تفسير سورة الواقعة

معاني القرآن
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب معاني القرآن .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

قوله عز وجل :﴿ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كَاذِبَةٌ ﴾.
يقول : ليس لها مردودة ولا رد، فالكاذبة ها هنا مصدر مثل : العاقبة، والعافية. قال : وقال لي أبو ثروان في كلامه : إن بني نمير ليس لحدهم مكذوبة، يريد : تكذيب.
ثم قال :﴿ خافِضَةٌ رافِعةٌ ﴾ على الاستئناف : أي الواقعة يومئذ خافضة لقومٍ إلى النار، ورافعة لقوم إلى الجنة، ولو قرأ قارئ : خافضةً رافعةً يريد إذا وقعت خافضة لقوم. رافعةً لآخرين، ولكنه يقبح لأن العرب لا تقول : إذا أتيتني زائراً حتى يقولوا : إذا أتيتني فأتني زائراً أو ائتني زائراً، ولكنه حسن في الواقعة ؛ لأنّ النصب قبله آية يحسن عليها السكوت، فحسن الضمير في المستأنف.
وقوله :﴿ إِذَا رُجَّتِ الأَرْضُ رَجّاً ﴾.
إذا زلزلت حتى ينهدم كل بناء على وجه الأرض.
وقوله :﴿ وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ﴾.
صارت كالدقيق، وذلك قوله :﴿ وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ ﴾، وسمعت العرب تنشد :
لا تَخْبِزا خَبْزا وبُسّا بَسّا مَلْسا بذَوْدا لحلَسِّ مَلْسا
والحُمّسِ أيضا والبسيسة عندهم الدقيق، أو السويق يُلَت، ويتخذ زاداً.
وقوله :﴿ وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً ﴾ ثم فسرهم فقال :﴿ فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ﴾.
عجّب نبيّه منهم فقال : ما أصحاب الميمنة ؟ أي شيء هم ؟ وهم أصحاب اليمين..
﴿ وَأَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ ﴾، عجّبه أيضا منهم، وهم أصحاب الشمال.
ثم قال :﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾. فهذا الصنف الثالث، فإن شئت رفعت السابقين بالسابقين الثانية وهم المهاجرون، وكل من سبق إلى نبي من الأنبياء فهو من هؤلاء، فإذا رفعت أحدهما بالآخر، كقولك الأول السابق، وإن شئت جعلت الثانية تشديداً للأُولى، ورفعتْ بقوله :﴿ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠:ثم قال :﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾. فهذا الصنف الثالث، فإن شئت رفعت السابقين بالسابقين الثانية وهم المهاجرون، وكل من سبق إلى نبي من الأنبياء فهو من هؤلاء، فإذا رفعت أحدهما بالآخر، كقولك الأول السابق، وإن شئت جعلت الثانية تشديداً للأُولى، ورفعتْ بقوله :﴿ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ﴾.
وقوله :﴿ على سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ ﴾.
موضونه : منسوجة، وإنما سمت العرب وضين الناقة وضينا لأنه منسوج، وقد سمعت بعض العرب يقول : فإذا الآجر موضون بعضه على بعض يريد : مُشْرَج، [ قال الفراء : الوضين الحِزام ].
وقوله :﴿ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ ﴾.
يقال : إنهم على سن واحدة لا يتغيرون، والعرب تقول للرجل إذا كبر ولم يَشمَط : إنهُ لمخلّد، وإذا لم تذهب أسنانه عن الكبر قيل أيضاً : إنه لمخلد، ويقال : مخلّدون مقرّطون، ويقال : مسوَّرون.
[ ١٩١/ا ] وقوله :﴿ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ ﴾.
والكُوب : ما لا أذن له ولا عروة له. والأباريق : ذوات الآذان وَالعُرَا.
وقوله :﴿ لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْها ﴾ عن الخمر ﴿ وَلاَ يُنزِفُونَ ﴾ أي : لا تذهب عقولهم.
