[ المجادلة : ٩ ]، والمعنى : أنَّ الله تعالى يعلم سرهم ونجواهم فكيف يتجرَّءون على النفاق الذي الأصل فيه الاستسرار والتَّناجي فيما بينهم، مع علمهم بأنَّهُ تعالى يعلم ذلك من حالهم، كما يعلم الظَّاهر، وأنَّهُ يعاقب عليه كما يعاقب على الظَّاهر.
قال :﴿ وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب ﴾ والعَلاَّمُ : مبالغة في العالم، والغيب : ما كان غَائِباً عن الخلق.
قوله تعالى :﴿ الذين يَلْمِزُونَ المطوعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾ الآية.
في « الذين يَلْمِزُونَ » أوجه :
أحدها : أنه مرفوعٌ على إضمار مبتدأ، أي : هم الذين.
الثاني : أّنَّه في محل رفع بالابتداء، و « مِنَ الُمؤمنينَ » حالٌ من « المطَّوِّعين ».
و « في الصَّدقاتِ » متعلق ب « يَلْمِزُونَ »، و « الَّذشينَ لا يَجِدُونَ » نسقٌ « المُطَّوِّعينَ » أي : يَعيبُونَ المياسير، والفقراء. وقال مكيٌّ :« والَّذينَ » خفضٌ، عطفاً على « المُؤمنينَ » ولا يَحْسُن عطفهُ على « المُطَّوِّعين » ؛ لأنه لمْ يتمَّ اسماً يعد؛ لأنَّ « فَيَسْخَرُونَ » عطف على « يَلْمِزُونَ » هكذا ذكره النَّحاسُ في الإعراب له، وهو عندي وهمٌ منه.
قال شهابُ الدِّين :« والأمر فيه كما ذكر، فإنَّ » المُطَّوِّعينَ « قد تمَّ من غير احتياجٍ لغيره ».
وقوله :« فَيَسْخرُونَ » نسقٌ على الصِّلةِ، وخبر المبتدأ : الجملةُ من قوله « سَخِرَ اللهُ منهُمْ » هذا أظهرُ إعراب قيل هنا.
وقيل :« والَّذينَ لا يَجِدُونَ » نسقٌ على « الَّذِينَ يَلْمِزُونَ »، ذكره أبُو البقاءِ وهذا لا يجُوزُ؛ لأنَّهُ يلزمُ الإخبارُ عنهم بقوله :﴿ سَخِرَ الله مِنْهُمْ ﴾، وهذا لا يكون، إلاَّ بأنْ كان « الَّذِينَ لا يَجِدُون » مُنافقينَ، وأمَّا إذَا كانُوا مؤمنين، كيف يسخرُ الله منهم؟. وقيل :« والَّذِينَ لا يَجِدُونَ » نسقٌ على « المُؤمنينَ »، قاله أبُو البقاءِ.
قال أبُو حيَّان :« وهُو بعيدٌ جدّاً ». ووجهُ بعده : أنَّه يفهمُ أنَّ « الَّذِينَ لا يجدُونَ » ليسوا مؤمنين؛ لأن أصل العطف الدلالةُ على المُغايرةِ، فكأنَّنهُ قيل : يَلْمِزُونَ المطَّوِّعينَ من هذين الصنفين : المؤمنين، والذين لا يجدُونَح فيكون « الَّذِينَ لا يجدون » مطَّوِّعين غير مؤمنين.
وقال أبُو البقاءِ :« فِي الصَّدقاتِ » متعلقٌ ب « يَلمِزُونَ »، ولا يتعلَّق ب « المُطَّوِّعينَ » لئلاَّ يفصل بينهما بأجنبي. وهذا فيه نظر؛ إذ قوله « مِنَ المؤمنينَ » حال، والحالُ ليست بأجنبيّ، وإنَّما يظهر في ردِّ ذلك أن « يطَّوَّع » إنَّما يتعدى بالياءِ، لا ب « في » وكون « في » بمعنى « الباء » خلاف الأصل. وقيل :« فَيَسْخَرُونَ » خبرُ المبتدأ ودخلتِ الفاءُ، لمَا تضمَّنهُ المبتدأ من معنى الشرط، وفي هذا الوجه بُعدٌ من حيثُ إنَّه يقرُب من كون الخبر في معنى المبتدأ فإنَّ من عاب إنساناً وغمزهُ علم أنَّهُ يسخرُ منه فيكون كقولهم :« سَيِّدُ الجاريةِ مالِكُهَا ».