آياتها ست وتسعون آية وثلاث ركوعات وهي مكية
ﰡ
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ إذا وقعت الواقعة ١ ﴾ يعني إذا حدثت القيامة سماها واقعة لتحقيق وقوعها متعلق بمحذوف مثل أذكر أو كان كيت وكيت
﴿ ليس لوقعتها ﴾ اللام للتوقيت كما في قوله تعالى :﴿ قدمت لحياتي ﴾ يعني ليس وقت وقوعها ﴿ كاذبة ﴾ من نفس كاذبة تكذب على الله أو تكذب في نفيها كما تكذب الآن، وجاز أن يكون اللام لأجل أي ليس لأجل وقعتها نفس كاذبة فإن من أخبر عنها صدق أو ليس لها نفس تحدث صاحبها بإطاقة شدتها واحتمالها من قولهم كذبت فلانا نفسه في الخطب العظيم إذا أشجعته عليه وسولت أنه يطيقه وجاز أن يكون كاذبة مصدرا كالعافية والنازلة واللاغية قال الله تعالى :﴿ لا تسمع فيها لاغية ﴾ أي لغوا والمعنى ليس لمجيئها كذب يعني أنها تقع صدقا وحقا
﴿ خافضة ﴾ لأعداء الله الذين استكبروا في الدنيا وعتوا عتوا كبيرا ﴿ رافعة ﴾ لأوليائه الذين تواضعوا لله والإسناد المجازي إلى الزمان يعني يوجد فيها خفض بأقوام ورفع آخرين صفتان للواقعة بعد توصيفها لجملة ليس لوقعتها كاذبة على طريقه ولقد أمر على اللئيم
﴿ إذا رجت الأرض رجا ﴾ أي حركت تحريكا شديدا بحيث ينهدم ما فوقها من بناء وجبل والظرف متعلق بخافضة أو بدل من إذا قعت
﴿ وبست الجبال بسا ٥ ﴾ أي سيقت وسيرت من بس الغنم إذا ساقها كذا قال الكلبي والحسن وابن كيسان أو المعنى فتت فتا حتى صارت كالسويق البسوس وهو الملتوت كذا قال عطاء ومقاتل
﴿ فكانت ﴾ الجبال ﴿ هباء ﴾ أي غبارا يرى في شعاع إذا دخل الكوة ﴿ منبثا ﴾ متفرقا
﴿ وكنتم ﴾ يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لأن الخطاب معهم ﴿ أزواجا ﴾ أصنافا كل صنف يكون أو يذكر مع صنف آخر زوج ﴿ ثلاثة ﴾ الجمل الثلاث معطوف على رجت ثم فسر الأصناف الثلاثة فقال فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ٨ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ٩ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ١٠
﴿ فأصحاب الميمنة ﴾ مبتدأ يعني الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وقال ابن عباس هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه وقال الله لهم هؤلاء في الجنة ولا أبالي وقال الضحاك هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم فالميمنة على هذه الأقوال من اليمين ضد اليسار وقال الربيع والحسن هم الذين كانا ميامين مباركين على أنفسهم وكانت أعمارهم في طاعة الله فاليمين على هذا من اليمن ضد الشؤم ﴿ ما أصحاب الميمنة ﴾ استفهام للتعجي من عظمة شأنهم عند الله وكمال يمنهم مبتدأ وخبر والجملة خبر لما قبله العائد المظهر موضع الضمير يعني ما هم
﴿ وأصحاب المشأمة ﴾ يعني أصحاب الشمال والعرب يسمي اليد اليسرى الشؤمى ومنه يسمى الشام واليمن لأن اليمن عن يمين الكعبة والشام عن يساره وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار أو كانوا على شمال آدم عند إخراج ذرية وقال الله تعالى لهم هؤلاء للنار ولا أبالي أو الذين يعطون كتبهم بشمائلها أو الشائم على أنفسهم وكانت أعمارهم في المعاصي على اختلاف الأوقات ﴿ ما أصحاب المشأمة ﴾ نحو ما ذكر
﴿ والسابقون السابقون ﴾ إلى الإسلام والطاعة ومراتب القرب إلى الله تعالى وهم الأنبياء عليهم السلام فإنهم مقدموا أهل الأديان إلى الإيمان والطاعات والأمم تبع لهم ومن لحقهم من الأمم بكمال متابعتهم واكتسابهم كمالات النبوة بالتبعية والوراثة وتشرفهم بالتجليات الذاتية الصرفة الداعية وهم الصحابة رضي الله عنه وبعض التابعين لهم بإحسان ومن ثم قال ابن عباس السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة وقال عكرمة قال السابقون الأولين إلى الإسلام يعني الصحابة وقال ابن سيرين هم الذين صلوا إلى قبلتين من المهاجرين الأنصار وقال الربيع ابن أنس السابقون إلى إجابة الرسول في الدنيا هم السابقون إلى الجنة وقال علي كرم الله وجهه السابقون إلى الصلوات الخمس فإن مآل الأقوال كلها أنهم هم الصحابة قال علي رضي الله عنه سبقتكم إلى الإسلام طرا غلاما ما بلغت أوان حلمي قال المجدد الصحابة رضي الله عنه كلهم كانوا مستغرقين في كمالات النبوة ومن التابعين أكثرهم ومن أتباع التابعين أقلهم ثم انطمس أنوار النبوة واختفى أثارها وظهر كمالات الولاية واستعلى أنوارها السكر والشطح وكثرة الخوارق المستفادة من التجليات الصفاتية والظلية حتى إذا مضى بعد الهجرة ألف سنة تدراك رحمة الله الواسعة أفاض كمالات النبوة بمقتضى طينة النبي صلى الله عليه وسلم على بعض أتباعه حتى اشتبه آخر الأمة بأولها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( مثل أمتي كمثل المطر لا يدري أوله أم آخره ) رواه الترمذي عن أنس وروى رزين عن جعفر ابن محمد الصادق عن أبيه الباقر عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أبشروا إنما مثل أمتي الغيث لا يدري خير أم أوله أو كحديقة أطعم منها فوج عاما ثم أطعم منها فوج عاما لعل آخرها فوجا أن يكون أعرضها عرضا وأعمقها عمقا وأحسنها حسنا ) عن الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( خير أمتي أولها وآخرها وفي أوسطها الكدر ) رواه الحكيم الترمذي. السابقون خبر لما تقدم اللام فيما تقدم للجنس وهاهنا للعهد الذهني كما يقال صديقي زيد والمعنى السابقون هم الذين عرفت حالهم وكمالهم وما لهم كقول الشاعر أنا أبو النجم وشعري شعري، أو المعنى هم السابقون إلى الجنة
﴿ أولئك المقربون ﴾ إلى الله تعالى جملة مستأنفة في جواب ما شأنهم وجاز أن يكون السابقون الأول كمبتدأ والسابقون الثاني تأكيد له وهذه الجملة خبر
﴿ في جنات النعيم ﴾ متعلق بقوله المقربون وجاز أن يكون ظرفا مستقرا خبر لأولئك أو خبر بعد خبر لقوله السابقون
﴿ ثلة ﴾ خبر مبتدأ محذوف هم ثلة أي كثير ﴿ من الأولين ﴾ يعني من الصدر الأول من هذه الأمة وهم القرون الثلاثة الصحابة والتابعين وأتباعهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ( خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم إن بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ويخونون ولا يأتمنون وينذرون ولا يفون ويظهر فيهم السمن متفق عليه من حديث عمران ابن حصين وكذا روى مسلم عن أبي هريرة وكذا روى النسائي عن عمر رضي الله عنه وعن الترمذي والحاكم عن عمران بلفظ ( خير الناس قرني ) الحديث وفي الصحيحين عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ ( خير الناس ) وروى مسلم نحره عن عائشة والطبراني والحاكم عن جعدة ابن هبيرة في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ( لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ أحدهم ولا نصيفه )
﴿ وقليل من الآخرين ١٤ ﴾ وهم أربابا كمال النبوة وجدوا بعد ألف سمنة كما ذكرنا من قبل وقال أكثر المفسرين ثلة من الأولين يعني من الأمم الماضية من لدن آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وقليل الآخرين يعني من أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال الزجاج الذين عاينوا جميع النبيين من لدن آدم وصدقوهم أكثر ممن عاينوا النبي صلى الله عليه وسلم قلت : وهذا التأويل بعيد جدا لاستلزامه كون الأمم السابقة أقرب إلى الله تعالى وأفضل من هذه الأمة فإن فضل الأمة بكثرة الأفاضل وهذا لآيتان قوله تعالى :﴿ كنتم خير أمة أخرجت للناس ﴾ وقوله تعالى :﴿ لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ﴾ وقوله عليه الصلاة والسلام ( أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ) رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده قال الترمذي حديث حسن وروى أحمد والبزار والطبراني بسند صحيح عن جابر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إني لأرجو أن يكون من تبعني ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال أرجو أن يكون ثلث الناس فكبرنا ثم قال أرجو أن يكون الشطر ) وروى البخاري عن ابن مسعود مرفوعا :( أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة ؟ قلنا نعم قال والذي نفسي بيده إني لأرجوا أن تكونوا نصف أهل الجنة ) وروى الترمذي وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أهل الجنة عشرون مائة صفا ثمانون منها من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم ) وأخرج الطبراني من حديث أبي موسى وابن عباس ومعاوية ابن حيدة وابن مسعود نحوه
﴿ على سرر موضونة ﴾ خبر آخر للضمير المحذوف والوضن نسج الدرع ويستعار لكل نسج محكم، أخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي من طريق مجاهد عن ابن عباس في هذه الآية قال موضونة بالذهب قال المفسرون وهي موصولة منسوجة بالذهب والجواهر، وقال الضحاك موضونة مصفوفة،
