تفسير سورة الواقعة

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴾ ﴿ إِذَا ﴾ إما ظرف ليس فيه معنى الشرط، وعامله ليس لوقعتها كاذبة من حيث إنها تضمنت معنى النفي كأنه قيل: انتفى التكذيب وقت وقوعها، أو شرطية وجوابها محذوف تقديره يحصل كذا وكذا وهو العامل فيها، وقوله: (قامت القيامة) أي فالواقعة من جملة أسماء القيامة. قوله: ﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا ﴾ اللام بمعنى في على حذف مضاف، والمعنى: ليس نفس كاذبة توجد في وقت وقوعها. قوله: ﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ خبر مبتدأ محذوف كما أفاده المفسر بقوله: (أي هي) الخ. قوله: (لخفض أقوام) الخ، أي حساً ومعنى: فأهل الجنة ترفعهم حساً ومعنى، وأهل النار تخفضهم كذلك، ونسبة الخفض والرفع إليها مجاز من إسناد الفعل لمحله وزمانه.
قوله: ﴿ إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ ﴾ إما بدل من ﴿ إِذَا ﴾ الأولى، وعليه مشى المفسر، أو تأكيد لها أو شرط وعاملها مقدر. قوله: (حركت حركة شديدة) أي فترتج كما يرتج الصبي في المهد حتى يتهدم ما عليها، ويتكسر كل شيء عليها من الجبال وغيرها، والرجة الاضطراب. قوله: (منتشراً) أي متفرقاً بنفسه من غير حاجة إلى هواء يفرقه، فهو كالذي يرعى شعاع الشمس إذا دخل من كوة. قوله: ﴿ وَكُنتُمْ ﴾ الخطاب لجميع الخلق المكلفين، والمعنى: قسمتم باعتبار طبائعكم وأخلاقكم في الدنيا أصنافاً ثلاثة. قوله: ﴿ فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ ﴾ شروع في ذكر أحوال الأزواج الثلاثة على سبيل الإجمال، وسيأتي تفصيلهم بعد ذلك. قوله: (مبتدأ خبره) ﴿ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ ﴾ الخ، فأصحاب الأول مبتدأ، و ﴿ مَآ ﴾ استفهامية مبتدأ ثان، وما بعده خبره، والجملة خبر الأول وتكرير المبتدأ بلفظه معن عن الرابط. قوله: (تعظيم لشأنهم) أي أن في هذا الاستفهام تعظيم شأنهم كأنه قيل: فأصحاب الميمنة في غاية حسن الحال، وأصحاب المشأمة في نهاية سوء الحال. قوله: (بأن يؤتى كتابه بشماله) ما ذكره المفسر في الفريقين أحد أقوال، وقيل: أهل الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأهل المشأمة الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، وقيل: أصحاب الميمنة أصحاب المنزلة السنية، وأصحاب المشأمة أصحاب المنزلة الدنية. قوله: ﴿ وَٱلسَّابِقُونَ ﴾ الخ، أخرهم مع كونهم أعلى الأقسام الثلاثة، لئلا يعجبوا بأعمالهم، وقدم أهل اليمين، لئلا يقنطوا من رحمة الله. قوله: (وهم الأنبياء) هذا أحد أقوال في تفسير السابقين، وقيل: هم الذين سبقوا إلى الإيمان والطاعة عند ظهور الحق، وقيل: هم المسارعون إلى الخيرات، وقيل: هم الذين سبقوا في حيازة الفضائل. قوله: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾ أي الذين قربت درجاتهم وأعليت مراتبهم، واصطفاهم الله لرؤيته في الجنة بكرة وعشياً، فحيث تسابقوا لخدمته وطاعته، فكان جزاؤهم من الله القرب والاصطفاء، زيادة على كونهم في الجنة. قوله: ﴿ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ خبر ثان أو حال من الضمير في ﴿ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴾.
قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ الثلة بالضم في قراءة العامة الجماعة من الناس، وأما بالكسر فمعناها الهلكة. قوله: (وهم السابقون) الخ، أي إلى الإيمان بالأنبياء عياناً واجتمعوا عليهم، وذلك لأن المؤمنين الذين اجتمعوا على الأنبياء جماعة كثيرة، والمؤمنين الذين اجتمعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة قليلة بالنسبة لمجموع الأمم، وهذا لا ينافي كون هذه الأمة المحمدية ثلثي أهل الجنة، لأن ما هنا فيمن اجتمع بالأنبياء مشافهة، إذا علمت ذلك، فتفسير المفسر السابقين المتقدم ذكرهم بالأنبياء غير واضح، فالمناسب أن يقول: والسابقون إلى الخير من أمة كل نبي، وبعض المفسرين جعل الخطاب في قوله:﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾[الواقعة: ٧] لهذه الأمة، وحينئذ فالمراد بالسابقين خيارهم، وأهل اليمين عوامهم، وأهل المشأمة كفارهم، وقوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ يعني جماعة كثيرة من أوائل هذه الأمة، وقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ يعني أن من أتى بعد أوائل هذه الأمة من الخيار قليل بالنسبة لأوائلها، وإن كان كثيراً في نفسه، ولعل هذا التفسير أقرب. قوله: ﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ ﴾ جمع سرير، وهو ما يوضع للشخص من المقاعد العالية كرامة وإجلالاً، قال الكلبي: طول كل سرير ثلاثمائة ذراع، فإذا أراد العبد أن يجلس عليه، تواضع وانخفض له، فإذا جلس عليه ارتفع. قوله: ﴿ مُّتَّكِئِينَ عَلَيْهَا ﴾ أي على السرر. قوله: ﴿ مُتَقَابِلِينَ ﴾ أي فلا ينظر بعضهم إلى قفا بعض، بل إذا أراد أحدهم الانصراف دار به سريره. قوله: ﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ ﴾ هذه الجملة إما حال أو استئناف. قوله: ﴿ وِلْدَانٌ ﴾ بكسر الواو باتفاق القراء، جمع وليد بمعنى مولود. قوله: (على شكل الأولاد) أي فهم مخلوقون في الجنة ابتداء كالحور العين، ليسوا من أولاد الدنيا، وإنما سموا أولاداً لكونهم على شكل الأولاد كما أفاده المفسر، وهذا هو الصحيح، وقيل: هم أولاد المؤمنين الذين ماتوا صغاراً، ورد بأن الله أخبر عنهم، أنهم يلحقون بآبائهم في السيادة والخلقة، وقيل هم صغار أولاد الكفار، وقيل غير ذلك. قوله: (لا يهرمون) تفسير لقوله: ﴿ مُّخَلَّدُونَ ﴾ والمعنى: لا يتغيرون عن حالة الولدان من الطراوة والنعومة، بخلاف أولاد الدنيا في الدنيا، فإنهم يتغيرون بالشيخوخة. قوله: ﴿ وَأَبَارِيقَ ﴾ جمع إبريق مشتق من البريق لصفاء لونه. قوله: (لها عرى) أي ما يمسك بها المسماة بالآذان. قوله: (وخراطيم) هي المسماة بالبزابير. قوله: ﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ أي لا يحصل لهم صداع من أجلها، والصداع معروف يلحق الإنسان في رأسه. قوله: (أي لا يحصل لهم) الخ، لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ ﴾ أي يختارون. قوله: ﴿ وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ ﴾ ورد" أن في الجنة طيراً مثل أعناق البخت، تعطف على يد ولي الله، فيقول أحدها: يا ولي الله رعيت في مروج تحت العرش، وشربت من عيون التسنيم، فكل مني، فلا يزلن يفتخرن بين يديه، حتى يخطر على قلبه أكل أحدها، فيخر بين يديه على ألوان مختلفة، فيأكل منها ما أراد، فإذا شبع، تجمع عظام الطير فطار يرعى في الجنة حيث شاء، فقال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة؟ قال: آكلها أنعم منها ". وقال ابن عباس رضي الله عنه: يخطر على قلبه لحم الطير، فيصير بين يديه على ما يشتهي، أو يقع على الصفحة فيأكل منها ما يشتهي ثم يطير. قوله: ﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ مبتدأ خبره محذوف قدره بقوله: (لهم). قوله: (شديدات سواد العيون) هذا من جملة تفسير العين، فلو أخره بعده لكان أوضح، فالعين شديدات سواد العيون مع سعتها، وأما الحور فقيل: هو بياض أجسادهن، وقيل: هو شدة بياض العين في شدة سوادها. قوله:(بدل ضمها) أي الذي هو حقها، لأن أصلها عين بضم العين وسكون الياء، كسرت العين لتصح الياء. قوله: (وفي قراءة بجر حور عين) أي وهي سبعية أيضاً، عطف على﴿ جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾[الواقعة: ١٢] كأنه قيل: هم في جنات النيعم، وفاكهة ولحم وحور عين. قوله: ﴿ كَأَمْثَالِ ٱللُّؤْلُؤِ ٱلْمَكْنُونِ ﴾ أي المستور في الصدف، لم تمسه الأيدي ولا الشمس والهواء، روي أنه يسطع نور في الجنة فيقولون: ما هذا؟ فيقال: ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها، وروي أن الحوراء إذا مشت، يسمع تقديس الخلاخيل من ساقها، وتمجيد الأسورة من ساعديها، وعقد الياقوت في نحرها، وفي رجليها نعلان من ذهب، شراكهما من لؤلؤ يصيحان بالتسبيح، قوله: ﴿ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ الباء سببية؛ وما مصدرية أو موصولة. قوله: (لكن) ﴿ قِيلاً ﴾ أشار بذلك إلى أن الاستثناء منقطع، وذلك لأن السلام ليس من جنس اللغو والتأثيم. قوله: (بدل من قيلا) أي أو نعت له أو منصوب بقيلا، أي إلا أن يقولوا سلاماً سلاماً. قوله (فإنهم يسمعونه) أي من الله والملائكة، وبعضهم بعضاً.
