تفسير سورة الواقعة

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الواقعة من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ
بسم الله الرحمان الرحيم
سورة الواقعة
مكية١
روي٢ عن النبي٣ صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من داوم قراءة الواقعة لم يفتقر أبدا " ٤.
قال معروف٥ دعي٦ ابن مسعود إلى عطائه ليأخذه فأبى، فقيل له خذ للعيال، فقال أنهم يقرءون٧ سورة الواقعة، فمن قرأها أذهبت عنه الفاقة، قال معروف فأكثرت٨ ذلك، فرأيته كذلك من ليلتي أو من الغد.
قال ابن مسعود أني قد أمرت بناتي أن يقرأن سورة الواقعة كل ليلة فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول٩ : " من قرأ سورة البقرة١٠ لم تصبه فاقة " ١١.
ومن رواية ابن وهب أن ابن مسعود قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " من قرأ سورة الواقعة لم تصبه فاقة أبدا " ١٢.
وكانت عائشة رضي الله عنها تقول١٣ للنساء لا تعجزن أحدا كن أن تقرأ سورة الواقعة كل ليلة١٤.
( وقال مسروق بن الأجدع من أراد أن يعلم نبأ الأولين ونبأ الآخرين ونبأ أهل الجنة ونبأ أهل النار، ونبأ الدنيا ونبأ الآخرة فليقرأ سورة الواقعة )١٥.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من داوم قراءة الواقعة لم يفتقر أبدا " ١٦.
١ هي كذلك في تفسير القرطبي ١٧/١٩٤، وابن كثير ٤/٢٨٣، والبرهان ١/١٩٣، والدر المنثور ٨/٣، وفيها قولان عند صاحب زاد المسير ٨/١٣٠، أنها مكية قاله الأكثرون، منهم ابن عباس والحسن، وعطاء وعكرمة، وقتادة وجابر ومقاتل ومكي عن ابن عباس أن فيها آية مدنية وهي قوله: ﴿وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون﴾ الواقعة : ٨٥، والثاني أنها مدنية، رواه عطية عن ابن عباس..
٢ ح: "وروي"..
٣ ع: "رسول الله"..
٤ ذكره الحافظ بن حجر في المطالب العالية ٣/٣٨٣، (رقم الحديث ٣٧٦٥) وعزاه إلى الحارث عن ابن مسعود، ونقل المحقق الأعظمي للطالب في الهامش رقم ١ ما يلي: "قال البوصيري رواه الحارث عن العباس بن المفضل وهو ضعيف، ورواه أبو يعلي بسند رواته ثقات.
وقال الشوكاني في الفوائد المجوعة ٣١١ (حديث رقم ٩٣١) في إسناده كذاب، ورأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة ١/٣٠٤ و ٣٠٦.
وذكره السيوطي في الدر المنثور ٨/٢..

٥ هو معروف بن فيروز الكرخي، أبو محفوظ: أحد أعلام الزهاد والمتصوفين كان من موالي الإمام علي الرضى الكاظم، ولد في كوخ ببغداد، اشتهر بالصلاح وقصده الناس للتبرك به، أسند أحاديث كثيرة عن بكر بن جبيش وروى عنه خلف بن هشام البزار (ت ٢٠٠).
انظر: عنه وفيات الأعيان ٥/٢٣١، وصفة الصفوة ٢/٣١٨، وطبقات الحنابلة ١/٣٨١ – ٣٨٩، وتاريخ بغداد ١٣/١٩٩..

٦ ح: "دعا" وهو تحريف..
٧ ح: "بقرون" وهو تحريف..
٨ ح: فاختبرت..
٩ ع: قال..
١٠ ع: بزيادة (في كل ليلة)..
١١ انظر: تفسير ابن مسعود ٦١٦، وتفسير الخازن ٧/١٤، وتفسير القرطبي ١٧/١٩٤، والدر المنثور ٣/٨..
١٢ سبق تخرجه..
١٣ ساقط من ع..
١٤ ذكره السيوطي في الدر المنثور ٨/٣، عزاه إلى أبي عبيد عن سليمان التيمي..
١٥ ساقط من ع. انظر: تفسير القرطبي ١٧/١٩٤..
١٦ سبق تخريجه..

قوله: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) إلى قوله: (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [١ - ١٦].
المعنى: إذا نزلت صيحة القيام، وذلك حين ينفخ في الصور لقيام الساعة.
والواقعة والآزفة والطاعة والحاقة والقارعة والصاخة، كلها من أسماء يوم القيامة.
قال الضحاك: الواقعة: الصيحة.
وقال الحسن: هي القيامة.
أي ليس لقيام الساعة رجعة ولا مثنوية، قال الحسن.
وقال سفيان: ليس لوقعتها أحد يكذب بها.
وقيل المعنى: ليس في الأخبار بأنها تكون كذب. وكذب وكاذبة مصدر
كالعاقبة. ويجوز أن يكون نعتا كأنه قال: جماعة كاذبة.
قال عبد الله بن سراقة خفت أعداء الله إلى النار ورفعت أولياء الله إلى الجنة.
قال قتادة: تخللت كل سهل وجبل حتى أسمعت القريب والبعيد، ثم رفعت أقواما في كرامة الله جل ثناؤه، وخفضت أقواماً في عذاب الله سبحانه.
وقال عكرمة والضحاك خفضت فأسمعت الأدنى، ورفعت فأسمعه الأقصى فكان القريب والبعيد من الله سبحانه سواء. /
وقال ابن عباس أسمعت القريب والبعيد.
وقيل المعنى أنها تخفض أقواماً كانوا في الدنيا مرتفعين، وترفع أقواماً كانوا في
الدنيا متضعين.
إذا زلزلت الأرض فتحركت تحريكا قاله ابن عباس. وقتادة ومجاهد.
أي: وفتت الجبال فتاً، قاله ابن عباس والشعبي وأبو صالح فصارت كالدقيق المبسوس وهو المبلول، كما قال ﴿وَكَانَتِ الجبال كَثِيباً مَّهِيلاً﴾ [المزمل: ١٤].
وقال قتادة: كما يبس الشجر تذروه الرياح يمينا وشمالا.
أي: فكانت الجبال هباء، وهو الغبار الذي يكون في شعاع الشمس من الكوة كهيئة الغبار، قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد.
وقال علي الهباء المنبت: رهج الدواب.
وعن ابن عباس الهباء: الذي يطير من النار / إذا اضطرمت، يطير منه الشرر فإذا وقع لم يكن شيئاً.
وقال قتادة: هباء منبثاً كيبيس الشجر تذروه الرياح يميناً وشمالا.
وقوله ﴿مُّنبَثّاً﴾ يعني به متفرقاً.
أي: وكنتم أيها الناس أنواعاً ثلاثة. قال ابن عباس أزواجاً: أصنافاً ثلاثة.
