ولما كان التعبير برذالة المتبع مما ينفر أهل الدنيا عن ذلك التابع، بين لهم أن شأنه غير شأنهم وأنه رقيق على من آمن به رفيق به رحيم له وإن كان متأخراً في الدنيا محروماً منها خوفاً من الله الذي اتبعوه فيه فقال :﴿وما أنا﴾ وأغرق في النفي بقوله :﴿بطارد الذين آمنوا﴾ أي أقروا بألسنتهم بالإيمان ؛ ثم علل ذلك بقوله مؤكداً لإنكارهم ﴿إنهم ملاقوا ربهم﴾ أي المحسن إليهم بعد إيجادهم وترتيبهم لهدايتهم، فلو طردتهم لشكوني إليه فلا أرى لكم وجهاً في الإشارة إلى طردهم ولا في شيء مما أجبتموني به ﴿ولكني أراكم﴾ أي أعلمكم علماً هو كالرؤية ﴿قوماً تجهلون﴾ أي تفعلون أفعال أهل الجهل فتكذبون الصادق وتعيرون المؤمنين بما لا يعنيهم وتنسون لقاء الله وتوقعون الأشياء في غير مواقعها، وفي تعبيره ب ﴿تجهلون﴾ دون ﴿جاهلين﴾ إشارة إلى أن الجهل متجدد لهم وهو غير عادتهم استعطافاً لهم إلى الحلم، ثم عطف إلى صريح الاستعطاف في سياق محذر من سطوات الله فقال :﴿ويا قوم﴾ أي الذين هم أعز الناس عليّ ﴿من ينصرني من الله﴾ أي الذي له جميع العظمة ﴿إن طردتهم﴾ ولو لم يشكوني إليه لاطلاعه على ما دق وجل : ولما تم الجواب عن ازدرائهم، سبب عنه الإنكار لعدم تذكرهم ما قاله لهم بما يجدونه في أنفسهم فقال :﴿أفلا تذكرون﴾ أي ولو أدنى تذكر - بما يشير إليه الإدغام - فتعلموا أن من طرد صديقاً لكم عاديتموه وقصدتموه بالأذى، فترجعوا عما طرأ لكم من جهل إلى عادتكم مِنَ الحلم الباعث على التأمل الموقف على الحق ؛ والطرد : إبعاد الشيء على جهة الهوان ؛ والقوم : الجماعة الذين يقومون بالأمر، اسم جمع لا واحد له من لفظه ؛ والتذكير : طلب معنى قد كان حاضراً للنفس، والتفكر طلبه وإن لم يكن حاضراً.