قوله: ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ ﴾ شروع في تفصيل ما أجمل من أوصافهم إثر تفصيل أوصاف السابقين ﴿ فِي سِدْرٍ ﴾ خبر ثان عن قوله: ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلْيَمِينِ ﴾.
قوله: ﴿ مَّخْضُودٍ ﴾ من خضد الشجر قطع شوكه، من باب ضرب،" روي أن أعرابياً أقبل يوماً فقال: يا رسول الله، لقد ذكر الله في القرآن شجرة مؤذية، وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما هي؟ قال: السدر فإن له شوكاً مؤذياً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو ليس يقولن: ﴿ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾؟ خضد الله شوكه، فجعل مكان كل شوكة ثمرة، فإنها تنبت ثمراً على اثنين وسبعين لوناً من الطعام، ما فيها لون يشبه الآخر، وليس ثمر الجنة في غلاف كثمر الدنيا، بل كله مأكول ومشروب ومشموم ومنظور إليه ". قوله: (دائم) أي لا تنسخه الشمس. قوله: (جار دائماً) أي على وجه الأرض ليس في حفر. قوله: ﴿ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ (بثمن) الأولى أن يقول بشيء، ليشمل الحائط والباب والشوك ونحو ذلك، والمعنى: لا تمنع عن متناولها بوجه من الوجوه، بل إذا اشتهاها العبد، دنت منه حتى يأخذها بلا تعب. قوله: ﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ (على السرر) وقيل مرفوعة بعضها فوق بعض لما ورد: أن ارتفاعها كما بين السماء والأرض، ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام.
قوله: (أي الحور العين من غير ولادة) أشار بذلك إلى أن الضمير في ﴿ أَنشَأْنَاهُنَّ ﴾ عائد على الحور العين المفهومان مما سبق، وهذا أحد قولين، وقيل هو عائد على نساء الدنيا، ومعنى ﴿ أَنشَأْنَاهُنَّ ﴾ أعدنا إنشاءهن، ويؤيده ما ورد" أن أم سلمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: ﴿ إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً ﴾ فقال: يا أم سلمة هن اللواتي قبضن في دار الدنيا عجائز شمطاً رمصاً، جعلهن الله بعد الكبر أتراباً على ميلاد واحد في الاستواء، كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً، فلما سمعت عائشة رسول الله يقول ذلك قالت: واوجعاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس هناك وجع "ويصح عود الضمير على ما هو أعم من الحور العين ونساء الدنيا، وهو الأنسب بالأدلة. قوله: (بضم الراء وسكونها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (أي مستويات في السن) أي وهو ثلاث وثلاثون سنة لما في الحديث:" يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً بيضاً مكحولين أبناء ثلاثين أو قال ثلاث وثلاثين، على خالق آدم عليه السلام، ستون ذراعاً في سبعة أذرع ". وروي أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال:" من دخل الجنة من صغير أو كبير يرد إلى ثلاثين سنة في الجنة، لا يزاد عليها أبداً، وكذلك أهل النار ". قوله: (صلة أنشأناهن) أي متعلقة به، والمعنى أنشأناهن لأجل أصحاب اليمين، ويصح تعلقها بأتراباً، والمعنى جعلناهن أتراباً، أي مساويات لأصحاب اليمين في الطول والعرض والجمال، فلا تتخير امرأة عن رجل في الجنة. قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ خبر لمحذوف قدره بقوله: (وهم) واختلف في المراد بالأولين والآخرين، فقيل: أوائل هذه الأمة كالصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وأواخرهم من يأتي بعدهم إلى يوم القيامة، وقيل: المراد بالأولين الأمم السابقة، وبالآخرين هذه الأمة، فالخلاف هنا نظير ما تقدم، وقال فيما سبق﴿ وَقَلِيلٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾[الواقعة: ١٤] وقال هنا ﴿ وَثُلَّةٌ مِّنَ ٱلآخِرِينَ ﴾ لأن ما تقدم في ذكر السابقين، وهم في الآخرة قليل، وهنا في أصحاب اليمين، وهم كثيرون في الأولين والآخرين.
