تفسير سورة الواقعة

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٥٦ شرح إعراب سورة الواقعة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١)
إِذا في موضع نصب لأنها ظرف زمان، والعامل فيها وقعت لأنها تشبه حروف الشرط، وإنما يعمل فيها ما بعدها. وقد حكى سيبويه «١» : أن من العرب من يجزم بها، قال: وشبهها بحروف الشرط متمكن قوي، وذلك أنها تقلب الماضي إلى المستقبل وتحتاج إلى جواب غير أنه لا يجازى بها إلّا في الشعر. فأما مخالفتها حروف المجازاة فإن ما بعدها يكون محدّدا تقول: أجيئك إذا احمرّ البسر ولا يجوز هاهنا «أن» وكسرت التاء من «وقعت» لالتقاء الساكنين، لأنها حرف فحكمها أن تكون ساكنة، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: الواقعة والطامّة والصاخّة «٢» ونحو ذلك من أسماء القيامة عظمها الله جلّ وعزّ وحذّرها عباده، وقال غيره: هي الصيحة وهي النفخة الأولى.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢]
لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢)
اسم ليس وذكّرت كاذبة عند أكثر النحويين لأنها بمعنى الكذب أي ليس لوقعتها كذب. قال الفرّاء «٣» : مثل عاقبة وعافية.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٣]
خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣)
خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣) على إضمار مبتدأ، والتقدير الواقعة خافضة رافعة، وقرأ اليزيدي خافِضَةٌ رافِعَةٌ «٤» بالنصب. وهذه القراءة شاذة متروكة من غير جهة منها أنّ
(١) انظر الكتاب ٣/ ٦٧.
(٢) انظر الطبري ٢٧/ ٩٦، وزاد المسير ٨/ ١٣٠.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢١.
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٠٣ (وهي قراءة زيد بن علي وعيسى وأبي حيوة وابن أبي عبلة وابن مقسم والزعفراني أيضا).
الجماعة الذين تقوم بهم الحجّة على خلافها، ومنها أنّ المعنى على الرفع في قول أهل التفسير والمحقّقين من أهل العربية. فأما أهل التفسير فإن ابن عباس قال: خفضت أناسا ورفعت آخرين فعلى هذا لا يجوز إلّا الرفع: لأن المعنى خفضت قوما كانوا أعزاء في الدنيا إلى النار ورفعت قوما كانوا أذلّاء في الدنيا إلى الجنة، فإذا نصب على الحال اقتضت الحال جواز أن يكون الأمر على غير ذلك كما أنك إذا قلت: جاء زيد مسرعا، فقد كان يجوز أن يجيء على خلاف هذه الحال، وقال عكرمة والضحّاك: خافِضَةٌ رافِعَةٌ خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعت الأقصى فصار الناس سواء. قال أبو جعفر: وأما أهل العربية فقد تكلّم منهم جماعة في النصب. فقال محمد بن يزيد:
لا يجوز، وقال الفرّاء «١» : يجوز بمعنى إذا وقعت الواقعة وقعت خافضة رافعة فأضمر وقعت وهو عند غيره من النحويين بعيد قبيح، ولو قلت: إذا جئتك زائرا، تريد إذا جئتك جئتك زائرا. لم يجز هذا الإضمار لأنه لا يعرف معناه، وقد يتوهّم السامع أنه قد بقي من الكلام شيء. وأجاز أبو إسحاق النصب على أن يعمل في الحال «وقعت»، قد بيّنا فساده على أن كل من أجازه فإنه يحمله على الشذوذ فهذا يكفي في تركه.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤ الى ٥]
إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥)
إِذا في موضع نصب. قال أبو إسحاق: المعنى إذا وقعت الواقعة في هذا الوقت، رَجًّا مصدر، وكذا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا. (٥)
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦]
فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦)
هَباءً خبر كان. مُنْبَثًّا من نعته. وأصحّ ما قيل في معناه ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: الهباء المنبثّ رهج الدواب، وعن ابن عباس هو الغبار، وعنه هو الشرر الذي يطير من النار.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧]
وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧)
عن ابن عباس قال: أصنافا ثلاثة. قال أبو إسحاق: يقال للأصناف التي بعضها مع بعض أزواج واحدها زوج، كما يقال: زوج من الخفاف لأحد الخفّين.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨ الى ٩]
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩)
فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ رفع الابتداء. ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول، وقيل: التقدير ما هم فلذلك صلح أن يكون خبرا عن الأول لمّا عاد عليه ذكره وكذا الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ [القارعة: ١، ٢] يظهر الاسم على سبيل التعظيم
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢١.
