﴿ وَشَدَدْنَآ أَسْرَهُمْ ﴾ [ الإنسان : ٢٩ ] وأُسْرَة الرَّجْل : من يتقوَّى بهم، والأُسْر : احتباس البَوْل، ورجل مَأْسُوةر : أصابه ذلك؛ وقالت العربُ : أسَرَ قَتَبَهُ : أي : شَدَّه؛ قال الأعشىك [ المتقارب ]

٦٣٦ وَقَيَّدَنِي الشِّعْرُ في بَيْتِهِ كَمَا قَيَّدَ الآسِرَاتُ الحَمَارَا
يريد : أنه بلغ في الشعر النّهاية؛ حتى صار له كالبيت الذي لا يَبْرَحُ عنه.
قوله :« تُفَادُوهُمْ » قرأ نافع وعاصم والكسائيك « تُفَادُوهُمْ »، وهو جواب الشرط، فلذلك حذف نون الرفع، وقرأ الباقون :« تَفْدُوهُمْ »، وهل القراءتان بمعنى واحد، ويكون معنى « فَاعَل » مثل معنى « فَعَل » المجرد مثل :« عاقبت وسَافرت » أو بينهما فرق؟ خلاف مشهور، ثم اختلف الناس في ذلك الفرق ما هو؟
فقيلك معنى « فَدَاه » أعطى فيه فِدَاء من مال، و « فَادَاهُ » : أعطى فيه أسيراً مثله؛ وأنشد :[ الطويل ]
٦٣٧ وَلَكِنَّنِي فَادَيْتُ أُمِّيَ بَعْدَمَا عَلاَ الرَّأْسَ مِنْهَا كَبْرَةٌ وَمَشِيبُ
وهذا القول يرده قوله العباس رضي الله عنه : فَادَيْتُ نفسي وفاديت عقيلاً، ومعلوم أن لم يُعْط أسيره في مقابلة نفسه ولا وَلَدِهِ.
وقيل : تفدوهم بالصّلح، وتفادوهم بالعنف.
وقيل : تفدوهم تعطوا فديتهم، وتفادوهم تطلبون من أعدائكم فِدْيَةَ الأسير الذي في أيديكم؛ ومنه :[ الوافر ]
٦٣٨ قِفِي فَادِي أَسِيرَكِ إنَّ قَوْمِي وَقَوْمَكِ مَا أَرَى لَهُمُ اجْتِمَاعَا
والظاهر أن « تفادوهم » على أصله من أثنين، وذلك أن الأسير يعطى المال والأسير يعطى الإطلاق، وتفدوهم على بابه من غير مُشَاركة، وذلك أن الفريقين يَفدي صاحبه من الآخر بمال أو غيره، فالفعل على الحقيقة من واحد.
و « الفِدَاء » ما يفتدى به، فإذا كسروا فاءه، جاز فيه وجهان :
المدُّ والقَصْر، فمن المَدِّ قول النابغةك [ البسيط ]
٦٣٩ مَهْلاً فِدَاءَ لَكَ الأَقْوَامُ كُلُّهُمُ وَمَا أُثَمِّرُ مِنْ مَالٍ وَمِنْ وَلَدِ
ومن القصر قوله :[ الطويل ]
٦٤٠..................... فِدَى لَكَ مِنْ رَبٍّ طَرِيفِي وتَالِدِي
ومن العرب من يكسر :« فدى » مع لام الجر خاصّة، نحو : فِدّى لَكَ أَبي وأمي « يريدون الدعاء له بذلك، وفدى يتعدّيان لاثنين أحدهما بنفسه، والآخر بحرف جر، تقول :» فديت أو فاديت الأسير بمال «، وهومحذوف في الآية الكريمة.
قال ابن عطية : وحَسُنَ لفظ الإتْيَان من حيث هو في مُقابلة الإخراج، فيظهر التَّضادّ المقبح لفعلهم في الإخراج.
يعني : أنه لايناسب من أسأتم إليه بالإخراج من داره أن تحسنوا إليه بالفداء.

فصل فيما أخذ الله على بني إسرائيل


قال السّدي : إن الله أخذ على بني إسرائيل في التوراة ألاَّ يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، وأيّما عبد أو أمة وجدتموه من بني إسرائيل فاشتروه بما قام من ثمنه وأعتقوه، وكانت »
قريظة « حلفاء » الأوس «، » والنضير « حلفاء » الخزرج «، وكانوا يقتلون في حرب سِنِيْنَ، فيقاتل » بنو قريظة « مع حلفائهم، » وبنو النضير « مع حلفائهم، وإذا غلبوا خربوا ديارهم، وأخرجوهم منها، وإذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتى يفدوه، وإن كان الأسير من عدّوهم، فتعيّرهم العرب، ويقولون : كيف تقاتلونهم وتفدونهم؟ قالوا : إنا أمرنا أن نفديهم، فيقولون : فلم تقاتلونهم؟ قالوا : إنا نستحي أن تذلّ حلفاؤنا، فعيّرهم الله تعالى، فقال :» ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ «.


الصفحة التالية