تفسير سورة الواقعة

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الواقعة١ مكية
وهي ست وتسعون آية وثلاث ركوعات
١ عن ابن مسعود سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول:" من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه الفاقة أبدا" أخرجه البيهقي في الشعب، والحارث بن أبي أسامة [ضعيف، انظر ضعيف الجامع (٥٧٨٥)، والضعيفة] وأبو يعلى، وابن مردويه وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال "سورة الواقعة سورة الغناء فاقرءوها وعلموا أولادكم" ["موضوع" وانظر كشف الخفاء للعلجوني (١/ ٥٢٥)] أخرجه ابن عساكر/١٢ فتح..

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ إذا وقعت الواقعة ﴾ أي : اذكر إذا قامت القيامة،
﴿ ليس لوقعتها ﴾ لمجيئها، ﴿ كاذبة ﴾ أي : كذب، بل هي واقعة صادقة نحو جملة صادقة، أو ليس لأجل وقعتها نفس كاذبة، فإن من أخبر عنها صدق، قيل : لا تكون حين تقع١ نفس الكذب على الله تعالى، فإن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة،
١ على الوجه الأخير اللام في لوقعتها للتأنيث نحو ﴿يا ليتني قدمت لحياتي﴾ [الفجر: ٢٤]/ ١٢ منه..
﴿ خافضة ﴾ : تخفض قوما، ﴿ رافعة ﴾ : ترفع آخرين،
﴿ إذا رجت الأرض رجا ﴾ : حركت تحريكا شديدا ظرف لخافظة، أو بدل من إذا وقعت،
﴿ وبست الجبال بسا ﴾ : فتت حتى تعود كالسويق، أو سيرت،
﴿ فكانت هباء ﴾ : غبارا، ﴿ منبثا ﴾ : منتشرا،
﴿ وكنتم أزواجا ﴾ : أصنافا، ﴿ ثلاثة ﴾ أي : ينقسم الناس يومئذ إلى ثلاثة أصناف،
﴿ فأصحاب الميمنة ﴾ : الذين هم عن يمين العرش، أو كانوا عن يمين آدم عند إخراج الذرية من ظهره أو الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم، أو أصحاب المنزلة السنية، أو أصحاب اليمن، ﴿ ما أصحاب الميمنة ﴾، جملة استفهامية تعجبية خبر للمبتدأ١،
١ أي الجملة الاستفهامية خبر لأصحاب الميمنة، بإقامة الظاهر مقام المضمر أي: أصحاب الميمنة أي شيء لهم/١٢ منه..
﴿ وأصحاب المشئمة ﴾، مقابل الميمنة بالمعاني، ﴿ ما أصحاب المشئمة ﴾
﴿ والسابقون ﴾ : إلى الهجرة، أو إلى إجابة الرسول أو إلى الخيرات، ﴿ السابقون١، خبر للمبتدأ نحو شعرى شعري،
١ قال الحسن وقتادة: هم السابقون إلى الإيمان من كل أمة عند ظهور الحق من غير تلعثم/١٢ فتح..
﴿ أولئك المقربون في جنات النعيم ﴾ : قرّبت درجاتهم في الجنة، وقيل : حال من ضمير المقربون، أو خبر بعد خبر،
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١١:﴿ أولئك المقربون في جنات النعيم ﴾ : قرّبت درجاتهم في الجنة، وقيل : حال من ضمير المقربون، أو خبر بعد خبر،
﴿ ثلة ﴾ أي : هم جماعة كثيرة، أو خبر آخر لأولئك، ﴿ من الأولين ﴾ : الأمم الماضية، من آدم إلى محمد- عليهما الصلاة والسلام-
﴿ وقليل من الآخرين ﴾ من هذه الأمة، فإن السابقين منهم أقل من مجموع السابقين من سائر الأمم أو هم كثير من متقدمي هذه الأمة، وقليل من متأخريها، وكثير من السلف على ذلك، وعليه بعض الأحاديث،
﴿ على سرر موضونة ﴾ : منسوجة بالذهب مشبكة بالجواهر خبر آخر للضمير المحذوف،
﴿ متكئين عليها١ متقابلين ﴾ : وجوه بعضهم إلى بعض٢ ليس أحد وراء أحد حالان من ضمير على سرر،
١ أي: على السرر على الجنب أو غيره، كحال من يكو ن على كرسي فيوضع تحته شيء آخر للاتكاء عليه/١٢ فتح..
