تفسير سورة الواقعة

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة الواقعة
مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجبار. وقال ابن عباس وقتادة إلا آية منها نزلت بالمدينة وهي قوله تعالى " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ".
بسم الله الرحمان الرحيم

﴿إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم﴾ قوله تعالى ﴿إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: الصيحة، قاله الضحاك. الثاني: الساعة وقعت بحق فلم تكذب، قاله السدي. الثالث: أنها القيامة، قاله ابن عباس، والحسن. وسميت الواقعة لكثرة ما يقع فيها من الشدائد. ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذَِبَةٌ﴾ فيها أربعة أوجه: أحدها: ليس لها مردود، قاله ابن عباس.
445
الثاني: لا رجعة فيها ولا مشورة، قاله قتادة. الثالث: ليس لها مكذب من مؤمن ولا من كافر، قاله ابن كامل. الرابع: ليس الخبر عن وقوعها كذباً. ﴿خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، قاله محمد بن كعب. الثاني: خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة، قاله عمر بن الخطاب. الثالث: خفضت الصوت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى، قاله عكرمة. ويحتمل رابعاً: أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت. ﴿إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً﴾ فيه قولان: أحدهما: رجفت وزلزلت، قاله ابن عباس، قاله رؤبة بن العجاج:
(أليس يوم سمي الخروجا أعظم يوم رجه رجوجاً)
٨٩ (يوماً يرى مرضعة خلوجاً} ٩
الثاني: أنها ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه، قاله الربيع بن أنس فيكون تأويلها على القول الأول أنها ترج بإماتة ما على ظهرها من الأحياء، وتأويلها على القول الثاني أنها ترج لإخراج من في بطنها من الموتى. ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالَ بَسّاً﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: سالت سيلاً، قاله مجاهد. الثاني: هدت هداً، قاله عكرمة، الثالث: سيرت سيرا، قاله محمد بن كعب، ومنه قول الأغلب العجلي:
446
الرابع: قطعت قطعاً، قاله الحسن.. الخامس: إنها بست كما يبس السويق أي بلت، البسيسة هي الدقيق يلت ويتخذ زاداً، قال لص من غطفان:
(نحن بسسنا بأثر أطاراً أضاء خمساً ثمت سارا)
(لا تخبزا خبزاً وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا)
﴿فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه رهج الغبار يسطع ثم يذهب، فجعل الله أعمالهم كذلك، قاله علي. الثاني: أنها شعاع الشمس الذي من الكوة، قاله مجاهد. الثالث: أنه الهباء الذي يطير من النار إذا اضطربت، فإذا وقع لم يكن شيئاً، قاله ابن عباس. الرابع: أنه ما يبس من ورق الشجر تذروه الريح، قاله قتادة. وفي المنبث ثلاثة أوجه: أحدها: المتفرق، قاله السدي. الثاني: المنتشر. الثالث: المنثور. ﴿وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً﴾ يعني أصنافاً ثلاثة، قال عمر بن الخطاب: اثنان في الجنة وواحد في النار. وفيهما وجهان: أحدهما: ما قاله ابن عباس أنها التي في سورة الملائكة: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾. الثاني: ما رواه النعمان بن بشير أن النبي ﷺ قال: (وكنتم أزوجاً ثلاثة) الآية.
447
ويحتمل جعلهم أزواجاً وجهين: أحدهما: أن ذلك الصنف منهم مستكثر ومقصر، فصار زوجاً. الثاني: أن في كل صنف منهم رجالاً ونساء، فكان زوجاً. ﴿فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ﴾ فيهم خمسة تأويلات: أحدها: أن أصحاب الميمنة الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم. الثاني: أن أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بيساره، قاله محمد بن كعب. الثالث: أن أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات، قاله ابن جريج. الرابع: أن أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم، قاله الحسن. الخامس: أن أصحاب الميمنة أهل الجنة، وأصحاب المشأمة أهل النار، قاله السدي. وقوله: ﴿وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ﴾ لتكثير ما لهم من العقاب. ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلِئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ فيهم خمسة أقاويل: أحدها: أنهم الأنبياء، قاله محمد بن كعب. الثاني: أنهم الاسبقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة. الثالث: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين. الرابع: هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفاً في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سوادة. الخامس: أنهم أربعة: منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان من أمة محمد ﷺ وهما: أبو بكر وعمر، قاله ابن عباس. ويحتمل سادساً: أنهم الذي أسلموا بمكة قبل هجرة النبي ﷺ وبالمدينة قبل
448
هجرته إليهم لأنهم سبقوا بالإسلام قبل زمان الرغبة والرهبة. وفي تكرار قوله تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ﴾ قولان: أحدهما: السابقون في الدنيا إلى الإيمان، السابقون في الآخرة إلى الجنة هم المقربون، قاله الكلبي. الثاني: يحتمل أنهم المؤمنون بالأنبياء في زمانهم، وسابقوهم بالايمان هم المقربون المقدمون منهم.
449
﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذَِبَةٌ ﴾ فيها أربعة أوجه :
أحدها : ليس لها مردود، قاله ابن عباس.
الثاني : لا رجعة فيها ولا مشورة، قاله قتادة.
الثالث : ليس لها مكذب من مؤمن ولا من كافر، قاله ابن كامل.
الرابع : ليس الخبر عن وقوعها كذباً.
﴿ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : تخفض رجالاً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع رجالاً كانوا في الدنيا مخفوضين، قاله محمد بن كعب.
الثاني : خفضت أعداء الله في النار، ورفعت أولياء الله في الجنة، قاله عمر بن الخطاب.
الثالث : خفضت الصوت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى، قاله عكرمة.
ويحتمل رابعاً : أنها خفضت بالنفخة الأولى من أماتت، ورفعت بالنفخة الثانية من أحيت.
﴿ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : رجفت وزلزلت، قاله ابن عباس، قاله رؤبة بن العجاج :
أليس يوم سمي الخروجا أعظم يوم رجه رجوجاً
يوماً يرى مرضعة خلوجاً١ ***
الثاني : أنها ترج بما فيها كما يرج الغربال بما فيه، قاله الربيع بن أنس.
فيكون تأويلها على القول الأول أنها ترج بإماتة ما على ظهرها من الأحياء، وتأويلها على القول الثاني أنها ترج لإخراج من في بطنها من الموتى.
١ جاء هذا الرجز في ك مضطربا وقد قومناه من ديوان العجاج ص ٩..
﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالَ بَسّاً ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : سالت سيلاً، قاله مجاهد.
الثاني : هدت هداً، قاله عكرمة،
الثالث : سيرت سيراً، قاله محمد بن كعب، ومنه قول الأغلب العجلي :
نحن بسسنا بأثر أطاراً أضاء خمساً ثمت سارا
الرابع : قطعت قطعاً، قاله الحسن. .
الخامس : إنها بست كما يبس السويق أي بلت، والبسيسة هي الدقيق يلت ويتخذ زاداً، قال لص من غطفان :
لا تخبزا خبزاً وبسا بسا ولا تطيلا بمناخ حبسا
﴿ فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه رهج الغبار يسطع ثم يذهب، فجعل الله أعمالهم كذلك، قاله علي.
الثاني : أنها شعاع الشمس الذي يدخل من الكوة، قاله مجاهد.
الثالث : أنه الهباء الذي يطير من النار إذا اضطربت، فإذا وقع لم يكن شيئاً، قاله ابن عباس.
الرابع : أنه ما يبس من ورق الشجر تذروه الريح، قاله قتادة.
وفي المنبث ثلاثة أوجه :
أحدها : المتفرق، قاله السدي.
الثاني : المنتشر.
الثالث : المنثور.
﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ يعني أصنافاً ثلاثة، قال عمر بن الخطاب : اثنان في الجنة وواحد في النار.
وفيهما وجهان :
أحدهما : ما قاله ابن عباس أنها التي في سورة الملائكة١ :﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾.
الثاني : ما رواه النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" وكنتم أزوجاً ثلاثة " الآية.
ويحتمل جعلهم أزواجاً وجهين :
أحدهما : أن ذلك الصنف منهم مستكثر ومقصر، فصار زوجاً.
الثاني : أن في كل صنف منهم رجالاً ونساء، فكان زوجاً.
١ هي سورة خاطر، والآية كاملة: "ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات" فالأزواج هم هؤلاء، كما أنهم أصحاب المشأمة وأصحاب الميمنة والسابقون. القرطي ١٤/ ٣٤٦..
