وقال الآلوسى :
﴿ قُلِ الله يُنَجّيكُمْ مّنْهَا وَمِن كُلّ كَرْبٍ ﴾ أي غم يأخذ بالنفس، والمراد به إما ما يعم ما تقدم والتعميم بعد التخصيص كثير أو ما يعتري المرء من العوارض النفسية التي لا تتناهى كالأمراض والأسقام، وأمره ﷺ بالجواب مع كونه من وظائفهم للإيذان بظهوره وتعينه أو للإهانة لهم مع بناء قوله سبحانه :﴿ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ ﴾ عليه أي الله تعالى وحده ينجيكم مما تدعونه إلى كشفه ومن غيره ثم أنتم بعدما تشاهدون هذه النعم الجليلة تعودون إلى الشرك في عبادته سبحانه ولا توفون بالعهد.
ووضع ﴿ تُشْرِكُونَ ﴾ موضع لا تشكرون الذي هو الظاهر المناسب لوعدهم السابق المشار إليه بقوله تعالى :﴿ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشاكرين ﴾ ( الأنعام ؛ ٦٣ ) للتنبيه على أن من أشرك في عبادة الله تعالى فكأنه لم يعبده رأساً إذ التوحيد ملاك الأمر وأساس العبادة، وقيل : لعل المقصود التوبيخ بأنهم مع علمهم بأنه لم ينجهم إلا الله تعالى كما أفاده تقديم المسند إليه أشركوا ولم يخصوا الله تعالى بالعبادة فذكر الإشراك في موقعه، وكلمة ثم ليس للتراخي الزماني بل لكمال البعد بين إحسان الله تعالى عليهم وعصيانهم، ولم يذكر متعلق الشرك لتنزيله منزلة اللازم تنبيهاً على استبعاد الشرك في نفسه.
وقرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وهشام عن ابن عامر ﴿ يُنَجّيكُمْ ﴾ بالتشديد والباقون بالتخفيف. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٧ صـ ﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة :﴿ قل الله ينجيكم منها ﴾ تلقين لجواب الاستفهام من قوله :﴿ مَنْ يُنجّيكم ﴾ أن يُجيب عن المسؤولين، ولذلك فصلت جملة ﴿ قل ﴾ لأنَّها جارية مجرى القول في المحاورة، كما تقدّم في هذه السورة.
وتولَّى الجواب عنهم لأنّ هذا الجواب لا يسعهم إلاّ الاعتراف به.
وقدّم المسند إليه على الخبر الفعلي لإفادة الاختصاص، أي الله ينجيكم لا غيره، ولأجل ذلك صرّح بالفعل المستفهم عنه.
ولولا هذا لاقتصر على ﴿ قل الله ﴾.


الصفحة التالية