وقال قتادة: هي منازل الناس يوم القيامة ثلاثة منازل.
قال: ﴿فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة﴾ هذا أحد الأزواج الثلاثة.
والثاني قوله: ﴿وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة﴾ والثالث قوله: ﴿والسابقون السابقون﴾ فأتى الخبر عنهم مغنيا عن البيان عنهم لدلالة الكلام على معناه. وفي الكلام بما
7256
معنى التعجب، يعجب الله تعالى نبيه عليه السلام، أي: ماذا لهم، وما أعد لهم من نعيم أو من عذاب.
ومعنى: أصحاب الميمنة: أي: الذين أخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة وهي علامة لمن نجا.
وكذلك أصحاب المشئمة، هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى، وللجانب الأيسر الأشام، ومنه اليمن والشؤم، وقيل إنما سموا بذلك لأنهم أعطوا كتبهم بإيمانهم أو بشمائلهم.
وقيل إنما سموا بذلك لأن الجنة عن يمين الناس والنار عن شمالهم.
وقيل سموا بذلك لأن أصحاب الميمنة ميامين على أنفسهم، وأصحاب المشئمة مشائيم على أنفسهم، مأخوذ من اليمن والشوم.
7257
والثاني قوله :﴿ وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة ﴾ [ ١٠ -١١ ] والثالث قوله :﴿ والسابقون السابقون ﴾ فأتى الخبر عنهم مغنيا عن البيان عنهم لدلالة الكلام على معناه ١. وفي الكلام بما ٢ معنى التعجب، يعجب الله عز وجل ٣ نبيه عليه السلام، أي : ماذا لهم، و ما أعد ٤ لهم من نعيم أو من عذاب.
ومعنى : أصحاب الميمنة : أي : الذين أخذ ٥ بهم ذات اليمين إلى الجنة وهي علامة لمن نجا ٦.
وكذلك أصحاب ٧ المشئمة، هم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار. والعرب تقول لليد الشمال الشؤمى ٨، وللجانب الأيسر الأشام ٩، ومنه اليمن ١٠ والشؤم، وقيل إنما سموا بذلك لأنهم أعطوا كتبهم بإيمانهم أو بشمائلهم ١١.
وقيل إنما ١٢ سموا بذلك لأن الجنة عن يمين الناس والناس عن شمالهم ١٣.
وقيل سموا بذلك لأن أصحاب الميمنة ميامين على أنفسهم، وأصحاب المشئمة مشائيم ١٤ على أنفسهم، مأخوذ من اليمن والشؤم ١٥.
وقال أبو العباس ثعلب : العرب تقول ١٦ : اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك " أي ١٧ اجعلني ضمن المتقدمين عندك ولا تجعلني من المتأخرين.
وقال في قوله تعالى ﴿ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئة ﴾، قال أصحاب الميمنة هم أصحاب التقدم، وأصحاب المشئمة هم أصحاب التأخر ١٨.
وانشدوا لابن ١٩ الدمينة :
أي بني أخي يمني يديك جعلتني أم صيرتين في شمالك فأفرح ٢٠
معناه : أخبرني أنا من المتقدمين عنك أم من المتأخرين.
وقيل هذا مردود على الخبر الذي أتى : أن الله جل ذكره خلق الطيب ٢١ من ذرية آدم صلى الله عليه وسلم في الجانب اليمين من آدم، وخلق الخبيث من الجانب الشمال منه، فلذلك ينادون يوم القيامة بأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فذلك ستة أقوال.
١ انظر: جامع البيان ٢٧/٩٧..
٢ ح: "بها مع ما"..
٣ ساقط من ع..
٤ ع: "وماذا أعد لهم"..
٥ ع: "أخذهم"..
٦ انظر: العمدة ٢٩٦، وزاد المسير ٨/١٣٢..
٧ ع: "وأصحاب"..
٨ ع : "الشوم" انظر: إعراب النحاس ٤/٣٢٤..
٩ انظر: تاج العروس، مادة "شأم" ٨/٣٥٤، وتفسير الغريب ٤٤٦..
١٠ ع: "اليمين"..
١١ انظر: جامع البيان ٢٧/٩٨، وزاد المسير ٨/١٣٣، وغريب القرآن ١٧٤، وتفسير الغريب ٤٤٦..
١٢ ساقط من ع..
١٣ ع: "شمائلهم"..
١٤ ع: "مشاتيم الناس" وفي ح "مياشيم" والصواب مشائيم كما جاء في القاموس مادة "شأم"..
١٥ انظر: زاد المسير ٨/١٣٣..
١٦ ع: "يقول" وهو تصحيف..
١٧ ع: "أو"..
١٨ انظر: العمدة ٢٩٦..
١٩ هو عبد الله بن عبيد الله بن أحمد بن الدمينة (أبو السري) شاعر من بني عامر بن قيم الله من خثعم. توفي نحو سنة ١٣٠ هـ، ومن آثاره: ديوان شعر. انظر: ترجمته في معجم المؤلفين لعمر رضا كحالة ٦/٨١..
٢٠ انظر: ديوان ابن الدمينة: ١٧..
٢١ ع: "الطيبة"..
وقال أبو العباس ثعلب: العرب تقول: اجعلني في يمينك ولا تجعلني في شمالك " أي اجعلني ضمن المتقدمين عندك ولا تجعلني من المتأخرين.
وقال في قوله تعالى ﴿فَأَصْحَابُ الميمنة مَآ أَصْحَابُ الميمنة * وَأَصْحَابُ المشأمة مَآ أَصْحَابُ المشأمة﴾، قال أصحاب الميمنة هم أصحاب التقدم، وأصحاب المشئمة هم أصحاب التأخر.
وانشدوا لابن الدمينة:
أي بني أخي يُمني يديك جعلتني أم صيرتين في شمالك فأفرح.
معناه: أخبرني أنا من المتقدمين عنك أن من المتأخرين.
وقيل هذا مردود على الخبر الذي أتى: أن الله جل ذكره خلق الطيب من ذرية آدم ﷺ في الجانب اليمين من آدم، وخلق الخبيث من الجانب الشمال منه، فلذلك ينادون يوم القيامة بأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فذلك ستة أقوال.
والذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله وهم المقربون وهم المهاجرون الأولون، وهم المقربون من الله، وقيل
هم الذين صلوا إلى القبلتين، قاله ابن سيرين.
وعن النبي ﷺ أنه قال السابقون من الأمم الماضية أكثر من سابقي هذه الأمة.
وقال مجاهد: هم السابقون إلى الجهاد في سبيل الله جل وعز.
وقيل هم أول الناس رواحاً إلى المساجد وأسرعهم خفوفا في سبيل الله تعالى.