والتشديد. وهذا قول حسن لأن إعادة الاسم فيه معنى التعظيم، وكذا فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) قيل: إنما قيل لهم: أصحاب الميمنة لأنّهم أعطوا كتبهم بإيمانهم، وقيل: لأنهم أخذ بهم ذات اليمين. وهذه علامة في القيامة لمن نجا، وقيل:
إن الجنة على يمين الناس يوم القيامة، وعلى هذا وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩) لأن اليد اليسرى يقال لها الشّومى.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)
قال محمد بن سيرين: السابقون الذين صلّوا القبلتين، وأبو إسحاق يذهب إلى أنّ فيه تقديرين في العربية: أحدهما أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والثاني من صفته، وخبر الابتداء أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١)، ويجوز عنده أن يكون السابقون الأول مرفوعا بالابتداء والسابقون خبره وتقديره والسابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله، قال: أولئك المقربون صفة. قال أبو جعفر: قوله: أولئك صفة غلط عندي لأن ما فيه الألف واللام لا يوصف بالمبهم. لا يجوز عند سيبويه: مررت بالرجل ذلك، ولا مررت بالرجل هذا، على النعت، والعلّة فيه أن المبهم أعرف مما فيه الألف واللام، وإنما ينعت الشيء عند الخليل وسيبويه بما هو دونه في التعريف، ولكن يكون أولئك المقربون بدلا أو خبرا بعد خبر.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٢]
فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢)
من صلة المقرّبين، أو خبر أخر.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٣]
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣)
قال أبو إسحاق: المعنى: هم ثلّة من الأولين.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٤]
وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)
عطف عليه.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٥]
عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥)
عَلى سُرُرٍ من العرب من يقول: سرر لثقل الضمّة وتكرير الحرف وفي الراء أيضا تكرير. مَوْضُونَةٍ نعت.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٦]
مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦)
قال أبو إسحاق: هما منصوبان على الحال.

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٧]

يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧)
ذكر الفرّاء «١» معناه على سنّ واحد لا يتغيّرون كأنه مشتقّ من الولادة إلّا أنه يقال:
وليد بين الولادة بفتح الواو.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٨]
بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨)
بِأَكْوابٍ اجتزئ بالجمع القليل عن الكثير. وَأَبارِيقَ لم ينصرف لأنه جمع لا نظير له في الواحد. وَكَأْسٍ واحد يؤدي عن الجمع، وروى عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ قال: الخمر، وقال الضحّاك: كل كأس في القرآن فهي الخمر، وقال قتادة: من معين من خمر ترى بالعيون.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ١٩]
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩)
لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ «٢» فنفى عن الخمر ما يلحق من آفاتها من السكر والصداع، وقيل: «يصدّعون عنها» يفرّقون عن قلّى.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٠]
وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠)
أي يتخيّرونها وحذفت الهاء لطول الاسم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢١]
وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١)
أهل التفسير منهم من يقول: يخلق الله جلّ وعزّ لهم لحما على ما يشتهون من شواء أو طبيخ من جنس الطير، ومنهم من يقول: بل هو لحم طير على الحقيقة. وبهذا جاء الحديث عن عبد الله بن مسعود عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «ما هو إلّا أن تشتهي الطائر في الجنّة وهو يطير فيقع بين يديك مشويّا» «٣».
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣)
وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) قراءة ابن كثير وأبي عمرو وعاصم وشيبة ونافع، وقرأ الأعمش وحمزة والكسائي وَحُورٌ عِينٌ «٤» بالخفض، وحكى سيبويه والفرّاء أنّ في قراءة أبيّ بن كعب وحورا عينا «٥» بالنصب، وزعم سيبويه «٦» أنّ الرفع محمول على
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٢.
(٢) انظر تيسير الداني ١٦٨، والبحر المحيط ٨/ ٢٠٥ (قرأ الجمهور «ولا ينزفون» مبنيا للمفعول).
(٣) انظر تفسير القرطبي ١٧/ ٣٤.
(٤) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٠٦، وتيسير الداني ١٦٨.
(٥) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٤.
(٦) انظر الكتاب ١/ ٢٢٨.
