الأنبياء ﴿اقترب للناس حسابهم﴾ [ الأنبياء : ١ ] والحج ﴿إن زلزلة الساعة شيء عظيم﴾ [ الحج : ١ ] ولما لم يكن بين البعث وما بعده مهلة لشيء من ذلك، عقب سورة الإيجاد الثاني بسورة الإبقاء الثاني من غير فاصل ولا حاجز ولا حائل - والله أعلم.
ولما وصف الكتاب بما له من العظمة في جميع ما مضى من أوصافه من الحكمة والإحكام، والتفصيل والبيان، والحقية، والإخراج من الظلمات إلى النور، والجمع لكل معنى والتبيان لكل شيء، أتبعه ذكر فائدته مقدماً ما هو الأهم من درء المفسدة بالإنذار، لأنه مقامه كما هو ظاهر من ﴿سبحان﴾ فقال :﴿لينذر﴾ وقصره على المفعول الأول ليعم كل من يصح قبوله الإنذار ولو تقديراً، وليفيد أن الغرض بيان المنذر به لا المنذر ﴿بأساً شديداً﴾ كائناً ﴿من لدنه﴾ أي أغرب ما عنده من الخوارق بما في هذا الكتاب من الإعجاز لمن خالف أمره من عذاب الدنيا والآخرة كوقعة بدر وغيرها المفيد لإدخال الإسلام عليهم وهم كارهون، بعد ما كانوا فيه من القوة وهو من الضعف ﴿ويبشر المؤمنين﴾ أي الراسخين في هذا الوصف ﴿الذين يعملون الصالحات﴾ وهو ما أمر به خالصاً له، وذلك من أسنان مفتاح الإيمان ﴿أن لهم﴾ أي من حيث هم عاملون ﴿أجراً حسناً﴾ وهو النعيم، حال كونهم ﴿ماكثين فيه أبداً﴾ بلا انقطاع أصلاً، فإن الأبد زمان لا آخر له، فجمعت هاتان العلتان جميع معاني الكتاب فإنه لا يكون كذلك إلا وقد جمع أيضاً جميع شرائع الدين وأمر المعاش وأمر المعاد وما يعنيهم فعله أو تركه أو اعتقاده، وما يتبع ذلك، وذلك هو القيم، أي المستقيم في نفسه، المقيم لغيره. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ٤٤١ ـ ٤٤٤﴾


الصفحة التالية