشرب حتى تتلف-
[ عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء ]٢.
١ -سورة الدخان. الآيتان: ٤٥-٤٦..
٢ - أورده القرطبي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( ٥١ ) لآكلون من شجر من زقوم ( ٥٢ ) فمالئون منها البطون ( ٥٣ ) فشاربون عليه من الحميم ( ٥٤ ) فشاربون شرب الهيم ( ٥٥ ) ﴾.
وبعد النشور والحشر والسؤال والحساب والحكم يساق الخلق إلى الجزاء ؛ وكونوا على يقين مؤكد- معشر الضالين عن الهدى المكذبين بكلمات الله ورسالاته- أن طعام أهل الجحيم : الأكل من شجر من الزقوم الذي ينبت في قاع جهنم ؛ وثمره كريه، منظره قبيح يشبه رأس الشيطان، خبيث مذاقه :﴿ كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ﴾١ ؛ ومن شدة الجوع يأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم، فإذا غلت أجوافهم وأحشاؤهم من حر ما أكلوا فلا يجدون ما يحسبون فيه الغوث إلا المسارعة إلى شرب الماء الحار الذي يقطع أمعاء شاربه، ولا يزيدهم شربه إلا عطشا، فيتابعون الشرب كالإبل الهيم : المصابة بأشنع الأدواء لا تشبع من الشرب حتى تتلف-
[ عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء ]٢.
١ -سورة الدخان. الآيتان: ٤٥-٤٦..
٢ - أورده القرطبي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( ٥١ ) لآكلون من شجر من زقوم ( ٥٢ ) فمالئون منها البطون ( ٥٣ ) فشاربون عليه من الحميم ( ٥٤ ) فشاربون شرب الهيم ( ٥٥ ) ﴾.
وبعد النشور والحشر والسؤال والحساب والحكم يساق الخلق إلى الجزاء ؛ وكونوا على يقين مؤكد- معشر الضالين عن الهدى المكذبين بكلمات الله ورسالاته- أن طعام أهل الجحيم : الأكل من شجر من الزقوم الذي ينبت في قاع جهنم ؛ وثمره كريه، منظره قبيح يشبه رأس الشيطان، خبيث مذاقه :﴿ كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ﴾١ ؛ ومن شدة الجوع يأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم، فإذا غلت أجوافهم وأحشاؤهم من حر ما أكلوا فلا يجدون ما يحسبون فيه الغوث إلا المسارعة إلى شرب الماء الحار الذي يقطع أمعاء شاربه، ولا يزيدهم شربه إلا عطشا، فيتابعون الشرب كالإبل الهيم : المصابة بأشنع الأدواء لا تشبع من الشرب حتى تتلف-
[ عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء ]٢.
١ -سورة الدخان. الآيتان: ٤٥-٤٦..
٢ - أورده القرطبي..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون ( ٥١ ) لآكلون من شجر من زقوم ( ٥٢ ) فمالئون منها البطون ( ٥٣ ) فشاربون عليه من الحميم ( ٥٤ ) فشاربون شرب الهيم ( ٥٥ ) ﴾.
وبعد النشور والحشر والسؤال والحساب والحكم يساق الخلق إلى الجزاء ؛ وكونوا على يقين مؤكد- معشر الضالين عن الهدى المكذبين بكلمات الله ورسالاته- أن طعام أهل الجحيم : الأكل من شجر من الزقوم الذي ينبت في قاع جهنم ؛ وثمره كريه، منظره قبيح يشبه رأس الشيطان، خبيث مذاقه :﴿ كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم ﴾١ ؛ ومن شدة الجوع يأكلون منها حتى تمتلئ بطونهم، فإذا غلت أجوافهم وأحشاؤهم من حر ما أكلوا فلا يجدون ما يحسبون فيه الغوث إلا المسارعة إلى شرب الماء الحار الذي يقطع أمعاء شاربه، ولا يزيدهم شربه إلا عطشا، فيتابعون الشرب كالإبل الهيم : المصابة بأشنع الأدواء لا تشبع من الشرب حتى تتلف-
[ عن ابن عباس : فيشربون شرب الرمال التي لا تروى بالماء ]٢.
١ -سورة الدخان. الآيتان: ٤٥-٤٦..
٢ - أورده القرطبي..

﴿ هذا نزلهم يوم الدين ( ٥٦ ) ﴾
هذا الذي تحدثت الآيات الكريمة السابقة عن شره وضره من طعام المجرمين وشرابهم هو ما أعد لهم يوم الجزاء.
[ والنزل ] ما يقدم للنازل مما حضر.
كالنزل الذي يعد للأضياف تكرمة لهم، كما في قوله تعالى :﴿ .. فبشرهم بعذاب أليم ﴾١.
[ فما ظنك بما لهم بعد ما استقر لهم القرار، واطمأنت لهم الدار في النار ؟ ! ]٢.
١ - سورة التوبة. من الآية ٣٤..
٢ - ما يبن العارضتين أورده الألوسي..