﴿ فَأَصْحَابُ المَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ المَيْمَنَةِ ﴾ فيهم خمسة تأويلات :
أحدها : أن أصحاب الميمنة الذين أخذوا من شق آدم الأيمن، وأصحاب المشأمة الذين أخذوا من شق آدم الأيسر، قاله زيد بن أسلم.
الثاني : أن أصحاب الميمنة من أوتي كتابه بيمينه، وأصحاب المشأمة من أوتي كتابه بيساره، قاله محمد بن كعب.
الثالث : أن أصحاب الميمنة هم أهل الحسنات، وأصحاب المشأمة هم أهل السيئات، قاله ابن جريج.
الرابع : أن أصحاب الميمنة الميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة المشائيم على أنفسهم، قاله الحسن.
الخامس : أن أصحاب الميمنة أهل الجنة، وأصحاب المشأمة أهل النار، قاله السدي.
وقوله :﴿ وَأَصْحَابُ المَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ المَشْأَمَةِ ﴾ لتكثير ما لهم من العقاب.
﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلِئِكَ المُقَرَّبُونَ ﴾ فيهم خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
الثاني : أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.
الثالث : أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
الرابع : هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفاً في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سوادة.
الخامس : أنهم أربعة : منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما : أبو بكر وعمر، قاله ابن عباس.
ويحتمل سادساً : أنهم الذي أسلموا بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمدينة قبل هجرته إليهم لأنهم سبقوا بالإسلام قبل زمان الرغبة والرهبة.
وفي تكرار قوله تعالى :﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : السابقون في الدنيا إلى الإيمان، السابقون في الآخرة إلى الجنة هم المقربون، قاله الكلبي.
الثاني : يحتمل أنهم المؤمنون بالأنبياء في زمانهم، وسابقوهم بالإيمان هم المقربون المقدمون منهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلِئِكَ المُقَرَّبُونَ ﴾ فيهم خمسة أقاويل :
أحدها : أنهم الأنبياء، قاله محمد بن كعب.
الثاني : أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة، قاله الحسن، وقتادة.
الثالث : أنهم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
الرابع : هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفاً في سبيل الله، قاله عثمان بن أبي سوادة.
الخامس : أنهم أربعة : منهم سابق أمة موسى وهو حزقيل مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب النجار صاحب أنطاكية، وسابقان من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهما : أبو بكر وعمر، قاله ابن عباس.
ويحتمل سادساً : أنهم الذي أسلموا بمكة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالمدينة قبل هجرته إليهم لأنهم سبقوا بالإسلام قبل زمان الرغبة والرهبة.
وفي تكرار قوله تعالى :﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾ قولان :
أحدهما : السابقون في الدنيا إلى الإيمان، السابقون في الآخرة إلى الجنة هم المقربون، قاله الكلبي.
الثاني : يحتمل أنهم المؤمنون بالأنبياء في زمانهم، وسابقوهم بالإيمان هم المقربون المقدمون منهم.

﴿ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما﴾ ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنهم الجماعة، ومنه قول الشاعر:
(ولست ذليلاً في العشيرة كلها تحاول منها ثلة لا يسودها)
الثاني: الشطر وهو النصف، قاله الضحاك. الثالث: أنها الفئة، قاله أبو عبيدة، ومنه قول دريد بن الصمة:
(ذريني أسير في البلاد لعلني ألاقي لبشر ثلة من محارب)
وفي قوله تعالى: ﴿مِّنَ الأَوََّلِينَ﴾ قولان: أحدهما: أنهم أَصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قاله أبو بكرة. الثاني: أنهم قوم نوح، قاله الحسن. ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الأَخرِينَ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنهم أصحاب محمد ﷺ، قاله الحسن. الثاني: أنهم الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا، روى أبو هريرة أنه لما
449
نزلت ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَلِينَ وَقَلِيلٌ مِّنَ الأخِرِينَ﴾ شق ذلك على أصحاب النبي ﷺ فنزلت ﴿ثلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مَّنَ الأخِرِينَ﴾ فقال عليه السلام: (إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بَلْ ثُلُتَ أَهْلِ الجَنَّةِ بَلْ أَنتُم نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُم فِي النِّصْفِ الثَّانِي). ﴿عَلَى سُرُرٍ مَّوضُونَةٍ﴾ يعني الأسرة، واحدها سرير، سميت بذلك لأنها مجلس السرور. وفي الموضونة أربعة أوجه: أحدها: أنها الموصولة بالذهب، قاله ابن عباس. الثاني: أنها المشبكة النسج، قاله الضحاك، ومنه قول لبيد:
(إن يفزعوا فسرا مع موضونة والبيض تبرق كالكواكب لامها)
الثالث: أنها المضفورة، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد، ومنه وضين الناقة وهو البطان العريض المضفور من السيور. الرابع: أنها المسندة بعضها إلى بعض. ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ﴾ الولدان: جمع وليد وهم الوصفاء. وفي قوله تعالى: ﴿مُّخَلَّدُونَ﴾ قولان: أحدهما: [مسورون] بالأسورة، [مقرطون] بالأقراط، قاله الفراء، قال الشاعر:
(ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان)
الثاني: أنهم الباقون على صغرهم لا يموتون ولا يتغيرون، قاله الحسن، ومنه قول امرىء القيس:
450
ويحتمل ثالثاً: أنهم الباقون معهم لا يبصرون عليهم ولا ينصرفون عنهم بخلافهم في الدنيا. ﴿بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾ فيهما قولان: أحدهما: أن الأكواب: التي ليس لها عُرى، قاله الضحاك. الثاني: أن الأكواب: مدورة الأفواه، والأباريق: التي يغترف بها، قاله قتادة، قال الشاعر:
(فعدوا عليّ بقرقف... ينصب من أكوابها)
﴿وَكَأَسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ والكأس اسم للإناء إذا كان فيه شراب، والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد به في هذا الموضوع الخمر، وصف الخمر بأنه الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين. ﴿لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: معناه لا يمنعون منها، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد. الثاني: لا يفرّقون عنها، حكاه ابن قتيبة، واستشهد عليه بقول الراجز:
٨٩ (صد عنه فانصدع.} ٩
الثالث: لا ينالهم من شربها وجع الرأس وهو الصداع، قاله ابن جبير، وقتادة، ومجاهد، والسدي. وفي قوله تعالى: ﴿وَلاَ يُنزِفُونَ﴾ أربعة أوجه: أحدها: لا تنزف عقولهم فيسكرون، قاله ابن زيد، وقتادة. الثاني: لا يملون، قاله عكرمة. الثالث: لا يتقيئون، قاله يحيى بن وثاب. الرابع: وهو تأويل من قرأ بكسر الزاي لا يفنى خمرهم، ومنه قول الأبيرد:
(لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم... لبئس الندامى أنتم آل أبجرا)
وروى الضحاك عن ابن عباس قال: في الخمر أربع خصال: السكر،
451
والصداع، والقيء، والبول، وقد ذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال. ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ والحور البيض سمين لبياضهن، وفي العين وجهان: أحدهما: أنهن كبار الأعين، كما قال الشاعر:
(وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال)
(إذا كبرت عيون من النساء ومن غير النساء فهن عين)
الثاني: أنهن اللاتي سواد أعينهن حالك، وبياض أعينهن نقي، كما قال الشاعر:
(إذا ما العين كان بها احورار علامتها البياض على السواد)
﴿كَأَمْثَالِ اللؤْلُؤِ الْمَكْنُُونِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: في نضارتها وصفاء ألوانها. الثاني: أنهن كأمثال اللؤلؤ في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن، كما قال الشاعر:
(كأنما خلقت في قشر لؤلؤة فكل أكنافها وجه لمرصاد)
﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: لا يسمعون في الجنة باطلاً ولا كذباً، قاله ابن عباس. الثاني: لا يسمعون فيها خُلفاً، أي لا يتخالفون عليها كما يتخالفون في الدنيا، ولا يأثمون بشربها، كما يأثمون في الدنيا، قاله الضحاك. الثالث: لا يسمعون فيها شتماً ولا مأثماً، قاله مجاهد. يحتمل رابعاً: لا يسمعون مانعاً لهم منها، ولا مشنعاً لهم على شربها. ﴿إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً. الثاني: لكن يتداعون بالسلام على حسن الأدب وكريم الأخلاق. الثالث: يعني قولاً يؤدي إلى السلامة. ويحتمل رابعاً: أن يقال لهم هنيئاً.
452
﴿ وَقَلِيلٌ منَ الآخرِينَ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الحسن.
