الْحَاجُّ، فَجَعَلَ قُصَيٌّ عِنْدَ مَوْتِهِ أَمْرَ السِّقَايَةِ لِابْنِهِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَلَمْ تَزَلْ مَعَ عَبْدِ مَنَافٍ يَقُومُ بِهَا فَكَانَ يَسْقِي الْمَاءَ مِنْ بِئْرِ كَرَادِمَ وَغَيْرِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَمِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ اهـ.
أَقُولُ : وَقَدْ بَنَى هَذَا الْمَكَانَ الْمُسَمَّى بِسِقَايَةِ الْعَبَّاسِ، وَلَا يَزَالُ مَاثِلًا إِلَى الْآنِ، وَهُوَ حَجَرَةٌ كَبِيرَةٌ فِي جِهَةِ الْجَنُوبِ مِنْ بِئْرِ زَمْزَمَ وَصَفَ مُؤَرِّخُو مَكَّةَ مِسَاحَتَهَا وَبُعْدَهَا عَنْ زَمْزَمَ وَعَنِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ.
وَيُؤْخَذُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْكَلِمَةِ أَنَّهَا صَارَتِ اسْمَ حِرْفَةٍ، وَكَذَا الْحِجَابَةُ، وَهِيَ سِدَانَةُ الْبَيْتِ، وَهُمَا أَفْضَلُ مَآثِرِ قُرَيْشٍ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّهُمَا الْإِسْلَامُ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ بِالْبَدَاهَةِ أَنَّ قَوْلَ الْعَبَّاسِ : أَنَا صَاحِبُ السِّقَايَةِ، وَقَوْلَ النَّاسِ فِيهِ كَقَوْلِهِ لَا يُرَادُ بِهِ
أَنَّهُ صَاحِبُ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ الْمُحَلَّى بِالزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ الْمَنْبُوذِ فِيهِ، وَلَا ذَلِكَ الْمَاءُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى إِدَارَةَ هَذَا الْعَمَلِ، وَهُوَ الْإِتْيَانُ بِالزَّبِيبِ أَوِ التَّمْرِ وَنَبْذُهُ بِالْمَاءِ وَوَضْعُ أَوَانِيهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فَيَشْرَبُونَ مِنْهَا، وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَغْفُلَ أَيُّ لُغَوِيٍّ أَوْ مُفَسِّرٍ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ : إِنَّهَا اسْمٌ لِمَكَانِ السَّقْيِ، وَبَعْضُهُمْ : إِنَّهَا مَصْدَرُ سَقَى أَوْ أَسْقَى إِلَخْ.


الصفحة التالية