﴿ نحن خلقناكم فلولا تصدقون ( ٥٧ ) ﴾
الله- دون سواه- هو خالق الخلق جميعا فهلا تصدقون بأنه خالقكم ؟ وحتى من أقر منهم بأن المولى سبحانه هو الخالق، لم يقترن إقراره بالطاعة والعمل الصالح فكأنه والمنكر سواء.
الرؤية- المسؤول عنها في :﴿ أفرأيتم ﴾ إما بصرية حسية، وإما بصيرية فكرية عقلية.
﴿ ما تمنون ﴾ الذي تقذفونه من المني – وهو السائل الدافق اللزج الذي يخرج من الرجل حين انقضاء١ شهوته، له رائحة كرائحة العجين والطلح مادام رطبا، فإذا جف أشبهت رائحته رائحة البيض.
﴿ أفرأيتم ما تمنون٥٨ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ( ٥٩ ) ﴾
والاستفهام يراد به التقرير، فكأن المعنى : أخبروا عما تبصرون بأنظاركم أو تدركون بعقولكم من عظم هذه النطف التي منها نسل الإنسان والحيوان، هل هذه النطف من خلقكم وإنشائكم أنتم ؟ أم ربكم الخلاق العليم هو الذي أنشأها وينشئ ما يشاء منها في أرحام هو صانعها ومتقن صنعتها ؟ ويطورها خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؟ !
يقول صاحب تفسير غرائب القرآن : ووجه الاستدلال أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع، وهو كالطل المنبث في جميع الأعضاء، ولهذا تشترك كل الأعضاء في لذة الوقاع، ويجب اغتسال كلها لحصول الانحلال عنها جميعا، فالذي قدر على جمع تلك الأغذية في بدن الإنسان ثم على جمع تلك الأجزاء الطلية في أوعيتها ثم على تمكينها في الرحم إلا أن تتكون إنسانا كاملا، يقدر على جمعها بعد تفريقها بالموت المقدر بينهم بحيث لا يفوته شيء منها، وإلى هذا أشار بقوله :﴿ وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل.. ﴾
١ - أعم من أن يكون قضاها باختياره، أولا- كأن يحتلم فيمني..
﴿ أفرأيتم ما تمنون٥٨ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ( ٥٩ ) ﴾
والاستفهام يراد به التقرير، فكأن المعنى : أخبروا عما تبصرون بأنظاركم أو تدركون بعقولكم من عظم هذه النطف التي منها نسل الإنسان والحيوان، هل هذه النطف من خلقكم وإنشائكم أنتم ؟ أم ربكم الخلاق العليم هو الذي أنشأها وينشئ ما يشاء منها في أرحام هو صانعها ومتقن صنعتها ؟ ويطورها خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ؟ !
يقول صاحب تفسير غرائب القرآن : ووجه الاستدلال أن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع، وهو كالطل المنبث في جميع الأعضاء، ولهذا تشترك كل الأعضاء في لذة الوقاع، ويجب اغتسال كلها لحصول الانحلال عنها جميعا، فالذي قدر على جمع تلك الأغذية في بدن الإنسان ثم على جمع تلك الأجزاء الطلية في أوعيتها ثم على تمكينها في الرحم إلا أن تتكون إنسانا كاملا، يقدر على جمعها بعد تفريقها بالموت المقدر بينهم بحيث لا يفوته شيء منها، وإلى هذا أشار بقوله :﴿ وما نحن بمسبوقين. على أن نبدل.. ﴾
﴿ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين٦٠ على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ( ٦١ ) ﴾
نحن قضينا موت الأحياء، كل بوقت وأجل معين، وقسمناه عليكم، وسوينا فيه بين أهل السماء وأهل الأرض فلا حي يبقى إلا الله- عز وجل- ولا يغلبنا أحد على مرادنا أو يعجزنا عنه حين نريد إنفاذه ؛ فلو شئنا أن نذهبكم ونجيء بخلق مثلكم لم يقف أحد لمشيئتنا، كما لو أردنا أن نبرأكم فيما لا تعرفون من الخلق والأطوار، وما لا علم لكم به لفعلنا.
وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا، فيجمل المؤمن ببياض وجهه، ويقبح الكافر بسواد وجهه..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين٦٠ على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ( ٦١ ) ﴾
نحن قضينا موت الأحياء، كل بوقت وأجل معين، وقسمناه عليكم، وسوينا فيه بين أهل السماء وأهل الأرض فلا حي يبقى إلا الله- عز وجل- ولا يغلبنا أحد على مرادنا أو يعجزنا عنه حين نريد إنفاذه ؛ فلو شئنا أن نذهبكم ونجيء بخلق مثلكم لم يقف أحد لمشيئتنا، كما لو أردنا أن نبرأكم فيما لا تعرفون من الخلق والأطوار، وما لا علم لكم به لفعلنا.
وقيل : المعنى ننشئكم في البعث على غير صوركم في الدنيا، فيجمل المؤمن ببياض وجهه، ويقبح الكافر بسواد وجهه..