﴿ متكئين عليها متقابلين١٦ ﴾ حالان من الضمير في على أخرج هناد عن مجاهد في قوله متقابلين لا يرى بعضهم قفا بعض، وكذا قال البغوي وصفهم الله سبحانه بحسن العشيرة وتهذيب الأخلاق وصفاء المودة،
﴿ يطوف عليهم ولدان ﴾ للخدمة قيل غلمان ممن ينشأ للخدمة الجملة حال آخر من الضمير ﴿ مخلدون ﴾ أي لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون يبقون أبدا على شكل الولدان قال الفراء يقول العرب لمن كبر ولمن شمط أنه مخلد وقال ابن كيسان يعني ولدانا لا يحولون من حالة إلى حالة، وقال سعيد ابن جبير مقرطون يقال خلد جارية إذا خلاها بالخلد وهو القرط وقال الحسن هم أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيآت فيعاقبوا عليها فهم خدم أهل الجنة وأخرج ابن المبارك وهناد والبيهقي عن ابن عمر قال إن أدنى أهل الجنة منزلا من يسعى عليه ألف خادم على عمل ليس عليه صاحبه وأخرج ابن أبي الدنيا عن أنس مرفوعا ( إن أسفل أهل الجنة أجمعين من يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم ) وعن أبي هريرة عن أدنى أهل الجنة منزلة وليس فيها أدنى من يغدو ويروح عليه خمس آلاف خادم ليس منهم خادم
إلا ومعه ظرف ليس مع صاحبه
﴿ بأكواب ﴾ الجار والمجرور مع ما عطف عليه متعلق بيطوف والأكواب جمع كوب وهي الأقداح المستديرة الأفواه لا أذن لها ولا عرى كذا أخرج هناد عن مجاهد وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس الأكواب الجرار من الفضة ﴿ وأباريق ﴾ ومن الأقداح ذات الخراطيم سميت أباريق لبروق لونها في الصفاء ﴿ وكأس ﴾ أي قدح فيه شراب وما لا شراب فيه فليس بكأس ﴿ من معين ﴾ خمر جارية من منبع لا ينقطع أبدا }
﴿ لا يصدعون عنها ﴾ أي لا يصدع رؤوسهم من شربها كما يصدع من شرب الخمر الدنيا الجملة مع ما عطف عليه صفة كأس ﴿ ولا ينزفون ﴾ قرأ الكوفيون بكسر الزاء من الفعال والباقون بفتحها في القاموس نزف ذهب عقله أو سكر ومنه لا ينزفون، وفي الصحاح أنزف القوم ينزف ماء بئرهم يعني نزحه كله وأنزف الشيء أبلغ من نزفه فمعنى قراءة الكوفيين لا ينفذ شرابهم ومعنى قراءة غيرهم لا يذهي عقولهم
﴿ وفاكهة ﴾ عطف على كأس ﴿ مما يتخيرون ﴾ أي يختارون ما يشتهون
﴿ ولحم طير ﴾ عطف على فاكهة ﴿ مما يشتهون ﴾ قال البغوي قال ابن عباس يخطر على قلبه لحم الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى أخرج البزار وابن أبي الدنيا والبيهقي عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنك لتنظر إلى الطير في الجنة فتشتهيه فتخر بين يديك مشويا ) وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة ( إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الطير في الجنة فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولا تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير ) وأخرج البيهقي عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة طيرا أمثال البخت قال أبو بكر إنها لناعمة يا رسول الله، قال أنعم منها من يأكلها وأنت ممن يأكلها يا أبا بكر ) وأخرج أحمد والترمذي مثله من حديث أنس وأخرج هناد عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة طير كأمثال البخت يأتي الرجل فيأكل منها ثم يذهب كان لم ينقص منها شيء ) وأخرج هناد وابن أبي الدنيا بسند حسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة لطيرا فيه سبعون ألف ريشا فيجيء فيقع على صحفة الرجل من أهل الجنة ثم ينتفض فيخرج من كل ريشة لون أبيض من الثلج وألين من الزبد وأحلى من العسل ليس فيه لون يشبه صاحبه ثم يطير ويذهب ) وأخرج هناد عن مغيث ابن سمي قال طوبي شجرة في الجنة ليس في الجنة دارا لا يظلهم غصن من أغصانها فيه ألوان الثمرة ويقع عليها طير أمثال البخت فإذا تمنى الرجل طيرا دعاه فيقع على خوانه فيأكل من أحد جانبيه شواء والآخر قديدا ثم يعود طائرا يطير فتذهب
﴿ وحور ﴾ جمع حوراء ﴿ عين ﴾ جمع عيناء قرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي بالجر عطفا على جنات بتقدير مضاف أي هم في جنات ومضاجعة حور عين أو على أكواب لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بأكواب وبحور عين والباقون بالرفع على أنه مبتدأ محذوف الخبر أي فيها حور عين أولهم حور عين كذا قال الأخفش أو معطوف على ولدان أي يطوف عليهم حور عين أخرج مجاهد قال الحور التي يجاور فيه الطرف باد مخ ساقها من وراء ثيابها وأخرج في حور عين قال سواد الحدقة عظم العين، وأخرج البيهقي عن أم سلمة قالت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى ﴿ وحور عين ﴾ قال :( بيض ضخام شعر العيون بمنزلة الحر له جناح النسر ) قالت أخبرني يا رسول الله عن قوله تعالى :﴿ كأمثال اللؤلؤ ﴾
﴿ كأمثال اللؤلؤ ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صفاءهن كصفاء الدر الذي في الأصداف لم تمسه الأيدي وقوله كأمثال اللؤلؤ صفة بعد صفة لحور ﴿ المكنون ﴾ المخزون في الصدف لم تمسه الأيدي ) قال البغوي يروي أنه سطع نور في الجنة قالوا ضوء ثغر حوراء ضحكت في وجه زوجها ويروي أن الحور إذا مشت سمعت تقديس الخلاخيل من ساقها وتجيد الأسورة من ساعديها وإن عقد الياقوت يضحك من نحرها وفي رجليها نعلان من ذهب شراكهما من لؤلؤ يصران بالتسبيح
﴿ جزاء بما كانوا يعملون ﴾ منصوب على المصدرية بفعل محذوف أي يجزون جزاء أو على العلية أي يفعل ذلك بهم جزاء لأعمالهم
﴿ لا يسمعون فيها ﴾ أي في الجنة حال آخر من الضمير في على ﴿ لغوا ﴾ أي باطلا كذا أخرج البيهقي عن ابن عباس وأخرج هناد عن الضحاك أنه قال هزلا ﴿ ولا تأثيما ﴾ أي نسبة إلى الإثم يعني لا يقال لهم أثمتم وسيء ما صنعتم وأخرج البيهقي عن ابن عباس وهناد عن الضحاك أنه الكذب
﴿ إلا ﴾ استثناء منقطع ﴿ قيلا ﴾ أي قولا ﴿ سلاما سلاما ﴾ ذا سلامة منصوبة على البدلية على فشوا السلام بينهم أخرج أحمد والبزار وابن حبان عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( أول من يدخل الجنة من خلق الله فقراء المهاجرين الذين تستر بهم الثغور وتتقى بهم المكاره ويموت وحاجته في صدره لا يستطيع بها قضاء فيقول الله تعالى لمن يشاء من ملائكته أئتوهم فحيوهم فيقول الملائكة نحن سكان سمائك وخيرتك من خلقك فتأمرنا أن نأتي هؤلاء ونسلم عليهم قال إنهم كانوا عبادا يعبدونني ولا يشركون شيئا وتستر بهم الثغور وتقي بهم المكاره ويموت أحدهم وحاجته في صدره ولا يستطيع بها قضاء قال فيأتيهم الملائكة عند ذلك فيدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )
أخرج سعيد ابن منصور في سنته والبيهقي في البعث عن العطاء ومجاهد قال لما سأل أهل الطائف الوادي يحمى لهم عسل ففعل وهو واد معجب فسمعوا الناس يقولون في الجنة كذا وكذا قالوا يا ليت لنا في الجنة مثل هذا الوادي فأنزل الله تعالى :﴿ وأصحاب اليمين ﴾ ما أصحاب اليمين في سدر مخضود الآيات وأخرج البيهقي من وجه آخر عن مجاهد قال قال كانوا يعجبون بوج ظلاله من طلح وسدر فأنزل الله ﴿ وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين، في سدر مخضود، وطلح منضود، وظل ممدود ﴾وأصحاب اليمين هم أصحاب القلوب الصافية والنفوس المطمئنة أولياء الله المتقون ويلحق بهم في الآخرة عصاة المؤمنين إما بعد مغفرة ذنوبهم بفضل الله تعالى وشفاعة الأنبياء والصلحاء وإما بعد تعذيبهم بالنار وتخليصهم من الذنوب يلتحقون بالمتقين الصالحين فإن جهنم يخلص المؤمنين وينفي عنه خبث ذنوبه ورذائله كما ينفي الكبر خبث الحديد ﴿ ما أصحاب اليمين ﴾ أي عظيم شأنهم عند الله الجملة خبر مبتدأ بتأويل يقال في شأنهم ما أصحاب اليمين أو جملة معترضة للتعجب والتفخيم
﴿ في سدر مخضود ﴾ خبر المبتدأ بعد خبر أي مقطوع شوكه أو مثنى أغصانه من كثرة الحمل في القاموس خضد الشجر قطع شوكه ويقال خضد الغصن إذ ثناه وهو رطب أخرج البيهقي عن أبي أمامة قال سأل أعرابي يا رسول الله لقد ذكر الله في القرآن شجرة يؤذي صاحبها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي ؟ قال السدر فإن لها شوكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى :﴿ في سدر مخضود ٢٨ ﴾ ويخضد الله شوكها فيجعل مكان كل شوكة ثمرة إنها تنبث ثمرا ثم تفتق لثمر منها عن اثنين وسبعين لونا من الطعام ما منها لون يشبه الآخر ) وأخرج الطبراني مثله من حديث عتبة ابن عبد وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله تعالى : مخضود قال موفر حملا وطلح منضود الموز المتراكم
﴿ وطلح ﴾ قال الفراء وأبو عبيدة الطلح عند العرب شجر عظام لها شوك وفي القاموس شجر عظام الموز وفي الصحاح شجر الواحد طلحة وفي البيضاوي موز أو أم غيلان قال البغوي روى خالد عن الحسن قال قرأ رجل عند علي رضي الله عنه وطلح منضود قال وما شأن الطلح إنما هو طلع منضود ثم قرأ ( طلعها هضيم ) قلت إنها في المصحف بالحاء أفلا تحولها فقال إن القرآن لا يحاج اليوم ولا يحول ﴿ منضود ﴾ يعني متراكم بثمره بعضها على بعض، أخرج ابن المبارك وهناد البيهقي عن مسروق قال نخل الجنة نضيد من أصلها إلى فرعها وثمرها أمثال القلال كلها ثمرة عادت مكانها آخر والعنقود إثنا عشر ذراعا، وذكر البغوي قول مسروق بلفظ أشجار الجنة من عروقها إلى أفنانها ثمر كله في القاموس نضيد متاعه إن جعل بعضه فوق بعض، وفي الصحاح النضيد السرير الذي ينضد عليه المتاع ومنه أستعير طلح نضيد