قوله: ﴿ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ ﴾ الخ، شروع في ذكر بعض صفات أصحاب المشأمة المتقدم ذكرهم. قوله: ﴿ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ ﴾ خبر أول وأبهمه لعظمه، وقوله: ﴿ فِي سَمُومٍ ﴾ خبر ثان. قوله: (تنفذ في المسام) أي تدخل في أعماق أبدانهم. قوله: ﴿ وَحَمِيمٍ ﴾ أي يطلبونه عند اشتعال السموم في أبدانهم فيزيد عطشهم، فيسقون من ماء الحميم، فتتقطع عند ذلك أمعاؤهم. قوله: ﴿ مِّن يَحْمُومٍ ﴾ صفة أولى لظل، وقوله: ﴿ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ صفة ثانية وثالثة له. قوله: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ ﴾ الخ، تعليل لاستحقاقهم تلك العقوبة، ولم يذكر في أصحاب اليمين سبب استحقاقهم الثواب، إشارةإلى أن الثواب حاصل من فضله تعالى لا وجوب عليه، فعدم ذكر سببه لا يوهم نقصاً، وأما العقاب فمن عدله تعالى، فلو لم يذكر سببه لربما توهم الجور في حقه تعالى. قوله: (لا يتعبون في الطاعة) أي تركوا الطاعات اشتغلوا بالملاذ المحرمة، وأما فعل الطاعات مع التنعم بالملاذ الحلال فلا ضرر فيه، قال تعالى:﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ﴾[الأعراف: ٣٢] الآية. قوله: (وإدخال ألف بينهما على الوجهين) المناسب أن يقول: وتركه ليكون منبهاً على أربع قراءات وكلها سبعية، وهي التحقيق والتسهيل مع الألف ودونها. قوله: (وهو في ذلك) أي الاستفهام في هذا الموضع وهو قوله: ﴿ أَوَ آبَآؤُنَا ﴾ وقوله: (وفيما قبله) أي وهو قوله: ﴿ أَإِذَا مِتْنَا ﴾ ﴿ أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾.
قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (والمعطوف عليه) أي على كل من القراءتين.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ الخ، رد لإنكارهم واستبعادهم. قوله: (لوقت) ﴿ يَوْمٍ ﴾ أي فيه وضمن الجمع معنى السوق فعداه بإلى، وإلا فمقتضى الظاهر تعديته بفي. قوله: ﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ ﴾ عطف على ﴿ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ والخطاب لأهل مكة وأضرابهم. قوله: ﴿ مِّن زَقُّومٍ ﴾ هو أخبث الشجر ينبت في الدنيا بتهامة، وفي الآخرة في الجحيم. قوله: (بيان للشجر) أي فمن بيانية، وأما من الأولى فهي لابتداء الغاية أو زائدة. قوله: (من الشجر) أي وإنما أعاد الضمير عليه مؤنثاً، لكون الشجر اسم جنس، يجوز تذكيره وتأنيثه. قوله: ﴿ فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ ﴾ تفسير للشرب الأول، وفي الآية تنبيه على كثرة شربهم من الحميم، وأنه لا ينفعهم، بل يزدادون به عذاباً. قوله: (بفتح الشين وضمها) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (جمع هيمان) الخ، هذا سبق قلم، والصواب أن يقول جمع أهيم وهيماء، لأن هيم أصله هيم بضم الهاء بوزن حمر، قلبت الضمة سكرة لتصح الياء، وحمر جمع الأحمر وحمراء، والمعنى: يكونون في شرابهم الحميم كالجمل أو الناقة التي أصابها الهيام، وهو داء معطش تشرب منه الإبل إلا أن تموت أو تمرض مرضاً شديداً. قوله: ﴿ هَـٰذَا نُزُلُهُمْ ﴾ أي ما ذكر من مأكولهم ومشروبهم، والنزل في الأصل ما يهيأ للضيف أول قدومه من التحف والكرامة، فتسميته نزل تهكم بهم، قوله: (بالبعث) أي الإحياء بعد الموت. قوله: ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ مَّا تُمْنُونَ ﴾ الخ، احتجاجات على الكافرين المنكرين للبعث، والمعنى أخبروني، فمفعولها الأول ﴿ مَّا تُمْنُونَ ﴾ والثاني الجملة الاستفهامية. قوله: ﴿ مَّا تُمْنُونَ ﴾ بضم التاء في قراءة العامة من أمنى يمني، وقرئ شذوذاً بفتحها من منى يمنى بمعنى صب، والمعنى أخبروني الماء الذي تقذفونه وتصبونه في الرحم ﴿ ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾ الخ. قوله: (بتحقيق الهمزتين) في كلامه تنبيه على أربع قراءات سبعيات، مع أنها خمس، وذلك لأن التحقيق، إما مع إدخال ألف بينهما ممدودة مداً طبيعياً، أو بدونها والتسهيل كذلك، وإبدال الثانية ألفاً ممدودة مداً لازماً، وقوله: (في المواضع الأربعة) أي هذا وقوله بعد﴿ ءَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ ﴾[الواقعة: ٦٤]﴿ ءَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ ٱلْمُزْنِ ﴾[الواقعة: ٦٩]﴿ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ ﴾[الواقعة: ٧٢].
قوله: ﴿ أَم نَحْنُ ٱلْخَالِقُونَ ﴾ يحتمل أن ﴿ أَم ﴾ منقطعة لأن ما بعدها جملة، والمتصلة إنما تعطف المفردات، وحينئذ فيكون اللام مشتملاً على استفهامين: الأول ﴿ ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾ وهو إنكاري وجوابه لا؛ والثاني مأخوذ من ﴿ أَم ﴾ إن قدرت ببل والهمزة، أو بالهمزة وحدها، ويكون تقريرياً، ويحتمل أن تكون متصلة، وذلك لأنها عطفت المفرد وهو ﴿ نَحْنُ ﴾ والإتيان بالخبر زيادة تأكيد. قوله: ﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ ٱلْمَوْتَ ﴾ أي حكمنا به وقضيناه على كل مخلوق، فلا يستطيع أحد تغيير ما قدرنا. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَـٰلَكُمْ ﴾ يصح تعلقه بمسبوقين، أي لم يعجزنا أحد على تبديلنا أمثالكم أو يقدرنا، والمعنى: قدرنا بينكم الموت، على أن نميت طائفة ونجعل مكانها أخرى.
﴿ أَمْثَـٰلَكُمْ ﴾ إما جمع مثل بكسر فسكون. والمعنى: نحن قادرون على أن نعدمكم ونخلق قوماً آخرين أمثالكم، أو جمع مثل بفتحتين بمعنى الصفة. والمعنى: نحن قادرون على أن نغير صفاتكم، وننشئكم في صفات أخرى غيرها. قوله: ﴿ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ﴿ مَا ﴾ موصولة، وحينئذٍ فتكتب مفصولة من حرف الجر. والمعنى: نخلقكم في صور لا علم لكم بها.
