ولما كان ذلك ساراً وكانت المساءة بما يفهم السرور إنكاء، قال دالاً على أن ذلك يعد نزع روحه :﴿ببدنك﴾ أي من غير روح وهو كامل لم ينقص منه شيء حتى لا يدخل في معرفتك لبس ﴿لتكون﴾ أي كوناً هو في غاية الثبات ﴿لمن خلفك﴾ أي يتأخر عنك في الحياة من بني إسرائيل وغيرهم ﴿آية﴾ في أنك عبد ضعيف حقير، لست برب فضلاً عن أن تكون أعلى ويعرفوا أن من عصى الملك أخذ وأن كان أقوى الناس وأكثرهم جنوداً، وقد ادعى بعض الملحدين إيمانه بهذه الآية إرادة لما يعيذ الله منه من حل العقد الواجب من أن فرعون من أكفر الكفرة بإجماع أهل الملل ليهون للناس الاجتراء على المعاصي، وادعى أنه لا نص في القرآن على أنه من أهل النار وضل عن الصرائح التي في القرآن في ذلك في غير موضع وعن أن قوله تعالى :
﴿وإن فرعون لعال في الأرض وإنه لمن المسرفين﴾ [ يونس : ٨٣ ] مع قوله تعالى :﴿وأن المسرفين هم أصحاب النار﴾ [ غافر : ٤٣ ] قياس قطعي الدلالة بديهي النص على أنه من أهل النار، والآية - كما ترى - دليل على قوله :﴿قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً﴾ - الآية، لو كان فرعون مثل قريش، فكيف ولا نسبة لهم منه في شدة الاستكبار التابعة لكثرة الجموع ونفوذ الكلمة بضخامة الملك وعز السلطان والقوة بالأموال والأعوان، وقد وري أن جبريل عليه السلام كان أتاه بفتيا في عبد نشأ في نعمة سيده فكفر نعمته وجحد حقه وادعى السيادة دونه، فكتب فرعون جزاء العبد الخارج عن طاعة سيده الكافر نعماءه أن يغرق في البحر، فلما ألجمه الغرق ناوله جبريل عليه السلام خطه فعرفه.