والقيد السادس : قوله تعالى :﴿وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ﴾ والممكن لذاته معدوم بالنظر إلى ذاته وموجود بإيجاد الحق، وإذا كان كذلك فما سوى الحق فلا وجود له إلا إيجاد الحق، وعلى هذا التقدير فلا نافع إلا الحق ولا ضار إلا الحق، فكل شيء هالك إلا وجهه وإذا كان كذلك، فلا حكم إلا لله ولا رجوع في الدارين إلا إلى الله.
ثم قال في آخر الآية :﴿فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ الظالمين﴾ يعني لو اشتغلت بطلب المنفعة والمضرة من غير الله فأنت من الظالمين، لأن الظلم عبارة عن وضع الشيء في غير موضعه، فإذا كان ما سوى الحق معزولاً عن التصرف، كانت إضافة التصرف إلى ما سوى الحق وضعاً للشيء في غير موضعه فيكون ظلماً.
فإن قيل : فطلب الشبع من الأكل والري من الشرب هل يقدح في ذلك الإخلاص ؟
قلنا : لا لأن وجود الخبز وصفاته كلها بإيجاد الله وتكوينه، وطلب الانتفاع بشيء خلقه الله للانتفاع به لا يكون منافياً للرجوع بالكلية إلى الله، إلا أن شرط هذا الإخلاص أن لا يقع بصر عقله على شيء من هذه الموجودات إلا ويشاهد بعين عقله أنها معدومة بذواتها وموجودة بإيجاد الحق وهالكة بأنفسها وباقية بإبقاء الحق، فحينئذ يرى ما سوى الحق عدماً محضاً بحسب أنفسها ويرى نور وجوده وفيض إحسانه عالياً علي الكل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٧ صـ ١٣٨ ـ ١٣٩﴾