﴿ أولئك المقربون﴾ أي: هم الذين يقربهم الله سبحانه منه يوم القيامة ويدخلهم جنات النعيم.
(وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: " أتدرون من السابقون يوم القيامة: قالوا الله ورسوله أعلم، قال: " الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوا بذلوه / وحكموا للناس بحكمهم لأنفسهم ".
قال ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين﴾ أي: جماعة من الأولين، يعني من الأمم الماضية.
﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ وقيل من الأمة الآخرة: يعني أمة محمد ﷺ، قاله الحسن.
وروى عن النبي ﷺ أنه قال: " الثلثان جميعاً من أمتي ".
وقيل عني بذلك النبيين والمرسلين ومن يشبههم من الصديقين فقال ﴿وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾، لأن الأنبياء والمرسلين كانوا في الأولين دون الآخرين.
وقال أبو هريرة " لما نزلت ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَقَلِيلٌ مِّنَ الآخرين﴾ شق ذلك على أصحاب النبي ﷺ، فنزلت: ثلة من الأولين وثلة من الآخرين فقال رسول الله ﷺ إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة وتغلبوهم في النصف الباقي ".
قوله: على سرر: أي: هم على سرر، والسرر جمع سرير.
ومعنى موضونة عند أبن عباس وغيره: مصفوقة.
قال أبو عبيدة / موضونة: منسوجة مدخل بعضها فوق بعض، والوضين:
البطان من السيور: إذا نسج بعضه على بعض مضاعفاً كحلق الدرع، فهو فعيل في معنى مفعول.
وقال مجاهد: وعكرمة الموضونة: المرمولة بالذهب.
وقال قتادة: هي المشبكة بالذهب.
وعن عكرمة مشبكة بالدر والياقوت.
وقيل السرير الموضون هو الذي سطحه بمنزلة المنسوج، وذلك ألين من الخشب، ويقال وضنت الشيء بمعنى نسجته وضمنته.
أي: وجه بعضهم حذاء بعض لا ينظر بعضهم إلى قفاء بعض، يعني به المؤمن وأزواجه.
وقيل يعني المؤمنين بعضهم مع بعض، فوصفهم الله تعالى بحسن العشرة وتهذيب الأخلاق، كما قال تعالى ﴿إخوانا على سُرُرٍ متقابلين﴾ [الحجر: ٤٧].
قال: ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ﴾ أي: يطوف عليهم بالأكواب غلمان باقون لا يموتون ولا يهرمون على سن واحد كأنهم ولدوا في وقت واحد.
والأكواب جمع كوب، وهو من الأباريق ما اتسع رأسه ولم يكن له خرطوم.
وقال ابن عباس الأكواب: الجرار من الفضة.
وقال مجاهد: الأباريق ما كان لها آذان، والأكواب ما ليس لها آذن.
وعنه الأكواب ما ليس له عرى ولا آذان وهو قول الفراء، وما كان له أذن وعرى فهو إبرايق.
وقال قتادة: الأكواب دون الأباريق وليس له عرى.
وقال الضحاك الأكواب جرار (ليس لها عرى).
وقال أبو صالح الأكواب التي ليست لها عرى، المستديرة أفواهها والأباريق التي لها خراطيم.
ثم قال: الكأس: ﴿وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ﴾ الكأس: القدح الذي فيه الخمر، لا يقال لها كأس حتى تكون فيه، فإن كان فارغاً فهو زجاجة.
وقوله: ﴿مِّن مَّعِينٍ﴾ أي: من عيون جارية.
قال ابن عباس وكأس من معين: الخمر.
وقال قتادة: من معين: من خمر جارية ترى بالعين.
أي: لا يصدع رؤوسهم شربها.
وقيل معناه (لا يتفرقون عنها عرقاً كخمر الدنيا).
ثم قال: ﴿وَلاَ يُنزِفُونَ﴾ أي: لا تنزف عقولهم، قاله مجاهد.
وقال قتادة: لا تغلب أحدا على عقله.
وقال أبو عبيدة لا يصدعون عنها: لا تصدع رؤوسهم، ولا ينزفون: لا يكسرون ومن قرأ بكسر الزاي فمعناه لا ينفذ شرابهم.
وقيل: لا ينزفون: لا تتغير ألوانهم لشربها، وهو زوال الدم من الوجه.
أي: يطوف عليهم هؤلاء الولدان بفاكهة مما يتخيرون لأنفسهم من الجنة وتشتهيها قلوبهم.
قال بعض المفسرين: يخلق الله جل ذكره لهم لحما على ما يشتهون من (شواء وطبخ) من جنس الطير.
وبعضهم يقول لهم لحم طير من الجنة على الحقيقة.
وروى ابن مسعود عن النبي ﷺ أنه قال: " ما هو إلا تشتهي الطائر في الجنة وهو يطير فيقع بين يديك مشوياً ".
ويروى أن رجلاً من أهل الجنة يجني الفاكهة فيخطر على قلبه غيرها، وهي في يده فتحول التي جنى إلى جنس التي خطرت بقلبه، ويخطر على قلبه الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى.
من رفع فعلى الابتداء. والتقدير: وحور عين لهم.
ويجوز أن يكون معطوفاً على ولدان أي: ويطوف عليهم حور عين، هذا قول اليزيدي، ومذهب سيبويه أن الرفع محمول على المعنى، لأن المعنى: لهم فاكهة أو فيها فاكهة وأباريق وكأس ولحم وحور عين، وأنشد على ذلك أبياتاً حمل الآخر على المعنى الأول ولم يحمله على اللفظ.
والرفع اختيار أبي عبيدة والفراء، لأن الحور لا يطاف بهن.
وقد قرأ حمزة والكسائي بالخفض جعلا ﴿وَفَاكِهَةٍ﴾ ﴿وَلَحْمِ طَيْرٍ﴾ معطوفة على
7265
﴿فِي جَنَّاتِ النعيم﴾ (أي هم في جنات النعيم) وفي فاكهة، وفي لحم طير، وفي (حور) عين وما بين ﴿وَفَاكِهَةٍ﴾ " وحنات اعتراض " ودل على ذلك قوله بعد ﴿سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾ وما ذكر بعده إلى ﴿وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ﴾.
ثم قال: ﴿إِنَّآ أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَآءً﴾ [الواقعة: ٣٥] فكنى عن الحور ولم يجر لهن ذكر من لدن قوله ﴿فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ﴾، وإنما ذلك لأنه لما ذكر الفرش استغنى عن ذكر من يفترش عليها من الحور ثم أخرج الكناية عنهن للمعنى / المفهوم في الكلام.
وقال الفراء الخفض على الاتباع / وهو ضعيف.
وقال قطرب هي معطوفة على الأكواب والأباريق، فجعل الحور يطاف بهن.