يقال للرجل إذا سكر ؛ قد نُزِف عقله، وإذا ذهب دمه وغشي عليه أو مات قيل : منزوف.
ومن قرأ «يُنْزِفون » : يقول : لا تفنى خمرهم، والعرب تقول للقوم إذا فني زادهم : قد أنْزَفُوا وأقتروا، وأنفضوا، وأرمَلوا، وَأملقوا.
وقوله :﴿ وَحُورٍ عِينٍ ﴾.
خفضها أصحاب عبد الله وهو وجه العربية، وإن كان أكثر القراء على الرفع ؛ لأنهم هابوا أن يجعلوا الحور العين يطاف بهن، فرفعوا على قولك : ولهم حور عين، أو عندهم حور عين. والخفض على أن تتبع آخر الكلام بأوله، وإن لم يحسن في آخره ما حسن في أوله، أنشدني بعض العرب :
إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يَوْماً وزَجّجن الحواجب والعيونا
بالعَين لا تزجج إنما تكحَّل، فردَّها على الحواجب ؛ لأن المعنى يعرف، وَأنشدني آخر :
ولقيتُ زوجك في الوغى متقلداً سيفاً ورمحا
والرمح لا يتقلد، فردّه على السيف.
وقال آخر :
تسمع للأحشاء منه لغطاً ولليدين جُسْأَةً وبَدَدا
وأنشدني بعض بني دبير :
علفتها تِبنا وماءً بارداً حتى شَتَتْ همالةً عيناها
والماء لا يعتلف ؛ إنما يُشرب، فجعله تابعاً للتبن، وقد كان ينبغي لمن قرأ : وحورٌ عين لأنهن زعم لا يطاف بهن أن يقول :«وفاكهةٌ ولَحْم طير » ؛ لأن الفاكهة واللحم لا يطاف بهما ليس يطاف إلاَّ بالخمر وحدها ففي ذلك بيان ؛ لأن الخفض وجه الكلام. وفي قراءة أبي بن كعب : وحورا عيناً أراد الفعل الذي تجده في مثل هذا من الكلام كقول الشاعر :
جئني بمثل بني بَدْرٍ لقومهم أو مثلَ أسرة منظور بن سيار
وقوله :﴿ إِلاَّ قِيلاً سَلاَمًا سَلاَمًا ﴾.
إن شئت جعلت السلام تابعاً للقيل، وهو هو، وَإن شئت أردت إلاّ قيل سلامٍ سلامٍ، فإذا نونت نصبت، لأن الفعل واقع عليه، ولو كان مرفوعاً قيلا سلامٌ سلامٌ لكان جائزاً. وأنشدني بعض العرب وهو العقبلي :
فقلنا السلام فاتقت من أميرها فَما كان إلا ومؤها بالحواجب
أراد حكاية المبتدى بالسلام، وسمع الكسائي العرب يقولون : التقينا فقلنا : سلام سلام، ثم تفرقنا أراد. قلنا : سلام عليكم فردوا علينا.
وقوله :﴿ فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ ﴾.
لا شوك فيه.
وقوله :﴿ وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ﴾.
ذكر الكلبي : أنه الموز، ويقال : هو الطلح الذي تعرفون.
وقوله :﴿ وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ ﴾.
لا شمس فيه كظل ما بين طلوع [ ١٩١/ب ] الفجر إلى أن تطلع الشمس.
وقوله :﴿ وَماء مَّسْكُوبٍ ﴾.
جارٍ غير منقطع.
وقوله :﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾.
لا تجئ في حين وتنقطع في حين، هي أبداً دائمة وَلا ممنوعة كما يمنع أهل الجنان فواكههم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:وقوله :﴿ وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لاَّ مَقْطُوعَةٍ وَلاَ مَمْنُوعَةٍ ﴾.