218
المعنى لأن المعنى فيها أكواب وأباريق وكأس من معين وفاكهة ولحم طير وحور أي ولهم حور عين وأنشد «١» :[الكامل] :
٤٥١-
بادت وغيّر ايهنّ مع البلى... إلّا رواكد جمرهنّ هباء
ومشجّج أمّا سوعاء قذاله... فبدا وغيّر ساره المعزاء
فرفع ومشجّج على المعنى لأن المعنى بها رواكد وبها مشجّج. والقراءة بالرفع اختيار أبي عبيد لأن الحور لا يطاف بهن، واختار الفرّاء «٢» الخفض واحتج بأن الفاكهة واللحم أيضا لا يطاف بهما وإنما يطاف بالخمر. وهذا الاحتجاج لا ندري كيف هو إذ كان القراء قد أجمعوا على القراءة بالخفض في قوله جلّ وعزّ: وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١) فمن أين له أنه لا يطاف بهذه الأشياء التي ادّعى أنه لا يطاف بها؟ وإنما يسلّم في هذا لحجّة قاطعة أو خبر يجب التسليم له. واختلفوا في قوله جلّ وعزّ: وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كما ذكرت والخفض جائز على أن يحمل على المعنى لأن المعنى ينعمون بهذه الأشياء وينعمون بحور عين، وهذا جائز في العربية كثير. كما قال: [الكامل] ٤٥٢-
علفتها تبنا وماء باردا... حتّى شتت همّالة عيناها
«٣» فحملت على المعنى، وقال أخر: [مجزوء الكامل] ٤٥٣-
يا ليت زوجك قد غدا... متقلّدا سيفا ورمحا
«٤» وقال أخر: [الوافر] ٤٥٤-
إذا ما الغانيات برزن يوما... وزجّجن الحواجب والعيونا
«٥» والعيون لا تزجّج فحمله على المعنى. فأما «وحورا عينا» فهو أيضا محمول على المعنى لأن معنى الأول يعطون هذا ويعطون حورا، كما قال «٦» :[البسيط] ٤٥٥-
جئني بمثل بني بدر لقومهم... أو مثل أسرة منظور بن سيّار
(١) مرّ الشاهد رقم (٣٦).
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٤. [.....]
(٣) الشاهد لذي الرمة في ديوانه ٦٦٤، والخزانة ١/ ٤٩٩، وبلا نسبة في معاني الفراء ١/ ١٤، وديوان المفضليات ٢٤٨، واللسان (علف).
(٤) مرّ الشاهد رقم (١٢٢).
(٥) الشاهد للراعي النميري في ديوانه ٢٦٩، والدرر ٣/ ١٥٨، وشرح شواهد المغني ٢/ ٧٧٥، ولسان العرب (زجج)، والمقاصد النحوية ٣/ ٩١، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣/ ٢١٢، والإنصاف ٢/ ٦١٠، وأوضح المسالك ٢/ ٤٣٢، وتذكرة النحاة ص ٦١٧، والخصائص ٢/ ٤٣٢، والدرر ٦/ ٨٠، وشرح الأشموني ١/ ٢٢٦، وشرح التصريح ١/ ٣٤٦، وشرح عمدة الحافظ ص ٦٣٥.
(٦) مرّ الشاهد رقم (١٣٥).
219
أو عامر بن طفيل في مركّبه أو حارثا يوم نادى القوم يا حار
قال الحسن البصري: الحور الشديدات سواد سواد العين. وهذا أحسن ما قيل في معناهن. والحور البياض، ومنه الحوّاريّ وروي عن مجاهد أنه قال: قيل حور لأن العين تحار فيهن، وقال الضحّاك: العين العظيمات الأعين. قال أبو جعفر: عين جمع عيناء وهو على فعل إلّا أن الفاء كسرت لئلا تنقلب الياء واوا فيشكل بذوات الواو، وقد حكى الفرّاء أن من العرب من يقول: حير عين على الإتباع.
وروي عن أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله أخبرني عن قول الله عزّ وجلّ:
كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) قال: «كصفاء الدرّ الذي في الصّدف الذي لا تمسّه الأيدي» «١».
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٤]
جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤)
قال أبو إسحاق: نصبت جزاء لأنه مفعول له أي لجزاء أعمالهم. قال: ويجوز أن يكون مصدرا لأن معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) يجزيهم ذلك جزاء أعمالهم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٥]
لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥)
اللّغو ما يلغى قيل: معناه لا يسمعون فيها صخبا ولا ضجرا ولا صياحا. فنفى الله عزّ وجلّ عن أهل الجنة كلّ ما يلحق الناس في الدنيا في نعيمهم من الضجر وفي كلّ ما يلحق في طعامهم وشرابهم من الآفات وكل ما يلحقهم من العناء والتعب وفي المأكول والمشروب في هذه السورة. وفي بعض الحديث «من داوم قراءة سورة الواقعة كلّ يوم لم يفتقر أبدا» «٢».
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٦]
إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦)
قال أبو إسحاق: إِلَّا قِيلًا منصوب بيسمعون أي لا يسمعون إلّا قيلا، وقال غيره: هو منصوب على الاستثناء سَلاماً سَلاماً يكون نعتا لقيل أي إلّا قيلا يسلم فيه من الصياح والصخب وما يؤثم فيه، ويجوز أن يكون منصوبا على المصدر، ويجوز وجه ثالث وهو أن يكون منصوبا بقيل، ويكون معنى قيل أن يقولوا، وأجاز الكسائي والفرّاء الرفع في في سلام بمعنى: سلام عليكم، وأنشد الفرّاء: [الطويل] ٤٥٦-
فقلنا السّلام فاتّقت من أميرها فما كان إلّا ومؤها بالحواجب
«٣»
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٢٠٦.
(٢) انظر الترغيب والترهيب للمنذري ٢/ ٤٤٨.