قال بعض العلماء (أي يطاف بهن عليهم) ويكون لأهل الجنة في ذلك اللذة، لأن فيها ما تشتهي الأنفس.
7266
وقيل الخفض محمول على المعنى، لأن معنى يطوف عليهم بكذا وكذا ينعمون به فيصير المعنى: ينعمون بفاكهة وبلحم وبحور عين.
وقرأ أبي " حورا عينا " [بالنصب حمله على المعنى أيضاً لأن معنى يطوف عليهم بكذا: يعطون كذا ويعطون حورا عينا].
وتقدير النصب عند أبي حاتم " ويزجرون حورا عينا ".
أي: هن / في بياضهن وحسنهن كاللؤلؤ المكنون الذي صين في كن.
وقالت أم سلمة قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى ﴿كَأَمْثَالِ اللؤلؤ المكنون﴾، فقال: صفاؤهن كصفاء الدر الذي في الأصداف الذي لا تمسه الأيدي.
وسمي نساء الجنة بالحور لبياضهن، ومنه قيل للدقيق الخالص الحواري، ومنه الحواريون لبياض ثيابهم، وقيل كانوا قصارين يبيضون الثياب. والحور في
العين: شدة سواد الحدقة مع شدة بياض ما حولها، وسمين ﴿عَيْناً﴾ لشدة سواد الحدقة وشدة بياض ما حولها، وهي المقلتان.
وقيل: " العين " الكبيرات الأعين، يقال: امرأة عينا ورجل أعين: كبير العين.
(أي ثواباً لهم بعملهم في الدنيا، وعوضاً من طاعة الله تعالى).
والحوراء: الشديدة سواد العين (والشديدة بياض) العين، قاله الحسن.
وقال الضحاك: هي عظام العين.
وقال ابن عباس: (سواد الحدقة).
وقال الحسن الحور: صوالح بني آدم.
وقال الليث بن أبي سليمان بلغني أن الحور العين خلقن من الزعفران، وكذلك روى ليث عن مجاهد وعن مجاهد أيضاً أنه إنما سمين حورا (لأنهن يحار) فيهن الطرف.
قال: ﴿لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا﴾ أي: في الجنة ﴿لَغْواً وَلاَ تَأْثِيماً﴾ أي: لا يسمعون في الجنة باطلا من القول، وليس فيها ما يؤثمهم. /
وقيل اللغو: ما يلغى.
أي: لا يسمعون فيه ما يكرهون، إنما يسمعون أسلم مما تكره.
وقيل المعنى إلا قيلا يسلم فيه من الإثم.
(أي ماذا لهم من النعيم، وفي الكلام معنى التعجب يعجب الله تعالى نبيه ﷺ ما أعده لهم من الفضل، وأصحاب اليمين) هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين يوم القيامة، والجنة عن يمين الخلق، والنار عن يسارهم.
وقيل: هم الذين أعطو كتبهم بأيمانهم.
وقيل: هم الذين أقسم الله أن يدخلهم الجنة.
(وقال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وابن عمر). هم أطفال المسلمين.
وقيل هم الميامين على أنفسهم إذا عملوا ما أنجاهم من النار، وأدخلهم الجنة، وقيل: هم الذين خلقوا في الجانب الأيمن من أدم ﷺ.
وقيل: هم المتقدمون في الفضل عند الله تعالى، فذلك سبعة أقوال، وقد تقدم هذا بأشرح منه.
أي: في ثمر (سدر موقر) من حمله (قد ذهب) شوكه، قاله ابن عباس.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: حصده: وقره من الحمل.
وقال عكرمة وقتادة هو الموقر الذي لا شوك فيه.
وقال الضحاك ومجاهد المخضود: الموقر.
وقال ابن جبير ثمره أعظم من القلال.
وقرأ علي بن أبي طالب " وطلع " بالعين.
وذكر أبو عبيدة أن الطلح: عند العرب شجر عظيم كثير الشوك.
7271
قال الزجاج يجوز أن يكون في الجنة، وقد أزيل شوكه.
وأهل التفسير يقولون: الطلح: الموز، قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة وابن زيد.
وهو قول أبي هريرة وأبي سعيد، فهذا مما يجوز أن يكون أهل اللغة قد غاب عنهم اسمه أنه الموز.
وقال مجاهد: كانوا يتعجبون من طلح " وج " فأعلمهم الله تعالى أن في الجنة طلحاً.
وأما في قراءة علي فإنه جعله من طلع النخيل بمنزلة لها طلع نفيد. ونفيد بمعنى منفود، ومعناه قد ضم بعضه إلى بعض.
قال قتادة: / قد ضمنه الحمل الورق.
7272
وقال ابن عباس منفود بعضه على بعض.
قال قتادة: شجر الجنة موقر بالحمل من أسفله إلى أعلاه.
أي: دائم لا تنسخه شمس ولا ليل فيذهبا. وكل ما لا انقطاع له فهو ممدود.
وقال عمر بن ميمون: " وظل ممدود " (خمس مائة ألف سنة).
وعن أبي هريرة أن / النبي ﷺ قال: " أن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة لا يقطعها، اقرأوا إن شئتم " وظل ممدود " فبلغ ذلك كعباً فقال
7273
صدق أبو هريرة، والذي أنزل التوراة (على موسى) والفرقان على محمد لو أن رجلاً ركب حقة أو جدعة ثم دار حول تلك الشجرة ما قطعها حتى يسقط هرماً، إن الله جل ذكره غرسها بيده، ونفخ فيها من روحه، وإن أفنانها لمن وراء سور الجنة وما في الجنة نهر إلا وهو يخرج من أصل تلك الشجرة.
وروى عكرمة عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: " وظل ممدود " هي شجرة في الجنة على ما ساق يسير الراكب في ظلها من نواحيها كلها مائة عام، للراكب المحث.
قال: فينزل أهل الغرف، وأهل الجنة فيجلسون مجالي في ظللها فيتحدثون فيذكرون لهو الدنيا، فيأمر الله تعالى ريحا من الجنة فتهب فتتحرك الشجرة بكل لهو كان في الدنيا.
7274
أي: مصبوب سائل في غير أخدود حصباؤه الياقوت الأحمر، وحماته المسك الأذفر، وترابه الكافور، وحافتا جريه الزعفران.
أي: لا تنقطع لقلتها ولا تزول في صيف ولا شتاء، ولا عليها مانع يمنع ثم من أخذها ويحول بينهم وبينها ولا عليها شوك [فيتعذر أخذ ثمرتها ولا بعد].
وروى أن الرجل إذا اشتهى الثمرة وقعت على فيه أو تدنو منه / حتى يتناولها بيده.
أي: طويلة بعضها فوق بعض.