الثاني : أنهم الذين تقدم إسلامهم قبل أن يتكاملوا، روى أبو هريرة أنه لما نزلت ﴿ ثُلَّةٌ منَ الأَوَلِينَ وَقَلِيلٌ منَ الآخِرِينَ ﴾ شق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت ﴿ ثلَّةٌ منَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ منَ الآخِرِينَ١ فقال عليه السلام :" إِنِّي لأرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبْعَ أَهْلَ الجَنَّةِ بَلْ ثُلُتَ أَهْلِ الجَنَّةِ بَلْ أَنتُم نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَتُقَاسِمُونَهُم فِي النِّصْفِ الثَّانِي ".
١ آية ٤٠ من هذه السورة..
﴿ عَلَى سُرُرٍ موضُونَةٍ ﴾ يعني الأسرة، واحدها سرير، سميت بذلك لأنها مجلس السرور.
وفي الموضونة أربعة أوجه :
أحدها : أنها الموصولة١ بالذهب، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها المشبكة النسج، قاله الضحاك، ومنه قول لبيد :
أن يفزعوا فسرا مع موضونة والبيض تبرق كالكواكب لامها٢
الثالث : أنها المضفورة، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد، ومنه وضين الناقة وهو البطان العريض المضفور من السيور.
الرابع : أنها المسندة بعضها إلى بعض.
١ الذي نقلته كتب التفسير عن ابن عباس "المنسوجة بالذهب"..
٢ هكذا أورده المؤلف ولم أجده في معلقة لبيد، ولم يروه إلا الخطيب لكن برواية أخرى هي: أن يفزعوا تلق المغافر عندهم والسن تلمع كالكواكب لامها
واللام جمع لامة وهي الدرع.

﴿ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مخَلَّدُونَ ﴾ الولدان : جمع وليد وهم الوصفاء.
وفي قوله تعالى :﴿ مخَلَّدُونَ ﴾ قولان :
أحدهما :[ مسورون ] بالأسورة، [ ومقرطون ] بالأقراط، قاله الفراء، قال الشاعر :
ومخلدات باللجين كأنما أعجازهن أقاوز الكثبان١
الثاني : أنهم الباقون على صغرهم لا يموتون ولا يتغيرون، قاله الحسن، ومنه قول امرىء القيس :
وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال
ويحتمل ثالثاً : أنهم الباقون معهم لا يصبرون عليهم ولا ينصرفون عنهم بخلافهم في الدنيا.
١ أقاوز: جمع قوز وهو كثيب من الرمل صغر، شبه به أرادف النساء..
﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ﴾ فيهما قولان :
أحدهما : أن الأكواب : التي ليس لها عُرى، قاله الضحاك.
الثاني : أن الأكواب : مدورة الأفواه، والأباريق : التي يغترف بها، قاله قتادة، قال الشاعر :
فعدوا عليّ بقرقف *** ينصب من أكوابها١
﴿ وَكَأَسٍ من مَّعِينٍ ﴾ والكأس اسم للإناء إذا كان فيه شراب، والمعين الجاري من ماء أو خمر، غير أن المراد به في هذا الموضوع الخمر، وصف الخمر بأنه الجاري من عينه بغير عصر كالماء المعين.
١ القرقف: الخمر أو الماء البارد..
﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : معناه لا يمنعون منها، قاله أبو حرزة يعقوب بن مجاهد.
الثاني : لا يفرّقون عنها، حكاه ابن قتيبة، واستشهد عليه بقول الراجز :
صد عنه فانصدع.
الثالث : لا ينالهم من شربها وجع الرأس وهو الصداع، قاله ابن جبير، وقتادة، ومجاهد، والسدي.
وفي قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُنزِفُونَ ﴾ أربعة أوجه :
أحدها : لا تنزف عقولهم فيسكرون، قاله ابن زيد، وقتادة.
الثاني : لا يملون، قاله عكرمة.
الثالث : لا يتقيئون، قاله يحيى بن وثاب.
الرابع : وهو تأويل من قرأ بكسر الزاي لا يفنى خمرهم، ومنه قول الأبيرد١ :
لعمري لئن أنزفتم أو صحوتم لبئس الندامى أنتم آل أبجرا
وروى الضحاك عن ابن عباس قال : في الخمر أربع خصال : السكر، والصداع، والقيء، والبول، وقد ذكر الله خمر الجنة فنزهها عن هذه الخصال.
١ هو الأبيرد اليربوعي كما ذكر ابن جني في المحتسب ٢/ ٣٠٨ وقال الجوهري في الصحاح هو الأبيردي. وقال القرطبي أن البيت للحطيئة، انظر تفسير القرطبي ١٥/ ٣٧٩..
﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾ والحور البيض سمين لبياضهن، وفي العين وجهان :
أحدهما : أنهن كبار الأعين، كما قال الشاعر :
إذا كبرت عيون من النساء ومن غير النساء فهن عين
الثاني : أنهن اللاتي سواد أعينهن حالك، وبياض أعينهن نقي، كما قال الشاعر :
إذا ما العين كان بها احورار علامتها البياض على السواد
﴿ كَأَمْثَالِ اللؤْلُؤِ المَكْنُُونِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في نضارتها وصفاء ألوانها.
الثاني : أنهن كأمثال اللؤلؤ في تشاكل أجسادهن في الحسن من جميع جوانبهن، كما قال الشاعر١ :
كأنما خلقت في قشر لؤلؤة فكل أكنافها وجه لمرصاد
١ هو بشار بن برد..
﴿ لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : لا يسمعون في الجنة باطلاً ولا كذباً، قاله ابن عباس.
الثاني : لا يسمعون فيها خُلفاً، أي لا يتخالفون عليها كما يتخالفون في الدنيا، ولا يأثمون بشربها، كما يأثمون في الدنيا، قاله الضحاك.
الثالث : لا يسمعون فيها شتماً ولا مأثماً، قاله مجاهد.
يحتمل رابعاً : لا يسمعون مانعاً لهم منها، ولا مشنعاً لهم على شربها.
﴿ إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لكن يسمعون قولاً ساراً وكلاماً حسناً.
الثاني : لكن يتداعون بالسلام على حسن الأدب وكريم الأخلاق.
الثالث : يعني قولاً يؤدي إلى السلامة.
ويحتمل رابعاً : أن يقال لهم هنيئاً.
{وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل
452
ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين} ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَآ أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ فيه ستة أقاويل: أحدها: أنهم أصحاب الحق، قاله السدي. الثاني: أنهم دون منزلة المقربين، قاله ميمون بن مهران. الثالث: أنهم من أعطي كتابه بيمينه، قاله يعقوب بن مجاهد. الرابع: أنهم التابعون بإحسان ممن لم يدرك الأنبياء من الأمم، قاله الحسن. الخامس: ما رواه أسباط عن السدي: أن الله تعالى مسح ظهر آدم فمسح صفحة ظهره اليمنى فأخرج ذرية كهيئة الذر بيضاء فقال لهم ادخلوا الجنة ولا أبالي، ومسح صفحة ظهره اليسرى فأخرج ذرية كهيئة الذر سوداء، فقال لهم ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك هو قوله تعالى: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾، وقوله: ﴿وَأصْحَابُ الْشِّمَالِ﴾. السادس: ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أصحاب اليمين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ثم تابوا بعد ذلك وأصلحوا.) ﴿فِي سِدْرٍ مَّخضُودٍ﴾ والسدر النبق، وفي مخضود ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه اللين الذي لا شوك فيه، قاله عكرمة، وقال غيره لا عجم لنبقه، يقال خضدت الشجرة إذا حذقت شوكها. الثاني: أنه الموقر حملاً، قاله مجاهد. الثالث: المدلاة الأغصان، وخص السدر بالذكر لأن ثمره أشهى الثمر إلى النفوس طمعاً وألذه ريحاً. ﴿وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ﴾ فيه ثلاثة أقاويل:
453
أحدها: أن الطلح الموز، قاله ابن عباس، وابو سعيد الخدري، وأبو هريرة، والحسن، وعكرمة. الثاني: أنها شجرة تكون باليمن وبالحجاز كثيراً تسمى طلحة، قاله عبد الله بن حميد، وقيل إنها من أحسن الشجر منظراً، ليكون بعض شجرهم مأكولاً وبعضه منظوراً، قال الحادي:
(بشرها دليلها وقالا غداً ترين الطلح والأحبالا)
الثالث: أنه الطلع، قاله علي، وحكى أنه كان يقرأ: ﴿وَطَلْعٍ مَّنضُودٍ﴾، وفي المنضود قولان: أحدهما: المصفوف، قاله السدي. الثاني: المتراكم، قاله مجاهد. ﴿وَظِلٍ مَّمْدُودٍ﴾ أي دائم. ويحتمل ثانياً: أنه التام. ﴿وَمَآءٍ مَّسْكُوبٍ﴾ أي منصب في غير أخدود. ويحتمل آخر: أنه الذي ينسكب عليهم من الصعود والهبوط بخلاف الدنيا، قال الضحاك: من جنة عدن إلى أهل الخيام. ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: لا مقطوعة بالفناء ولا ممنوعة من اليد بشوك أو بعد. وفيه وجه ثالث: لا مقطوعة بالزمان ولا ممنوعة بالأشجار. ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾ فيها قولان: أحدهما: أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم، مرفوعة بكثرة حشوها زيادة في الاستمتاع بها. الثاني: أنهم الزوجات لأن الزوجة تسمى فراشا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:
454
(الوَلَدُ لِلْفرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ) قاله ابن بحر. فعلى هذا يحتمل وجهين: أحدهما: مرفوعات في القلوب لشدة الميل إليهن. الثاني: مرفوعات عن الفواحش والأدناس. ﴿إِنَّآ أَنشَأناهُنَّ إِنشَآءً﴾ يعني نساء أهل الدنيا، وفي إنشائهن في الجنة قولان: أحدهما: يعني إنشاءهن في القبور، قاله ابن عباس. الثاني: إعادتهن بعد الشمط والكبر صغاراً أبكاراً، قاله الضحاك، وروته أم سلمة مرفوعاً: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ فيه قولان: أحدهما: عذارى بعد أن كن غير عذارى، قاله يعقوب بن مجاهد. الثاني: لا يأتيها إلا وجدها بكراً، قاله ابن عباس. ويحتمل ثالثاً: أبكاراً من الزوجات، وهن الأوائل لأنهن في النفوس أحلى والميل إليهن أقوى، كما قال الشاعر:
(أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً فارغاً فتمكنا)
قوله تعالى ﴿عُرُباً أَتْرَاباً﴾ فيه سبعة تأويلات: أحدها: أن العرب المنحبسات على أزواجهن المتحببات إليهم، قاله سعيد بن جبير، والكلبي. الثاني: أنهن المتحببات من الضرائر ليقفن على طاعته ويتساعدن على إشاعته، قاله عكرمة. الثالث: الشكلة بلغة أهل مكة، والغنجة بلغة أهل المدينة، قاله ابن زيد، ومنه قول لبيد:
(وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر)
الرابع: هن الحسنات الكلام، قاله ابن زيد. [أيضاً].