﴿ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ( ٦٢ ) ﴾
ولقد جاءكم من العلم ما تبينتم به كيف بدأ الله الخلق، وسوى آدم من طين ثم نفخ فيه من روحه، فهلا تتذكرون أن الخالق قادر لا يعجزه شيء ؟ !
﴿ أفرأيتم ما تحرثون ( ٦٣ ) أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ( ٦٤ ) ﴾
يسوق الله تعالى حجة على الغافلين عن دقيق صنعه، ونافذ أمره، وبالغ لطفه، وينبه العقول إلى ما يدلها على الفاعل المختار، مما تقع عليه الأعين وتطالعه الأبصار.
الحرث وشق الأرض وبذرها تفعلونه معاشر المخلوقين، فهل أنتم تفلقون الحب أو تثبتون الجذر، أو تنبتون الزرع، أو تخرجون السنابل ؟ أم الله يتولى إقراره وإنباته وإصلاحه وإنماءه، بعلمه وخبرته واختياره سبحانه ؟ !
[ وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله تعالى، وينبت على اختياره لا على اختيارهم ؛ وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله ).. قلت : فهو نهي إرشاد وأدب لا نهي حظر وإيجاب ؛ قال الماوردي : وتتضمن هذه الآية أمرين : أحدهما- الامتنان عليهم بأن الله أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم ؛ الثاني- البرهان الموجب للاعتبار، لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره، وانتقاله إلى استواء حاله من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة ]١.
١ - مما أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:﴿ أفرأيتم ما تحرثون ( ٦٣ ) أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ( ٦٤ ) ﴾
يسوق الله تعالى حجة على الغافلين عن دقيق صنعه، ونافذ أمره، وبالغ لطفه، وينبه العقول إلى ما يدلها على الفاعل المختار، مما تقع عليه الأعين وتطالعه الأبصار.
الحرث وشق الأرض وبذرها تفعلونه معاشر المخلوقين، فهل أنتم تفلقون الحب أو تثبتون الجذر، أو تنبتون الزرع، أو تخرجون السنابل ؟ أم الله يتولى إقراره وإنباته وإصلاحه وإنماءه، بعلمه وخبرته واختياره سبحانه ؟ !
[ وأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى، لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله تعالى، وينبت على اختياره لا على اختيارهم ؛ وكذلك ما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :( لا يقولن أحدكم زرعت وليقل حرثت فإن الزارع هو الله ).. قلت : فهو نهي إرشاد وأدب لا نهي حظر وإيجاب ؛ قال الماوردي : وتتضمن هذه الآية أمرين : أحدهما- الامتنان عليهم بأن الله أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم ؛ الثاني- البرهان الموجب للاعتبار، لأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذره، وانتقاله إلى استواء حاله من العفن والتتريب حتى صار زرعا أخضر، ثم جعله قويا مشتدا أضعاف ما كان عليه، فهو بإعادة من أمات أخف عليه وأقدر، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة ]١.
١ - مما أورده صاحب الجامع لأحكام القرآن..

﴿ حطاما ﴾ هشيما مفتتا.
﴿ فظلتم ﴾ أصله فظللتم، حذفت اللام الأولى تخفيفا.
﴿ تفكهون ﴾ تعجبون وتندمون١.
﴿ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( ٦٥ ) إنا لمغرمون ( ٦٦ ) بل نحن محرومون ( ٦٧ ) ﴾
لو أردنا ألا يبقى الزرع، ولا يجتنى الثمر، لأيبسنا خضركم قبل استوائه واستحصاده، فغدا متكسرا هالكا لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، مهشما تذروه الرياح ؛ وعند حلول نقمتنا تلك من إهلاك الحرث إن أهلكناه وحطمناه فسيطول تحسرهم على ما فاتكم.
قال الكسائي :[ تفكه ] من الأضداد ؛ تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.
تقولون إن تهشم حرثكم أو هلك :﴿ إنا لمغرمون ﴾ لمعذبون ؛ تارة تقولون هذا، وأخرى تقولون :﴿ بل نحن محرومون ﴾ لا يثب لنا مال، ولا ينتج لنا ربح.
وإنه لبرهان يوجب الاعتبار أن ينبت الله تعالى من الحبة أو النواة بعد تعفنها وتحللها وتتريبها زرعا يعجبك بهاؤه ورواؤه، ثم يجعله قويا مشتدا، ثم يخرج منه الحب المتراكب، والطلع النضيد، والثمر المفيد.. والله وحده يقسم حظوظ الخلق منه، فيضاعف أكله لمن يشاء، ويحرم ريعه من يشاء.
نقل أبو عبد الله القرطبي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض الأنصار فقال :( ما يمنعكم من الحرث ؟ ) قالوا : الجدوبة. فقال :( لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر ) ثم تلا :﴿ أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ﴾ الجامع لأحكام القرآن. جـ ١٧. ص ٢٢.
١ - يقول القرطبي: وقال عكرمة: تلاومون وتندمون على ما سلف منكم من معصية الله التي أوجبت عقوبتكم حتى نالتكم في زرعكم... فأما الفكاهة بالفتح فمصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب النفس مزاحا..