(٣) الشاهد بلا نسبة في لسان العرب (ومأ) و (صفح) و (سلم)، والتنبيه والإيضاح ١/ ٣٤، والمخصّص ١٣/ ١٥٥، وتهذيب اللغة ١٥/ ٦٤٤، وتاج العروس (ومأ) و (صفح).

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٢٧]

وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧)
وَأَصْحابُ الْيَمِينِ في معناه ثلاثة أقوال: منها أنه إنما قيل لهم أصحاب اليمين لأنهم أعطوا كتبهم بأيمانهم، ومنها أنه يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين وذلك أمارة من نجا، والقول الثالث أنّهم الذين أقسم الله جلّ وعزّ أن يدخلهم الجنة. ما أَصْحابُ الْيَمِينِ مبتدأ وخبره في موضع خبر الأول، وقول قتادة: إن المعنى: أيّ شيء هو وما أعدّ لهم من الخيرات.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩)
«مخضود» أصحّ ما قيل فيه أنه خضد شوكه، وقيل: هو مخلوق كذا، والعرب تعرف الطّلح أنه الشجر كثير الشوك. قال أبو إسحاق يجوز أن يكون في الجنة وقد أزيل عنه الشوك. وأهل التفسير يقولون: إن الطلح الموز. قال أبو جعفر: وسمعت علي بن سليمان يقول: يجوز أن يكون هذا مما لم ينقله أصحاب الغريب وأسماء النبت كثيرة حتّى إن أهل اللغة يقولون: ما يعاب على من صحّف في أسماء النبت لكثرتها.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١)
أي لا يتعب في استقائه.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٣٢ الى ٣٣]
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣)
وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ نعت. وجاز أن يفرق بين النعت والمنعوت بقولك لا لكثرة تصرّفها وأنها تقع زائدة. قال قتادة: في معنى وَلا مَمْنُوعَةٍ لا يمنع منها شوك ولا بعد.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٣٤]
وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤)
أي عالية ومنه بناء رفيع.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٣٥]
إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥)
قال مجاهد: خلقن من زعفران. قال أبو إسحاق: إنشاء من غير ولادة.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٣٦]
فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦)
مفعول ثان. وقال أبو عبيدة: في الضمير الذي في «أنشأناهنّ» أنّه يعود على «وحور عين»، وقال الأخفش سعيد: هو ضمير لم يجر له ذكر إلّا أنه قد عرف معناه.

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٣٧]

عُرُباً أَتْراباً (٣٧)
عُرُباً «١» جمع عروب، ولغة تميم ونجد عربا يحذفون الضمة لثقلها. أَتْراباً جمع ترب.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)
المعنى: إنّا أنشأناهنّ لأصحاب اليمين، وفي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وابن عمر رحمة الله عليهما أنّهما قالا: أصحاب اليمين أطفال المؤمنين.
وقدّره الفرّاء «٢» بمعنى لأصحاب اليمين ثلّة من الأولين وثلّة من الآخرين، وقدّره غيره:
المعنى هم ثلّة من الأولين أي جماعة ممن تقدّم قبل مبعث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وجماعة من أتباع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم. وقال صاحب هذا القول: إنما قيل في الأول ثلّة من الأولين وقليل من الآخرين، وفي الثاني ثلّة من الأولين وثلّة من الآخرين لأن الأول للسابقين إلى اتباع الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم والسابقون إلى اتّباعهم قبل النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أكثر من السابقين إلى اتباع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
يدلّك على صحة هذا أن قوم يونس صلّى الله عليه وسلّم آمنوا، وهم مائة ألف أو يزيدون، والسحرة اتّبعوا موسى صلّى الله عليه وسلّم وهم يروى أكثر من هؤلاء فلهذا قيل: وقليل من الآخرين، والثلة الثانية لأصحاب اليمين وليست للسابقين، وأصحاب اليمين قد يدخل فيهم المسلمون إلى يوم القيامة هذا على هذا القول، وقد ذكرنا غيره. والله جلّ وعزّ أعلم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤١]
وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١)
وَأَصْحابُ الشِّمالِ أي الّذين أعطوا كتبهم في شمالهم، وقيل: الذين أخذ بهم ذات الشمال. قال قتادة ما أَصْحابُ الشِّمالِ أي ماذا لهم وما أعدّ لهم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٢]
فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢)
أي في حسر النار وما يلحق من لهبها، وحكى ابن السكيت في جمع سموم سمام. وقال أبو جعفر: فهذا على حذف الزائد وهو الواو «وحميم» وهو ما يعذّبون به من الماء الحار يجرّعونه ويصبّ على رؤوسهم كما قال جلّ وعزّ: يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ [الرحمن: ٤٤].
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٣]
وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣)
ينصرف في المعرفة والنكرة لأنه ليس في الأفعال يفعول.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٤]
لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤)
لا بارِدٍ أي لا ظلّ له يستر. وَلا كَرِيمٍ لأنه مؤلم وخفضت. لا بارِدٍ على
(١) انظر تيسير الداني ١٦٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٦.