﴿ وظل ممدود ٣٠ ﴾ ممتد منبسطة كظل قبل طلوع الشمس من الصبح أو دائم لا ينسخه الشمس والعرب يقول للشيء الذي لا ينقطع ممدودا وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مئة عام لا يقطعها اقرأوا إن شئتم ﴿ وظل ممدود ﴾ وأخرجه أحمد وزاد في آخره ( وإن ورقها ليخمر الجنة ) وأخرج هناد ابن يسري في الزهد وزاد في آخر فبلغ ذلك كعبا فقال والذي أنزل التوراة على موسى والقرآن على محمد لو أن رجلا راكبا على حقه أو جذعة ثم دار بأصل تلك الشجرة ما بلغه حتى يسقط هربا إن الله غرسها بيده وإن أفنانها من وراء سدر الجنة وما الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة قال البغوي وروى عكرمة عن ابن عباس في وقوله تعالى :﴿ وظل ممدود ٣٠ ﴾ قال شجرة في الجنة على ساق العرش يخرج إليها أهل الجنة فيتحدثون في أصلها ويشتهي بعضهم لهو في الدنيا فيرسل الله عز وجل عليها ريحا من الجنة فتتحرك تلك الشجرة لكل لهو في الدنيا
﴿ وماء مسكوب ٣١ ﴾ أي منصب يجري دائما من غير أخدود كأنه لما شبه حال الساقين المقربين في التنعيم بأعلى ما يتصور لأهل المدن تشبه حال أصحاب اليمين أكمل ما يتمناه أهل البوادي إشعارا بالتفاوت بين الحالين
﴿ وفاكهة كثيرة ٣٢ ﴾ الأجناس
﴿ لا مقطوعة ولا ممنوعة ٣٣ ﴾ قال البغوي قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد أراد أخذها ويؤيده حديث ثوبان أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( لا ينزع رجل من أهل الجنة من ثمرها إلا أعيد مكانها مثلها ) رواه البزار والطبراني وذكر البغوي الحديث بلفظه ( ما قطعت من ثمار الجنة إلا أبدل الله مكانها ضعفين ) وقال بعضهم لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما ينقطع أكثر ثمار الدنيا إذا جاء الشتاء ويتوصل إليها إلا بثمن
﴿ وفرش مرفوعة ٣٤ ﴾ قال البغوي قال علي رضي الله عنه وفرش مرفوعة على أسرة وقال جماعة المفسرين مرفوعة وعالية، أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه والبيهقي وابن أبي الدنيا عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآية قال :( ما بين الفراشين كما بين السماء والأرض ) ولفظ الترمذي ( ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمس مائة عام ) وذكر البغوي نحوه عن أبي هريرة وقال الترمذي قال بعض أهل العلم في تفسيره معناه أن تفاوت الفراشين في الدرجات كما بين السماء والأرض وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة في هذه الآية قال لو أن أعلاها سقط ما بلغ أسفلها أربعين خريفا وأخرج الطبراني عنه مرفوعا ( لو طرح منها فراش من أعلاها لهوى إلا قرارها كمائة خريف ) وقيل أراد بالفرش والنساء والعرب تسمي المرأة فراشا ولباسا على الاستعارة مرفوعة رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا أو ارتفاعهن على الأرائك يدل عليه قوله تعالى في عقبه ﴿ إنا أنشأنهن إنشاء ﴾
﴿ إنا أنشأنهن ﴾ الضمير عائد إلى الفرش إن المراد به النساء وإلا فإلى غير مذكور للسامع ﴿ إنشاء ﴾ يعني خلقناهن جديدا إما ابتداء من غير ولادة وإما إعادة قال البغوي قال ابن عباس يعني الآدميات العجوز الشمط يقول خلقناهن بعد الهرم خلقا آخر
﴿ فجعلناهن أبكارا ﴾ عذارى كلما آتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى ولا وجع، وأخرج سعيد ابن منصور والبيهقي عن الشعبي وأخرج الترمذي والبيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ( إنا أنشأناهن إنشاء ) قال عجائزكن في الدنيا عمشا رمصا ) وأخرج ابن جرير والبيهقي عن سلمة ابن يزيد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :( إنا أنشأناهن إنشاء قال الشيب والأبكار التي كن في الدنيا أخرج البيهقي وابن المنذر عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا يدخل الجنة عجوز فبكت عجوز فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبروها أنها ليست يومئذ بعجوز إنها يومئذ شابة إن شاء الله تعالى إن الله تعالى يقول إن أنشأنهن إنشاء ) وأخرج البيهقي عن عائشة قالت دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي وعندي عجوز فقال من هذه قلت إحدى خالاتي قال أما أنه لا تدخل الجنة عجوز فدخل العجوز من ذلك ما شاء الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى إنا أنشأنهن خلقا آخر، وروى الطبراني في الأسط من وجه آخر عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أتته عجوز فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال :( إن الجنة لا يدخلها عجوز فذهب فصلى ثم رجع فقالت عائشة لقد لقيت كلمتك مشقة وشدة فقال عن ذلك كذلك عن شاء الله إذا أراد إدخالهن حولهن أبكارا، وقال مقاتل وغيرهن الحور العين أنشأهن الله لم يقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكارا عذارى وليس وجع هناك
﴿ عربا ﴾ قرأ حمزة وإسماعيل عن نافع وأبو بكر بإسكان الراء والباقون بضمها وهي جمع عروب أي عواشق لأزواجهن متحببات إليهم أخرج ابن أبي حاتم عن جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عربا قال كلامهن عربي ﴿ أترابا ﴾ مستويات في السن في حديث أم سلمة عند البيهقي قالت قلت يا رسول الله عربا قال أترابا قال : هن اللواتي قبضهن الله عجائز في الدنيا رمصاء شمطاء خلقهن الله بعد الكبر فجعلن عذارى قال عربا معشقا محببات أترابا على ميلاد واحد فإن كلهن بنات ثلاث وثلاثين وكذا أزواجهن وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا بيضا جعدا أبناء ثلاث وثلاثين وهم على خلق آدم طوله ستون ذراعا في عرضه سبعة أذرع ) رواه أحمد والطبراني في الأوسط وابن أبي الدنيا والبغوي بسند حسن وعن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من مات من أهل الدنيا من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين سنة في الجنة لا يزيدون أبدا وكذلك أهل النار ) رواه الترمذي وأبو يعلى وابن أبي الدنيا وعن معاذ ابن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( يدخل الجنة الجنة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين سنة ) وعن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( يدخل أهل الجنة الجنة على طول أدم ستون ذراعا بذراع الملك وعلى حسن يوسف وعلى ميلاد عيسى وثلاث وثلاثين سنة على لسان محمد جردا مردا مكحلين ) رواه الطبراني في الأوسط بسند جيد، وعن المقداد ابن الأسود مرفوعا ( محشر الناس ما بين السقط وبين الشيخ الفاني أبناء ثلاث وثلاثين وخلق آدم وحسن يوسف وقلب أيوب وذي أفانين ) رواه الطبراني
﴿ لأصحاب اليمين ﴾ متعلق بأنشأنا أو جعلنا أو صفة لأبكار أو خبر لمحذوف أعني هن
﴿ ثلة من الأولين ١٣ ﴾ وثلة من الآخرين } خبر محذوف أي هم كثيرون من الأولين من هذه الأمة وكثيرون من الآخرين منهم كذا قال أبو العالية ومجاهد وعطاء ابن أبي رباح والضحاك روى البغوي بسنده عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هما جميعا من أمتي ) وأخرج مسدد في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال هما جميعا من أمتي لكن قال الدارقطني في علله هذا حديث أبي بكرة لم يثبت فمقتضى هذه الآية على هذا التأويل أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لن يخلو عن أصحاب اليمين كما روى الشيخان في الصحيحين عن معاوية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) متفق عليه فإن قيل يعارضه ما روى البغوي بسنده عروة ابن رويم مرسلا قال لما أنزل الله على رسوله ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) بكى عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله آمنا بالله وبرسوله وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أنزل الله فيما قلت فقال عمر رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من آدم إلينا ثلة ومني إلى القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل من قال لا إلاه إلا الله ) وكذا أخرج ابن أبي حاتم عنه مرسلا وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق عروة ابن رويم عن جابر ابن عبد الله وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال لما نزلت ﴿ ثلة من الأولين ١٣ وقليل من الآخرين ١٤ ﴾ ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ شق ذلك على المؤمنين فنزلت ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ فإن مقتضى هذا الحديث أن الثلة من الأولين من آدم عليه السلام إلى محمد وقلت لا وجه للحمل على التعارض بين الحديثين فإن قوله عليه الصلاة والسلام ( من آدم إلينا ثلة ومني إلى القيامة ثلة ) لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام ( هما جميعا من أمتي ) فإنه يمكن أن يقال : إن الثلة التي من محمد صلى الله عليه وسلم إلى القيامة ينقسم إلى الثلتين من أولاهم وثلة من أخراهم والمراد بالآية كلا الثلتين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن قيل لو كان ثلة من الأولين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فما وجه لبكاء عمر بعد نزول قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ ولما شق ذلك من المسلمين قلت وجه بكائه ( رضي الله عنه ) الترحم على آخر هذه الأمة وزعم أن الناجي من أخرى هذه الأمة قليل ولذلك سلي بنزول قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ يعني على المقربين في هذه الأمة وإن كانوا قليلا لكن أصحاب اليمين منهم كثير وكلا وعد الله الحسنى وليس قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ ناسخا لقوله تعالى ﴿ ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ﴾ كما يدل عليه ظاهر الحديث فإن الأخبار لا يحتمل النسخ ولأن النسخ لا بد له من اتحاد المحل والآية الأولى في المقربين من أصناف الثلاثة والثانية في أصحاب اليمين فكيف يقال بالنسخ ويمكن أن يقال ثلة من الأولين يشتمل أصحاب لجميع الأنبياء وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن لحقهم من التابعين فإنهم السابقون إلى الإسلام الأولون فيه ممن بعدهم الذين يعتقون آثارهم في اتباع الأنبياء يؤيده قوله تعالى :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ﴾ والآخرون هم المتأخر وهذه الأمة عند قرب الساعة فالمقربون منهم قليل، وأما أصحاب اليمين فكثير منهم وكذا من غيرهم كما ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) وقوله عليه السلام ( ثمانون صفا من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم ) روى البخاري عن ابن عباس قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه رجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال عليه السلام هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فتقدم عكاشة ابن محصن فقال أمنهم أنا يا رسول الله قال نعم فقام آخر فقال أمنهم أنا ؟ قال سبقك بها عكاشة ) قال البغوي وروي عن عبد الله ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرضت عليه الأنبياء الليلة بأتباعها حتى أتى علي موسى في كبكة بني إسرائيل رأيتهم أعجبوني فقلت أي من هؤلاء قيل : هذا أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل قلت ربي فأين أمتي ؟ قيل إنها عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقال ربي رضيت فقيل انظر عن يسارك فإذا أفق قد رصد وجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقلت ربي رضيت رضيت فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وإن عجزتم وقصرتم فتكونوا من أهل الظراب فإن أعجزتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ثمة أناسا يتهاشون كثيرا }.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:﴿ ثلة من الأولين ١٣ ﴾ وثلة من الآخرين } خبر محذوف أي هم كثيرون من الأولين من هذه الأمة وكثيرون من الآخرين منهم كذا قال أبو العالية ومجاهد وعطاء ابن أبي رباح والضحاك روى البغوي بسنده عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس في هذه الآية ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( هما جميعا من أمتي ) وأخرج مسدد في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ( ثلة من الأولين وثلة من الآخرين قال هما جميعا من أمتي لكن قال الدارقطني في علله هذا حديث أبي بكرة لم يثبت فمقتضى هذه الآية على هذا التأويل أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم لن يخلو عن أصحاب اليمين كما روى الشيخان في الصحيحين عن معاوية قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك ) متفق عليه فإن قيل يعارضه ما روى البغوي بسنده عروة ابن رويم مرسلا قال لما أنزل الله على رسوله ( ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ) بكى عمر رضي الله عنه فقال يا رسول الله آمنا بالله وبرسوله وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قد أنزل الله فيما قلت فقال عمر رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من آدم إلينا ثلة ومني إلى القيامة ثلة ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل من قال لا إلاه إلا الله ) وكذا أخرج ابن أبي حاتم عنه مرسلا وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق من طريق عروة ابن رويم عن جابر ابن عبد الله وأخرج أحمد وابن المنذر وابن أبي حاتم بسند فيه من لا يعرف عن أبي هريرة قال لما نزلت ﴿ ثلة من الأولين ١٣ وقليل من الآخرين ١٤ ﴾ ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ شق ذلك على المؤمنين فنزلت ﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ فإن مقتضى هذا الحديث أن الثلة من الأولين من آدم عليه السلام إلى محمد وقلت لا وجه للحمل على التعارض بين الحديثين فإن قوله عليه الصلاة والسلام ( من آدم إلينا ثلة ومني إلى القيامة ثلة ) لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام ( هما جميعا من أمتي ) فإنه يمكن أن يقال : إن الثلة التي من محمد صلى الله عليه وسلم إلى القيامة ينقسم إلى الثلتين من أولاهم وثلة من أخراهم والمراد بالآية كلا الثلتين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإن قيل لو كان ثلة من الأولين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فما وجه لبكاء عمر بعد نزول قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ ولما شق ذلك من المسلمين قلت وجه بكائه ( رضي الله عنه ) الترحم على آخر هذه الأمة وزعم أن الناجي من أخرى هذه الأمة قليل ولذلك سلي بنزول قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ يعني على المقربين في هذه الأمة وإن كانوا قليلا لكن أصحاب اليمين منهم كثير وكلا وعد الله الحسنى وليس قوله تعالى :﴿ ثلة من الأولين ٣٩ وثلة من الآخرين ﴾ ناسخا لقوله تعالى ﴿ ثلة من الأولين وقليل من الآخرين ﴾ كما يدل عليه ظاهر الحديث فإن الأخبار لا يحتمل النسخ ولأن النسخ لا بد له من اتحاد المحل والآية الأولى في المقربين من أصناف الثلاثة والثانية في أصحاب اليمين فكيف يقال بالنسخ ويمكن أن يقال ثلة من الأولين يشتمل أصحاب لجميع الأنبياء وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن لحقهم من التابعين فإنهم السابقون إلى الإسلام الأولون فيه ممن بعدهم الذين يعتقون آثارهم في اتباع الأنبياء يؤيده قوله تعالى :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ﴾ والآخرون هم المتأخر وهذه الأمة عند قرب الساعة فالمقربون منهم قليل، وأما أصحاب اليمين فكثير منهم وكذا من غيرهم كما ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة ) وقوله عليه السلام ( ثمانون صفا من هذه الأمة وأربعون من سائر الأمم ) روى البخاري عن ابن عباس قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فقال عرضت علي الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل والنبي معه رجلان والنبي معه الرهط والنبي ليس معه أحد ورأيت سوادا كثيرا سد الأفق فقيل هؤلاء أمتك ومع هؤلاء سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب فقال عليه السلام هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون فتقدم عكاشة ابن محصن فقال أمنهم أنا يا رسول الله قال نعم فقام آخر فقال أمنهم أنا ؟ قال سبقك بها عكاشة ) قال البغوي وروي عن عبد الله ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عرضت عليه الأنبياء الليلة بأتباعها حتى أتى علي موسى في كبكة بني إسرائيل رأيتهم أعجبوني فقلت أي من هؤلاء قيل : هذا أخوك موسى ومن معه من بني إسرائيل قلت ربي فأين أمتي ؟ قيل إنها عن يمينك فإذا ظراب مكة قد سدت بوجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقال ربي رضيت فقيل انظر عن يسارك فإذا أفق قد رصد وجوه الرجال فقيل هؤلاء أمتك أرضيت فقلت ربي رضيت رضيت فقيل إن مع هؤلاء سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب عليهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن استطعتم أن تكونوا من السبعين فكونوا وإن عجزتم وقصرتم فتكونوا من أهل الظراب فإن أعجزتم فكونوا من أهل الأفق فإني قد رأيت ثمة أناسا يتهاشون كثيرا }.