455
الخامس: أنها العاشقة لزوجها لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها. السادس: أنها الحسنة التبعُّل، لتكون ألذ استمتاعاً. السابع: ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عُرُباً كَلاَمُهُنَّ عَرَبِّي) ﴿أَتْراباً﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: يعني أقران، قاله عطية. وقال الكلبي: على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة، يقال في النساء أتراب، وفي الرجال أقران، وأمثال، وأشكال، قاله مجاهد. الثالث: أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد، قاله السدي.
456
﴿ فِي سِدْرٍ مخضُودٍ ﴾ والسدر النبق، وفي المخضود ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه اللين الذي لا شوك فيه، قاله عكرمة، وقال غيره لا عجم لنبقه، يقال خضدت١ الشجرة إذا حذقت شوكها.
الثاني : أنه الموقر حملاً، قاله مجاهد.
الثالث : المدلاة الأغصان، وخص السدر بالذكر لأن ثمره أشهى الثمر٢ إلى النفوس طمعاً وألذه ريحاً.
١ في ك خضبت وهو تحريف..
٢ ليس ذلك بالقطع إذ كثير من ثمار الفاكهة أشهى منه طعما وأزكى رائحة.
﴿ وَطَلْحٍ منضُودٍ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الطلح الموز، قاله ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو هريرة، والحسن، وعكرمة.
الثاني : أنها شجرة تكون باليمن وبالحجاز كثيراً تسمى طلحة، قاله عبد الله بن حميد، وقيل إنها من أحسن الشجر منظراً، ليكون بعض شجرهم مأكولاً وبعضه١ منظوراً، قال الحادي٢ :
بشرها دليلها وقالا *** غداً ترين الطلح والأحبالا٣
الثالث : أنه الطلع، قاله علي، وحكى أنه كان يقرأ :﴿ وَطَلْعٍ منضُودٍ ﴾، وفي المنضود قولان :
أحدهما : المصفوف، قاله السدي.
الثاني : المتراكم، قاله مجاهد.
١ في ك: وبعضهم. وهو تحريف..
٢ هو النابغة الجعدي، ولا يبعد أن تكون كلمة "الحادي" محرفة عن الجعدي..
٣ الإحبال جمع حبله بالضم وهو ثمر السلم والبال والسمر. أو ثمر العضاة عامة..
﴿ وَظِلٍ ممْدُودٍ ﴾ أي دائم.
ويحتمل ثانياً : أنه التام.
﴿ وَمَاءٍ مسْكُوبٍ ﴾ أي منصب في غير أخدود.
ويحتمل آخر : أنه الذي ينسكب عليهم من الصعود والهبوط بخلاف الدنيا، قال الضحاك : من جنة عدن إلى أهل الخيام.
﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا مقطوعة بالفناء ولا ممنوعة بالفساد.
الثاني : لا مقطوعة اللذة بالملل ولا ممنوعة من اليد بشوك أو بعد.
وفيه وجه ثالث : لا مقطوعة بالزمان ولا ممنوعة بالأشجار١.
١ أي أن أشجارها لا تمتنع على أهل الجنة لعلوها مصداقا لقوله تعالى:
"قطوفها دانية"..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لا مقطوعة بالفناء ولا ممنوعة بالفساد.
الثاني : لا مقطوعة اللذة بالملل ولا ممنوعة من اليد بشوك أو بعد.
وفيه وجه ثالث : لا مقطوعة بالزمان ولا ممنوعة بالأشجار١.
١ أي أن أشجارها لا تمتنع على أهل الجنة لعلوها مصداقا لقوله تعالى:
"قطوفها دانية"..


﴿ وَفُرُشٍ مرْفُوعَةٍ ﴾ فيها قولان :
أحدهما : أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم، مرفوعة بكثرة حشوها زيادة في الاستمتاع بها.
الثاني : أنهم الزوجات لأن الزوجة تسمى فراشاً، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم :" الوَلَدُ لِلْفرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الحَجَرُ " قاله ابن بحر. فعلى هذا يحتمل وجهين :
أحدهما : مرفوعات في القلوب لشدة الميل إليهن.
الثاني : مرفوعات عن الفواحش والأدناس.
﴿ إِنَّآ أَنشَأناهُنَّ إِنشَآءً ﴾ يعني نساء أهل الدنيا، وفي إنشائهن في الجنة قولان :
أحدهما : يعني إنشاءهن في القبور، قاله ابن عباس.
الثاني : إعادتهن بعد الشمط والكبر صغاراً أبكاراً، قاله الضحاك، وروته أم سلمة مرفوعاً١ :
١ قالت أم سلمة رضي الله عنها: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: "إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا" فقال يا أم سلمة هن اللواتي قبضن في الدنيا عجائز شمطا عمشا رمصا جعلهن الله بعد الكبر أترابا على ميلاد واحد في الاستواء. أسنده النحاس عن أنس، وأخرجه الترمذي..
﴿ فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : عذارى بعد أن كن غير عذارى، قاله يعقوب بن مجاهد.
الثاني : لا يأتيها إلا وجدها بكراً، قاله ابن عباس.
ويحتمل ثالثاً : أبكاراً من الزوجات، وهن الأوائل لأنهن في النفوس أحلى والميل إليهن أقوى، كما قال الشاعر :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً فارغاً فتمكنا
قوله تعالى ﴿ عُرُباً أَتْرَاباً ﴾ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : أن العرب المنحبسات على أزواجهن المتحببات إليهم، قاله سعيد بن جبير، والكلبي.
الثاني : أنهن المتحببات من الضرائر ليقفن على طاعته ويتساعدن على إشاعته١، قاله عكرمة.
الثالث :[ المرأة ] الشكلة٢ بلغة أهل مكة، والغنجة بلغة أهل المدينة، قاله ابن زيد، ومنه قول لبيد :
وفي الخباء عروب غير فاحشة ريا الروادف يعشى دونها البصر
الرابع : هن الحسنات الكلام، قاله ابن زيد. [ أيضاً ].
الخامس : أنها العاشقة لزوجها لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها.
السادس : أنها الحسنة التبعُّل٣، لتكون ألذ استمتاعاً.
السابع : ما رواه جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" عُرُباً كَلاَمُهُنَّ عَرَبِّي "
﴿ أَتْراباً ﴾ فيه ثلاثة تأويلات :
أحدها : يعني أقران، قاله عطية.