﴿ مغرمون ﴾ معذبون مهلكون.
﴿ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( ٦٥ ) إنا لمغرمون ( ٦٦ ) بل نحن محرومون ( ٦٧ ) ﴾
لو أردنا ألا يبقى الزرع، ولا يجتنى الثمر، لأيبسنا خضركم قبل استوائه واستحصاده، فغدا متكسرا هالكا لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، مهشما تذروه الرياح ؛ وعند حلول نقمتنا تلك من إهلاك الحرث إن أهلكناه وحطمناه فسيطول تحسرهم على ما فاتكم.
قال الكسائي :[ تفكه ] من الأضداد ؛ تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.
تقولون إن تهشم حرثكم أو هلك :﴿ إنا لمغرمون ﴾ لمعذبون ؛ تارة تقولون هذا، وأخرى تقولون :﴿ بل نحن محرومون ﴾ لا يثب لنا مال، ولا ينتج لنا ربح.
وإنه لبرهان يوجب الاعتبار أن ينبت الله تعالى من الحبة أو النواة بعد تعفنها وتحللها وتتريبها زرعا يعجبك بهاؤه ورواؤه، ثم يجعله قويا مشتدا، ثم يخرج منه الحب المتراكب، والطلع النضيد، والثمر المفيد.. والله وحده يقسم حظوظ الخلق منه، فيضاعف أكله لمن يشاء، ويحرم ريعه من يشاء.
نقل أبو عبد الله القرطبي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض الأنصار فقال :( ما يمنعكم من الحرث ؟ ) قالوا : الجدوبة. فقال :( لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر ) ثم تلا :﴿ أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ﴾ الجامع لأحكام القرآن. جـ ١٧. ص ٢٢.
﴿ محرومون ﴾ ممنوعون من الرزق.
﴿ لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ( ٦٥ ) إنا لمغرمون ( ٦٦ ) بل نحن محرومون ( ٦٧ ) ﴾
لو أردنا ألا يبقى الزرع، ولا يجتنى الثمر، لأيبسنا خضركم قبل استوائه واستحصاده، فغدا متكسرا هالكا لا ينتفع به في مطعم ولا غذاء، مهشما تذروه الرياح ؛ وعند حلول نقمتنا تلك من إهلاك الحرث إن أهلكناه وحطمناه فسيطول تحسرهم على ما فاتكم.
قال الكسائي :[ تفكه ] من الأضداد ؛ تقول العرب : تفكهت بمعنى تنعمت، وتفكهت بمعنى حزنت.
تقولون إن تهشم حرثكم أو هلك :﴿ إنا لمغرمون ﴾ لمعذبون ؛ تارة تقولون هذا، وأخرى تقولون :﴿ بل نحن محرومون ﴾ لا يثب لنا مال، ولا ينتج لنا ربح.
وإنه لبرهان يوجب الاعتبار أن ينبت الله تعالى من الحبة أو النواة بعد تعفنها وتحللها وتتريبها زرعا يعجبك بهاؤه ورواؤه، ثم يجعله قويا مشتدا، ثم يخرج منه الحب المتراكب، والطلع النضيد، والثمر المفيد.. والله وحده يقسم حظوظ الخلق منه، فيضاعف أكله لمن يشاء، ويحرم ريعه من يشاء.
نقل أبو عبد الله القرطبي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض الأنصار فقال :( ما يمنعكم من الحرث ؟ ) قالوا : الجدوبة. فقال :( لا تفعلوا فإن الله تعالى يقول أنا الزارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر ) ثم تلا :﴿ أفرأيتم ما تحرثون. أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ﴾ الجامع لأحكام القرآن. جـ ١٧. ص ٢٢.
﴿ أفرأيتم الماء الذي تشربون ( ٦٨ ) ﴾
الماء الذي نسقيكم إياه عذبا فراتا، تحيون به أنفسكم وتسكنون به عطشكم – وتخصيص هذا الوصف بالذكر مع كثرة منافعه لأن الشرب أهم المقاصد-
﴿ أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ( ٦٩ ) ﴾
هل أنتم أيها الناس أسقطتم ما تشربون من السحاب ؟ لا ! ولكن الله هو الذي أنشأ سحابه ثم جمعه ثم سيره ثم أنزل مطره حيث شاء ومتى شاء وبقدر ما يشاء.
﴿ لو نشاء جعلناه أجاجا ﴾
لو سبقت مشيئتنا أن نصير الماء نسقطه ملحا شديد الملوحة والمرارة زعاقا لما أعجزنا ذلك، وإذا لهلكتم وهلكت زروعكم وبهائمكم.
﴿ فلولا تشكرون ( ٧٠ ) ﴾
فهلا شكرتم نعمة ربكم، وعرفتم له آلاءه، وأقررتم له بالألوهية ؟ ! تحضيض وحث وتحريض.
[ أخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا شرب الماء قال :( الحمد لله الذي سقانا عذبا فراتا برحمته ولم يجعله ملحا أجاجا بذنوبنا ) ]١.
١ - روح المعاني جـ ٢٧ ص ١٤٩..