قوله: ﴿ ٱلنَّشْأَةَ ٱلأُولَىٰ ﴾ أي الترابية لأبيكم آدم، واللحمية لأمكم حواء، والنطفية لكم، ولا شك أن كلاً منها تحويل من شيء إلى غيره. قوله: (وفي قراءة) أي وهي سبعية أيضا. قوله: (تثيرون الأرض) الخ، إنما فسر الحرث بمجموع الأمرين مراعاة لمعناه اللغوي، ولأن الشأن أن البذر يكون معه إثارة أرض، والمناسب هنا تفسيره بالبذر، والمعنى: أفرأيتم البذر الذي تلقونه في الطين أأنتم تنبتونه الخ. قوله: (نباتاً يابساً لا حب فيه) أي وقيل هشيماً لا ينتفع به في مطعم آدمي ولا غيره. قوله: ﴿ تَفَكَّهُونَ ﴾ هو في الأصل من التفكه، وهو إلقاء الفاكهة من اليد، وهو لا يكون من الشخص إلا عند إصابة الأمر المكروه، فقول: (تعجبون) أي من غرابة ما نزل بكم تفسير باللازم. قوله: (وتقولون) ﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ مقول لقول محذوف حال تقديره ﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ قائلين ﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ أي لملزمون غرامة ما أنفقنا، أو مهلكون بسبب هلاك رزقنا. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُزْنِ ﴾ هو بالضم السحاب مطلقاً كما قال المفسر، أو المراد به أبيضه، أو المحتوي على الماء. قوله: ﴿ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً ﴾ حذفت اللام هنا لعدم الاحتياج إلى التأكيد، إذ لا يتوهم ملك السحاب وما فيه من الماء، بخلاف الزرع والأرض، ففي ذلك شائبة ملك، فأتى في جانبه بالمؤكد وهو اللام. قوله: (لا يمكن شربه) أي والانتفاع الزرع به. قوله: ﴿ ٱلَّتِي تُورُونَ ﴾ من أوريت الزند، قدحته لتستخرج ناره، وأصله توريون استثقلت الضمة على الياء فحذفت فالتقى ساكنان، حذفت الياء لالتقائهما وقلبت الكسرة ضمة لمناسبة الواو. قوله: (من الشجر الأخضر) أي أو من غيره، وإنما اقتصر على الشجر الأخضر، لكونه أعظم وأبهر في الدلالة على عظمة الله وباهر قدرته. قوله: (كالمرخ والعفار) تقدم الكلام على ذلك في سورة يس، وأما (الكلخ) فهو معروف في بعض بلاد المغرب والشام، يؤخذ منه قطعتان وتضرب إحداهما فتخرج النار، وعن ابن عباس أنه قال: ما من شجرة ولا عود إلا وفيه النار سوى العناب. قوله (المسافرين) أي وخصوا بالذكر، لأن منفعتهم بها أكثر من المقيمين، فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب السباع، ويتهدي الضال، ونحو ذلك من المنافع. قله: (من أقوى القوم) أشار بذلك إلى المراد بالمقوين المسافرون، وأنه مأخوذ من أقوى القوم إذا صاروا بالقوى، وهي الأرض الخالية من السكان، وقيل: المراد بهم ما هو أعم، لأن المقوي من الأضداد، يقال للفقير مقو لخلوه من المال، وللغني لقوته على ما يريد، والمعنى: جعلناها متاعاً ومنفعة للأغنياء والفقراء المسافرين والحاضرين، فلا غنى لأحد عنها. قوله: (بالقصر والمد) أي مع كسر القاف فيهما. قوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ﴾ مفرع على ما تقدم، والمعنى: ادع الخلق إلى توحيده وطاعته، ووضح لهم الأمر بما تقدم، فإن لم يهتدوا فارجع إلى ربك وسبحه ولا تلتفت لغيره، والمراد نزهه عما لا يليق به، سواء كان بخصوص سبحان الله، أو بغيره من بقية الأذكار. قوله:(زائد) أي لفظ اسم زائد، والمعنى: سبح ربك وسبح يتعدى بنفسه وبالياء، وما مشى عليه المفسر، من زيادة لفظ أسم أحد قولين، والآخر أنه ليس زائداً، بل كما يجب تعظيم الذات وتنزيهها عن النقائض، كذلك يجب تعظيم الاسم وتنزيهه عن النقائض، ولذا قال الفقهاء: من وجد اسم الله تعالى مكتوباً في ورقة موضوعاً في قذر وتركه فقد كفر، وذلك لأن التهاون بأسماء الله كالتهاون بذاته، لأن الاسم دال على المسمى، وهذا هو الأتم.- فائدة - أثبتوا في الخط ألف اسن هنا، وحذفوها من البسملة لكثرة دوران البسملة، في الكلام دون ما هنا.
