وقال الآلوسى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥) ﴾
﴿ يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ﴾ خطاب للمؤمنين بحكم كلي جار فيما سيقع من الوقائع والحروب جيء به في تضاعيف القصة إظهاراً للاعتناء به وحثاً على المحافظة عليه ﴿ إِذَا لَقِيتُمُ الذين كَفَرُواْ زَحْفاً ﴾ الزحف كما قال الراغب انبعاث مع جر الرجل كانبعاث الصبي قبل أن يمشي والبعير المعيي والعسكر إذا كثر فتعثر انبعاثه، وقال غير واحد : هو الدبيب يقال : زحف الصبي إذا دب على استه قليلاً قليلاً ثم سمي به الجيش الدهم المتوجه إلى العدو لأنه لكثرته وتكاثفه يرى كأنه يزحف لأن الكل يرى كجسم واحد متصل فتحس حركته بالقياس في غاية البطء وإن كانت في نفس الأمر في غاية السرعة كما قال سبحانه وتعالى :﴿ وَتَرَى الجبال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ وَيُنْشِىء السحاب ﴾ [ النمل : ٨٨ ] وقال قائلهم :
وأر عن مثل الطود تحسب أنه...
وقوف لجاج والركاب تهملج
ويجمع على زحوف لأنه خرج عن المصدرية، ونصبه إما على أنه حال من مفعول ( لقيتم ) أي زاحفين نحوكم أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال منه أي يزحفون زحفاً وجوز كونه حالاً من فاعله أو منه ومن مفعوله معاً، واعترض بأنه يأباه قوله تعالى :﴿ فَلا تُوَلُّوهُمُ الادبار ﴾ إذ لا معنى لتقييد النهي عن الإدبار بتوجههم السابق إلى العدو وبكثرتهم بل توجه العدو إليهم وكثرتهم هو الداعي إلى الإدبار عادة والمحوج إلى النهي، وحمله على الإشعار بما سيكون منهم يوم حنين حين تولوا وهم اثنا عشر ألفاً بعيد انتهى.


الصفحة التالية