﴿ أفرأيتم النار التي تورون ( ٧١ ) ﴾
أخبروا أيها الناس عن ناركم التي تقدحونها وتستخرجونها من أصلها- وربما كان خضرا رطبا- وفي ذلك دليل على اقتدار الله :﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ﴾١.
١ - سورة يس. الآية ٨٠..
﴿ أأنتم أنشأتم شجرتها ﴾
هل أنتم الذين خلقتم أعجب الشجر اتقادا ؟ وهو المرخ والعفار ؟
هل أنتم اخترعتم أصلها وأودعتموه خواصها ؟ كلا !
﴿ أم نحن المنشئون ( ٧٢ ) ﴾
بل نحن أبدعنا ذلك وأتقنا صنعه ؛ نحن الذين أودعنا قوة تلك الطاقة في موضعها.
نقل القرطبي : في كل شجر نار، واستمجد المرخ والعفار، أي استكثرا منها، كأنهما أخذا من النار ما هو حسبهما.
ونقل ابن كثير : وللعرب شجرتان : إحداهما المرخ، والأخرى العفار، إذا أخذ منهما غصنان أخضران فحك أحدهما بالآخر تناثر من بينهما شرر النار.
﴿ نحن جعلناها تذكرة ﴾
جعل الله تعالى- نار الدنيا موعظة تذكر بالنار الكبرى ؛ يتذكر بها عذاب الجحيم، وحر السعير، فيستعاذ بالله منه ؛ وتلك من أكبر منافعها وأهمها. روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن ناركم هذه التي يوقد بنو آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ). فقالوا يا رسول الله : إن كانت لكافية، قال :( فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ).
﴿ ومتاعا للمقوين ( ٧٣ ) ﴾
وينتفع بالنار النازلون القوي- وهو القفر-
وقال مجاهد :﴿ للمقوين ﴾ المستمتعين بها من الناس أجمعين في الطبخ والخبز والاصطلاء١ والاستضاءة.
١ - الاصطلاء: الاستدفاء..
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ( ٧٤ ) ﴾
فجدد التسبيح بذكر اسم ربك ذي الكبرياء والعظمة، ونزه الله تعالى عما يفتري المشركون والمبطلون.
[ أو الاسم مجاز عن الذكر فإن إطلاق الاسم للشيء ذكره، والباء للاستعانة أو الملابسة ]١.
والأمر بالتسبيح في هذه الآية وغيرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكافة المؤمنين.
وتنزيه الله الكبير المتعال مطلب يعده القرآن الحكيم من لب الرسالة وغايات الإنذار والبشارة ؛ يقول المولى عز شأنه :﴿ إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا ﴾٢. وإن من ثمرات التسبيح للمسبحين في الدنيا أن الله تعالى يفرج به همهم، ويكشف كربه ؛ كما أخبر عن رسوله يونس عليه السلام :﴿ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ﴾٣. وبالتسبيح أخرجه المولى اللطيف الخبير من بطن الحوت الذي ابتلعه غريقا في لجة البحر ﴿ وإن يونس لمن المرسلين. إذ أبق إلى الفلك المشحون. فساهم فكان من المدحضين. فالتقمه الحوت وهو مليم. فلولا أنه كان من المسبحين. للبث في بطنه إلى يوم يبعثون ﴾٤.
١ - مما أورده الألوسي..
٢ - سورة الفتح: الآيتان: ٨، ٩، والبكرة أول النهار، والأصيل آخره..
٣ - سورة الأنبياء. الآيتان: ٨٧، ٨٨..
٤ - سورة الصافات. الآيات من ١٣٩- ١٤٤..
﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ( ٧٥ ) ﴾
احتج الملك الحق عليهم بالقرآن بعد الحجة عليهم بالآيات الكونية المرئية، مع كونها نعما وأفضالا ربانية ؛ و﴿ لا ﴾ صلة في قول أكثر المفسرين ؛ والمعنى : فأقسم، بدليل قوله :﴿ وإنه لقسم... ﴾ وقال الفراء : هي نفي ؛ والمعنى : ليس الأمر كما تقولون، ثم استأنف ﴿ أقسم ﴾ ؛ وقال أبو مسلم، وجمع : إن الكلام على ظاهرة المتبادر منه ؛ والمعنى : لا أقسم إذ الأمر أوضح من أن يحتاج إلى قسم، أي لا يحتاج إلى قسم ما، فضلا عن هذا القسم العظيم.
ومواقع النجوم : مساقطها أو منازلها، أو انتثارها يوم القيامة، أو الأنواء التي كان أهل الجاهلية يقولون إذا مطروا... مطرنا بنوء كذا.
مما نقل عن القشيري :.. ولله تعالى أن يقسم بما يريد، وليس لنا أن نقسم بغير الله تعالى وصفاته القديمة.
﴿ وإنه لقسم لو تعلمون عظيم ( ٧٦ ) ﴾
تعظيم للقسم مقرر مؤكد له ؛ و﴿ لو تعلمون ﴾ معترض بين الصفة والموصوف ؛ والآية جاءت بين القسم والمقسم عليه.