قوله: (لا زائدة) أي للتأكيد لأن المقصود القسم، وهذا أحد أقوال فيها، وقيل: هي لام الابتداء؛ دخلت على مبتدإ محذوف تقديره أنا أقسم، حذف المبتدأ فاتصلت بخبره، وقيل: هي نافية ومنفيها محذوف تقديره فلا يصح قول المشركين فيك وفي قرآنك، وقوله: ﴿ أُقْسِمُ ﴾ الخ، جملة مستأنفة تسلية له صلى الله عليه وسلم. قوله: (بمساقطها لغروبها) هذا قول قتادة، وقيل هو منازلها، وقيل المراد بمواقع النجوم، نزول القرآن نجوماً، فإن الله تعالى أنزله من اللوح المحفوظ، من السماء العليا إلى السفرة، الكتابين جملة واحدة، فنجمه السفرة على جبريل وهو على محمد في عشرين سنة. قوله: ﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ هذه الجملة معترضة بين القسم وجوابه في أثنائها، جملة معترضة بين الصفة والموصوف وهي قوله: ﴿ لَّوْ تَعْلَمُونَ ﴾ وليس هذا من باب الاعتراض بأكثر من جملة، لأن الجملتين في حكم جملة واحدة. قوله: (أي لو كنتم) الخ، أشار بذلك إلى جوب ﴿ لَّوْ ﴾ محذوف، إلى أن الفعل منزل منزلة اللام. قوله: (لعلمتم عظم هذا القسم) أي لما فيه من الدلالة على عظيم المقدرة وكمال الحكمة، ولأن آخر الليل الذي هو وقت تساقط النجوم محل الرحمات والعطايا الربانية، قال تعالى:﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ ﴾[ق: ٤٠].
قوله: ﴿ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ﴾ أي كثير النفع، وصف بالكرم لاشتماله على خير الدين والدنيا والآخرة، ففيه مزيد البيان والنور والاهتداء، فكل عالم يطلب أصل علمه منه من معقول ومنقول. قوله: (مصون) أي من التغيير والتبديل، فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾[الحجر: ٩].
قوله: (وهو المصحف) أي وقيل هو اللوح المحفوظ، وعليه فمعنى ﴿ لاَّ يَمَسُّهُ ﴾ لا يطلع عليه إلا الملائكة المطهرون من الأقذار المعنوية، ولا يكون في الآية دليل لنهي المحدث عن مس المصحف، قوله: (خبر بمعنى النهي) أي فأطلق الخبر وأريد النهي، وإلا فلو أبقي على خبريته، للزم عليه الخلف في خبره تعالى، لأنه كثيراً ما يمس بدون طهارة، والخلف في خبره تعالى محال، وما مشى عليه المفسر أحد وجهين، والآخر أن لا ناهية، والفعل مجزوم بسكون مقدر على آخره، منع ظهوره اشتغال المحل بحركة الإدغام، وإنما حرك بالضم اتباعاً لحركة الهاء. إن قلت: إنه يلزم على هذا الوجه الفصل بين الصفات بجملة أجنبية، فإن قوله: ﴿ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ صفة رابعة لقرآن. وأجيب: بأنه لا يتعين أن يكون صفة لجواز جعله خبر لمبتدأ محذوف أي وهو تنزيل. قوله: (منزل) أشار بذلك إلى أن المصدر بمعنى اسم المفعول.
قوله: ﴿ أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ﴾ الخ؛ الاستفهام توبيخي، والمعنى لا يليق منكم ذلك. قوله: ﴿ مُّدْهِنُونَ ﴾ الإدهان في الأصل، جعل الشيء مدهوناً بالدهن ليلين ويحسن، أطلق وأريد اللين الظاهري الذي هو النفاق، ولذا سميت المداراة والملاينة فيما يغضب الله مداهنة، فالدهن هو الذي ظاهره يخالف باطنه، والمراد هنا الكفر مطلقاً كما أفاده المفسر. قوله: (بسقيا الله) مصدر مضاف لفاعله. قوله: (حيث قلتم مطرنا) الخ، أي وقائل ذلك كافر إن اعتقد تأثير الكواكب في المطر، وعاص إن لم يعتقده. قوله: ﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ﴾ الخ، الظرف متعلق بترجعونها مقدم عليه، وقوله: ﴿ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ ﴾ الخ، جملة حالية من فاعل ﴿ بَلَغَتِ ﴾ وكذا قوله: ﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ ﴾.