وقال الكلبي : على سن واحدة ثلاث وثلاثين سنة٤، يقال في النساء أتراب، وفي الرجال أقران، وأمثال، وأشكال، قاله مجاهد.
الثالث : أتراب في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد، قاله السدي.
١ إشاعته: هكذا في الأصل، ولعل المراد مشايعته معنى متابعته وموالاته، وشاعة الرجل: امرأته: انظر اللسان –شيع..
٢ الشكلة بفتح الشين وكسر الكاف وفتح اللام: المرأة ذات الدلال.
٣ في ك التبع وهو تحريف. ومعنى التبعل مطاوعة بعلها محبة له..
٤ هذا هو التأويل التالي..
﴿وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين﴾ ﴿وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ﴾ فيه قولان: أحدهما الدخان، قاله أبو مالك. الثاني: أنها نار سوداء، قاله ابن عباس. ﴿لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ﴾ فيه وجهان: أحدهما: لا بارد المدخل، ولا كريم المخرج، قاله ابن جريج. الثاني: لا كرامة فيه لأهله.
456
ويحتمل ثالثاً: أن يريد لا طيب ولا نافع. ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرفِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: منعمين، قاله ابن عباس. الثاني: مشركين، قاله السدي. ويحتمل وصفهم بالترف وجهين: أحدهما: التهاؤهم عن الإعتبار وشغلهم عن الإزدجار. الثاني: لأن عذاب المترف أشد ألماً. ﴿وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أنه الشرك بالله، قاله الحسن، والضحاك، وابن زيد. الثاني: الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله قتادة، ومجاهد. الثالث: هو اليمين الموس، قاله الشعبي. ويحتمل رابعاً: أن يكون الحنث العظيم نقض العهد المحصن بالكفر. ﴿فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنها الأرض الرملة التي لا تروى بالماء، وهي هيام الأرض، قاله ابن عباس. الثاني: أنها الإبل التي يواصلها الهيام وهو داء يحدث عطشاً فلا تزال الإبل تشرب الماء حتى تموت، قاله عكرمة، والسدي، ومنه قول قيس بن الملوح:
(يقال به داء الهيام أصابه وقد علمت نفسي مكان شفائياً)
الثالث: أن الهيم الإبل الضوال لأنها تهيم في الأرض لا تجد ماءً فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شرباً. الرابع: أن شرب الهيم هو أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس ثلاث مرات، قاله خالد بن معدان، فوصف شربهم الحميم بأنه كشرب الهيم لأنه أكثر شرباً فكان أزيد عذاباً. ﴿هَذَا نُزْلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ﴾ أي طعامهم وشرابهم يوم الجزاء، يعني في جهنم.
457
﴿ وَظِلٍّ من يَحْمُومٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما الدخان، قاله أبو مالك.
الثاني : أنها نار سوداء، قاله ابن عباس.
﴿ لا بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : لا بارد المدخل، ولا كريم المخرج، قاله ابن جريج.
الثاني : لا كرامة فيه لأهله.
ويحتمل ثالثاً : أن يريد لا طيب ولا نافع.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرفِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : منعمين، قاله ابن عباس.
الثاني : مشركين، قاله السدي.
ويحتمل وصفهم بالترف وجهين :
أحدهما : التهاؤهم عن الاعتبار وشغلهم عن الإزدجار.
الثاني : لأن عذاب المترف أشد ألماً.
﴿ وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الحِنثِ العَظِيمِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه الشرك بالله، قاله الحسن، والضحاك، وابن زيد.
الثاني : الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه، قاله قتادة، ومجاهد.
الثالث : هو اليمين الغموس، قاله الشعبي.
ويحتمل رابعاً : أن يكون الحنث العظيم نقض العهد المحصن بالكفر.
﴿ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الهِيمِ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنها الأرض الرملة التي لا تروى بالماء، وهي هيام الأرض، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها الإبل التي يواصلها الهيام وهو داء يحدث عطشاً فلا تزال الإبل تشرب الماء حتى تموت، قاله عكرمة، والسدي، ومنه قول قيس بن الملوح :
يقال به داء الهيام أصابه وقد علمت نفسي مكان شفائياً
الثالث : أن الهيم١ الإبل الضوال لأنها تهيم في الأرض لا تجد ماءً فإذا وجدته فلا شيء أعظم منها شراباً.
الرابع : أن شرب الهيم هو أن تمد الشرب مرة واحدة إلى أن تتنفس ثلاث مرات، قاله خالد بن معدان، فوصف شربهم الحميم بأنه كشرب الهيم لأنه أكثر شرباً فكان أزيد عذاباً.
١ المفرد هيمان مثل عطشان..
﴿ هَذَا نُزلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ ﴾ أي طعامهم وشرابهم يوم الجزاء، يعني في جهنم.
{نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن
457
الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون} ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: نحن خلقنا رزقكم أفلا تصدقون أن هذا طعامكم. الثاني: نحن خلقناكم فلولا تصدقون أننا بالجزاء: بالثواب والعقاب اردناكم. ﴿أَفَرَءَيْتُم مَّا تُمْنُونَ﴾ يعني نطفة المني، قال الفراء، يقال أمنى يمني ومنى يمني بمعنى واحد. ويحتمل عندي أن يختلف معناهما فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع، ومني إذا عن احتلام. وفي تسمية المني منياً وجهان: أحدهما: لإمنائه وهو إراقته. الثاني: لتقديره ومنه المناء الذي يوزن به فإنه مقدار لذلك فكذلك المني مقدار صحيح لتصوير الخلقة. ﴿ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: أي نحن خلقنا من المني المهين بشراً سوياً، فيكون ذلك خارجاً مخرج الإمتنان. الثاني: أننا خلقنا مما شاهدتموه من المني بشراً فنحن على خلق ما غاب من إعادتكم أقدر، فيكون ذلك خارجاً مخرج البرهان، لأنهم على الوجه الأول معترفون، وعلى الوجه الثاني منكرون. ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ الْمَوْتَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: قضينا عليكم بالموت. الثاني: كتبنا عليكم الموت. الثالث: سوينا بينكم الموت. فإذا قيل بالوجه الأول بمعنى قضى ففيه وجهان:
458
أحدهما قضى بالفناء ثم الجزاء. الثاني: ليخلف الأبناء الآباء. وإذا قيل بالوجه الثاني أنه بمعنى كتبنا ففيه وجهان: أحدهما: كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص، قاله ابن عيسى. الثاني: كتبنا وقته فلا يتقدم عليه ولا يتأخر، قاله مجاهد. وإذا قيل بالوجه الثالث أنه بمعنى سوينا ففيه وجهان: أحدهما: سوينا بين المطيع والعاصي. الثاني: سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض، قاله الضحاك. ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: وما نحن بمسبوقين على ما قدرنا بينكم الموت حتى لا تموتوا. الثاني: وما نحن بمسبوقين على أن تزيدوا في مقداره وتؤخروه عن وقته. والوجه الثاني: أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده من قوله تعالى: ﴿عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئِكُم فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ فعلىهذا في تأويله وجهان: أحدهما: لما لم نسبق إلى خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم. الثاني: كما لم نعجز عن خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم كما لم نعجز عن تغييرها في حياتكم. فعلى هذا التأويل يكون في الكلام مضمر محذوف، وعلى التأويل الأول يكون جميعه مظهراً.
459
﴿ أَفَرَءَيْتُم ما تُمْنُونَ ﴾ يعني نطفة المني، قال الفراء، يقال أمنى يمني ومنى يمني بمعنى واحد.
ويحتمل عندي أن يختلف معناهما فيكون أمنى إذا أنزل عن جماع، ومني إذا أنزل عن احتلام.
وفي تسمية المني منياً وجهان :
أحدهما : لإمنائه وهو إراقته.
الثاني : لتقديره ومنه المنا الذي يوزن به فإنه مقدار لذلك فكذلك المني مقدار صحيح لتصوير الخلقة.
﴿ ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : أي نحن خلقنا من المني المهين بشراً سوياً، فيكون ذلك خارجاً مخرج الامتنان.
الثاني : أننا خلقنا مما شاهدتموه من المني بشراً فنحن على خلق ما غاب من إعادتكم أقدر، فيكون ذلك خارجاً مخرج البرهان، لأنهم على الوجه الأول معترفون، وعلى الوجه الثاني منكرون.
﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ المَوْتَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قضينا عليكم بالموت.
الثاني : كتبنا عليكم الموت.
الثالث : سوينا بينكم الموت.