لا تجئ في حين وتنقطع في حين، هي أبداً دائمة وَلا ممنوعة كما يمنع أهل الجنان فواكههم.

وقوله :﴿ وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ ﴾.
بعضها فوق بعض.
وقوله :﴿ إِنا أَنشَأْناهُنَّ إِنشَاء ﴾.
يقول : أنشأنا الصَّبية والعجوز، فجعلناهن أتراباً أبناء ثلاث وثلاثين.
وقوله :﴿ عُرُباً ﴾.
واحدهن : عَروب، وهي المتحببة إِلى زوجها الغَنِجة.
حدثنا الفراء قال وحدثني شيخ عن الأعمش قال : كنتُ أسمعهم يقرءون :«عُرْباً أتراباً » بالتخفيف، وهو مثل قولك : الرسْل والكتب في لغة تميم وبكر بالتخفيف ولتثقيل وجه القراءة، لأن كلّ فعول أو فعيل أو فِعال جمع على هذا المثال، فهو مثقّل مذكراً كان أو مؤنثاً، والقراء على ذلك.
وقوله :﴿ لاًّصْحابِ الْيَمِينِ ﴾.
أي : هذا لأصحاب اليمين.
وقوله ها هنا :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ ﴾.
وقد قال في أول السورة :﴿ ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين ﴾ :
وذكروا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا وشق عليهم.
قوله :﴿ وقليل من الآخرين ﴾، فأنزل الله جل وعز هذه ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ ﴾. ورفعها على الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول : ولأصحاب اليمين ثلتان : ثلة من هؤلاء، وثلة من هؤلاء، والمعنى : هم فرقتان : فرقة من هؤلاء، وفرقة من هؤلاء.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٩:وقوله ها هنا :﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ ﴾.
وقد قال في أول السورة :﴿ ثُلَّةٌ مِن الأوَّلين وقليلٌ مِن الآخِرين ﴾ :
وذكروا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكوا وشق عليهم.
قوله :﴿ وقليل من الآخرين ﴾، فأنزل الله جل وعز هذه ﴿ ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلِينَ، وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخِرِينَ ﴾. ورفعها على الاستئناف، وإن شئت جعلتها مرفوعة، تقول : ولأصحاب اليمين ثلتان : ثلة من هؤلاء، وثلة من هؤلاء، والمعنى : هم فرقتان : فرقة من هؤلاء، وفرقة من هؤلاء.

وقوله :﴿ وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ ﴾.
واليحموم : الدخان الأسود.
وقوله :﴿ لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ ﴾.
وجه الكلام أن يكون خفضاً متبعاً لما قبله.
ومثله :﴿ زَيْتُونَةٍ لا شرقيةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ ﴾. وكذلك :﴿ وفاكهةٍ كثيرةٍ لا مقطُوعةٍ ولا ممنوعةٍ ﴾، ولو رفعت ما بعد لا لكان صوابا من كلام العرب، أنشدني بعضهم :
وتُريكَ وجها كالصحيفةِ، لا ظمآنُ مختلجٌ، ولا جَهْمُ
كعقيلةِ الدُّرِّ استضاء بها محراب عرْش عزيزها العُجْمُ
وقال آخر :
ولقد أبِيت من الفتاة بمنزلٍ فأبيت لا زانٍ ولا محروم
يستأنفون بلا، فإذا ألقوها لم يكن إلاّ أن تتبع أول الكلام بآخره، والعرب تجعل الكريم تابعاً لكل شيء نفت عنه فعلا تنوي به الذم، يقال : أسمينٌ هذا ؟ فتقول : ما هو بسمين ولا كريم، وما هذه الدار بواسعة ولا كريمة.
وقوله :﴿ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ﴾.
متنعمين في الدنيا.
وقوله :﴿ وَكَانُواْ يُصِرُّونَ على الْحِنثِ الْعَظِيمِ ﴾.
الشرك : هو الحنث العظيم.