﴿ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، في سموم ﴾ نحو ما مر في التركيب والسموم الريح حارة تنفذ المسام
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤١:﴿ وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال، في سموم ﴾ نحو ما مر في التركيب والسموم الريح حارة تنفذ المسام
﴿ وحميم ﴾ متناه في الحرارة
﴿ وظل من يحموم ٤٣ ﴾ أي دخان شديد السواد يفعول من الحمة تقول العرب أسود يحموم إذا كان شديد السواد قال الضحاك النار سوداء وأهله وكل شيء فيها أسود وقال ابن كيسان اليحموم اسم من أسماء النار
﴿ لا بارد ﴾ دكساير الظل﴿ ولا كريم ﴾ أي لا نافع بوجه ما أو كريم المنظر دفع بذلك ما أدلهم الظل من الاستراح
﴿ إنهم كانوا قبل ذلك ﴾ في الدنيا ﴿ مترفين ﴾ أي متنعمين منهمكين في الشهوات لا يتعبون أنفسهم في الطاعات
﴿ وكانوا يصرون على الحنث العظيم ٤٦ ﴾ أي الذنب العظيم يعني الشرك وقال الشعبي الحنث العظيم اليمين الغموس ومعنى هذا أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا { وكانوا يصرون على الحنث العظيم ٤٦
وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون } قرأ نافع والكسائي وأبو جعفر ويعقوب أئذا مستفهما إنا بتركه والباقون بالاستفهام فيها وهم على أصولهم في التخفيف والتليين وقوله إنا لمبعوثون خبرا لإذا كررت الهمزة على قراءة الجمهور للدلالة على إنكار البعث مطلقا وخصوصا في هذا الوقت كما أدخلت على العاطف في قوله ﴿ أو آباؤنا الأولون ﴾
﴿ أو آباؤنا الأولون ﴾ للدلالة على أن ذلك أشد إنكارا في حقهم لتقادم زمانهم معطوف على محل اسم أن بعد معنى الخبر أو على المستكن في مبعوثون والفصل بالهمزة حسن العطف على المستكن وقرأ نافع وابن عمرو أو بالسكون والعامل في الظرف ما دل عليه مبعوثون لا هؤلاء للفصل بأن الهمزة تقديره انبعث إذا متنا
﴿ قل إن الأولين والآخرين ٤٩ لمجموعون ﴾ للحساب والجزاء
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٩:﴿ قل إن الأولين والآخرين ٤٩ لمجموعون ﴾ للحساب والجزاء
﴿ إلى ميقات يوم معلوم ﴾ أي ما وقت به الدنيا من يوم معلوم والإضافة بمعنى كخاتم فضة والميقات ما وقت به الشيء إلى حد ومنه مواقيت الإحرام وهي الحدود التي لا يتجاوزها من يريد دخول مكة محرما كلمة إلى بمعنى اللام يعني مجموعون لميقات يوم القيامة المعلوم المتيقن مجيئه
﴿ ثم إنكم أيها ﴾ أي يا أيها ﴿ الضالون المكذبون لأكلون من شجر من زقوم ٥٢ ﴾ من الأولى للابتداء والثانية للبيان قال ابن عباس ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لفسدت على أهل الأرض ومعاشهم فكيف من يكون طعامه رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم، وقال عمر والخولاني بلغنا أن ابن آدم لا ينهش من الزقوم نهشة إلا نهشت منه مثلها رواه عبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:﴿ ثم إنكم أيها ﴾ أي يا أيها ﴿ الضالون المكذبون لأكلون من شجر من زقوم ٥٢ ﴾ من الأولى للابتداء والثانية للبيان قال ابن عباس ( لو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لفسدت على أهل الأرض ومعاشهم فكيف من يكون طعامه رواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه والحاكم، وقال عمر والخولاني بلغنا أن ابن آدم لا ينهش من الزقوم نهشة إلا نهشت منه مثلها رواه عبد الله ابن أحمد في زوائد الزهد وأبو نعيم
﴿ فمالئون منها ﴾ أي من الشجر نظرا إلى معناه فإن معناه الشجرة ﴿ البطون ﴾ من شدة الجوع
﴿ فشاربون ﴾ لغلبة العطش ﴿ عليه ﴾ أي على الشجر نظر إلى لفظه أو على الزقوم
﴿ من الحميم، فشاربون شرب ﴾ قرأ نافع وعاصم وحمزة بضم الشين والباقون بفتحها وهما لغتان وقال البغوي الفتح على المصدر والضم على أنه اسم بمعنى المصدر كالضعف والضعف
﴿ من الحميم، فشاربون شرب ﴾ قرأ نافع وعاصم وحمزة بضم الشين والباقون بفتحها وهما لغتان وقال البغوي الفتح على المصدر والضم على أنه اسم بمعنى المصدر كالضعف والضعف
﴿ الهيم ﴾ يعني الإبل العطاش كذا روى ابن أبي حاتم من طريق أب طلحة عن ابن عباس هيمان للذكر ويهمع للأنثى كعطشان وعطشى وقيل الإبل التي بها الهيام وهو داء يصيب الإبل لا تروى معه ولا يزال يشرب حتى يهلك كذا أخرج البيهقي عن مجاهد وذكر البغوي عن عكرمة وقتادة وقال الضحاك وابن عيينه الهيم الأرض السهلة ذات الرمل قال البيضاوي هو جمع هيام بالفتح وهو الرمل الذي لا يتماسك جمع على هيم كسحب وسحاب ثم خفف وفعل به ما فعل يجمع أبيض وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الآخر من وجه فلا اتحاد.
وهذا ﴿ نزلهم ﴾ فيه تهكم كما في قوله ﴿ فبشرهم بعذاب أليم ﴾ لأن النزل ما يعد للنازل تكرمة له يعني هذا أول ما يصيبهم ﴿ يوم الدين ﴾ يوم الجزاء فما ظنك بما يصيبهم بعدما استقروا في الجحيم.
﴿ نحن خلقناكم ﴾ بعدما لم تكونوا شيئا وأنتم تعرفون بذلك ﴿ فلولا تصدقون ﴾ أي هلا تصدقون على البعث بعد الموت فإن من قدر على الإبداء قدر على الإعادة.