فإذا قيل بالوجه الأول أنه بمعنى قضى ففيه وجهان :
أحدهما قضى بالفناء ثم الجزاء.
الثاني : ليخلف الأبناء الآباء.
وإذا قيل بالوجه الثاني أنه بمعنى كتبنا ففيه وجهان :
أحدهما : كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص، قاله ابن عيسى.
الثاني : كتبنا وقته فلا يتقدم عليه ولا يتأخر، قاله مجاهد.
وإذا قيل بالوجه الثالث أنه بمعنى سوينا ففيه وجهان :
أحدهما : سوينا بين المطيع والعاصي.
الثاني : سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض، قاله الضحاك.
﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه تمام ما قبله من قوله " نحن قدرنا بينكم الموت " فعلى هذا في تأويله وجهان :
أحدهما : وما نحن بمسبوقين على ما قدرنا بينكم الموت حتى لا تموتوا.
الثاني : وما نحن بمسبوقين على أن تزيدوا في مقداره وتؤخروه عن وقته.
والوجه الثاني : أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده من قوله تعالى :﴿ عَلَى أَن نبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئِكُم فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ فعلى هذا في تأويله وجهان :
أحدهما : لما لم نسبق إلى خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم.
الثاني : كما لم نعجز عن خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم كما لم نعجز عن تغييرها في حياتكم.
فعلى هذا التأويل يكون في الكلام مضمر محذوف، وعلى التأويل الأول يكون جميعه مظهراً.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٠:﴿ نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمْ المَوْتَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : قضينا عليكم بالموت.
الثاني : كتبنا عليكم الموت.
الثالث : سوينا بينكم الموت.
فإذا قيل بالوجه الأول أنه بمعنى قضى ففيه وجهان :
أحدهما قضى بالفناء ثم الجزاء.
الثاني : ليخلف الأبناء الآباء.
وإذا قيل بالوجه الثاني أنه بمعنى كتبنا ففيه وجهان :
أحدهما : كتبنا مقداره فلا يزيد ولا ينقص، قاله ابن عيسى.
الثاني : كتبنا وقته فلا يتقدم عليه ولا يتأخر، قاله مجاهد.
وإذا قيل بالوجه الثالث أنه بمعنى سوينا ففيه وجهان :
أحدهما : سوينا بين المطيع والعاصي.
الثاني : سوينا بين أهل السماء وأهل الأرض، قاله الضحاك.
﴿ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه تمام ما قبله من قوله " نحن قدرنا بينكم الموت " فعلى هذا في تأويله وجهان :
أحدهما : وما نحن بمسبوقين على ما قدرنا بينكم الموت حتى لا تموتوا.
الثاني : وما نحن بمسبوقين على أن تزيدوا في مقداره وتؤخروه عن وقته.
والوجه الثاني : أنه ابتداء كلام يتصل به ما بعده من قوله تعالى :﴿ عَلَى أَن نبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئِكُم فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ فعلى هذا في تأويله وجهان :
أحدهما : لما لم نسبق إلى خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم.
الثاني : كما لم نعجز عن خلق غيركم كذلك لا نعجز عن تغيير أحوالكم بعد موتكم كما لم نعجز عن تغييرها في حياتكم.
فعلى هذا التأويل يكون في الكلام مضمر محذوف، وعلى التأويل الأول يكون جميعه مظهراً.

{أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم
459
شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم} ﴿أَفَرَءَيْتُمْ مَّا تَحْرُثُونَ﴾ الآية. فأضاف الحرث إليهم والزرع إليه تعالى لأن الحرث فعلهم ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله وينبت على إختياره لا على إختيارهم، وكذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُم زَرَعْتُ وَلَكِن لِيَقُلْ حَرَثْتُ). وتتضمن هذه الآية أمرين: أحدهما: الإمتنان عليهم بأن أنبت زرعهم حتى عاشوا به ليشكروه على نعمته عليهم. الثاني: البرهان الموجب للإعتبار بأنه لما أنبت زرعهم بعد تلاشي بذوره وإنتقاله إلى إستواء حاله، [من العفن إلى الترتيب] حتى صار زرعاً أخضر، ثم جعله قوياً مشتداً أضعاف ما كان علي، فهو بإعادة من مات أحق وعليه أقدر، وفي هذا البرهان مقنع لذوي الفطر السليمة. ثم قول تعالى ﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً﴾ يعني الزرع، والحطام الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به، فنبه بذلك على أمرين: أحدهما: ما أولاهم من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاماً ليشكروه. الثاني: ليعتبروا بذلك في أنفسهم، كما أنه يجعل الرزع حطاماً إذا شاء كذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا. ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ بعد مصير الزرع حطاماً، وفيه أربعة أوجه: أحدها: تندمون، وهو قول الحسن وقتادة، ويقال إنها لغة عكل وتميم. الثاني: تحزنون، قاله ابن كيسان. الثالث: تلاومون، قاله عكرمة.
460
الرابع: تعجبون، قاله ابن عباس. وإذا نالكم هذا في هلاك زرعكم كان ما ينالكم في هلاك أنفسكم أعظم. ﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لمعذبون، قاله قتادة، ومنه قول ابن المحلم:
(وثقت بأن الحفظ مني سجية وأن فؤادي مبتلى بك مغرم)
الثاني: مولع بنا، قاله عكرمة، ومنه قول النمر بن تولب:
(سلا عن تذكره تكتما وكان رهيناً بها مغرماً)
أي مولع. الثالث: محرومون من الحظ، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر:
(يوم النسار ويوم الجفا ركانا عذاباً وكانا غراماً)
﴿أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ أي تستخرجون بزنادكم من شجر أو حديد أو حجر، ومنه قول الشاعر:
(فإن النار بالزندين تورى وإن الشر يقدمه الكلام)
﴿ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ﴾ أي أخذتم أصلها. ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنشِئُونَ﴾ يعني المحدثون. ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾ فيه وجهان: أحدهما: تذكرة لنار [الآخرة] الكبرى، قاله قتادة. الثاني: تبصرة للناس من الظلام، قاله مجاهد. ﴿وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوينَ﴾ فيه خمسة أقاويل: أحدها: منفعة للمسافرين قاله الضحاك، قال الفراء: إنما يقال للمسافرين إذا نزلوا القِيّ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها. الثاني: المستمتعين من حاضر ومسافر، قاله مجاهد. الثالث: للجائعين في إصلاح طعامهم، قاله ابن زيد.
461
الرابع: الضعفاء والمساكين، مأخوذ من قولهم قد أقوت الدار إذا خلت من أهلها، حكاه ابن عيسى. والعرب تقول قد أقوى الرجل إذا ذهب ماله، قال النابغة:
(يقوى بها الركب حتى ما يكون لهم إلا الزناد وقدح القوم مقتبس)
الخامس: أن المقوي الكثير المال، مأخوذ من القوة فيستمتع بها الغني والفقير.
462
ثم قول تعالى ﴿ لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً ﴾ يعني الزرع، والحطام الهشيم الهالك الذي لا ينتفع به، فنبه بذلك على أمرين :
أحدهما : ما أولاهم من النعم في زرعهم إذ لم يجعله حطاماً ليشكروه.
الثاني : ليعتبروا بذلك في أنفسهم، كما أنه يجعل الزرع حطاماً إذا شاء كذلك يهلكهم إذا شاء ليتعظوا فينزجروا.
﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾ بعد مصير الزرع حطاماً، وفيه أربعة أوجه :
أحدها : تندمون، وهو قول الحسن وقتادة، ويقال إنها لغة عكل وتميم.
الثاني : تحزنون، قاله ابن كيسان.
الثالث : تلاومون، قاله عكرمة.
الرابع : تعجبون، قاله ابن عباس. وإذا نالكم هذا في هلاك زرعكم كان ما ينالكم في هلاك أنفسكم أعظم.
﴿ إِنَّا لَمُغْرَمُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : لمعذبون، قاله قتادة، ومنه قول ابن المحلم :
وثقت بأن الحفظ مني سجية وأن فؤادي مبتلى بك مغرم
الثاني : مولع بنا، قاله عكرمة، ومنه قول النمر بن تولب :
سلا عن تذكره تكتما١ وكان رهيناً بها مغرماً
أي مولع.
الثالث : محرومون من الحظ، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر :
يوم النسار ويوم الجفا ركانا عذاباً وكانا غراماً
١ تكتما على صيغة المضارع المبني للمجهول اسم التي يشبب بها الشاعر..
