وأجازَ مَكِّيٍّ، وأبو البقاءِ : أن يكون صفة لموصوف محذوف، أي : أبراراً مع الأبرارِ، كقوله :[ الوافر ]

١٧١٦- كأنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أقَيْشٍ يُقَعْقَعُ خَلْفَ رِجْلَيْهِ بِشَنّ
أي : كأنك جمل من جمال.
قال أبو البقاء :« [ تقديره ] أبراراً مع الأبرار، وأبراراً -على هذا- حالٌ ». والأبرار يجوز أن يكونَ جمع بارّ -كصاحب وأصحاب، ويجوز أن يكون جمع بَرٍّ، بزنة : كَتِف وأكتاف، ورَبّ وأرْبَاب.
قال القفّالُ : في تفسير هذه المعية وجهانِ :
أحدهما : أن وفاتهم معهم : هي أن يموتوا على مثل أعمالهم، حتى يكونوا في درجاتهم يومَ القيامةِ، كما تقول : أنّا مع الشافعي في هذه المسألة، أي : مساوٍ له في ذلك الاعتقادِ.
ثانيهما : أنّ المرادَ منه كونُهم في جُملة أتباع الأبرار، كقوله :﴿ فأولئك مَعَ الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مِّنَ النبيين والصديقين ﴾ [ النساء : ٦٩ ].

فصل


احتجوا بهذه الآية على حصول العفو بدون التوبة من وجهين :
الأول : أنهم طلبوا المغفرةَ مطلقاً، ثم أجابهم الله تعالى بقوله :﴿ فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ] وهذا صريحٌ في أنه -تعالى- قد يغفرُ الذنبَ وإنْ لم توجد التوبةُ.
الثاني : أنه -تعالى- حكى عنهم إخبارَهم بإيمانهم، ثم قالوا :﴿ فاغفر لَنَا ذُنُوبَنَا ﴾ فأتى بفاء الجزاء وهذا يدلُّ على أنّ مجردَ الإيمان سبب لحسن طلب المغفرة من اللهِ تَعَالَى، ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى أجابَهُمْ بقوله :﴿ فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [ آل عمران : ١٩٥ ] فدلت هذه الآيةُ على أنَّ مجردَ الإيمانِ سببٌ لحصول الغُفْرانِ، إما ابتداء -بأن يعفوَ عنه، ولا يُدخلَهم النار -بأن يُعَذِّبهم مدةً، ثم يعفوَ عنهم، ويُخْرِجَهم من النار.
قوله تعالى :﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ ﴾ في هذا الجارّ ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنه متعلق ب « وعدتنا ».
قال الزمخشريُّ :« على -هذه- صلة للوعد، كما في قولك : وعد الله الْجَنَّةَ على الطَّاعَةِ، والمعنى : ما وعدتنا مُنَزَّلاً على رسلك، أو محمولاً على رسلك؛ لأنَّ الرُّسُلَ مُحَمَّلون ذلك قال تعالى :﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ﴾ [ النور : ٥٤ ].
وردَّ عليه أبو حيّان : بأنَّ الذي قدَّره محذوفاً كون مقيّد، وقد عُلِم من القواعد أنَّ الظرفَ والجارَّ إذا وقعَا حالَيْن، أو وَصْفَيْن، أو خَبَرَيْن، أو صِلَتَيْن تعلُّقاً بكون مطلق، والجار -هنا- وقع حالاً، فكيف يقدر متعلقه كوناً مقيَّداً، وهو منزَّل، أو محمول؟
ثالثها :-ذكره أبو البقاء- أن يتعلق »
على « ب » آتِنَا « وقدر مضافاً، فقال : على ألْسِنة رسُلك وهو حسن. وقرأ الأعمشُ : على رُسُلِكَ -بسكون السّينِ.
فإن قيل : إن الخُلْف في وَعْد اللهِ -تعالى- محالٌ، فكيف طلبوا ما علموا أنه واقع لا محالة؟
فالجوابُ من وجوهٍ :
الأول : أنه ليس المقصود من الدعاء طلب الفعلِ، بل المقصود منه إظهارُ الخضوعِ والذَّلَّة والعبودية، وقد أمِرْنا بالدعاء بأشياء نقطع بوجودها لا محالة كقوله :﴿ قَالَ رَبِّ احكم بالحق ﴾ [ الأنبياء : ١١١ ] وقوله :


الصفحة التالية