أو المعنى هلا تصدقون بالخلق متيقنين محققين للتصديق بالأعمال الدالة عليه
﴿ أفرأيتم ما تمنون ﴾ أي ما تقذفونه في الأرحام من النطف
﴿ آأنتم تخلقونه ﴾ تجعلونه بشرا سويا ﴿ أم نحن الخالقون ﴾ الفاء العاطفة للعطف على محذوف والرؤية العلم ومفعوله الأول الموصول مع الصلة وهاهنا معطوف عليه ومحذوف مقدر وجملة أنتم تخلقونه أم نحن الخالقون مفعول الثاني لكنه معلق بالاستفهام وتقديم المسند إليه الخبر الفعلي في أنتم تخلقونه لإفادة التخصيص ولأن محل الإنكار والتقرير بالاستفهام هو المسند إليه دون النفس الخلق وتعريف الخبر في نحن الخالقون أيضا الإفادة التخصيص تقدير الكلام أنظرتم فعلمتم ما تمنون في الأرحام فيصبر بشرا بكم مختص خلقه أم بنا، والاستفهام لإنكار نسبة الخلق إلى المخاطبين والإقرار لله سبحانه يعني تعلمون أن الخلق المختص بنا لا بكم
﴿ نحن قدرنا ﴾ قرأ ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها وهما لغتان ﴿ بينكم الموت ﴾ يعني قسمنا الموت عليكم كما قسمنا أرزاقكم على حسب إرادتنا فاختلف أعماركم من قصير وطويل ومتوسط أو المعنى وقتنا موت كل بوقت معين لا يستأخرون منه ولا يستقدمون وتقديم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة التخصيص يعني تقدير الموت وتوقيتها مختص بنا كما أن خلق كل مختص بنا فهذه الجملة مقررة لمضمون ما سبق ﴿ وما نحن بمسبوقين ﴾ حال من فاعل قدرنا يعني حال كوننا غير مسبوقين أي لم يسبقنا أحد في تقديره أو حال كوننا غير مغلوبين من سبقته على كذا إذا غلبته عليه وأعجزته أو جملة معترضة والمعنى لا يسبقنا ولا معجزنا أحد فيهرب من الموت أو بغير دفنه
﴿ على أن نبدل أمثالكم ﴾ كمتعلق بحذوف حال من فاعل قدرنا تقديره قدرنا بينكم الموت قادرين على أن نبدل منكم أمثالكم مكانكم أو متعلق بقدرنا علة له على بمعنى اللام يعني قدرنا الموت لأن نبدل منكم أمثالكم وجاز أن يكون متعلقا بمسبوقين والمعنى ما نحن بمسبوقين غير قادرين على أن نبدل أمثالكم فنخلق بدلكم وجاز أن يراد أن يبدل صفاتكم على أن أمثالكم جمع مثل بمعنى الصفة كما في قوله تعالى :﴿ مثل الجنة التي وعد المتقون ﴾ قوله تعالى ﴿ للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى ﴾ ﴿ وننشئكم ﴾ عطف على نبدل يعني قادرين على أن ننشأكم بعد الموت ﴿ في ما لا تعلمون ﴾ أي في أحوال وصفات لا تعلمونها من الثواب والعذاب
﴿ ولقد علمتم ﴾ عطف على قوله آفرأيتم ما تمنون ﴿ النشأة الأولى ﴾ يعني خلقه الإنسان من المني وجوده بعدما لم يكن شيئا مذكورا ﴿ فلولا ﴾ الفاء السببية يعني إذا علمتم النشأة الأولى فهلا ﴿ تذكرون ﴾ أن منشئ النشأة الأخرى فإنها أقل صنعا لحصول المراد ولتخصيص الأجزاء وسبق المثال وفيه دليل على حجة
﴿ أفرأيتم ما تحرثون ﴾ تبذرون حبة
﴿ أأنتم تزرعونه ﴾ تنبتونه ﴿ أم نحن الزارعون ﴾ المنبتون
﴿ لو نشاء ﴾ جعله حطاما ﴿ لجعلناه ﴾ أي الزرع ﴿ حطاما ﴾ قال عطاء تبنا لا قمح فيه وقيل هشيما لا ينتفع به في مطعم وغذاء ﴿ فظلتم ﴾ أصله ظللتم حذف أحد اللامين تخفيفا ﴿ تفكّهون ﴾ أي تعجبون مما ينزل بكم في زرعكم وهو قول عطاء والكلبي ومقاتل وقيل تندمون على اجتهادكم ونفقاتكم وهو قول يمان، وقال الحسن تندمون على ما سلف منكم من المعصية التي أوجبت تلك العقوبة وقال عكرمة تلاومون وقال ابن كيسان تحزنون وقال الكسائي هو التلهف على ما فات وهو من الأضداد وقال العرب تفكهت أي فرحت وتفكهت أي حزنت قلت : هو مستعار من أكل الفاكهة والتجنب عن الفاكهة قال في القاموس تفكه تندم وبه تمنع وأكل الفاكهة وتجنب عن الفاكهة ضد
﴿ إنا لمغرمون ٦٦ ﴾ قرأ أبو بكر عن عاصم أئنا بهمزتين على الاستفهام للتقرير والباقون بهمزة واحدة على الخبر والجملة بتقدير حال من فاعل تفكهون تقديره فظلتم تفكهون قائلون إنا لمغرمون أي ملزمون غرامة ما أنفقنا والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض نكرا قال الضحاك وابن كيسان قال البغوي قال ابن عباس وقتادة لمعذبون والغرام العذاب
﴿ بل نحن ﴾ قوم ﴿ محرمون ﴾ أي حرمنا رزقنا إضراب بذكر الأهم فإن غرامة المال أسهل من حرمان الرزق المفضى إلى الهلاك
﴿ أفرأيتم الماء ﴾ العذب
﴿ الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ﴾ من السحاب واحدة مزنة قيل المزن السحاب الأبيض ماءه أعذب
﴿ الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ﴾ من السحاب واحدة مزنة قيل المزن السحاب الأبيض ماءه أعذب
﴿ أم نحن المنزلون ﴾ لقدرتنا
﴿ لو نشاء ﴾ جعلناه أجاجا ﴿ جعلناه أجاجا ﴾ ملحا مرا كذا في القاموس قيل هو مشتق من الأجيج وهو تلهب النار فإن الماء الأجاج يحرق الفم وحذف اللام الفاصل بين جواب ما يتمحض للشرط وهو أن وبين ما يتضمن معناه وهو لو فإنها ليست للشرط المحض بل سرى فيها معنى الشرط اتفاقا من حيث إفادتها في مضموني جملتها أن الثاني امتنع لامتناع الأول لعلم السامع بمكانه أو للاكتفاء لسبق ذكرها في قوله تعالى لجعلناه حطاما ولم يحذف فيها سبق اختصاصا لما يصدق لذاته ويكون أهم وفقده أصعب لمزيد التأكيد ﴿ فلولا ﴾ هلا ﴿ تشكرون ﴾ أمثال هذه النعم الضرورية من إيجاد الإنسان وإبقائه
﴿ أفرأيتم النار التي تورون ﴾ أي توقدون من واراي النار وريا وأوديته اتقدت يعني تخرجونها من الزناد والعرب يقدح العودين تحك أحدهما على الأخرى يسمون الأعلى زند والأسفل زندة شبهوها بالفحل والطروقة
﴿ أأنتم أنشأتم شجرتها ﴾ التي منها الزناد وهي المرخ والعفاد يسحق المرخ على العفاد وهما خضروأن ينقطر منها الماء فينقدح الناء ﴿ أم نحن المنشئون ﴾ الخالقون لها ابتداء
﴿ نحن جعلناها ﴾ أي نار الزناد ﴿ تذكرة ﴾ في أمر البعث فإن من قدر على أحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفية كان أقدر على إعادة الحياة والرطوبة الغريزية فيما كان حيا رطبا من العظام فيبس وبلى أو تذكرة في الظلام أو تذكرة لنار جهنم حيث علقنا بها أسباب المعاش وعممنا إليها الحاجة لتكون حاضرة للناس ينظرون إليها ويذكرون بها نار جهنم فإنها أنموذج لها، عن أبي هريرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ناركم جزء من سبعين جزء من نار جهنم قيل يا رسول الله إن كانت لمكافئة قال فإنها فضلت عليهن بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) متفق عليه ﴿ ومتاعا ﴾ ومنفعة ﴿ للمقوين ﴾ قيل يعني للمسافرين النازلين بالقوا وهي الأرض القفر الخالية البعيدة من العمران وإنما خصص ذكرهم بالانتفاع لأن انتفاعهم بها أكثر من انتفاع المقيم فأنهم يوقدونها ليلا ليهرب منهم السباع ويهتدي بها الضال ويستدفئون لها في البرد غير ذلك من المنافع وهذا قول أكثر المفسرين وقال مجاهد وعكرمة المراد بالمقوين المستمتعون بها من الناس أجمعين المسافرين والحاضرين يستضيئون بها في الظلمة ويصطلون في البرد ويطبخون بها وقال ابن زيد معناه للجائعين يعني للذين خلت بطونهم من الطعام من أقوت الدار إذا خلت من سكانها يقول للعرب أقويت منذ كان كذا وكذا ما أكلت شيئا منذ كذا وقيل المراد بالمقوين الأغنياء يقال أقوى الرجل إذا قويت دابته وكثر ماله وصار إلى حالة القوة ولا شك أن فيها للأغنياء والفقراء جميعا لا إغناء بأحد عنها ولعل وجه تخصيص الذكر بالأغنياء لكثرة الطبخ عندهم ومن هاهنا قيل فلان كثير الرماد أي كثير الطبخ كثير الضيافة والله تعالى أعلم
﴿ فسبح ﴾ والفاء للسببية كما ذكرت بدائع صنايعه وإنعاماته فتنزهه عما يقول المنكر لوحدانيته الكافرون لنعمه أو فسبحه شكرا على نعمائه أو تعجيبا من أمر الظالمين في كفران نعمائه ﴿ باسم ربك ﴾ الباء زائدة ولفظ الاسم مقحم والمعنى سبح ربك جاز أن يكون الفاء للسببية والتقدير فسبح بذكر اسمه أو بذكره فإن إطلاق اسم الشيء ذكره والله أعلم ﴿ العظيم ﴾.