﴿ أَفَرَءَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ ﴾ أي تستخرجون بزنادكم من شجر أو حديد أو حجر، ومنه قول الشاعر١ :
فإن النار بالزندين تورى وإن الشر يقدمه الكلام
١ هو بشر بن أبي حازم. والنسار والجفار اسما مكانين كان فيهما قتال..
﴿ ءَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَآ ﴾ أي أخذتم أصلها.
﴿ أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ ﴾ يعني المحدثون.
﴿ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تذكرة لنار [ الآخرة ] الكبرى، قاله قتادة.
الثاني : تبصرة للناس من الظلام، قاله مجاهد.
﴿ وَمَتَاعاً للمُقْوينَ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : منفعة للمسافرين قاله الضحاك، قال الفراء : إنما يقال للمسافرين إذا نزلوا القِيّ وهي الأرض القفر التي لا شيء فيها.
الثاني : المستمتعين من حاضر ومسافر، قاله مجاهد.
الثالث : للجائعين في إصلاح طعامهم، قاله ابن زيد.
الرابع : الضعفاء والمساكين، مأخوذ من قولهم قد أقوت الدار إذا خلت من أهلها، حكاه ابن عيسى.
والعرب تقول قد أقوى الرجل إذا ذهب ماله، قال النابغة :
يقوى بها الركب حتى ما يكون لهم إلا الزناد وقدح القوم مقتبس
الخامس : أن المقوي الكثير المال، مأخوذ من القوة فيستمتع بها الغني والفقير.
﴿فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون﴾ ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ الْنُّجُومِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه إنكار أن يقسم الله بشيء من مخلوقاته، قال الضحاك: إن الله لا يقسم بشىء من خلقه ولكنه استفتاح يفتتح به كلامه. الثاني: أنه يجوز أن يقسم الخالق بالمخلوقات تعظيماً من الخالق لما أقسم به من مخلوقاته. فعلى هذا في قوله: ﴿فَلاَ أُقْسِمُ﴾ وجهان: أحدهما: أن (لا) صلة زائدة، ومعناه أقسم. الثاني: أن قوله: ﴿فَلاَ﴾ راجع إلى ما تقدم ذكره، ومعناه فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من نعمة وأظهرته من حجة، ثم استأنف كلامه فقال: ﴿أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾. وفيها ستة أقاويل: أحدها: أنها مطالعها ومساقطها، قاله مجاهد.
462
الثاني: إنتشارها يوم القيامة وإنكدارها، قاله الحسن. الثالث: أن مواقع النجوم السماء، قاله ابن جريج. الرابع: أن مواقع النجوم الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا: مطرنا بنوء كذا، قاله الضحاك، ويكون قوله: ﴿فلا أقسم﴾ مستعملاً على حقيقته في نفي القسم بها. الخامس: أنها نجوم القرآن أنزلها الله من اللوح المحفوظ من السماء العليا إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا، فنجمه السفرة على جبريل عشرين ليلة، ونجمه جبريل على محمد ﷺ عشرين سنة، فهو ينزله على الأحداث في أمته، قاله ابن عباس والسدي. السادس: أن مواقع النجوم هو محكم القرآن، حكاه الفراء عن ابن مسعود. ﴿وَإِنَّهُ قَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ فيه قولان: أحدهما: أن القرآن قسم عظيم، قاله ابن عباس. الثاني: أن الشرك بآياته جرم عظيم، قاله ابن عباس، والضحاك. ويحتمل ثالثاً: أن ما أقسم الله به عظيم. ﴿إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ﴾ يعني أن هذا القرآن كريم، وفيه ثلاثة أوجه: أحدها: كريم عند الله. الثاني: عظيم النفع للناس. الثالث: كريم بما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور. ويحتمل أيضاً رابعاً: لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه. ﴿فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ وفيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه كتاب في السماء وهو اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، وجابر بن زيد. الثاني: التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن وذكر من ينزل عليه، قاله عكرمة. الثالث: أنه الزبور. الرابع: أنه المصحف الذي في أيدينا، قاله مجاهد، وقتادة.
463
وفي ﴿مَّكْنُونٍ﴾ وجهان: أحدهما: مصون، وهو معنى قول مجاهد. الثاني: محفوظ عن الباطل، قاله يعقوب بن مجاهد. ويحتمل ثالثاً: أن معانيه مكنونة فيه. ﴿لاَّ يَمَسَّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ﴾ تأويله يختلف بإختلاف الكتاب، فإن قيل: إنه كتاب في السماء ففي تأويله قولان: أحدهما: لا يمسه في السماء إلا الملائكة المطهرون، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. الثاني: لا ينزله إلا الرسل من الملائكة إلى الرسل من الأنبياء، قاله زيد بن أسلم. وإن قيل إنه المصحف الذي في أيدينا ففي تأويله ستة أقاويل: أحدها: لا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك، قاله الكلبي. الثاني: إلا المطهرون من الذنوب والخطايا قاله الربيع بن أنس. الثالث: إلا المطهرون من الأحداث والأنجاس، قاله قتادة. الرابع: لا يجد طعم نفعه إلا المطهرون أي المؤمنون بالقرآن، حكاه الفراء. الخامس: لا يمس ثوابه إلا المؤمنون، رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم. السادس: لا يلتمسه إلا المؤمنون، قاله ابن بحر. ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ﴾ يعني بهذا الحديث القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون. وفي قوله مدهنون أربعة تأويلات: أحدها: مكذبون، قاله ابن عباس. الثاني: معرضون، قاله الضحاك.
464
الثالث: ممالئون الكفار على الكفر به، قاله مجاهد. الرابع: منافقون في التصديق به حكاه ابن عيسى، ومنه قول الشاعر:
(لبعض الغشم أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة العدو)
﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُم إِنَّكُم تُكَذِّبُونَ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه الإستسقاء بالأنواء وهو قول العرب مطرنا بنوء كذا، قاله ابن عباس ورواه علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: الاكتساب بالسحر، قاله عكرمة. الثالث: هو أن يجعلوا شكر الله على ما رزقهم تكذيب رسله والكفر به، فيكون الرزق الشكر، وقد روي عن علي أن النبي ﷺ قرأ: ﴿وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبُونَ﴾. ويحتمل رابعاً: أنه ما يأخذه الأتباع من الرؤساء على تكذيب النبي ﷺ والصد عنه.
465
﴿ وَإِنَّهُ لقَسَمٌ لوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أن القرآن قسم عظيم، قاله ابن عباس.
الثاني : أن الشرك بآياته جرم عظيم، قاله ابن عباس، والضحاك.
ويحتمل ثالثاً : أن ما أقسم الله به عظيم.
﴿ إِنَّهُ لَقُرْءَانٌ ﴾ يعني أن هذا القرآن كريم، وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : كريم عند الله.
الثاني : عظيم النفع للناس.
الثالث : كريم بما فيه من كرائم الأخلاق ومعالي الأمور.
ويحتمل أيضاً رابعاً : لأنه يكرم حافظه ويعظم قارئه.
﴿ فِي كِتَابٍ مكْنُونٍ ﴾ وفيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه كتاب في السماء وهو اللوح المحفوظ، قاله ابن عباس، وجابر بن زيد.
الثاني : التوراة والإنجيل فيهما ذكر القرآن وذكر من ينزل عليه، قاله عكرمة.
الثالث : أنه الزبور.
الرابع : أنه المصحف الذي في أيدينا، قاله مجاهد، وقتادة.
وفي ﴿ مكْنُونٍ ﴾ وجهان :
أحدهما : مصون، وهو معنى قول مجاهد.
الثاني : محفوظ عن الباطل، قاله يعقوب بن مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : أن معانيه مكنونة فيه.
﴿ لا يَمَسَّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ ﴾ تأويله يختلف بإختلاف الكتاب، فإن قيل : إنه كتاب في السماء ففي تأويله قولان :
أحدهما : لا يمسه في السماء إلا الملائكة المطهرون، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير.
الثاني : لا ينزله إلا الرسل من الملائكة إلى الرسل من الأنبياء، قاله زيد بن أسلم.
وإن قيل إنه المصحف الذي في أيدينا ففي تأويله ستة أقاويل :
أحدها : لا يمسه بيده إلا المطهرون من الشرك، قاله الكلبي.
الثاني : إلا المطهرون من الذنوب والخطايا، قاله الربيع بن أنس.
الثالث : إلا المطهرون من الأحداث١والأنجاس، قاله قتادة.
الرابع : لا يجد طعم نفعه٢ إلا المطهرون أي المؤمنون بالقرآن، حكاه الفراء.
الخامس : لا يمس ثوابه إلا المؤمنون، رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم.
السادس : لا يلتمسه إلا المؤمنون، قاله ابن بحر.