وروى الخدري عن النبي ﷺ أنه قال " ارتفاعها كما بين السماء والأرض، وإن ما بين السماء والأرض، لمسيرة خمس مائة عام "
ثم قال: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا) [٣٧ - ٣٨] أي: أنا أنشأنا الحور لأن الفرش دلت على من عليها من الحور.
وقال أبو عبيدة الضمير في ﴿أَنشَأْنَاهُنَّ﴾ يعود على " وحور عين " الأولى، فالمعنى: إنا خلقنا الحور جديداً فجعلناهن أبكاراً.
روي عن النبي ﷺ أنه قال: " الثيب والأبكار يريد الآدميات ".
وروى أبو هريرة عنه عليه السلام أنه قال: " منهن العجائز يعني أنهن من بني آدم ".
وقال ابن عباس هن من بني آدم، نساؤكم في الدنيا ينشئهن الله أبكاراً عذارى.
أي: أقراناً.
قال مجاهد: خلقهن الله من الزعفران.
7276
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً﴾ أي: صيرناهن عذارى.
وعربا جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها الغنجة وهو قول مجاهد والحسن وعكرمة. وقال أبو صالح هي الشكلة.
وقال زيد بن أسلم هي الحسنة الكلام.
وقال ابن عباس هي المقلة، وعنه: عواشق.
وعن الحسن هي العاتق.
وأصله كله من أعرب: أذا بَيّن، ومنه الإعراب.
وقيل يراد بقوله: إنا أنشأناهن: الحور العين، بمعنى إنشاء لم يولدن.
وقيل يراد به بنات آدم على ما تقدم، أي: أنشأنا الصبية (و) العجوزة إنشاء واحداً.
7277
وقوله: (لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ) [٤٠] أي: أنشأ هؤلاء لأصحاب اليمين، وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين من موقف الحساب إلى الجنة.
ثم قال (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [٤١ - ٤٢] أي: جماعة من الأمم الماضية قبل محمد ﷺ، وجماعة من أمة محمد ﷺ قاله الحسن.
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " إني لأرجو أن يكون من يتبعني من / أمتي ربع أهل الجنة فكبر أصحابه، ثم قال: لأرجو أن تكونوا الشطر، فكبر أصحابه، ثم تلا هذه الآية: ﴿ثُلَّةٌ مِّنَ الأولين * وَثُلَّةٌ مِّنَ الآخرين﴾ ".
وروى ابن عباس أن النبي ﷺ قال في الآية " هما جميعاً من أمتي ".
أي: ماذا أعد الله لهم من الهوان والعذاب. يعجب نبيه عليه السلام من ذلك، ففيه معنى التعجيب وهم الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار.
وقيل هم الذين أعطوا كتبهم بشمائلهم.
أي: في سموم جهنم وحميمها.
أي: من دخان شديد السواد، والعرب تصف الشديد السواد باليحموم.
قال ابن عباس وعكرمة [ومجاهد] هو دخان جهنم، وقاله قتادة وابن زيد.
أي: ليست ذلك الظل ببارد كبرد ظلال الدنيا، لكنه حار إذ هو دخان.
وقوله: ﴿وَلاَ كَرِيمٍ﴾ أي: ولا حسن لأنه عذاب. قال الضحاك كل شراب ليس بعذب فليس بكريم، والعرب تنفي الكرم عن كل شيء ليس بمحمود. /
أي إن أصحاب الشمال كانوا (قبل ذلك) في الدنيا منعمين بالحرام.
ثم قال: ﴿وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى الحنث العظيم﴾ أي: يصرون على الشرك بالله، قال الضحاك وقتادة والفراء وغيرهم، أي: كانوا يتمادون عليه ولا يتوبون (سبحانه عما يصفون) منه، ولا يستغفرون من شركهم بالله تعالى.
وقال مجاهد: ﴿عَلَى الحنث العظيم﴾ على الذنب العظيم، وقاله ابن زيد ثم فسره ابن زيد فقال هو الشرك.
وقيل هو قسمهم أن الله لا يبعث أحداً، ودل على ذلك قوله بعده ﴿وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ﴾.
(أنكروا البعث) فقيل لهم: ﴿قُلْ إِنَّ الأولين والآخرين * لَمَجْمُوعُونَ إلى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾.
أي إنكم وأباؤكم ومن بعدكم، ومن قبل أبائكم لا بد من بعثكم يوم القيامة ومجازاتكم على أعمالكم.
ثم قال: (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (٥١) لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ) [٥٤ - ٥٥].
أي أنكم بعد البعث أيها الضالون عن الحق لأكلون من شجر جهنم، وهي الزقوم.
(فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ) [٥٦] أي: من الشجرة، أو من الشجر.
ثم قال: (فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ) [٥٧] أي: على الزقوم من الحميم، وهو الماء الذي قد بلغ في الحرارة.
(فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ) [٥٨] [الهيمُ جمع أهيم، وهي الإبل يصيبها داء فلا تروى من الماء، وقد قيل الهيم] جمع هائم وهائمة.
قال ابن عباس شرب الهيم: شرب الإبل العطاش.
وقال عكرمة هي الإبل المراض تمص الماء معا ولا تروى، وعنه أنها الإبل يأخذها العطش، فلا تزال تشرب حتى تهلك.
(وقال الضحاك) الهيم: الإبل العطاش تشرب فلا تروى يأخذها داء يقال له الهيام.
وقال ابن عباس الهيم: الهيام من الأرض يعني الرمل.
ثم قال: (هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [٥٩] أي: هذا الذي وصف رزق هؤلاء يوم الجزاء.
ثم قال: (نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ) [٦٠] أي: نحن خلقناكم يا مكذبون بالبعث، ولم تكونوا شيئاً، فهل لا تصدقون من أنشأكم أولاً، أنه ينشئكم آخرا.
ثم قال: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (٥٨) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ) [٦١ - ٦٢] أي: أفرأيتم أيها المكذبون بالبعث، المنكرون قدرة الله تعالى على إحيائكم بعد موتكم هذه النطفة التي تمنون في أرحام نسائكم، يقال (أمنى ومنى، وأمنى): أكثر.
[﴿ءَأَنتُمْ تَخْلُقُونَهُ﴾ أي: تخلقون ذلك المني حتى يصير فيه الروح].
﴿أَم نَحْنُ الخالقون﴾.
[ ﴿ أأنتم تخلقونه ﴾ أي : تخلقون ذلك المني١ حتى يصير فيه الروح ]٢.
﴿ أم نحن الخالقون ﴾.
١ ع: "حين"..
٢ ساقط من ح..
قال: ﴿نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الموت﴾ أي: عجلناه على قوم وأخرناه عن قوم إلى وقت مسمى، أي: منكم قريب الأجل ومنكم بعيد الأجل.
﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ أي: في أجالكم لا يسبق متقدم فيتأخر، ولا متأخر فيتقدم، بل لا يتقدم أجل قبل وقته ولا يتأخر عن وقته.