﴿ إنه لقرآن كريم ( ٧٧ ) ﴾
جواب للقسم ؛ والكرم كثرة النفع، وعلو القدر ؛ فالقرآن عظيم البركة يشفي الصدور، ويهدي للتي هي أقوم، وهو عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وليس بالسحر ولا بالكهانة ولا بالتقول والافتراء حاشاه ! بل هو تنزيل من حكيم حميد.
﴿ في كتاب مكنون ( ٧٨ ) ﴾
في مصحف مصون عن التبديل والتغيير ؛ [ ويتضمن ذلك الإخبار بالغيب لأنه لم يكن إذ ذاك مصحف ]١.
وعن الربيع بن أنس وغيره : كائن في كتاب مصون عن غير المقربين من الملائكة عليهم السلام، لا يطلع عليه من سواهم، فالمراد به اللوح المحفوظ.
١ - ما بين العارضتين أورده الألوسي..
﴿ لا يمسه إلا المطهرون ( ٧٩ ) ﴾
لا يمس ذلك الكتاب المحفوظ عند الله تعالى في السماء وهو اللوح إلا المنزهون وهم كرام الملائكة والسفر البررة ؛ ونفي مسه كناية عن لازمه وهو نفي الاطلاع عليه وعلى ما فيه.
[ وقيل : المراد بالكتاب المصحف الذي بأيدينا، وهو الأظهر... وعلى هذا المعنى قال قتادة وغيره :﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ من الأحداث والأنجاس.. واختلف العلماء في مس المصحف على غير وضوء، فالجمهور على المنع من مسه.. وفي مس الصبيان إياه على وجهين : أحدهما- المنع اعتبارا بالبالغ، والثاني- الجواز، لأنه لو منع لم يحفظ القرآن لأن حال تعلمه حال الصغر، ولأن الصبي وإن كانت له طهارة إلا أنها ليست بكاملة، لأن النية لا تصح منه، فإذا جاز أن يحمله على غير طهارة كاملة جاز أن يحمله محدثا. ]١
١ ما بين العارضتين مما أورده القرطبي..
﴿ تنزيل من رب العالمين ( ٨٠ ) ﴾
وهذا الكتاب العزيز والذكر الحكيم هو تنزيل المولى المصلح المطاع خالق العوالم كلها ومربيها.
أو وصف بالمصدر لأنه ينزل منجما١ من بين سائر كتب الله تعالى فكأنه في نفسه تنزيل، ولذلك أجرى مجرى بعض أسمائه فقيل : جاء في التنزيل كذا ؛ ونطق به التنزيل.
١ - أي متفرقا آيات آيات، ولم ينزل جملة واحدة..
﴿ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ( ٨١ ) ﴾
أفتتهاونون بهذا الحديث الذي جاءكم من عند ربكم ؟ ! أو مكذبون بذلك ؟ لأن التكذيب من فروع التهاون.
[ والمدهن ] الذي ظاهره خلاف باطنه، والكافر المنافق الذي يلين جانبه ليخفي كفره.
وقال قوم : داهنت بمعنى داريت، وأدهنت بمعنى غششت ؛ قال ابن كيسان : المدهن الذي لا يعقل ما حق الله عليه، ويدفعه بالعلل ؛ وقال بعض اللغويين :﴿ مدهنون ﴾ : تاركون للجزم في قبول القرآن.
﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ( ٨٢ ) ﴾.
وتجعلون شكر رزق الله إياكم التكذيب بالنعمة، أي تضعون الكذب مكان الشكر.
أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن زيد بن خالد الجهني قال : صل بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح بالحديبية في إثر سماء١ كانت من الليل، فلما سلم أقبل علينا فقال : " هل تدرون ما قال ربكم في هذه الليلة " ؟ قالوا الله ورسوله أعلم ؛ فقال :( قال ما أنعمت على عبادي نعمة إلا أصبح فريق منهم بها كافرون فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك الذي آمن بالكوكب وكفر بى ) ومن رواية مالك عنه في الموطأ :(.. أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر... )، وقال أبو عمر بن عبد البر : وأما قوله عليه الصلاة والسلام حاكيا عن الله سبحانه :( أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ) فمعناه عندي على وجهين : أما أحدهما فإن المعتقد بأن النوء هو الموجب لنزول الماء، وهو المنشئ للسحاب دون الله عز وجل فذلك كافر كفرا صريحا يجب استتابته عليه، وقتله إن أبى لنبذه الإسلام ورده القرآن ؛ والوجه الآخر أن يعتقد أن النوء ينزل الله به الماء، وأنه سبب الماء على ما قدره الله وسبق في علمه، وهذا وإن كان وجها مباحا، فإن فيه أيضا كفرا بنعمة الله عز وجل، وجهلا بلطيف حكمته في أنه ينزل الماء متى شاء.. اه.
[ وهذا وقيل : معنى الآية : وتجعلون شكركم – لنعمة القرآن- أنكم تكذبون به... ]٢.
١ - بعد مطر..
٢ - ما بين العارضتين مما أورده الألوسي..
