وقال أبُو بَكْرٍ الأصَمُّ، وابْنُ الأنْبَارِي : هي السَّمُومُ الحَارَّة.
وقال الزجاج : الصَّرْصَر : صوت لهيب النار - في الريح - من صَرَّ الشيءُ، يَصِرُّ، صَريراً - أي : صَوَّت بهذا الحِسِّ المعروف، ومنه صرير الباب، والصرة : الصيحة، قال تعالى :﴿ فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ ﴾ [ الذاريات : ٢٩ ].
وروى ابْنُ الأنْبَارِيِّ - بإسناده - عن ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله :﴿ فِيهَا صِرٌّ ﴾ قال : فيها نار. وعلى القولين، فالمقصود من التشبيه حاصل؛ لأنه - سواء كان بَرْداً مُهْلِكاً، أو حَرًّا مُحْرِقاً - يبطل الحرث والزرع، وإذا عُرِف هذا، فإن قلنا : الصِّرّ : البَرْد الشديد، أو هو صوت النار، أو هو صوت الريح، فَظَرْفِيَّة الريح له واضحة، وإن كان الصِّرُّ صفة الريح - كالصرصر - فالمعنى : فيها قِرَّة صر - كما تقول : برد بارد - وحُذِفَ الوصوف، وقامت الصفة مقامه، أو تكون الظرفية مجازاً جعل الموصوف ظرفاً للصفة.
كقوله :[ الوافر ]

١٥٨٠-................... وَفِي الرَّحْمَنِ لِلضُّعَفَاءِ كَافِي
ومنه قوله : إن ضيعني فلان، ففي الله كافٍ، المعنى : الرحمن كافٍ، الله كافٍ، وهذا فيه بُعْد.
قوله :« أصَابَتْ » هذه الجملة في محل جَرّ - أيضاً - صفة ل « رِيح ».
ولا يجوز أن يكون صفة ل « صر » ؛ لأنه مذكَّر، وبدأ أولاً بالوَصْف بالجار؛ لأنه قريب من المفرد، ثم بالجملة، هذا إن أعربنا « فِيهَا » - وحده - صفة، ورفعنا به « صِرٌّ »، أما إذا أعربناه خبراً مقدماً، أو « صِرٌّ » مبتدأ، فهما جملة - أيضاً-.
قوله :﴿ ظَلَمُوا ﴾ صفة ل « قوم »، والضمير في ﴿ ظَلَمَهُمُ ﴾ يعود على القوم ذوي الحرث، أي : ما ظلمهم الله بإهلاك حرثهم، ولكنهم ظلموا أنفسهم بارتكابهم المعاصي التي كانت سبباً في إهلاكهم؛ أو لأنهم زرعوا في غير موضع الزرع، أو في غير وقته؛ لأن الظلم : وضع الشيء في غير موضعه، وبهذا يتأكد وَجْه الشبه؛ لأن الزرع - لا في موضعه، ولا في وقته - يضيع، ثم أصابته الريح الباردة، فكان أولى بالضياع، وكذا - هاهنا - الكفار لما أتَوْا بالإنفاق لا في موضعه ولا في وقته ثم أصابه شؤمُ كُفْرِهم، فصار ضائعاً، والله أعلم.
وجوَّزَ الزَّمَخْشَرِيُّ وغيره : أن يعود الضمير على المنفقين، وإليه نَحَا ابْنُ عَطِيَّةَ، ورجحه بأن أصحاب الحرث لم يُذْكَروا للرد عليهم، ولا لتبيين ظلمهم، بل لمجرد التشبيه.
وقوله :﴿ ولكن أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ العامَّة على تخفيف « لكن »، وهي استدراكية، و « أنْفُسَهُمْ » مفعول مقدَّم، قُدِّم للاختصاص، أي : لم يقع وبالُ ظلمهم إلاَّ بأنفسهم خاصَّة، لا يتخطاهم، ولأجل الفواصل - أيضاً -.
وقرأها بعضُهم مشدَّدة، ووجهها أن تكون « أنْفُسَهُمْ » اسمها، و « يَظْلِمُونَ » الخبر، والعائد من الجملة الخبريَّة على الاسم محذوف، تقديره : ولكن أنفسهم يظلمونها، فحذف، وحسَّنَ حذفَه كَوْنُ الفعلِ فاصلة، فلو ذكر مفعوله، لفات هذا الغرض.


الصفحة التالية