قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَآءَ آلَ لُوطٍ المرسلون ﴾ القصة لما بشروا إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه بالولد، وأخبروه بأنهم مرسلون بالعذاب إلى قوم مجرمين ذهبوا بعد ذلك إلى لوط عليه السلام، وإلى آله، وإنَّ لوطاً، وقومه ما عرفوا أنهم ملائكة لله.
فقالوا :﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾ ؛ لأنهم لما هجموا عليه؛ استنكرهم، وخاف من دخولهم لأجل شر يوصلونه إليه.
وقيل : خاف؛ لأنهم كانوا شبايا مرداً حسان الوجوه، فخاف أن يهجم قومه عليهم لطلبهم، فقال هذه الكلمة.
وقيل : إنَّ النكرة ضدّ المعرفة، فقوله :﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾، أي : لا أعرفكم، و أعرف أنكم من أي الأقوام، ولأي غرض دخلتم عليّ، فقال :﴿ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ﴾.
قوله :﴿ بَلْ جِئْنَاكَ ﴾ إضراب عن الكلام المحذوف، تقديره : ما جئناك بما ينكر، ﴿ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا [ كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ ].
وقد تقدَّم الخلاف في قوله :« فأسْرِ » قعاً ووصلاً في هود :[ ٨١ ].
وقرأ اليماني فيما نقل ابن عطية، وصاحب اللوامح :« فَسِرْ » من السير. وقرأت فرقة بفتح الطاء، وقد تقدَّم في يونس أنَّ الكسائي، وابن كثير قرآه بالسكون في قوله « قِطْعاً » والباقون بالفتح.
قوله : قالت الملاكئة ﴿ بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُواْ فِيهِ يَمْتَرُونَ ﴾ يشكون أنه نازلٌ بهم، وهو العذاب؛ لأنه كان يوعدهم بالعذاب، فلا يصدقونه، ثمَّ أكدوا ذلك بقولهم :﴿ وَآتَيْنَاكَ بالحق ﴾ قال الكلبيُّ : بالعذاب، [ وقيل ] باليقين والأمر الثابت الذي لا شك فيه وهو العذاب ] ثم أكدوا هذه التَّأكيد بقولهم ﴿ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ﴾.
﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ الليل ﴾ والقِطْعُ والقَطع : آخر الليل؛ قال :[ الخفيف ]
٣٢٨٠ افْتَحِي البَابَ وانظُرِي في النُّجُومِ | كَم عليْنَا مِن قِطْعِ ليْلٍ بَهِيمِ |
وقيل : معناه الإسراع، وترك الاهتمام لما خلف وراءه، كما يقول : امض لشأنك، ولا تعرج على شيءٍ.
وقيل : المعنى لو بقي [ منه ] متاعٌ في ذلك الموضع، فلا يرجعن بسببه ألبتَّة.
وقيل : جعل الكله ذلك علامة لمن ينجو من آل لوطٍ.
﴿ وامضوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني « الشَّام ».
وقال المفضل : حيث يقول لكم جبريل. وقال مقاتل : يعني زغر. وقيل :« الأرْدن ».
قوله :﴿ حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ﴾ « حَيْثُ » على بابها من كونها ظرف مكان مبهمٍ، ولإبهامها تعدي إليها الفعل من غير واسطةٍ، على أنه قد جاء في الشِّعر تعديته إليها ب « في » كقوله :[ الطويل ]
٣٢٨١ فَأصْبحَ في حَيْثُ التَقيْنَا شَردُهمْ | طَليقٌ ومكْتوفُ اليَديْنِ ومُزْعِفُ |
وهو ضعيف، ولو كان كما قال، لكان التركيب وأمضوا حيث أمرتهم على أنه لو جاء التَّركيب كذا لم يكن فيه دلالة.