﴿ فولا إذا بلغت الحلقوم ( ٨٣ ) ﴾
فهلا إذا بلغت النفس أو الروح أقصى الحلق ومجرى الهواء والطعام.
[ ومذهب السلف أن النفس الناطقة وهي الروح المشار إليها بقوله تعالى :﴿ ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي.. ﴾١ جسم لطيف جدا سار في البدن سريان ماء الورد في الورد، وهو حي بنفسه يتصف بالدخول والخروج وغيرهما من صفات الأجسام.. ]٢
١ - سورة الإسراء. من الآية ٨٥..
٢ - ما بين العارضتين مما أورده القرطبي..
﴿ وأنتم حينئذ تنظرون ( ٨٤ ) ﴾
أنتم ذاك الوقت تنظرون إلى الميت لا تقدرون له على شيء.
[ وقيل : المعنى فهلا إذا بلغت نفس أحدكم الحلقوم عند النزع وأنتم حضور أمسكتم روحه في جسده ؟ ! مع حرصكم على امتداد عمره، وحبكم لبقائه... ]١.
أو تنظرون إلى ما يقاسيه من الغمرات وشدة سكرات الموت.
١ - ما بين العارضتين أورده القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ ١٧ ص ٢٣٢..
﴿ ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ( ٨٥ ) ﴾
والله تعالى وتقدس أقرب إلى المحتضر منكم بقدرته وعلمه ورؤيته ؛ أو رسلنا الذين يتولون قبضه أقرب إليه منكم أنكم لا ترونهم.
﴿ فلولا إن كنتم غير مدينين ( ٨٦ ) ترجعونها إن كنتم صادقين( ٨٧ ) ﴾
فهلا إن كنتم غير مربوبين ولا مملوكين ومقهورين، ترجعون الروح إلى الجسد إن كنتم صادقين في زعمكم عدم خالقية الله الخلاق العليم ؛ ولن ترجعوها، فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٦:﴿ فلولا إن كنتم غير مدينين ( ٨٦ ) ترجعونها إن كنتم صادقين( ٨٧ ) ﴾
فهلا إن كنتم غير مربوبين ولا مملوكين ومقهورين، ترجعون الروح إلى الجسد إن كنتم صادقين في زعمكم عدم خالقية الله الخلاق العليم ؛ ولن ترجعوها، فبطل زعمكم أنكم غير مملوكين.

﴿ فأما إن كان من المقربين ( ٨٨ ) فروح وريحان وجنة نعيم ( ٨٩ ) ﴾
بعد أن أشارت الآيتان السابقتان إلى حال المحتضر ومن يحضره، جاءت هذه الآيات تبين حال المتوفى بعد الممات، فأما إن كان من أكرم الأصناف الثلاثة من السابقين إلى الخير والدرجات العلا، فجزاؤه استراحة من كرب الحياة الدنيا، ورزق من ربه :﴿ .. أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله... ﴾١ وجنة ينعم فيها فلا يبتئس، [ وقال أبو العباس بن عطاء : الروح : النظر إلى وجه الله، والريحان الاستماع لكلامه ووحيه ﴿ وجنة نعيم ﴾ هو ألا يحجب فيها عن الله عز وجل. ]٢.
١ - سورة آل عمران. من الآيتين. ١٦٩-١٧٠..
٢ - ما بين العارضتين أورده الألوسي جـ ٢٧ ص ١٦١..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٨٨:﴿ فأما إن كان من المقربين ( ٨٨ ) فروح وريحان وجنة نعيم ( ٨٩ ) ﴾
بعد أن أشارت الآيتان السابقتان إلى حال المحتضر ومن يحضره، جاءت هذه الآيات تبين حال المتوفى بعد الممات، فأما إن كان من أكرم الأصناف الثلاثة من السابقين إلى الخير والدرجات العلا، فجزاؤه استراحة من كرب الحياة الدنيا، ورزق من ربه :﴿.. أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله... ﴾١ وجنة ينعم فيها فلا يبتئس، [ وقال أبو العباس بن عطاء : الروح : النظر إلى وجه الله، والريحان الاستماع لكلامه ووحيه ﴿ وجنة نعيم ﴾ هو ألا يحجب فيها عن الله عز وجل. ]٢.
١ - سورة آل عمران. من الآيتين. ١٦٩-١٧٠..
٢ - ما بين العارضتين أورده الألوسي جـ ٢٧ ص ١٦١..

﴿ وأما إن كان من أصحاب اليمين٩٠ فسلام لك من أصحاب اليمين ( ٩١ ) ﴾
وإذا كان هذا المتوفى من أصحاب اليمين المهتدين الصالحين فالملائكة تسلم عليه حال توفيه ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. ﴾١. وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام.
١ - سورة فصلت. الآية ٣٠؛ ومن الآية ٣١....
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٠:﴿ وأما إن كان من أصحاب اليمين٩٠ فسلام لك من أصحاب اليمين ( ٩١ ) ﴾
وإذا كان هذا المتوفى من أصحاب اليمين المهتدين الصالحين فالملائكة تسلم عليه حال توفيه ﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة.. ﴾١. وقال ابن مسعود : إذا جاء ملك الموت ليقبض روح المؤمن قال : ربك يقرئك السلام.