قال: ﴿على أَن نُّبَدِّلَ أمثالكم﴾.
قال الطبري معناه: نحن قدرنا بينكم الموت على أن نبدل أمثالكم بعد موتكم فنحيي بأخرين من جنسكم.
وقيل التقدير: وما نحن بمسبوقين / على / أن نبدل أمثالكم، (أي إن أردنا) أن نبدل أمثالكم منكم لم يسبقنا إلى ذلك سابق.
وقوله: ﴿وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ في أي: خلق شاء.
وقيل: قردة وخنازير.
وقيل يخلق لهم أبداناً للبقاء لأن هذه للفناء خلقت.
وقيل معناه في عالم لا تعلمون، أو في مكان لا تعلمون.
وقيل المعنى: وننشئكم في غير هذه الصور، فننشئ المؤمنين يوم القيامة في
أحسن الصور وإن كانوا في الدنيا قبحاً، وننشئ الكافرين في أقبح الصور وإن كان في الدنيا نبلاً.
أي: ولقد علمتم الأحداث الأول، فلقد أحدثناكم ولم تكونوا شيئاً، فهلا تذكرون فتعلمون أن من فعل ذلك قادر على إنشاء آخر متى شاء.
وقال قتادة: ولقد علمتم النشأة الأولى (بعد خلق) آدم عليه السلام فلست تسأل أحداً من الناس إلا نبأك أن الله جل ذكره خلق آدم من طين.
أي أفرأيتم أيها الناس الحرث الذي تحرثونه أنتم تنبتونه وتصيرونه زرعاً أم نحن نجعله كذلك.
وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ أنه قال: " لا تقل زرعت لكن قل حرثت "، ثم تلا أبو هريرة الآية.
قال: ﴿لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ / حُطَاماً﴾ أي: لجعلنا الزرع هشيماً لا ينتفع به في مطعم
ولا ثمر.
ثم قال: ﴿فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ﴾ أي: فظلتم تتعجبون مما نزل بكم وبزرعكم من المصيبة، قال ابن عباس ومجاهد وقتادة.
وقال عكرمة معناه فظلتم تلاومون بينكم في تفريطكم في طاعة ربكم بما نزل بكم.
وقال الحسن تفكهون: تندمون على ما سلف منك من معصية الله جل وعز التي أوجبت عليكم العقوبة، وروي مثل ذلك أيضاً عن قتادة.
وقال ابن زيد تفكهون: تفجعون، ومعنى فظلتم: فأقمتم.
أي: لمولع بنا، قاله عكرمة ومجاهد.
وعن مجاهد أيضاً لمغرمون: لملقون للشر.
وقيل معناه لمعذبون، والغرام عند العرب الهلاك والعذاب.
أي: [مجدون لا حظ لنا].
وقال قتادة: معناه: محارفون.
قال: ﴿أَفَرَأَيْتُمُ المآء الذي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ المزن﴾ أي: أنتم أنزلتموه من السحاب إلى قرار الأرض، أم نحن المنزلون.
قال مجاهد: وقتادة وابن زيد المزن: السحاب.
وقال ابن عباس المزن: السماء والسحاب، وهو قول سفيان.
قال: ﴿لَوْ نَشَآءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً﴾ أي: جعلنا الماء مراً مالحاً فلا تشربون منه ولا تنتفعون به في زروعكم وكرومكم.
﴿فَلَوْلاَ تَشْكُرُونَ﴾ أي: فهلا تشكرون الله على ما فعل بكم.
أي أفرأيتم أيها الناس النار التي تستخرجون من زندكم وتقدحون.
أي: أنتم أخترعتم شجرتها أم نحن اخترعنا ذلك.
وتورون من أوريت زنادي وناري أوريتها: إذا أوقدتها. /
وقال أبو عبيدة وأكثر ما يقولون وريت زنادي، وأهل نجد يقولون وريت زنادي.
(قال) ﴿نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً﴾ يعني النار التي تذكرون بها نار جهنم فتتعظون وتخافون.
وقال مجاهد: تذكرة تذكر النار الكبرى، وكذا قال قتادة:
وروي عن النبي ﷺ أنه قال " أن ناركم (جزء من سبعين جزاء) من نار جهنم
7287
قالوا يا نبي الله وإن كانت لكافية، قال قد ضربت بالماء ضربتين ليستمتع بها بنو أدم ويدنو منها ".
ثم قال: ﴿وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ﴾ قال ابن عباس للمقوين: للمسافرين وقال مجاهد: للمقوين: للمستمتعين بها من الحاضر والمسافر.
وقال ابن زيد للمقوين: للجائعين.
والعرب تقول أقويت منه كذا وكذا: (أكلت منه كذا وكذا)، وأصله من أقوت الدار إذا خلت من أهلها، (ويقال أقوى إذا نزل بالقواء في الأرض الخالية.
وقال ابن زيد المقوي: الذي لا زاد ولا مال معه.
7288
وأقوى عند أهل اللغة على ثلاثة معانٍ، يقال أقوى إذا فني زاده، ومنه أقوت الدار إذا فني أهلها، ويقال أقوى إذا سافر أي: نزل القواء. والقين، ويقال أقوى إذا قوى وقوى أصحابه.
والمتاع: المنفعة.
أي: فنزه ربك يا محمد من السوء.
زائدة والتقدير أقسم.
وقيل لا رد الكلام، والتقدير ليس الأمر كما يقول الكافر.
ثم استأنف فقال: أقسم بمواقع النجوم، وقيل " لا بمعنى " إلا للتنبيه ومعنى مواقع النجوم، منازل القرآن، لأن القرآن نزل على النبي ﷺ نجوماً متفرقة.
قال ابن عباس نزل القرآن في ليلة القدر من السماء العليا إلى السماء الدنيا جملة واحدة ثم فرق في السنين بعد وتلا ابن عباس ﴿فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النجوم﴾، قال نزل متفرقاً.
وقال عكرمة فلا أقسم بمواقع النجوم، قال أنزل الله القرآن نجوماً ثلاث آيات وأربع آيات وخمس آيات، وقال أيضاً نزل جميعاً فوضع بمواقع النجوم، فجعل جبريل ﷺ / يأتي بالسورة بعد السورة وإنما نزل جميعاً في ليلة القدر.
وقال مجاهد: بمواقع النجوم هو محكم القرآن.
وقال الحسن بمواقع النجوم بمغاربها، وقاله قتادة.
وعن الحسن أيضاً بمواقع النجوم هو أنكدارها وانتشارها يوم القيامة.
وعن مجاهد أيضاً بمواقع النجوم مطالعها ومساقطها.
أي: وأن هذا القسم عظيم لو تعلمون ذلك.