٢ من غاية الأنس/١٢..
﴿ يطوف عليهم ﴾ : للخدمة، ﴿ ولدان ﴾ : غلمان، ﴿ مخلدون١ : لا يشيبون٢ ولا يتغيرون،
١ قيل: هم ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا، لا حسنة لهم ولا سيئة، وهو ضعيف، وقيل: هم أطفال المشركين ماتوا قبل التكليف، ولا يبعد أن يكونوا مخلوقين في الجنة ابتداء كالحور العين من غير ولادة للقيام بهذه الخدمة ليسوا من أولاد الدنيا، وهذا هو الصحيح، وأطلق عليهم اسم الولدان لأن العرب تسمي الغلام وليدا ما لم يحتلم، والأمة وليدة وإن أسنت/١٢ فتح..
٢ لا يموتون/١٢..
﴿ بأكواب ﴾ : إناء لا عروة ولا خرطوم له، والباء للتعدية، ﴿ وأباريق ﴾ : الجامع للوصفين١، ﴿ وكأس من معين ﴾ : من خمر جار،
١ من العروة والخرطوم/١٢..
﴿ لا يصدعون عنها١ ولا ينزفون ﴾ : لا ينشأ عنها صداعهم، ولا ذهاب٢ عقلهم،
١ عن شربها/١٢..
٢ بخلاف خمر الدنيا، أو المعنى لا يتفرقون عنها، ولا تقطع لذتهم يقال: تصدع السحاب عن المدينة أي: تفرق/١٢..
﴿ وفاكهة مما يتخيرون ﴾ : يختارون،
﴿ ولحم طير١ مما يشتهون ﴾
١ أخرج أحمد والترمذي عن أنس قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم:"إن طير الجنة كأمثال البخت ترعى في شجر الجنة"، فقال أبو بكر: يا رسول الله إن هذا الطير لناعمة قال:"أكلها أنعم منها، وإني لأرجو أن تكون ممن يأكل منها" [صحيح، انظر صحيح سنن الترمذي (٢٠٦٣)]/١٢ فتح..
﴿ وحور١ عين ﴾ أي : وفيها حور عين، أو عطف على ولدان، ومن قرأ بالجر فعطف على جنات أي : أولئك في صحبة حور عين، أو على بأكواب بحسب المعنى، فإن حاصل معناه ينعمون بأكواب، وكذا وكذا أو بحسب اللفظ أيضا أي : يطوف الغلمان بالحور العين عليهم في خيامهم وخلواتهم،
١ والحور: شديدات بياض أجسادهن، قال أبو عمر: وليس في بني آدم إنما قيل للنساء حور العين تشبيها بالظبا والبقر، والعين شديدات سواد العيون مع سعتها/١٢ فتح..
﴿ كأمثال اللؤلؤ المكنون١ : المصون عما يضر به،
١ وفي الحديث:"صفائهن كصفاء الدر الذي لا يمسه الأيادي"/١٢ وجيز..
﴿ جزاء ﴾ أي : يفعل ذلك كله بهم للجزاء، ﴿ بما كانوا يعملون١
١ في الدنيا وأن المنازل في الجنة على قدر الأعمال، وأما نفس دخول الجنة فيرحمه الله وفضله، وعلى ذلك النص الصريح الصحيح/١٢ وجيز..
﴿ لا يسمعون فيها لغوا ﴾ : عبثا باطلا، ﴿ ولا تأثيما ﴾ : ولا ما يوقع في الإثم أو لا نسبة إلى الإثم أي : لا يقال لهم أثمتم،
﴿ إلا قليلا ﴾ : قولا، ﴿ سلاما سلاما ﴾ أي : إلا التسليم منهم بعضهم على بعض بدل من قيل أو مفعول به، والمستثنى إما متصل أي : لا لغوا إلا السلام، ومعلوم أن السلام ليس بلغو، فلا لغو،
﴿ وأصحاب اليمين ما أصحاب١ اليمين ﴾ : هم الأبرار دون المقربين،
١ لما ذكر نعيم المقربين يذكر نعيم الأبرار/١٢ وجيز..
