وقال ابن عاشور :
واللام في قوله :﴿ ليحق الحق ويبطل الباطل ﴾
لام التعليل.
وهي متعلقة بقوله ﴿ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ﴾ أي إنما أراد ذلك وكون أسبابه بكلماته لأجل تحقيقه الحق وإبطاله الباطلَ.
وإذ قد كان محصول هذا التعليل هو عين محصول المعلل في قوله :﴿ ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ﴾ وشان العلة أن تكون مخالفة للمعلل، ولو في الجملة، إذ فائدة التعليل إظهار الغرض الذي يقصده الفاعل من فعله، فمقتضى الظاهر أن لا يكون تعليل الفعل بعين ذلك الفعل، لأن السامع لا يجهل أن الفاعل المختار ما فعل فعلاً إلا وهو مرادٌ له، فإذا سمعنا من كلام البليغ تعليل الفعل بنفس ذلك الفعل، كان ذلك كناية عن كونه ما فعل ذلك الفعل إلا لذاتتِ الفعل، لا لغرض آخر عائد عليه، فإفادة التعليل حينئذ معنى الحصر حاصلة من مجرد التعليل بنفس المعلّل.
والحصر هنا من مستتبعات التركيب، وليس من دلالة اللفظ، فافهمه فإنه دقيق وقد وقعت فيه غفلات.
ويجوز أن يكون الاختلاف بين المعلل والعلة بالعموم والخصوص أي يريد الله أن يحق الحق في هذه الحادثة لأنه يريد إحقاق الحق عموماً.
وأما قوله :﴿ ويبطل الباطل ﴾ فهو ضد معنى قوله :﴿ ليُحق الحق ﴾ وهو من لوازم معنى ليُحق الحق، لأنه إذا حصل الحق ذهب الباطل كما قال تعالى :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقٌ ﴾ [ الأنبياء : ١٨ ]، ولما كان الباطل ضد الحق لزم من ثبوت أحدهما انتفاء الآخر.
ومن لطائف عبد الله بن عباس أنه قال لعُمر بن أبي ربيعة : كم سِنّك فقال ابن أبي ربيعة وُلدت يوم مات عمر بن الخطاب، فقال ابن عباس :"أي حق رُفع وأيّ باطل وضع" أي في ذلك اليوم، ففائدة قوله :﴿ ويبطل الباطل ﴾ التصريح بأن الله لا يرضى بالباطل، فكان ذكر بعد قوله :﴿ ليحق الحق ﴾ بمنزلة التوكيد لقوله ﴿ ليحق الحق ﴾ لأن ثبوت الشيء قد يُؤكد بنفي ضده كقوله تعالى:


الصفحة التالية