١ - سورة فصلت. الآية ٣٠؛ ومن الآية ٣١....

﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين ( ٩٢ ) فنزل من حميم ( ٩٣ ) وتصلية جحيم ( ٩٤ ) ﴾.
وأما إن كان المتوفى من المكذبين بالرسالة الضالين عن الهدى بإصرارهم على الحنث العظيم والكفر فله جزاء من الشراب شديد الحرارة الذي يقطع أمعاء شاربه، وله جزاء إقامة في السعير ومقاساة ألوان العذاب ؛ [ والأنسب بذلك كون ما ذكر في البرزخ ]١.
١ - أورد ذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ ١٧ ص ٢٣٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين ( ٩٢ ) فنزل من حميم ( ٩٣ ) وتصلية جحيم ( ٩٤ ) ﴾.
وأما إن كان المتوفى من المكذبين بالرسالة الضالين عن الهدى بإصرارهم على الحنث العظيم والكفر فله جزاء من الشراب شديد الحرارة الذي يقطع أمعاء شاربه، وله جزاء إقامة في السعير ومقاساة ألوان العذاب ؛ [ والأنسب بذلك كون ما ذكر في البرزخ ]١.
١ - أورد ذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ ١٧ ص ٢٣٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين ( ٩٢ ) فنزل من حميم ( ٩٣ ) وتصلية جحيم ( ٩٤ ) ﴾.
وأما إن كان المتوفى من المكذبين بالرسالة الضالين عن الهدى بإصرارهم على الحنث العظيم والكفر فله جزاء من الشراب شديد الحرارة الذي يقطع أمعاء شاربه، وله جزاء إقامة في السعير ومقاساة ألوان العذاب ؛ [ والأنسب بذلك كون ما ذكر في البرزخ ]١.
١ - أورد ذلك القرطبي في الجامع لأحكام القرآن جـ ١٧ ص ٢٣٤..

﴿ إن هذا لهو حق اليقين ( ٩٥ ) ﴾
إن هذا الذي أوحيناه إليك في هذه السورة هو محض اليقين وخالصه.
[ وجاز إضافة الحق إلى اليقين وهما واحد لاختلاف لفظهما ].. وقال قتادة في هذه الآية : إن الله ليس بتارك أحدا من الناس حتى يقفه على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فنفعه ذلك يوم القيامة، وأما الكافر فأيقن يوم القيامة حين لا ينفعه اليقين١.
١ - رواه البخاري ومسلم..
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ( ٩٦ ) ﴾
نزه الله تعالى عن السوء، سبح اسم ربك، والاسم المسمى، أو : فاذكر اسم ربك العظيم وسبحه.
أخرج الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجه، وابن حيان، والحاكم وصححه، وغيرهم عن عقبة بن عامر الجهني قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :﴿ فسبح باسم ربك العظيم( ٩٦ ) ﴾ قال : " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزلت :﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾قال : " اجعلوها في سجودكم ".
ولقد ذكرنا عند تفسير الآية الرابعة والسبعين من هذه السورة أن تنزيه الله الكبير المتعال من لب الرسالة، ومن غايات الإنذار والبشارة، وأشرنا إلى شيء من ثمرات التسبيح وجزاء المسبحين في العاجل. أما جزاء المسبحين في الآخرة فإن الله يملأ به موازين حسناتهم فترجح، يقول رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن : سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم )١. ومن حديث له صلوات ربنا عليه وسلامه :(.. وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض... )٢.
وفي صحيح البخاري بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن لله ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم بأجنحتهم إلى سماء الدنيا فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم : ما يقول عبادي ؟ فيقولون : يا رب يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك إلى أن يقول النبي الكريم : يقول الله : يا ملائكتي أشهدكم أني قد غفرت لهم فيقول ملك منهم : يا رب إن فيهم فلانا ليس منهم إنما جاء لحاجة، فيقول الله : هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم ).
فلنسبح مولانا بالعشي والإبكار، ولنسبحه من الليل وأدبار السجود، ولنكثر- ما استطعنا- تسبيحه آناء الليل وأطراف النهار، نكن على منهاج المرسلين والملائكة الأبرار.
وصلاة من الله على داود الذي كانت الجبال تسبح بتسبيحه ﴿ إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق ﴾٣.
وتردد الطير ما ينزه به المولى الكبير المتعال :﴿ يا جبال أوبي معه والطير.. ﴾٤.
وسلاما على الملأ الأعلى من جند السماء المسبحين دون انقطاع ولا فتور ﴿ .. فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ﴾٥.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وسلام على المرسلين. والحمد لله رب العالمين.
١ - رواه البخاري ومسلم..
٢ - رواه مسلم..
٣ - سورة ص. الآية ١٨..
٤ - سورة سبأ. من الآية ١٠..
٥ - سورة فصلت. من الآية ٣٨..
Icon