وقيل : إنما لا يسقط الحد عن المحاربين بعد القدرة عليهم والله أعلم لأنهم متهمون بالكذب في توبتهم والتصنع فيها إذا نالتهم يد الإمام، أو لأنه لما قدر عليهم صاروا بمعرض أن ينكل بهم فلم تقبل توبتهم ؛ كالمتلبس بالعذاب من الأُمم قبلنا، أو من صار إلى حال الغَرْغَرة فتاب ؛ فأما إذا تقدّمت توبتهم القدرة عليهم، فلا تهمة وهي نافعة على ما يأتي بيانه في سورة "يونس" ؛ فأما الشرّاب والزناة والسرّاق إذا تابوا وأصلحوا وعُرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدّهم، وإن رفعوا إليه فقالوا تبنا لم يتركوا، وهم في هذه الحال كالمحاربين إذا غُلبوا.
والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٦ صـ ﴾
وقال الآلوسى :
﴿ إِلاَّ الذين تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ ﴾ استثناء مخصوص بما هو من حقوق الله تعالى كما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿ فاعلموا أَنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ وأما ما هو من حقوق العباد كحقوق الأولياء من القصاص ونحوه فيسقط بالتوبة وجوبه على الإمام من حيث كونه حدّاً، ولا يسقط جوازه بالنظر إلى الأولياء من حيث كونه قصاصاً، فانهم إن شاءوا عفوا، وإن أحبوا استوفوا.
وقال ناصر الدين البيضاوي : إن القتل قصاصاً يسقط بالتوبة وجوبه لا جوازه، وشنع عليه لضيق عبارة العلامة ابن حجر في كتابه التحفة، وأفرد له تنبيهاً فقال بعد نقله وهو عجيب، أعجب منه سكوت شيخنا عليه في حاشيته مع ظهور فساده لأن التوبة لا دخل لها في القصاص أصلاً إذ لا يتصور بقيد كونه قصاصاً حالتا وجوب وجواز لأنا إن نظرنا إلى الولي فطلبه جائز له ولا واجب مطلقاف، أو للإمام فإن طلبه منه الولي وجب وإلا لم يجب من حيث كونه قصاصاً، وإن جاز أو وجوب من حيث كونه حداً فتأمله انتهى.


الصفحة التالية