وقوله :﴿ لآكِلُونَ [ ١٩٢/ا ] مِن شَجَرٍ ﴾.
وهي في قراءة عبد الله : الآكلون من شجرة من زقوم، فمعنى شجر وشجرة وَاحد، لأنك إذا قلت : أخذت من الشاء، فإن نويت واحدة أو أكثر من ذلك فهو جائز.
ثم قال :﴿ فَمالِئُونَ مِنْها ﴾.
من الشجرة، ولو قال : فمالئون منه إذ لم يذكر الشجرة كان صواباً يذهب إلى الشجر في منه، وتؤنث الشجر، فيكون منها كناية عن الشجر، والشجر تؤنث ويذكر مثل الثمر.
وقوله :﴿ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ ﴾.
إن شئت كان على الشجر، وإن شئت فعلى الأكل.
وقوله :﴿ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ ﴾.
حدثنا الفراء قال : حدثني الكسائي عن رجل من بني أمية يقال له : يحيى بن سعيد الأموي قال : سمعت ابن جريج يقرأ :«فشاربونَ شَرْب الهيم » بالفتح، قال : فذكرت ذلك لجعفر ابن محمد قال : فقال : أو ليست كذاك ؟ أما بلغك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بُدَيل ابن ورقاء الخزاعي إلى أهل منى، فقال : إنها أيامُ أَكْلٍ وَشَرْب وبِعالٍ.
قال الفراء : البِعال : النكاح، وَسائر القراء يرفعون الشين :«فشاربونَ شُرْب الهِيم » «والهيم » : الإبل التي يصيبها داء فلا تَروَى من الماء، واحدها : أهيم، والأنثى : هيماء.
ومن العرب من يقول : هائم، وَالأنثى هائمة، ثم يجمعونه على هيم، كما قالوا : عائط وعيط، وَحائل وحُول، وهو في المعنى : حائل حُوْل إِلا أن الضمة تركت في هيم لئلا تصير الياء واوا. وَيقال : إن الهيم الرمل. يقول : يشرب أهل النار كما تشربُ السِّهْلة قال : قال الفراء : الرملة بعينها السهلة، وهي سهلة وَسهلة.
وقوله :﴿ أَفَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونََ ﴾.
يعني : النُّطَف إذا قدفت في أرحام النساء.
وقوله :﴿ أأنتُمْ تَخْلُقُونَهُ ﴾.
تخلقون تلك النطف أم نحن الخالقون. وقد يقال للرجل : مَنى وأمنى، ومَذى وأمذى، فأمنى أكثر من مني، ومذى أكثر من أمذى.
وقوله :﴿ أَفَرَأَيْتُم ما تَحْرُثُونَ * أأنتم تزرعونه ﴾.
أي : تنبتونه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٣:وقوله :﴿ أَفَرَأَيْتُم ما تَحْرُثُونَ * أأنتم تزرعونه ﴾.
أي : تنبتونه.

وقوله :﴿ فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ ﴾.
تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم، ويقال : معنى تفكهون : تندمون.
وقوله :﴿ إِنا لَمُغْرَمُونَ ﴾.
يقال : إنا لمعذَّبون، ويقال : إنا لمُولَع بنا وهو من قيلهم.
وقوله :﴿ لَوْ نَشَاء جَعَلْناهُ أُجَاجاً ﴾.
وهو الملح المر الشديد المرارة من الماء.
وقوله :﴿ نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ ﴾.
يعني منفعة للمسافرين إذا نزلوا بالأرض الِقيِّ يعني : القفر.
وقوله :﴿ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾.
حدثنا الفراء قال : وحدثني أبو ليلى السجستاني عن أبى جرير قاضى سجستان قال : قرأ عبد الله بن مسعود :«فلا أُقْسِمَ بموقعِ النُّجومِ » والقراء جميعاً على : مواقع.