﴿ فلا أقسم ﴾ إذا الأمر ظاهر أوضح من أن يحتاج إلى قسم والفاء للسببية أو المعنى ذا قسم ولا مزيدة للتأكيد كما في لئلا يعلم والتقدير فلأنا أقسم فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء ويدل عليه قراءة عيسى ابن عمر فلأ قسم، قيل قوله لا رد لما قال الكفار في القرآن أنه سحر أو شعر أو كهانة يعني ليس الأمر كما تقولون أقسم ﴿ بمواقع النجوم ﴾ قرأ حمزة والكسائي بموقع بإسكان الواو من غير ألف على الإفراد والباقون بفتح الواو وألف بعدها على الجمع والمراد بمواقع النجوم ساقطها وتخصيص المغارب في الذكر لما في غروبها من زوال أثرها الذي هو أول على إمكانها وحدوثها ووجود مؤثر لا يزول تأثيره وقال عطاء ابن أبي رباح أراد منازلها ومجاريها وقال الحسن أراد إنكدارها وانتشارها يوم القيامة وقال ابن عباس النجوم القرآن وموضعها نزولها فإنه كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما متفرقا
﴿ وإنه لقسم ﴾ جملة بين القسم وجوابه ﴿ لو تعلمون ﴾ أخرى معترضة بين الصفة والموصوف لكمال الاستفهام ولو للتمني ومفعول تعلمون محذوف يعني ليتكم تعلمون عظمته ﴿ عظيم ﴾ لما في المقسم به من الدلالة على عظم القدرة وكمال الحكمة وفرط الرحمة ومن مقتضيات رحمته أنه لا يترك عباده سدى إنه يعني ما يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ لقرآن ﴾ منزل من الله تعالى غير منقول ﴿ كريم ﴾ لا عزيز مكرم لأنه كلام الله ( وفضل كلام الله على سائر الكلام كمفضل الله تعالى على خلقه ) رواه الترمذي، والمعنى كثير الخير والنفع لاشتماله على أصول العلوم المهتمة في إصلاح المعاد والمعاش قال أهل المعاني الكريم الذي من شأنه أن يعطي الخير الكثير أو المعنى حسن المرضي في جنسه
﴿ في كتاب ﴾ ظرف مستقر لقرآن ﴿ مكنون ﴾ لا وهو اللوح المحفوظ
﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ قيل الضمير في لا يمسه راجع إلى الكتاب لقربه فالمعنى لا يطلع على اللوح إلا المطهرون من الكدورات الجسمانية الباعثة غالبا على المعاصي وهي الملائكة وهذا القول غير مرضي فإن الانسلاخ من الكدورات الجسمانية ليس من فضائل ولا يعد تطهيرا وإلا يلزم فضل الملائكة على البشر وهو خلاف الإجماع بل الكدورات الجسمانية هي الحاملة للتجليات الذاتية الصرفة ولذلك اختص النبوة بالبشر فالقول الصحيح أن الضمير راجع إلى القرآن فالمعنى لا يمس القرآن إلا المطهرون من الأحداث فيكون بمعنى النهي والمراد بالقرآن فالمصحف سمي قرآنا على قرب الجوار مجانا كما في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو متفق عليه من حديث ابن عمر، والمراد به المصحف وقد انعقد الإجماع على أنه لا يجوز مس المصحف للجنب والحائض ولا النفسا ولا لمحدث خلافا لداود محتجا بحديث أبي سفيان أنه عليه الصلاة والسلام كتب كتابا إلى هرقل وكان فيه ﴿ يا أهل الكتاب تعالوا ﴾ الآسية ولا شك أن الكافر نجس قلنا : كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك العبارة من قبل نفسه امتثالا لأمر الله تعالى لا من حيث أنه كلام الله تعالى ومن ثم حذف لفظه قل من صدر الآية ولو كان كتب من حيث أنه كلام الله لما حذف لفظة قل بل لا يجوز له حذفها كما لا يجوز حذفها في الصلاة والتلاوة ولنا حديث عمر وابن جزم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان فيه ﴿ لا يمس القرآن إلا طاهر ﴾ رواه الدارقطني والحاكم في المعرفة والبيهقي في الخلافيات وروي الطبراني من حديث حكيم ابن حزام قال : لما بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال :﴿ لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر ﴾ تفرد به سويد ابن حاتم وهو ضعيف وحسن الحار في إسناده وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا رواه الدارقطني والطبراني وإسناده لا بأس به.
مسألة
يجوز مس القرآن وحمله بغلاف متجاف عند أبي حنيفة وقال مالك والشافعي لا يجوز مع الغلاف أيضا لأنه قال الله تعالى :﴿ إنه لقرآن كريم ٧٧ ﴾ وقال الله تعالى :﴿ في مصحف مكرمة ﴾ ومن التكريم أن لا يمسه غير الطاهر ولو كان عليه غلاف قلنا التكريم أثبت حرمة المس والمس لا يطلق إلا إذا كان بلا حجاب وستر وإنما التكريم ما ثبت بالشرع والزائد عليه تكلف.
مسألة
يكره مسه بالكم أو الذيل لأنهما تابعان لليد لا يجوز مس درهم فيه سورة الإبصرة لأن المصحف ما كتب عليه القرآن.
مسألة
ويثبت بهذه الآية بدلالة النص أعني بالطريق الأولى عدم جواز قراءة القرآن للجنب وعليه انعقد الإجماع فإن المصحف وهو القرطاس الذي كتب عليه نقوش وضع إلا على لسان المطهرين والحائض والنفساء كالخبث عند أبي حنيفة والشافعي وأحمد لما ذكرنا عن مالك روايتان إحداهما أنها تقرأ الآيات اليسيرة والتي نقلها الأكثرون من أصحابه أنها تقرأ ما شاءت وهو مذهب داوود هو محجوج بما ذكرنا وبحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ﴿ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ﴾ رواه الدارقطني والترمذي وابن ماجه وفي إسناده إسماعيل ابن عياش وهو ضعيف وقيل إنه قوي وتابعه مغيرة ابن عبد الرحمان وأبو معشر ابن موسى ابن عقبة قال ابن الجوزي مغيرة أيضا ضعيف وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني أخطأ ابن الجوزي أن ضعف مغيرة ابن عبد الرحمان وهو ثقة لكن في طريق مغيرة عبد الملك ابن مسلم ضعيف وأما طريق أبو متهم وأبو معشر ففيه متهم وأبو معشر ضعيف وله شاهد من حديث جابر رواه الدارقطني مرفوعا وفيه محمد ابن الفضل متروك.
مسألة
كان القياس عدم جواز قراءة القرآن للمحدث أيضا لما ذكر لكن الاستحسان يقتضي جواز القراءة للمحدث لأن الحدث لا يسري في الفم ولذلك لم يجب المضمضة في الوضوء بخلاف الجنابة ويدل على جواز القراءة للمحدث حديث ابن عباس أنه بات ليلة عند ميمونة وهي خالته قال فاضطجعت في عرض ورسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتصف الليل أو قبله قليلا أو بعده بقليل استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس يمسح النوم عن وجهه ثم قرأ العشرة الآيات الخواتيم من سورة آل عمران ثم قام إلى شن معلق فتوضأ منها الحديث متفق عليه وحديث علي ابن أبي طالب لم يكن يحجب النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن سوى الجنابة رواه أحمد وابن خزيمة وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم وابن الجار وصححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي في شرح السنة.