النعت ولم تفرق «لا» بين النعت والمنعوت لتصرّفها وَلا كَرِيمٍ عطف عليه، وأجاز النحويون الرفع على إضمار مبتدأ كما قال: [الكامل] ٤٥٧-
وتريك وجها كالصّحيفة لا... ظمآن مختلج ولا جهم
«١»
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٥]
إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥)
أي في الدنيا، روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس يقول: منعّمين.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٦]
وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦)
وَكانُوا يُصِرُّونَ قال ابن زيد: لا يتوبون ولا يستغفرون. والإصرار في اللغة الإقامة على الشيء وترك الإقلاع عنه. عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ قال الفرّاء: يقول الشرك هو الحنث العظيم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٧]
وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧)
وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ تعجّبوا من هذا فلذلك جاء بالاستفهام. قال أبو جعفر: من قال إذا متنا جاء بالهمزة الثانية بين بين فهي متحرّكة كما كانت قبل التخفيف. وهكذا قال محمد بن يزيد، وقال أحمد بن يحيى ثعلب: همزة بين بين لا متحرّكة ولا ساكنة. قال أبو جعفر: فأما كتابها فبالألف لا غير لأنها مبتدأة ثم دخلت عليها ألف الاستفهام. فإذا في موضع نصب على الظرف، ولا يجوز أن يعمل فيه لمبعوثون لأنه خبر «إنّ» فلا يعمل فيما قبله والعامل فيه متنا. ويقال: متنا على لغة من قال: مات يموت وهي فصيحة ومن قال: متنا فهو على لغة من قال: مات يمات مثل خاف يخاف، وقد قيل: هو على فعل يفعل جاء شاذا.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٤٨]
أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨)
معطوف على الموضع، ويجوز أن يكون معطوفا على المضمر المرفوع.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (٤٩) لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (٥٠)
حكى سيبويه «٢» عن العرب سماعا: ادخلوا الأول فالأول. وزعم أنه منصوب على الحال وفيه الألف واللام. وقال ابن كيسان: لا نعلم شيئا يصحّ في كلام
(١) الشاهد للمخبّل السعدي في ديوانه ٣١٣، ولسان العرب (ظمأ) و (خلج)، وتاج العروس (ظمأ) و (خلج)، وأساس البلاغة (جهم)، والمفضليات ٢١٣، وبلا نسبة في المخصّص ١/ ٩١.
(٢) انظر الكتاب ١/ ٤٦٦.
العرب منصوبا على الحال وفيه الألف واللام إلّا هذا والعلة فيه أنه وقع فرقا بين معنيين لأنك إذا قلت: دخلوا أولا أولا فمعناه دخلوا متفرقين فإذا قلت: دخلوا الأول فالأول فمعناه أعرفهم الأول فالأول، وقال محمد بن يزيد: التعريف إنما وقع بعد فلذلك جيء بالألف واللام زائدتين كسائر الزوائد. وحكى سيبويه عن عيسى بن عمر: أدخلوا الأول فالأول يحمله على المعنى وقد خطأه سيبويه لأنه لا يجوز: ادخلوا الأول فالأول فالأول أي إنما يقال باللام، واحتج غيره لعيسى بن عمر: لأنه محمول على المعنى، كما روي عن أبيّ بن كعب أنه قرأ فبذلك فلتفرحوا [يونس: ٥٨]، وكان يجب أن ينطق في الأول بفعل لأنه بمنزلة الأفضل، ولكن يردّ ذلك لأن فاءه وعينه من موضع واحد، ولا يوجد في كلام العرب فعل هكذا، وهو في الأسماء قليل. قالوا: كوكب لمعظم الشيء، وقالوا للهو واللعب: ددا وددن ودد، وقالوا للسيف الكليل ددان لا يعرف في الدال غير هذه. وفي الحديث عن عمر رضي الله عنه «حتّى يصير النّاس ببّانا واحدا» «١» أي شيئا واحدا «وبيّة» لقب. لا يعرف غير هذين في كلام العرب في الباء. أما قولهم في الطائر ببّغاء ولسبع ببر فأعجميان ولا يكاد يعرف ذلك في غير هذه الحروف إلا يسيرا إن جاء فقد قالوا لضرب من النبت آء ولا يعرف له نظير فلهذا لم يستعمل في أول فعل. وحكى سيبويه «٢» أنّ «أول» يجوز أن يصرف على أنه اسم غير نعت كما يقال: ما ترك أولا ولا اخرا. وحكي ترك الصرف على أنه نعت.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥١]
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١)
ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ أي الجائرون عن طريق الهدى. الْمُكَذِّبُونَ بالوعيد والبعث.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٥٢ الى ٥٣]
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (٥٢) فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٥٣)
لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا على تأنيث الجماعة، ولو كان منه على تذكير الجميع لجاز. الْبُطُونَ جمع بطن وهو مذكر. فأما قول الشاعر: [الطويل] ٤٥٨-
فإنّ كلابا هذه عشر أبطن وأنت بريء من قبائلها العشر
«٣» فمؤنث لتأنيث القبيلة محمول على المعنى، ولو ذكر على اللفظ لجاز.