﴿ في سدر مخضود ﴾ : لا شوك له، أو مثنى الغصن من كثرة الحمل،
﴿ وطلح ﴾ : أم غيلان١ له أنوار طيب الرائحة، وظل بارد، أو موز ويؤيد الأول ما روى عن بعض السلف أن المسلمين نظروا إلى " وج " وهو واد بالطائف فأعجبهم ظلال أشجارها، وأشجارها سدر، وطلح فنزلت، ﴿ منضود ﴾ : متراكم قد نضد بالحمل من أسفله إلى أعلاه،
١ أم غيلان: شجر السمر، والسمر: نوع من الشجر صغار الورق، قصار الشوك، وله برمة صفراء يأكلها الناس..
﴿ وظل ممدود ﴾ : منبسط، أو دائم، وفي الحديث١ " إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام ما يقطعها واقرءوا إن شئتم " وظل ممدود "،
١ رواه الشيخان/١٢ وجيز..
﴿ وماء مسكوب ﴾ : مصبوب يجري على الأرض من غير أخدود،
﴿ وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ﴾ : في زمان، ﴿ ولا ممنوعة ﴾ : من أحد،
﴿ وفرش مرفوعة ﴾ في الحديث١ " ارتفاعها كما بين السماء والأرض " أو رفيعة القدر، أو مرفوعة بعضها فوق بعض، وقيل : نساء رفعن بالجمال والفضل على نساء الدنيا، والعرب تسمى المرأة فراشا ولباسا،
١ رواه الترمذي والنسائي [ضعيف، كما في تعليق الشيخ الألباني على المشكاة (٥٦٣٤)]/١٢..
﴿ إنا أنشأناهن ﴾، الضمير لما دل عليه السياق، وهو ذكر الفرش على النساء أي : أعدنا إنشاءهن، ﴿ إنشاء ﴾ : جديدا،
﴿ فجعلناهن أبكارا١
١ عذاري قاله ابن عباس أي: كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن عذارى، ولا يحصل لهن وجع في إزالة البكارة/١٢ فتح.
﴿ عربا ﴾ : عواشق١ لأزواجهن، أو مغنوجة، أو كلامهن٢ عربي، ﴿ أترابا ﴾ : مستويات في السن بنات ثلاث وثلاثين، أو مستويات في الأخلاق لا تباغض ولا تحاسد كما في ضرائر الدنيا يأتلفن ويلعبن جميعا، وفي الحديث٣ " هن اللواتي قبضن عجائز، خلقهن الله بعد الكبر فجعلهن عذارى متعشقات على ميلاد واحد أفضل من الحور العين كفضل الظهارة على البطانة، ومن يكون لها أزواج في الدنيا تخير فتختار أحسنهم خلقا "،
١ صرح بهذا المعنى أكثر السلف/١٢ وجيز..
٢ قد نقل ابن أبي حاتم حديثا دالا على هذا المعنى/١٢ وجيز..
٣ هذا مختصر ما في الترمذي، والطبراني [وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث موسى بن عبيدة، وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبان القرشي يضعفان في الحديث والحديث ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف الترمذي"]/١٢ وجيز..
﴿ لأصحاب اليمين ﴾، متعلق بأنشأنا، أو صفة لأبكارا أو خبر لمحذوف.
