وقال الشَّيْخ [ شهاب الدِّين ] أبو شامة :« ولا بُعْد فيما اسْتَبْعَده أهل النَّحْو من جِهَة المَعْنَى؛ وذلك أنه قَدْ عُهِد المفعُول على الفاعل المَرْفُوع تقديراً، فإنَّ المَصْدر لو كان مُنَوّناً لجاز تَقْدِيم المفعُول على فاعله، نحو :» أعْجَبَنِي ضَرْب عَمْراً زَيْدٌ « فكذا في الإضَافَة، وقد ثبت جواز الفَصْل بين حَرْف الجرِّ ومجْرُوره مع شِدَّة الاتِّصال بَيْنَهُمَا أكْثَر من شِدَّته بني المُضَافِ والمُضافِ إليه؛ كقوله - تعالى - :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِمْ مَّيثَاقَهُمْ ﴾ [ النساء : ١٥٥ ]، ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ ﴾ [ آل عمران : ١٥٩ ] ف » مَا « زَائِده في اللَّفْظِ، فكأنه مؤخَّر لَفْظاً، ولا التِفَات إلى قَوْل من زَعَم أنه لم يَأتِ في الكلام المَنْثُور مثله؛ لأنه نَافِ، ومن أسْنَد هذه القِراءة مُثْبِت، والإثْبات مُرَجَّح على النَّفْي بإجْمضاع، ولو نقل إلى هذا الزّاعِم عن بَعْضِ العرب أنه اسْتَعَمَلَهُ في النَّثْر، لرجع إلَيْه، فما بالُه لا يكْتَفِي بناقل القراءة من التَّابعين عن الصَّحابَةِ؟ ثم الذي حَكَاه ابن الأنْبَاري يَعْني ممَّا تقدَّم حِكاتيه من قوله :» هو غُلامُ إن شاء اللَّه أخيك « فيه الفَصْل من غير الشِّعْر بجُمْلَة ».
وقرأ أبو عبد الرَّحْمن السلمي، والحسن البصري، وعبد الملك قَاضِي الجند صَاحِب أن عامِر :« زُيِّن » مبْنِياً للمفعُول، « قَتْلُ » رفعاً على ما تقدَّم، « أوْلادِهم » خفْضاً بالإضافة، « شُرَكَاؤهم » رفْعاً، وفي رفْعِه تخريجان :
أحدهما - وهو تَخْريج سيبويه- : أنه مَرْفُوع بفعل مُقَدَّر، تقديره : زَيَّنَه شركَاؤهُم، [ فهو جواب لِسُؤال ] مقدر كأنَّه قيل : مَنْ زَيَّنة لَهُم؟ فقيل :« شركَاؤُهُم » ؛ وهذا كقوله تعالى :﴿ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بالغدو والآصال رجَالٌ ﴾ [ النور : ٣٦ ] أي : يُسَبِّحُهُ.
وقال الآخر :[ الطويل ]
٢٣٥٤- لِيُبْكَ يَزِيدُ ضَارعٌ لِخُصُومَةٍ | ................. |
وقال أبو البقاء :« ويمكن أن يَقَع القَتْل منهم حَقِيقَة »، وفي نظر؛ لقوله - تبارك وتعالى - :« زَيَّن » والإنْسَان إنما يُزَيَّن له فِعْل نَفْسِه؛ كقوله - تعالى- :﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ﴾ [ فاطر : ٨ ] وقال غير أبي عُبَيْد :« وقرأ أهْل الشام كقِرَاءة ابن عامر، إلا أنهم خفَضُوا » الأولاد « أيضاً، وتخريجها سَهْل؛وهو أن تَجْعَل » شُرَكَائِهم « بدلاً من » أولادِهِم « بمعنى أنهم يُشْرِكُونهم في النَّسب، والمالِ، وغير ذلك ».
قال الزَّجَّاج :« وقد رُوِيت » شُركَائِهم « بالياء في بَعْض المصاحفِ، ولكن لا يَجُوز إلاَّ على أن يكُون » شُركَاؤُهم « من نَعْت الأولاد؛ لأن أولادهم شُرَكَاؤهُم في أمْوالهم ».