(١) انظر اللسان (بب).
(٢) انظر الكتاب ٣/ ٢١٧.
(٣) الشاهد لرجل من بني كلاب في الكتاب ٤/ ٤٣، وللنواح الكلابي في الدرر ٦/ ١٩٦، والمقاصد النحوية ٤/ ٤٨٤، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢/ ١٠٥، وأمالي الزجاجي ١١٨، وخزانة الأدب ٧/ ٣٩٥، والخصائص ٢/ ٤١٧، وشرح الأشموني ٣/ ٦٢٠، وشرح عمدة الحافظ ٥٢٠، ولسان العرب (كلب) و (بطن)، والمقتضب ٢/ ١٤٨، وهمع الهوامع ٢/ ١٤٩. [.....]

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٤]

فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (٥٤)
عَلَيْهِ على الشجر على تذكير الجميع، ويجوز أن يكون على الجمع الأكل.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٥]
فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (٥٥)
هذه قراءة أكثر القراء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ «١» بفتح الشين، وزعم أبو عبيد أنها لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلام هائل. فقال بعض العلماء: قوله لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كلام هائل لا ينبغي لأحد أن يقوله إلّا بتيقّن والحديث الذي رواه أصحاب الحديث والناقلون له عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقولون فيه: «إنّها أيام أكل وشرب» بضم الشين سواه، أو من قال منهم. ونظير هذا قوله لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «الحرب خدعة» «٢» وقد سمع خدعة وخدعة. والقول في هذا على قول الخليل وسيبويه أن شربا بفتح الشين مصدر وشربا بضمها اسم للمصدر يستعمل هاهنا أكثر، ويستعمل شرب في جمع شارب، كما قال: [البسيط] ٤٥٩-
فقلت للشّرب في درنا وقد ثملوا شيموا وكيف يشيم الشّارب الثّمل
«٣» «والهيم» جمع هيماء وأهيم وهو على فعل كسرت الهاء لأنها لو ضمّت انقلبت الياء واوا. وقد أجاز الفرّاء «٤» أن يكون الهيم جمع هائم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٦]
هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (٥٦)
هذا نُزُلُهُمْ أي الذي ينزلهم الله إيّاه يوم القيامة وهو يوم الدّين الذي يجازي الناس فيه بأعمالهم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٧]
نَحْنُ خَلَقْناكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ (٥٧)
أي نحن خلقناكم ولم تكونوا شيئا فأوجدناكم بشرا فلولا تصدّقون من فعل ذلك أنه يحييكم ويبعثكم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٨]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ (٥٨)
أَفَرَأَيْتُمْ أي أيّها المكذبون بالبعث والمنكرون لقدرة الله جلّ وعزّ على إحيائهم.
(١) انظر تيسير الداني ١٦٨، والبحر المحيط ٨/ ٢٠٩.
(٢) أخرجه مسلم في صحيحه (١٣٦١)، وأبو داود في سننه (٢٦٣٦)، وأحمد في مسنده ١/ ٩٠، والبيهقي في السنن الكبرى ٧/ ٤٠، والهيثمي في مجمع الزوائد ٥/ ٣٢٠.
(٣) مرّ الشاهد رقم (٣١٤).
(٤) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٨.
ما تُمْنُونَ في أرحام النساء. قال الفرّاء: يقال أمنى ومنى وأمنى أكثر.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٥٩]
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ (٥٩)
أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أي أنتم تخلقون ذلك المنيّ حتّى تصير فيه الروح أَمْ نَحْنُ الْخالِقُونَ.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٠]
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠)
نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ «١» أي فمنكم قريب الأجل وبعيده كل ذلك بقدر. وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ أي في آجالكم وما يفتات علينا فيها بل هي على ما قدّرنا.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦١]
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ (٦١)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ
أحسن ما قيل في معناه نحن قدّرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم أي نجيء بغيركم من جنسكم وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ
أحسن ما قيل في معناه وننشئكم في غير هذه الصّور فينشئ الله جلّ وعزّ المؤمنين يوم القيامة في أحسن الصور وإن كانوا في الدنيا قبحاء وينشئ الكافرين والفاسقين في أقبح الصور وإن كانوا في الدنيا نبلاء.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٢]
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ (٦٢)
وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ «٢» أي علمتم أنّا أنشأناكم ولم تكونوا فهلا تذّكّرون فتعلمون أن الذي فعل ذلك لقادر على إحيائكم، والأصل تتذكّرون فأدغمت التاء في الذال.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٣]
أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣)
تكون ما مصدرا أي حرثكم، ويجوز أن يكون بمعنى الذي أي أفرأيتم الحرث الذي تحرثون.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٤]
أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤)
معنى تزرعونه تجعلون زرعا، ولهذا جاء الحديث عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
قال: «لا تقل زرعت ولكن قل حرثت» ثمّ تلا أبو هريرة أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ.