﴿ ثلة ﴾ : هم جماعة كثيرة، ﴿ من الأولين ﴾ : الأمم الماضية غير هذه الأمة،
﴿ وثلة من الآخرين ﴾ : من هذه الأمة، أو ثلة من المتقدمين من هذه الأمة، وثلة من المتأخرين منهم، وعلى التفسير الأول يلزم أن المقربين من هذه الأمة قليلون بالنسبة إلى جميع الأمم الماضية، ولا يلتزم قتلهم، ولكن الأبرار كثيرون بالنسبة إليهم أيضا،
﴿ وأصحاب الشمال وما أصحاب الشمال في سموم ﴾ : حر نار، ﴿ وحميم ﴾ : ماء في غاية الحرارة،
﴿ وظل من يحموم ﴾ : دخان أسود،
﴿ لا بارد ولا كريم ﴾ : حسن المنظر، أو نافع،
﴿ إنهم كانوا قبل ذلك ﴾ : في الدنيا، ﴿ مترفين ﴾ : منهمكين في الشهوات،
﴿ وكانوا يصرون على الحنث ﴾ : الذنب، ﴿ العظيم ﴾، وهو الشرك، أو اليمين الغموس،
﴿ وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ﴾، همزة الإنكار كررت لمزيد الإنكار، والعامل في إذا ما دل عليه مبعوثون،
﴿ أو آباؤنا الأولون ﴾ عطف على محل إن واسمها، أو على ضمير مبعوثون، وجاز للفصل بالهمزة أي : أيبعث آباؤنا أيضا، فإنهم أقدم ؟ ! فبعثهم، أبعد،
﴿ قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ﴾ : إلى ما وقتت به الدنيا، وحدّت من يوم معين عند الله تعالى،
﴿ ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر ﴾، من للابتداء، ﴿ من زقوم ﴾، من للبيان،
﴿ فمالئون منها١ البطون ﴾ : يسجرون حتى يأكلوا ملأ بطونهم،
١ الضمير للشجر، وهو اسم جنس يؤنث ويذكر /١٢ وجيز..
﴿ فشاربون عليه من الحميم١، تأنيث الضمير في منها، وتذكيره في عليه على المعنى ولفظه
١ الماء الحار الذي في نهاية الحر، فهذا غذاؤهم وهذا شرابهم/١٢..
﴿ فشاربون شرب الهيم ﴾ : مثل١ شرب الإبل التي بها الهيام داء تشبه الاستسقاء، وعن بعض الهيم الإبل المراض تمص الماء مصا، ولا تروى، وكل من المعطوف والمعطوف عليه أخص من الآخر فحسب العطف،
١ وفي النسخة ن: جمع أهيم مثل..
﴿ هذا نزلهم ﴾ : رزقهم الذي يعد لهم تكرمة لهم، ﴿ يوم١ الدين ﴾ : يوم الجزاء، وإذا كان هذا نزلهم فما ظنك بما يعد لهم من بعد،
١ ولما ذكر ما لأصحاب الشمال استدل لهم على خلاف ما هم عليه كأن يفضحهم فقال:﴿نحن خلقناكم﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ نحن خلقناكم ﴾ : بعد أن لم تكونوا شيئا مذكورا، ﴿ فلولا تصدقون ﴾ أي : فهلا تصدقون بابتداء الخلق كأن أعمالهم خلاف ما يقتضيه التصديق، فحضهم عليه،
﴿ أفرأيتم ما تمنون ﴾ : تصبون في الأرحام من النطف ؟ !
﴿ أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون ﴾، فعلم أن الابتداء منا،
﴿ نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين ﴾ : مغلوبين عاجزين،
﴿ على أن نبدل أمثالكم ﴾ : نغير صفاتكم جمع مثل، ﴿ وننشئكم فيما لا تعلمون ﴾ : في صفات لا تعلمونها أي : فما نحن بعاجزين عن الإعادة، وهي تبديل الصفات إلى صفات أخرى، أو ما نحن لعاجزين على أن نأتي بخلق مثلكم بدلا عنكم، وعلى أن نخلقكم فيما لا تعلمونه من الصور كالقردة، والخنازير، فعلى هذا الأمثال جمع مثل بسكون الثاء، وفي الآية الثانية والثالثة ما يشعر، ويلائم هذا المعنى، وهو قوله :﴿ لو نشاء لجعلناه حطاما ﴾، ﴿ ولو نشاء جعلناه أجاجا ﴾، أو يكون معنى الآية، نحن خلقناكم ابتداء، فهلا تصدقون بالبعث، ثم استدل، وقال أما ترون المني فكيف تجمع أولا في الرجل، وهو منبث في أطراف العالم، ثم نجمع في الرحم بعدما كان منبثا في أعضاء الرجل، ثم نكون الحيوان منه، فإذا افترق بالموت مرة أخرى ألم نقدر على جمعه وتكوينه مرة أخرى ؟ !