مسألة
قال البغوي وروى محمد ابن الفضل عن الكلبي في تفسير الآية قال لا يقرأ إلا الموحدون قلت الموحد في اصطلاح الصوفية من لا يكون له مقصود غير الله سبحانه وقال المجدد ما هو مقصود لك فهو معبود لك فإن المرء يتحمل كل ذل وانكسار ومشقة لتحصيل مقصوده، وذلك هو التعبد وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت ) به رواه النووي في أربعينه، وقال عكرمة كان ابن عباس رضي الله عنه ينهى أن يمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن وقال الفراء معنى الآية لا يجد طعم القرآن نفعه إلا من آمن به من هاهنا قال المجدد الألف الثاني إن الصوفي لا يجد بركات القرآن إلا بعد فنائه نفسه وتطهر من الرذائل وأما قبل الفناء فقراءة القرآن له داخل في عمل الأبرار وبعد فناء النفس وزوالها عينها وأثرها فمراتب القرب إلى الله سبحانه منوط بتلاوة القرآن وكذا في الآخرة بعد دخول الجنة يرتقي ﴿ ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين ﴾ وقال رسول الله صلى الله عليه سلم :( يقال صاحب القرآن اقرأ وارق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر أية تقرأها ) رواه أحمد والترمذي وأبي داود والنسائي من حديث عبد الله ابن عمر
﴿ تنزيل من رب العالمين ٨٠ ﴾ صفة رابعة للقرآن وهو مصدر بمعنى المفعول كالخلق بمعنى المخلوق
﴿ أفبهذا الحديث ﴾ يعني القرآن أأنتم يا أهل مكة ﴿ مدهنون ﴾ الإدهان في الأصل استعمال الدهن المتليين ثم استعير للمدارة والملاينة في الظاهر قال الله تعالى ﴿ ودوا لو تدهن فيدهنون ﴾ ثم استعمل في النفاق وهو المراد هاهنا قال في الفارس دهن نافق والمداهنة إظهار خلاف ما في الضمير كالإدهان وقال البغوي هو من الأدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر ثم قيل للمكذب مدهن وإن صرح بالكفر والتكذيب وكذا قال ابن عباس يعني يكذبون وقال مقاتل ابن حبان كافرون
﴿ وتجعلون رزقكم ﴾ أي حظكم ونصيبكم من القرآن ﴿ أنكم تكذبون ﴾ قال الحسن في هذه الآية خسر عبد لا يكون حظه من كتاب الله إلا التكذيب به وقال جماعة من المفسرين معناه وتجعلون شكركم أنكم تكذبون كذا أخرج أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال هيثم ابن عدي إن من لغته أزد شنوة لا رزق فلا بمعنى فاشكر وقيل هذا المعنى بحذف المضاف وتقديره تجعلون شكر رزقكم والمراد بالرزق حينئذ المطر وذلك أنهم كانوا إذا أمطروا قالوا مطرنا بنوء كذا ولا يرون ذلك من الله تعالى فقيل لهم تجعلون رزقكم أي شكر رزقكم أنكم تكذبون يعني أنكم تأتون بالكفر مكان الشكر عن زيد ابن خالد الجهني قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح الحديبية في أثر السماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال قال الله تعالى :( من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا كافر بي ومؤمن بالكواكب ) وأخرج مسلم عن ابن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قال بعضهم هذه رحمته وضعها الله وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا فنزلت هذه الآية ﴿ فلا أقسم بمواقع النجوم ﴾ حتى بلغ ﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال نزلت هذه الآيات في رجل من الأنصار في غزوة تبوك نزلوا الحجر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يحملوا من مائها شيئا ثم ارتحل ونزل منزلا آخر وليس معهم ماء فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين ثم دعى فأرسل الله سبحانه فأمطرت عليهم حتى استقوا منها فقال رجل من الأنصار لآخر من قومه متهم بالنفاق ويحك قد ترى ما دعى النبي صلى الله عليه وسلم فأمطر الله علينا السماء فقال إنما مطرنا بنوء كذا وكذا فنزلت وذكر ابن إسحاق أن هذه القصة كانت بالحجر.
وروى مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( ما أنزل الله من السماء من بركة إلا أصبح فريق من الناس بها كافرين ينزل الله الغيث فيقولون بكوكب كذا وكذا )
﴿ فلولا ﴾ فهلا ﴿ إذا بلغت ﴾ الضمير المرفوع عائدة إلى غير مذكور لفظا بل حكما فإنه معلوم يقينا يعني إذا بلغت نفس أحدكم ﴿ الحلقوم ﴾ عند الموت
﴿ وأنتم ﴾ بها الحاضرون حول المحتضر ﴿ حينئذ ﴾ متعلق بقوله ﴿ تنظرون ﴾ حاله في خروج الروح وحالكم معه من العجز حيث لا يمكنكم الدفع عنه ولا تملكون شيئا الجملة حال من فاعل بلغت والعائد المفعول المحذوف لتنظروا
﴿ ونحن أقرب ﴾ قال البيضاوي معناه نحن أعلم ﴿ إليه ﴾ أي على المحتضر ﴿ منكم ﴾ عبر عن العلم بالقرب الذي هو أقوى أسباب الإطلاع وقال البغوي أقرب بالعلم والقدرة والرؤية وقيل معناه ورسلنا الذين يقبضون روحه أقرب إليه منكم وهذه التأويلات مبنية على زعمهم بأن القرب منحصر في المكانيات والزمانيات وعدم دركهم قربا غير متكيف لكنه ثابت بالشرع مدرك بفراست المؤمن لا يدركه العوام ولذلك استدرك بقوله﴿ ولكن لا تبصرون ﴾ قربى وجملة ونحن أقرب حال ثان لفاعل بلغت
﴿ فلولا ﴾ فهل تأكيد لما سبق من حروف التحضيض ﴿ إن كنتم غير مدينين ﴾ أي غير مجرمين غير محاسبين بالبعث يوم القيامة يعني غير مبعوثين بزعمكم أو غير مملوكين غير متهورين من دانه إذا أذله واستعبده وأصل التركيب للذل والانقياد
﴿ ترجعونها ﴾ أي النفس إلى مقرها حتى ينتغي عم محلها الموت كالبعث أو المعنى ترجونها لكونكم غير مقهورين وهذا عامل الظرف وما ورد به التخصيص بلولا وهي بما في حيزها ودليل على جواب الشرط ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ فيما زعمتم شرط مستغن عن الجزاء بما سبق وهو في المعنى تأكيد للشرط السابق يعني إن كنتم صادقين في أنكم غير مدينين كما يدل عليه جحدكم أفعال الله وتكذيبكم بآياته فلولا ترجعون النفس إلى مقرها إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ولما سبق ذكر المحتضر المتوفي وأنه مجزي مقهور لله سبحانه غير مقدور لأحد غيره توجه النفس إلى أنه ماذا يصنع به القاهر المالك القريب المسلط عليه فقال تفصيلا لمجمل أحواله
﴿ فأما إن كان ﴾ المتوفي ﴿ من المقربين فروح ﴾ أما حرف شرط تقديره مهما يكن من شيء فالمتوفي إن كان من المقربين يعني السابقين الذين هم أفضل الأصناف الثلاثة المذكورة في صدر السورة فله روح مبتدأ خبره ظرف محذوف والجملة الظرفية جزاء للشرط والجملة الشرطية لمبتدأ محذوف والجملة الاسمية جزاء لشرط حذف بعد أن وأقيم جزاء الجزاء مقامه، يعني إن كان من المقربين وحذف الفاء كراهة توالي حرفي الشرط والجزاء أو اكتفى بالفاء الجزائية التي كانت في الجزاء للشرط الثاني قرأ يعقوب فروح بضم الراء والباقون بفتحها فمن قرأ بالضم، قال الحسن يخرج روحه في الريحان قال قتادة الروح الرحمة لأنها كالسبب لحياة المرحوم وقيل المراد به الحياة الدائمة ومن قرأ بالفتح فمعناه الفرح والراحة، كذا قال مجاهد وسعيد ابن جبير وقال الضحاك المغفرة والرحمة
﴿ وريحان ﴾ يعني رزق طيب كذا قال مجاهد وسعيد ابن جبيرو مقاتل قال مقاتل هو بلسان حمير وقال آخرون الريحان الذي يشم قال أبو العالية لا يفارق أحد من المقربين الدنيا حتى يؤتى بعض من ريحان الجنة فبشم ثم يقبض روحه، وقال أبو بكر الوراق الروح النجاة من النار والريحان دخول دار القرار ﴿ وجنات نعيم ﴾
وأما إن كان المتوفي ﴿ من أصحاب اليمين ﴾ وهو ثاني أصناف الثلاثة المذكورة
﴿ فسلام لك ﴾ أي عليك يا صاحب اليمين ﴿ من ﴾ إخوانك ﴿ أصحاب اليمين ﴾ يسلمون عليك وقال البغوي معناه سلامة لك يا محمد منهم فلا تهتم لهم فإنهم سلموا من عذاب الله وإنك ترى فيهم ما تحب من السلامة فترضى قال مقاتل هو أن الله يتجاوز عن سيئاتهم ويقبل حسناتهم وقال القراء وفيه سلام لك يا محمد إنهم من أصحاب اليمين أو يقال لصاحب اليمين سلام لك إنك من أصحاب اليمين
﴿ وأما إن كان ﴾ المتوفي ﴿ من المكذبين ﴾ بالقرآن والنبي صلى الله عليه وسلم ﴿ الضالين ﴾ عن طريق الهدى يعني أصحاب الشمال والمشأمة الثالث من أصناف الثلاثة المذكورة وصفهم هاهنا بأفعالهم زجرا عنها وإشعارا بما أوجب لهم أوعدهم به
﴿ فنزل من حميم ﴾ فالذي يعذبهم حميم جهنم
﴿ وتصلية جحيم ٩٤ ﴾ إدخال نار عظيمة
﴿ إن هذا ﴾ المذكور في شأن المحتضن ﴿ لهو حق ﴾ الخبر ﴿ اليقين ﴾
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ أي فصل بذكر ربك وأمره أو فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شأنه أو نزه ربك وأمره أو فنزهه بذكر اسمه عما لا يليق بعظمة شأنه أو نزه ربك العظيم وسيجيء مثل هذين الآيتين آخر سورة الحاقة وقد سبق مني تفسيرها وذكرت هناك مسائل تسبيحات الركوع والسجود وما ورد فيهما من الأحاديث واختلاف الأئمة فلا نعيدها والله أعلم، عن ابن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم يصبه فاقة ) أبدا رواه البغوي وأبو يعلى في مسنده والبيهقي بسند ضعيف في شعب الإيمان.