(١) انظر تيسير الداني ١٦٨ (ابن كثير بتخفيف الدال والباقون بتشديدها).
(٢) انظر تيسير الداني ١٤٠.

[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٦٥ الى ٦٦]

لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦)
لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً أي متهشّما لا ينتفع به. فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ اختلف العلماء في معناه، فقال الحسن وقتادة: تفكّهون أي تندّمون على ما سلف منكم من المعاصي التي عوقبتم من أجلها بهذا وقال عكرمة: تفكّهون تلاومون أي على ما فاتكم من طاعة الله جلّ وعزّ، وقيل: تفكّهون تنعمون فيكون على التقدير على هذا: أرأيتم ما تحرثون فظلتم به تفكّهون. قال أبو جعفر: وأولى الأقوال ما قاله مجاهد. قال: تفكّهون تعجّبون أي يعجب بعضكم بعضا مما نزل به وأصله من تفكّه القوم بالحديث إذا عجب بعضهم بعضا منه، ويروى أنها قراءة عبد الله فَظَلْتُمْ «١» بكسر الظاء. والأصل ظللتم كما قال: [الطويل] ٤٦٠-
ظللت بها أبكي وأبكي إلى الغد
«٢» فمن قال: ظلتم حذف اللام المكسورة تخفيفا ومن قال: ظلتم ألقى حركة اللام على الظاء بعد حذفها والأصل تتفكّهون، والمعنى تقولون إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قال عكرمة: إنّا لمولع بنا، وقال قتادة: لمعذبون، وقيل: قد غرمنا في زرعنا، وقول قتادة حسن بيّن لأنه معروف في كلام العرب، إنه يقال للعذاب والهلاك: غرام. قال الأعشى: [الخفيف] ٤٦١-
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنّه لا يبالي
«٣»
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٧]
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)
أي ليس نحن مغرمين لكنا قد حرمنا وحورفنا.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٨]
أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨)
الَّذِي في موضع نصب وتَشْرَبُونَ صلته والتقدير: تشربونه حذفت الهاء لطول الاسم وحسن ذلك لأنه رأس آية.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٦٩]
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩)
أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ الأصل: أأنتم خفّفت الهمزة الثانية فجيء بها بين بين.
والدليل على أنها متحركة وهي بين بين أن النون بعدها ساكنة والاختيار عند الخليل
(١) انظر البحر المحيط ٨/ ٢١١.
(٢) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ص ٥، وشرح القصائد السبع الطوال لابن الأنباري ١٣٢، وصدره:
«لخولة أطلال برقة ثهمد».
(٣) الشاهد للأعشى في ديوانه ص ٩.
وسيبويه «١» أن يؤتى بها بين بين لثقل اجتماع الهمزتين. أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ مبتدأ وخبره.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧٠]
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠)
لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً قال الفرّاء: الأجاج الملح الشديد المرارة. فَلَوْلا تَشْكُرُونَ أي فهلّا تشكرون الذي لم نجعله ملحا فلا تنتفعون به في مشرب ولا زرع.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧١]
أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١)
قال بعض العلماء: أي ترونها بأبصاركم. قال أبو جعفر: وهذا غلط ولو كان كما قال لكان ترون إنما هو من أوريت الزند أوريه إذا قدحته.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧٢]
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)
أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أي اخترعتموها وأحدثتموها. أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ وإن شئت جئت بهمزة بين بين أي بين الهمزة والواو، ولهذا قال محمد بن يزيد: لا يجوز أن تكتب إلّا بالواو أي بواوين، وكذا «يستهزئون»، ومن كتبها بالياء فقد أخطأ عنده، لأن الضمة أقوى الحركات فإذا كانت الهمزة مضمومة متوسّطة لم يكن قبلها حكم، ومن أبدل من الهمزة قال المنشوون والمستهزوون، قال أبو جعفر: وهذه لغة رديئة شاذّة لا توجد إلّا في يسير من الشعر، وسمعت علي بن سليمان يحكي أن الصحيح من قول سيبويه أنه لا يجيز إبدال الهمزة يعني في غير الشعر، قال: لأن أبا زيد قال له: من العرب من يقول قرا بغير همزة فقال له سيبويه: فكيف يقولون في المستقبل فقال: يقرا فقال: هذا إذن خطأ لأنه كان يجب أن يقولوا: يقري حتّى يكون مثل رمى يرمي. قال أبو الحسن: فهذا من سيبويه يدلّ على أنه لا يجيزه.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧٣]
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣)
نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً مفعولان أي ذات تذكرة. وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: المقوون المسافرون، وقال ابن زيد: المقوي الجائع. قال أبو جعفر: أصل هذا من أقوت الدّار أي خلت، كما قال عنترة: [الكامل] ٤٦٢-
حييت من طلل تقادم عهده أقوى وأقفر بعد أمّ الهيثم
«٢» ويقال: أقوى إذا نزل بالقيّ أي الأرض الخالية، وأقوى إذا قوي أصحابه أي خلوا من الضعف.