﴿ ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون ﴾ : فهلا١ تذكرون أن من قدر عليها قدر على النشأة الأخرى،
١ أي: فهلا تذكرون قدرة الله سبحانه على النشأة الأخرى، وتقيسونها على النشأة الأولى، وفيه دليل على صحة القياس حيث جهلهم في ترك قياس النشأة الأخرى على النشأة الأولى/١٢ مدارك..
﴿ أفرأيتم ما تحرثون ﴾ تبذرون حبة،
﴿ أأنتم تزرعونه ﴾ : تنبتونه ؟ ! ولذلك قال- عليه السلام :" لا يقولن أحدكم زرعت، وليقل١ غرثت " ﴿ أم نحن الزارعون ﴾
١ قال أبو هريرة- رضي الله عنه- ألم تسمعوا الله يقول: ﴿أفرأيتم ما تحرثون﴾؟ الآية، رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو نعيم والبيهقي في الشعب/١٢..
﴿ لو نشاء لجعلناه حطاما ﴾ : هشيما لا ينتفع به، ﴿ فظلتم تفكهون ﴾ : بالمقالة تنتقلون بالحديث١،
١ وقد استعير من التنقل بأنواع الفاكهة إلى التنقل بالحديث/١٢وجيز..
﴿ إنا لمغرمون ﴾ : استئناف مبين لمقالتهم، أي : يقولون إنا لمعذبون مهلكون، أو لملزمون غرامة ما أنفقنا، والمغرم الذي ذهب ماله بغير عوض،
﴿ بل نحن محرومون ﴾ : محدودون ممنوعون، وعن الكسائي : التفكه من الأضداد يستعمل في التنعم والتحزن،
﴿ أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن ﴾ : السحاب جمع مزنة، ﴿ أم نحن المنزلون ﴾
﴿ لو نشاء جعلناه أجاجا ﴾ : شديد الملوحة، ﴿ فلولا تشكرون ﴾
﴿ أفرأيتم النار التي تورون ﴾ : تقدحون،
﴿ أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ﴾، للعرب شجرتان المرخ والعفار تحك أحد غصنيهما بالآخر فيتناثر منهما شرر النار،
﴿ نحن جعلناها تذكرة١ : لنار جهنم، ﴿ ومتاعا ﴾ : منفعة، ﴿ للمقوين ﴾ : الذين ينزلون القواء، أي : المفازة، فإن انتفاعهم بالزند أكثر من انتفاع الحضريين، أو الجائعين، فإن أصل القواء الخلو،
١ عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:"ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم" قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال:"فإنها فضلت عليها بتسعة وستين، جزءا كلها مثل حرها". رواه البخاري ومسلم/١٢ الباب..
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾ : فجدد التسبيح، ونزهه عن النقائص باستعانة ذكر اسمه العظيم، أو اسم ذاته العظيم تنزيها عما يقولون، أو تعجبا أو شكرا.
﴿ فلا أقسم ﴾، لا مزيدة لتأكيد١ القسم، أو ردّ لقول الكفار أنه سحر وشعر، ثم استأنف القسم، ﴿ بمواقع النجوم ﴾ أي : نجوم القرآن، ومواقعها أوقات نزولها، أو بمغارب٢ نجوم السماء، أو منازلها، أو انتشارها يوم القيامة،
١ وبه قال أكثر المفسرين/١٢ لباب..
٢ والتخصيص بالمغارب لما في المغارب زوال أثرها الدال على أن له مؤثرا كما استدل إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- بالأفول فقال: "لا يحب الآفلين"/١٢ وجيز..
﴿ وإنه ﴾ : هذا القسم الذي أقسمت به، ﴿ لقسم لو تعلمون عظيم١ : لو تعلمون اعتراض بين الموصوف والصفة،
١ ولله تعالى سر في تعظيمه هو الذي يعلمه/١٢ وجيز..