قوله: (من البصيرة) أي أو من البصر، والمعنى وأنتم لا تبصرون أعوان ملك الموت، ورد أن ملك الموت له أعوان يقطعون العروق، ويجمعون الروح شيئاً فشيئاً، حتى ينتهوا بها إلى الحلقوم، فيتوفاها ملك الموت. قوله: (مجزيين) أي فمدينين من الدين بمعنى الجزاء؛ وقوله: (غير مبعوثين) تفسير للمراد هنا. قوله: (فلولا الثانية) أي التي في قوله: ﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾.
قوله: (تأكيد) أي لفظي، وقوله: (للأولى) أي التي في قوله: ﴿ لَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ ﴾.
قوله: (المتعلق به الشرطان) أي وهما ﴿ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾.
﴿ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾، ومعنى تعلقهما به، أنه جزاء لكل منهما. قوله: (والمعنى هلا) الخ، أي فهي للطلب، والمعنى ارجعوها. قوله: (أن نفيّتم البعث) هذا هو الشرط الأول؛ وقوله: (صادقين في نفيه) هو الشرط الثاني. قوله: (لينتفي) الخ، علة للجزاء، وقوله: (عن محلها) أي الذي هو الجسد، والمعنى: إن صدقتم في نفي البعث، فردوا روح المحتضر إلى جسده، لينتفي عنه الموت، فينتفي البعث الذي تنكرونه لترتبه على الموت.
قوله: ﴿ فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ الخ، شروع في بيان حال المتوفى بعد الممات، إثر بيان حاله عنده. قوله: ﴿ مِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴾ أي وهم المعبر عنهم فيما سبق بالسابقين. قوله: ﴿ فَرَوْحٌ ﴾ بفتح الراء في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بضمها، ومعناها الرحمة، قوله: (أي فله) أشار بذلك إلى أن روح مبتدأ خبره محذوف. قوله: ﴿ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ ﴾ ترسم هنا بالتاء المجرورة، والوقف عليها إما بالهاء أو التاء، وفي ذكر الجنة عقب الروح والريحان، إشعار بأن محل ذلك يكون للمقربين في البرزخ قبل الجنة، كما هو مشهور في السنة. قوله: (وهل الجواب لأما) أي وجواب ﴿ إِن ﴾ محذوف لدلالة المذكور عليه، وهذا هو الراجح، لأنه عهد حذف جواب ﴿ إِن ﴾ كثيراً. قوله: ﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ ﴾ أي يا صاحب اليمين من أصحاب اليمين، ففيه التفات من الغيبة إلى الخطاب، تعظيماً لصاحب اليمين. قوله: (أي له السلامة) أشار بهذا إلى أن السلام بمعنى السلامة، وهو خلاف ما قلنا، فهما تفسيران. قوله: (من جهة أنه منهم) أشار به إلى أن ﴿ مِنْ ﴾ تعليلية، أي من أجل أنه منهم. قوله: ﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴾ لم يقل وأما إن كان من أصحاب الشمال الخ، تبكيتاً عليهم وإشعاراً بالأفعال التي أوجبت لهم هذا العذاب. قوله: ﴿ فَنُزُلٌ ﴾ مبتدأ خبره محذوف، أي له نزل من حميم، والمعنى أنه يشربه بعد أكل الزقوم، وسمي نزلاً تهكماً بهم. قوله: ﴿ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ ﴾ أي احتراق بها. قوله: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا ﴾ أي ما ذكر من قصة المحتضرين، أو ما ققصناه عليك في هذه السورة. قوله: (تقدم) الذي تقدم في كلامه أن سبح نزه، وأن لفظ اسم زائد، وتقدم لنا القول بعدم زيادته ووجهه وأنه الأولى، والعظيم يصح أن يكون صفة للاسم، وأن يكون صفة لربك، لأن كلاً منهما مجرور، وفي ذكر لفظ التسبيح في آخر هذه السورة، شدة مناسبة من التسابيح، كأن الله تعالى يقول: سبّح باسم ربك، لأنه سبح له ما في السماوات والأرض، والله أعلم بأسرار كتابه.
Icon