(١) انظر الكتاب ٤/ ٣١.
(٢) الشاهد لعنترة في ديوانه ١٨٩، ولسان العرب (شرع)، وتهذيب اللغة ١/ ٤٢٤، وتاج العروس (شرع)، والمقاصد النحوية ٣/ ١٨٨.

[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٧٤]

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)
أي بذكره وأسمائه الحسنى.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٧٥ الى ٨٠]
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ (٧٥) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨٠)
فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ «١» قول ابن عباس أنه نزول القرآن، واستدلّ الفرّاء «٢» على صحة ذلك لأن بعده وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (٧٦) وقول الحسن أي بمساقط النجوم، وزعم محمد بن جرير أن هذا القول أولى بالصواب لأنه المتعارف من النجوم أنها هي الطالعة إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) أي مصون. لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩) من نعت الكتاب. تَنْزِيلٌ من نعت القرآن أي ذو تنزيل أي منزّل مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٨١]
أَفَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (٨١)
أي تلينون الكلام لمن كفر بهذا الكتاب المكنون.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٨٢]
وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (٨٢)
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قرأ وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون «٣» وعن ابن عباس وتجعلون شكركم أنكم تكذّبون. قال أبو جعفر:
وهاتان القراءتان على التفسير، ولا يتأوّل على أحد من الصحابة أنه قرأ بخلاف ما في المصحف المجمع عليه، وكذا التفسير. والمعنى على قراءة الجماعة وتجعلون شكر رزقكم ثمّ حذف مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢]، وقد فسر ابن عباس هذا التكذيب كيف كان منهم قال: يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، وقد سمّى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هذا كفرا، قال أبو إسحاق: ونظيره قول المنجّم إذا طلع نجم كذا ثمّ سافر إنسان كان كذا فهذا التكذيب بإنذار الله جلّ وعزّ.
[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٨٤ الى ٨٣]
مخاطبة لمن حضر ميتا: فالتقدير: فلا ترجعونها إن كنتم صادقين، يقال: رجع
(١) انظر تيسير الداني ١٦٨ (قرأ حمزة والكسائي «بموقع» بإسكان الواو من غير ألف والباقون بفتح الواو وألف بعدها).
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ١٢٩.
(٣) انظر المحتسب ٢/ ٣١٠، والبحر المحيط ٨/ ٢١٤. [.....]
الأصل في ريحان ريحان والياء الأولى منقلبة من واو. وأصله روحان، أدغمت الواو في الياء ثم خفّفت، كما يقال: ميت إلّا أنه لا يؤتى به على الأصل إلا على بعد لأن فيه ألفا ونونا زائدتين. وَجَنَّةُ نَعِيمٍ أي وله مع ذلك جنّة نعيم.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٠]
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩٠)
أي ممن أخذ به ذات اليمين إلى الجنة.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩١]
فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١)
فيه أقوال: قال قتادة فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ سلموا من عذاب الله جلّ وعزّ وسلّمت عليهم الملائكة وقيل فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ (٩١) أي لك منهم سلام أي يسلّمون عليك. وهذا قول نظري لأن المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم فلا يخرج إلى غيره إلّا بدليل قاطع، وقيل فَسَلامٌ لَكَ فمسلّم لك أنك من أصحاب اليمين، وحذفت «أنّ» والمعنى لأنك من أصحاب اليمين. وحذف «أنّ» خطأ في العربية لأن ما بعدها داخل في صلتها وإن كان قائل هذا القول الفرّاء «١» وقد ذهب إليه محمد بن جرير.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٢]
وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢)
أي الجائرين عن الطريق.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٣]
فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣)
فَنُزُلٌ أي عذاب مِنْ حَمِيمٍ وهو الماء الحار.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٤]
وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (٩٤)
أي إحراقه.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٥]
إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥)
الكوفيون «٢» يجيزون إضافة الشيء إلى نفسه ويجعلون هذا منه، وذلك عند البصريين خطأ لأنه يبين الشيء بغيره، والمضاف إليه يبيّن به. قال مجاهد: حقّ اليقين حقّ الخبر اليقين، وقال أبو إسحاق: المعنى أن هذا الذي قصصناه في هذه السورة يقين حقّ اليقين، كما تقول: فلان عالم حقّ العالم، إذا بالغت في التوكيد.
[سورة الواقعة (٥٦) : آية ٩٦]
فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦)
أي فنزّه الله جلّ وعزّ عن كفرهم بأسمائه الحسنى.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ١٣١.
(٢) انظر الإنصاف المسألة رقم (١١٤١).
Icon