﴿ إنه لقرآن ﴾، جواب القسم، ﴿ كريم ﴾ : كثير النفع،
﴿ في كتاب مكنون ﴾ : مصون من الشياطين وهو اللوح،
﴿ لا يمسه ﴾ أي : الكتاب المكنون الذي في السماء، ﴿ إلا المطهرون١ أي : الملائكة٢، وعن بعض زعمت قريش أن القرآن تنزلت به الشياطين فردهم الله تعالى بقوله :﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ كما قال :﴿ وما تنزلت به الشياطين ﴾ [ الشعراء : ٢١٠ ] أو لا يمس القرآن إلا المطهرون من الجنابة والحدث، والمراد من القرآن حينئذ المصحف كما نقل " نهى- عليه الصلاة والسلام- أن يسافر بالقرآن أي : المصحف إلى الأرض العدو "، ويكون نفيا بمعنى النهي أو لا يجد طعمه ونفعه إلا المطهرون من الشرك،
١ ذهب الجمهور إلى منع المحدث من مس المصحف، وبه قال علي وابن مسعود وسعد بن أبي القاص وسعيد بن زيد رضي الله عنهم، وعطاء والزهري والنخعي والحكم وحماد وجماعة من الفقهاء منهم مالك والشافعي وروى عن ابن عباس- رضي الله عنهما- والشعبي وجماعة منهم أبو حنيفة أنه يجوز لمحدث مسه، وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في هذا في شرحه للمنتقي، فليرجع إليه قال ابن عباس- رضي الله عنهما: في الآية الكتاب المنزل من السماء لا يمسه إلا الملائكة، وعن أنس- رضي الله عنه- قال: المطهرون الملائكة، وعن علقمة قال: أتينا سلمان الفارسي، فخرج علينا من كنيف، فقلنا: لم توضأت يا أبا عبد الله، ثم قرأت علينا سورة كذا وكذا قال: إنما قال الله:﴿في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون﴾، وهو الذي في السماء لا يمسه إلا الملائكة، ثم قرأ علينا ما من القرآن شئنا أخرجه عبد الرزاق، وابن المنذر وعن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيه قال: في كتاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لعمر بن حزم: " لا يمس القرآن إلا على طهر" أخرجه مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر وأخرجه أبو داود في المراسيل من حديث الزهري قال: قرأت في صحيفة عبد الله المذكور أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:" ولا يمس القرآن إلا طاهر"، وقد أسنده الدار قطني عن عمرو بن حزم وغيره، وفي أسانيدها نظر، وعن ابن عمر أنه كان لا يمس المصحف إلا متوضئا، وعن معاذ بن جبل أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لما بعثه إلى اليمن كتب له في عهده "أن لا يمس القرآن إلا طاهرا" أخرجه ابن مردويه/١٢ فتح..
٢ كذا فسره ابن عباس، والأكثرون من السلف/١٢ وجيز..
﴿ تنزيل من رب العالمين ﴾، صفة أخرى للقرآن، وفيها مبالغة،
﴿ أفبهذا الحديث ﴾ أي : القرآن، ﴿ أنتم مدهنون ﴾ : متهاونون مكذبون،
﴿ وتجعلون رزقكم ﴾ : الرزق١ بمعنى الشكر في لغة أو تشكر رزقكم الذي هو المطر، ﴿ أنكم تكذبون ﴾ : بمعطيه، وتقولون : مطرنا بنوء كذا، أو تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن تكذيبكم،
١ أي: شكر رزقكم الذي هو المطر فسره الرسول المنزل عليه- صلى الله عليه وسلم- بذلك كما نقله الإمام أحمد والترمذي، وهو المنقول عن ابن عباس /١٢-١٢ وجيز منه..
﴿ فلولا ﴾ : هلا، ﴿ إذا بلغت ﴾ : النفس، ﴿ الحلقوم ﴾ :
﴿ وأنتم ﴾ يا أهل الميت، ﴿ حينئذ تنظرون ﴾ : حاله أو أمري وسلطاني ولا تقدرون على دفعه، والواو للحال،
﴿ ونحن أقرب١، المراد الملائكة كما قال تعالى :﴿ وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء ﴾ الآية [ الأنعام : ٦١ ]، أو نحن أعلم، ﴿ إليه ﴾ : إلى المحتضر، ﴿ منكم ﴾ : أيها الحاضرون، ﴿ ولكن لا تبصرون ﴾ : قربنا، ولا تعرفون قدرتنا،
١ يقول الملائكة: ولكن لا تبصرون يقول: لا تبصرون الملائكة، نقله السيوطي في الدر المنثور برواية ابن مردويه عن ابن عباس في حديث طويل/١٢، قد مر بعض الكلام على هذه الآية في سورة "ق" تحت قوله تعالى: ﴿ونحن أقرب إليه من حبل الوريد﴾ [ق: ١٦]، فتذكر/١٢..