﴿ أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ﴾ يعني بهذا الحديث القرآن الذي لا يمسه إلا المطهرون.
وفي قوله مدهنون أربعة تأويلات :( أحدها ) مكذبون، قاله ابن عباس ( الثاني ) معرضون، قاله الضحاك. ( الثالث ) ممائلون٣ الكفار على الكفر به، قاله مجاهد. ( الرابع ) منافقون في التصديق به حكاه ابن عيسى، ومنه قول الشاعر :
لبعض الغشم٤ أبلغ في أمور تنوبك من مداهنة العدو
﴿ وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه الاستسقاء بالأنواء وهو قول العرب مطرنا بنوء كذا، قاله ابن عباس ورواه علي بن طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني : الاكتساب بالسحر، قاله عكرمة.
الثالث : هو أن يجعلوا شكر الله على ما رزقهم تكذيب رسله والكفر به، فيكون الرزق الشكر، وقد روى عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ : وتجلعون شكركم أنكم تكذبون.
ويحتمل ( رابعا ) أنه ما يأخذه الأتباع من الرؤساء على تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم والصد عنه.
١ جمع حدث، وهما حدثان الأصغر ويكون بعدم الوضوء. والأكبر ويكون بالجنابة أو الحيض أو النفاس. وقد قال أكثر الفقهاء لا مس القرآن إلا طاهر منهما..
٢ وكأن المعنى لا يلمس نفعه إلا هؤلاء لأن إيمانهم يجعل القرآن يمس نفوسهم ويؤثر فيها..
٣ وعلى هذا التأويل يكون مدهنون من المداهنة وهي الممالاة.
٤ الغشم: الظلم والغصب..
﴿فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين﴾ ﴿فَلَوْلاَ إِن كُنْتُم غَيْرَ مَدِينِينَ﴾ فيه سبعة تأويلات: أحدها: غير محاسبين، قاله ابن عباس. الثاني: غير مبعوثين، قاله الحسن. الثالث: غير مصدقين، قاله سعيد بن جبير. الرابع: غير مقهورين، قاله ميمون بن مهران.
465
الخامس: غير موقنين، قاله مجاهد. السادس: غير مجزيين بأعمالكم، حكاه الطبري. السابع: غير مملوكين، قاله الفراء. ﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾ أي ترجع النفس بعد الموت إلى الجسد إن كنتم صادقين أنكم غير مذنبين.
466
﴿ فَلَوْلاَ إِن كُنْتُم غَيْرَ مَدِينِينَ١ فيه سبعة تأويلات :
أحدها : غير محاسبين، قاله ابن عباس.
الثاني : غير مبعوثين، قاله الحسن.
الثالث : غير مصدقين، قاله سعيد بن جبير.
الرابع : غير مقهورين، قاله ميمون بن مهران.
الخامس : غير موقنين، قاله مجاهد.
السادس : غير مجزيين بأعمالكم، حكاه الطبري.
السابع : غير مملوكين، قاله الفراء.
١ قبل هذه الآية جاء قوله تعالى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون. والمعنى: فهلا إذا بلغت الروح الحلقوم وأنتم تنظرون إلى الميت لا تقدرون على شيء له، وقدرة الله وعلمه وملك الموت أقرب إلى الميت منكم ولكن لا تبصرون ذلك فهل تقدرون على إرجاع الروح إلى هذا الجسد؟ أنكم لن تقدروا، أفلا يدل ذلك على أن الأمر كله بيد الله؟.
﴿ تَرْجِعُونَهَآ ﴾ أي ترجع النفس بعد الموت إلى الجسد إن كنتم صادقين أنكم غير مذنبين.
﴿فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنة نعيم وأما إن كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم﴾ ﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ﴾ فيهم وجهان: أحدهما: أنهم أهل الجنة، قاله يعقوب بن مجاهد. الثاني: أنهم السابقون، قاله أبو العالية. ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ﴾ في الرَّوْح ثمانية تأويلات: أحدها: الراحة، قاله ابن عباس. الثاني: أنه الفرح، قاله ابن جبير. الثالث: أنه الرحمة، قاله قتادة. الرابع: أنه الرخاء، قاله مجاهد. الخامس: أنه الرَوح من الغم والراحة من العمل، لأنه ليس في الجنة غم ولا عمل، قاله محمد بن كعب. السادس: أنه المغفرة، قاله الضحاك. السابع: التسليم، حكاه ابن كامل. الثامن: ما روى عبد الله بن شقيق عن عائشة أن النبي ﷺ كان يقرأ ﴿فَرُوُحٌ﴾ بضم الراء، وفي تأويله وجهان:
466
أحدهما: بقاء روحه بعد موت جسده. الثاني: ما قاله الفراء أن تأويله حياة لا موت بعدها في الجنة. وأما الريحان ففيه ستة تأويلات: أحدها: أنه الإستراحة عند الموت، قاله ابن عباس. الثاني: الرحمة، قاله الضحاك. الثالث: أنه الرزق، قاله ابن جبير. الرابع: أنه الخير، قاله قتادة. الخامس: أنه الريحان المشموم يُتَلَقَّى به العبد عند الموت، رواه عبد الوهاب. السادس: هو أن تخرج روحه ريحانة، قال الحسن. واختلف في محل الرَوْح على خمسة أقوال. أحدها: عند الموت. الثاني: قبره ما بين موته وبعثه. الثالث: الجنة زيادة على الثواب والجزاء، لأنه قرنه بذكر الجنة فاقتضى أن يكون فيها. الرابع: أن الروح في القبر، والريحان في الجنة. الخامس: أن الروح لقلوبهم، والريحان لنفوسهم، والجنة لأبدانهم. ﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه سلامته من الخوف وتبشيره بالسلامة. الثاني: أنه يحيا بالسلام إكراماً، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل: أحدها: عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت، قاله الضحاك. الثاني: عند مساءلته في القبر، يسلم عليه منكر ونكير. الثالث: عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها.
467
سورة الحديد
مدنية في قول الجمهور، قال الكلبي هي مكية. بسم الله الرحمن الرحيم
468
﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ ﴾ في الرَّوح ثمانية تأويلات :
أحدها : الراحة، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الفرح، قاله ابن جبير.
الثالث : أنه الرحمة، قاله قتادة.
الرابع : أنه الرخاء، قاله مجاهد.
الخامس : أنه الرَوح من الغم والراحة من العمل، لأنه ليس في الجنة غم ولا عمل، قاله محمد بن كعب.
السادس : أنه المغفرة، قاله الضحاك.
السابع : التسليم، حكاه ابن كامل.
الثامن : ما روى عبد الله بن شقيق عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ ﴿ فَرُوحٌ ﴾ بضم الراء، وفي تأويله وجهان :
أحدهما : بقاء روحه بعد موت جسده.
الثاني : ما قاله الفراء أن تأويله حياة لا موت بعدها في الجنة.
وأما الريحان ففيه ستة تأويلات :
أحدها : أنه الاستراحة عند الموت، قاله ابن عباس.
الثاني : الرحمة، قاله الضحاك.
الثالث : أنه الرزق، قاله ابن جبير.
الرابع : أنه الخير، قاله قتادة.
الخامس : أنه الريحان المشموم يتَلَقَّى به العبد عند الموت، رواه عبد الوهاب.
السادس : هو أن تخرج روحه ريحانة، قال الحسن.
واختلف في محل الرَوْح على خمسة أقوال.
أحدها : عند الموت.
الثاني : قبره ما بين موته وبعثه.
الثالث : الجنة زيادة على الثواب والجزاء، لأنه قرنه بذكر الجنة فاقتضى أن يكون فيها.
الرابع : أن الروح في القبر، والريحان في الجنة.
الخامس : أن الروح لقلوبهم، والريحان لنفوسهم، والجنة لأبدانهم.
﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ فَسَلاَمٌ لكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه سلامته من الخوف وتبشيره بالسلامة.
الثاني : أنه يحيا بالسلام إكراماً، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت، قاله الضحاك.
الثاني : عند مساءلته في القبر، يسلم عليه منكر ونكير.
الثالث : عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٠:﴿ وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ فَسَلاَمٌ لكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه سلامته من الخوف وتبشيره بالسلامة.
الثاني : أنه يحيا بالسلام إكراماً، فعلى هذا في محل السلام ثلاثة أقاويل :
أحدها : عند قبض روحه في الدنيا يسلم عليه ملك الموت، قاله الضحاك.
الثاني : عند مساءلته في القبر، يسلم عليه منكر ونكير.
الثالث : عند بعثه في القيامة تسلم عليه الملائكة قبل وصوله إليها.

Icon