أي: أقسم بمواقع النجوم وهو القرآن أن هذا القرآن لقسم عظيم لو تعلمون ذلك أنه لقرآن كريم، والهاء " في " " إنه " من ذكر القرآن.
قال: ﴿فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ﴾ أي: في كتاب مصون عند الله لا يمسه إلا المطهرون.
قال ابن عباس هو الكتاب الذي في السماء، قاله الضحاك.
7290
قال ابن زيد زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد ﷺ.
فأخبرهم الله أنهم لا يستطيعون على ذلك.
قال ابن عباس: إذا أراد الله أن ينزل كتاباً نسخته السفرة فلا يمسه إلا المطهرون، يعني الملائكة، وهو قول ابن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك، فهو خبر وليس بنهي، وقد يجوز أن يكون إخباراً على الإلزام فيكون فيه معنى النهي كما تقول (جعل كذا) وكقوله ﴿يا أيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف: ١٠].
قال المبرد معناه آمنوا بالله.
وقيل هم حملة التوراة والإنجيل، قاله عكرمة.
وقال أبو العالية المطهرون الذين طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل قال ابن زيد المطهرون: الملائكة والأنبياء والرسل التي تتنزل به من عند الله المطهرة.
7291
وقال قتادة: معناه لا يمسه عند الله إلا المطهرون، قال وأما عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس.
وفي حرف ابن مسعود ما يمسه.
وقال مالك بن أنس في قوله تعالى ﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون﴾ إنما هو بمنزلة قوله: ﴿فَي صُحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطَهَّرَةٍ * بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ﴾ [عبس: ١٣ - ١٦] فهذا من قول مالك يدل على أنه نفي ليس بنهي يراد به الملائكة.
وقال مسلم: لا يمسه إلا طاهراً، وسئل عن آية فقال: سلوني فلست أمسه إنما أقرؤه، وكان قد أحدث ولم يتوضأ.
وفي كتاب عمرو بن حزم: لا يمس القرآن إلا طاهراً، وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله ﷺ لعمرو بن حزم.
7292
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٨:ثم قال :﴿ في كتاب مكنون ﴾ [ ٨١ ] أي : في كتاب مصون عند الله لا يمسه إلا المطهرون.
قال ابن عباس هو الكتاب الذي في السماء١، قاله٢ الضحاك.
قال٣ ابن زيد زعموا أن الشياطين تنزلت به على محمد صلى الله عليه وسلم٤.
فأخبرهم الله أنهم لا يستطيعون على ذلك.
قال ابن عباس : إذا أراد الله أن ينزل كتابا نسخته السفرة فلا يمسه إلا المطهرون، يعني الملائكة، وهو قول ابن جبير ومجاهد وقتادة والضحاك٥، فهو خير وليس بنهي، وقد يجوز أن يكون إخبارا على الإلزام فيكون فيه معنى النهي٦ كما تقول ( جعل كذا )٧ وكقوله ﴿ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم ﴾٨.
قال المبرد معناه آمنوا بالله٩.
وقيل هم حملة التوراة والإنجيل، قاله عكرمة١٠.
وقال أبو العالية المطهرون الذين طهروا من الذنوب كالملائكة والرسل ١ قال ٢ ابن زيد المطهرون : الملائكة والأنبياء والرسل التي تتنزل ٣ به من عند الله المطهرة ٤.
وقال قتادة : معناه لا يمسه عند الله إلا المطهرون، قال وأما عندكم فيمسه المشرك النجس والمنافق الرجس ٥.
وفي حرف ابن مسعود ما يمسه ٦.
وقال مالك بن أنس في قوله عز وجل ٧ ﴿ لا يمسه إلا المطهرون ﴾ [ ٨٢ ] إنما هو بمنزلة قوله :﴿ في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة ﴾ ٨ فهذا من قول مالك يدل على أنه نفي ليس بنهي يراد به الملائكة ٩.
وقال مسلم ١٠ : لا يمسه إلا طاهرا، وسئل عن آية فقال : سلوني فلست أمسه إنما أقرؤه ١١، وكان قد أحدث ولم يتوضأ.
وفي كتاب عمرو ١٢ بن حزم : لا يمس القرآن إلا طاهرا، وهو الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن ١٣ حزم ١٤.
وروى مالك أن مصعب بن ١٥ سعد قال كنت أمسك المصحف على سعد بن ١٦ أبي وقاص فاحتككت، فقال لعلك مسست ذكرك، فقلت نعم، فقال فقم فتوضأ ١٧، فقمت فتوضأت ثم رجعت، وروي أنه قال له فقم ١٨ فاغسل ١٩ يديك.
وقال مالك لا يمس ٢٠ المصحف أحد بعلاقة أو على وسادة إلا هو طاهر إكراما للقرآن ٢١.
١ انظر: جامع البيان ٢٧/١١٨، وتفسير القرطبي ١٧/٢٢٤..
٢ ع: "وقال"..
٣ ع: "وقال"..
٤ ساقط من ع..
٥ انظر: تفسير مجاهد ٦٤٦، وجامع البيان ٢٧/١١٨، وابن كثير ٤/٢٩٩، والدر المنثور ٨/٢٦..
٦ ح: "المنهي"..
٧ ع: "ففعل كذا وكذا"..
٨ الصف : ١٠..
٩ ساقط من ع، ولم أجد إشارة إلى ذلك في الكامل..
١٠ انظر: جامع البيان ٢٧/١١٨، والدر المنثور ٨/٢٦..

وروى مالك أن مصعب بن سعد قال كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص فاحتككت، فقال لعلك مسست ذكرك، فقلت نعم، فقال فقم فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت، وروي أنه قال له فقم فاغسل يديك.
وكان ابن عمر لا يمس المصحف إلا طاهراً. /
وقال مالك لا يمس المصحف أحد بعلاقة أو على وسادة إى وهو طاهر إكراماً للقرآن.
أي: هو تنزيل من عند رب العالمين.
أي: أفبهذا القرآن الذي أنبأتكم خبره وأنتم تلينون القول للمكذبين به ممالاة منكم لهم على التكذيب والكفر.
قال مجاهد: أنتم مدهنون: أي: أنتم يريدون أن تمايلوهم [فيه] وتركنوا إليهم.
وقال ابن عباس أنتم مدهنون: مكذبون غير مصدقين.
وقال الضحاك يقال أدهن وداهن: إذا نافق.
أي: وتجعلون شكر الله على رزقه لكم التكذيب له، وهذا كقول القائل للآخر: جعلت إحساني إليك إساءة منك إلي، بمعنى جعلت شكر إحساني إليك إساءة منك، فالتقدير وتجعلون رزقي إياكم تذكيبكم لرسلي وكتبي. /
وروي عن النبي ﷺ أنه قال: " وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قال شكركم، يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا، وبنجم كذا وكذا "، وقاله ابن عباس.