﴿ فلولا ﴾ : فهلا، ﴿ إن كنتم غير مدينين ﴾ : محاسبين مجزيين في القيامة،
﴿ ترجعونها ﴾ : النفس إلى مقرها بعدما بلغت الحلقوم، ﴿ إن كنتم صادقين ﴾ : إنه لا بعث ولا حساب لولا الثاني تأكيد للأول، والعامل في الظرف ترجعونها، وهو المحضض عليه أي : هلا ترجعونها إذا بلغت الحلقوم إن كنتم غير مدينين صادقين في ذلك، وجواب الشرط يدل عليه السياق، وحاصله أنكم تنسبون إلى الافتراء كتابي، وإلى الساحر رسولي، وإلى غيري رحمتي ومطري، وتزعمون أن لا بعث ولا حساب، ولا إله يجازي فنفيتم قدرتي واختياري، فما لكم لا تردون روح من يعز عليكم إذا بلغ الحلقوم، وأنتم ناظرون إليه، وما يقاسيه من شدة النزع، فإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن فوقكم قادر مختار بيده الأمر لا عجز ولا تعطيل،
﴿ فأما إن كان ﴾ : المتوفى ﴿ من المقربين ﴾ :
﴿ فروح ﴾ : فله راحة، ﴿ وريحان ﴾ : رزق حسن، وعن بعض من السلف : إنه لا يفارق أحدا من المقربين حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيقبض روحه فيه، وفي الحديث١ " ينطلق إلى ولي الله ملك الموت مع خمس مائة من الملك معهم ضبائر٢ الريحان أصل الريحان واحد وفي رأسها عشرون لونا لكل لون ريح سوى ريح صاحبه، ﴿ وجنة نعيم ﴾ : ذات تنعم، أي : يبشر بهذه الثلاثة،
١ في الترمذي وغيره [ذكر ابن كثير في "تفسيره" (٢/٥٣٧) وعزاه لأبي يعلي الموصلي وقال: حديث غريب]/١٢ وجيز..
٢ الضبائر الجماعات، واحدتها ضبارة كعمارة/١٢ منه..
﴿ وأما إن كان ﴾ : المحتضر، ﴿ من أصحاب اليمين ﴾
﴿ فسلام لك ﴾ أي : فيقال له سلام لك يا صاحب اليمين، ﴿ من أصحاب اليمين ﴾ : من إخوانك، أو حصل لك سلامة من العذاب حال كونك من أهل اليمين يبشر بالبشارتين، وعن بعض المفسرين : فسلامة لك يا محمد منهم لا تهتم لهم فإنهم في سدر مخضود،
﴿ وأما إن كان ﴾ : المحتضر، ﴿ من المكذبين الضالين ﴾ : أصحاب الشمال،
﴿ فنزل من حميم ﴾ أي : فله ذلك،
﴿ وتصلية ﴾ : إدخال، ﴿ جحيم ﴾
﴿ إن هذا ﴾ الذي ذكرت، ﴿ لهو حق اليقين١ : حق هو اليقين لا مرية فيه، أو اليقين اسم للعلم الذي لا لبس له، والإضافة بمعنى اللام،
١ والحق هو اليقين من غير ريب قيل: هو إضافة المترادفين على المبالغة كما تقول: صواب الصواب، ويقين اليقين يعني أنه نهاية في ذلك/١٢..
﴿ فسبح باسم ربك العظيم ﴾، قيل : الباء زائدة١، وقد ورد لما نزلت قال -عليه السلام- " اجعلوها في ركوعكم " ولما نزلت " سبح اسم ربك الأعلى " قال :" اجعلوها في سجودكم٢ ".
والحمد لله رب العالمين
١ في البحر (سبح) يتعدى بنفسه وبحرف الجر/١٢ وجيز..
٢ حديث ضعيف ضعفه الشيخ الألباني في "ضعيف ابن ماجه"..
Icon