حدثنا الفراء قال : حدثني الفضيل بن عياض عن منصور عن المنهال بن عمرو رفعه إلى عبد الله فيما أعلم شك الفراء [ ١٩٢/ب ] قال : فلا أقسم بموقع النجوم، قال : بمحكم القرآن، وكان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويقال : فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إذا سقطن.
وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾ يدل على أنه القرآن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:ويقال : فلا أقسم بموقع النجوم، بمسقط النجوم إذا سقطن.
وقوله :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾.
حدثنا الفراء قال : حدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : لا يمسّ ذلك اللوحَ المحفوظ إلا المطهرون يقول : الملائكة الذين طهروا من الشرك. ويقال : لا يمسه : لا يجد طعمه ونفعه إلا المطهرون من آمن به.
وقوله :﴿ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ ﴾ مكذبون وكافرون، كلّ قد سمعته.
وقوله :﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾.
جاء في الأثر : تجعلون رزقكم : شكركم، وهو في العربية حسن أن تقول : جعلت زيارتي إياك أنك استخففت بي، فيكون المعنى : جعلت ثواب الزيارة الجفاء. كذلك جعلتم شكر الرزق التكذيب.
وقوله :﴿ فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ﴾ يعني : النَّفْس عند الموت.
وقوله :﴿ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ ﴾ يعني : أهل الميت عنده.
ينظرون إليه. والعرب تخاطب القوم بالفعل كأنهم أصحابه، وإنما يراد به بعضهم : غائباً كان أو شاهداً، فهذا من ذلك كقولك للقوم : أنت قتلتم فلانا، وإنما قتله الواحد الغائب. ألا ترى أنك قد تقول لأهل المسجد لو آذوا رجلا بالازدحام : اتقوا الله، فإنكم تؤذون المسلمين، فيكون صوابا. وإنما تعظ غير الفاعل في كثير من الكلام، ويقال : أين جواب ( فلولا ) الأولى، وجواب التي بعدها ؟ والجواب في ذلك : أنهما أجيبا بجواب واحد وهو ترجعونها، وربما أعادتِ العرب الحرفين ومعناهما واحد. فهذا من ذلك، ومنه :﴿ فَإِما يَأْتِيَنّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمن تَبِعَ هُداي فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِم ﴾. أجيبا بجواب واحد. وهما جزاءان، ومن ذلك قوله :﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَّيُحِبُّون أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُم ﴾.
وقوله :﴿ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إذا مِتُّم وكُنتُم تُراباً وعِظَاما أَنَّكُمْ مُخْرَجُون ﴾ وقد فسِّر في غير هذا الموضوع.
وقوله :﴿ غَيْرَ مَدِينِينَ ﴾ مملوكين، وسمعت : مجزيين.
وقوله :﴿ فَأَما إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ ﴾ من أهل جنة عدن.
﴿ فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ ﴾.
حدثنا الفراء قال : وحدثني شيخ عن حماد بن سلمة عن عبد الله بن شقيق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :«فَروح وريحان » وقراءة الحسن كذلك، والأعمش وعاصم والسُّلَمي وأهل المدينة وسائر القراء ( فرَوحٌ )، أي : فروح في القبر، ومن قرأ ( فرُوحٌ ) يقول : حياة لا موت فيها، ( وريحان ) : رزق.
وقوله :﴿ فَسَلاَمٌ لَّكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ ﴾.
أي : فذلك مسلّم لك أنك من أصحاب اليمين، وألقيت أَن وهو معناها كما تقول : أنت مصدّق مسافر عن قليل إذا كان قد قال : إني مسافر عن قليل.
وكذلك تجد معناه : أنت مصدق أنك مسافر، ومعناه : فسلام لك أنت من أصحاب اليمين. وقد يكون كالدعاء له، كقولك : فسقيا لك من الرجال، وإن رفعت السلامَ فهو دعاء.
والله أعلم بصوابه.
Icon