وروى أبو هريرة أن النبي ﷺ قال: " إن الله ليصبح القوم بالنعمة أو يمسيهم بها فيصبح بها قوم كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا ".
قال الضحاك في الآية: جعل الله رزقكم في السماء وأنتم تجعلونه في الأنواء.
قال قطرب الرزق هنا: الشكر.
وقيل المعنى: وتجعلون شكر رزقكم ثم حذف مثل، ﴿وَسْئَلِ القرية﴾ [يوسف: ٨٢].
يعني النفس تبلغ الحلقوم عند خروجها.
أي: من حضره ينظر ولا يغني عنه شيئاً، فهذا خطاب عام والمراد به من حضر الميت.
قال: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ﴾ أي: ورسلنا أقرب إلى الميت منكم يقبضون روحه ولكن لا تبصرونهم، وهذا كله جواب لمن ادعى أنه يمتنع من الموت ويدفعه.
أي: فهلا أن كنتم غير مجزيين.
(أي إن كنتم صادقين) في أنكم تمنعون من الموت، فارجعوا تلك النفس، وامنعوا من خروجها.
7295
قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والحسن غير مدينين: غير محاسبين.
قال ابن زيد كانوا يجحدون أن يدانوا بعد الموت.
وقال الفراء: غير مدينين: غير مملوكين.
وقال الحسن غير مدينين: غير مبعوثين يوم القيامة.
وقيل معناه غير مجزيين بأعمالكم.
﴿تَرْجِعُونَهَآ﴾ أي: تردون تلك النفوس إلى الأجساد بعد إذ صارت في الحلاقيم.
﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أنكم تمتنعون من الموت والحساب والمجازاة.
وقال الفراء إن كنتم صادقين: إن كنتم غير مملوكين، فالمعنى هل لا ترجعون نفس عزيزكم إن كنتم غير مملوكين ولا مقهورين.
وجواب فلولا في الموضعين جواب واحد على قول الفراء.
7296
وقيل حذف جواب أحدهما لدلالة الآخر عليه.
أي: إن كان الميت من المقربين أي: من الذين قربهم الله من جواره ورحمته.
﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾ (أي فله) روح وريحان.
والروح: الرحمة، والريحان: الرزق.
وقال مجاهد الروح: الفرح.
وقال الحسن الريحان: ريحانكم هذا.
وقال الربيع بن خيثم فروح وريحان هذا عند الموت، والجنة مخبوءة له إلى أن يبعث.
7297
قال ابن عباس فروح وريحان: فراحة ومستريح من الدنيا.
وقال ابن جبير ﴿فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾: راحة ومستراح: وعنه يعني بالريحان المستريح من الدنيا.
وقال الضحاك الروح: المغفرة والرحمة. والريحان: الاستراحة.
وعنه: الروح والاستراحة.
وقال القتبي فروح: أي: في القبر له طيب نسيم.
ومن قرأ بضم الراء فمعناه: فحياة له ربقاء.
وقيل الريحان: الراحة.
قال أبو العالية لم يفارق أحد من المقربين وهم السابقون الدنيا حتى يؤتى
7298
بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم يقبض.
قال الحسن يقبض الملك نفس المؤمن في ريحانة.
والفاء في " فروح " " جواب " " إن "، وجواب " أما " هذا قول / الأخفش والفراء.
وقال سيبويه لا جواب " أن " هنا، لأن بعدها فعلاً ماضياً، كما تقول (أكرمك إن جئتني)، " والفاء " جواب " أما ".
وقال المبرد جواب " إن " محذوف، لأن بعدها ما يدل عليه، والفاء جواب " أما " وأما معناها: الخروج من شيء إلى شيء، أي: دع ما كنا فيه وخذ بشيء أخر، ولا يلي فعل فعلا، فمعنى أما: مهما يكن (من شيء).
فوجب أن يليها الاسم، وتقديره أن يكون بعد جوابها، فإذا أردت أن تعرف إعراب الاسم الذي يليها فاجعل موضعها، " مهما " وقدر الاسم بعد الفاء.
7299
تقول أما زيداً فضربت، والتقدير: مهما يكن من شيء فضربت / زيداً.
قوله: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) [٩٣] أي: من الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وقيل من الذين يعطون كتبهم بأيمانهم.
ثم قال: (فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ) [٩٤] أي: فسلام من عند الله، أي: سلام من ذلك وقيل المعنى: يقال سلام لك إنك من أصحاب اليمين.
قال قتادة: معناه سلموا وسلمت عليهم الملائكة.
وقيل المعنى: لك يا محمد منهم سلام، أي: يسلمون عليك.
وقيل المعنى: فسلام لك أنك من أصحاب اليمين.
وقيل معناه فلست ترى فيهم يا محمد إلا ما تحب من السلامة.
ثم قال: (وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ) [٩٥ - ٩٦]
[أي إن كان الميت ممن كذب بآيات الله وضل عن دين الله فنزل من حميم أي:
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٩٢:ثم قال :﴿ وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم ﴾١ [ ٩٥ -٩٦ ].
[ أي إن كان الميت ممن كذب بآيات الله وضل عن دين الله فنزل من حميم أي : فرزق من حميم ]٢.
أي له رزق٣ من حميم قد غلي٤ عليه حتى انتهى حره، فهو شرابه.
١ ساقط من ع..
٢ ساقط من ح..
٣ ع: "فله"..
٤ ح : "غلا" وهو خطأ..

فرزق من حميم].
أي له زرق من حميم قد غلي عليه حتى انتهى حره، فهو شرابه.
(وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) [٩٧] أي: وحريق النار يحرق بها.
ثم قال: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ) [٩٨] أي: أن هذا الذي أخبرتم به أيها الناس من الخير عن المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال وما تصير أمورهم لهو حق اليقين، أي: لهو من الخبر الحق اليقين.
قال قتادة: إن الله جل ذكره ليس تاركاً أحداً من الناس [يوقفه] على اليقين من هذا القرآن، فأما المؤمن فأيقن في الدنيا فينفعه ذلك يوم القيامة وأما الكافر فأيقن في الآخرة حين لا ينفعه ذلك.
(وحق اليقين): محض اليقين، وقيل معناه حق الأمر اليقين، وحق الخبر اليقين مثل " دِينُ الْقَيِّمَةِ " أي: دين الملة القيمة.
وقيل أصل " اليقين " أن يكون نعتاً للحق، ولكن أضيف المنعوت إلى النعت على الاتساع كما قال " وَلَدارُ الآْخِرَةِ " و " وملاة الأولى " و " مسجد الجامع "، وهو عند
أكثر الكوفيين من باب إضافة الشيء إلى نفسه.
ثم قال: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [٩٩] [أي] فنزه ربك العظيم.
وقيل معناه: فسبح بتسمية ربك العظيم.
Icon