﴿ما آمنت قبلهم من قرية أهلكناها﴾ [ الأنبياء : ٦ ] وفي قوله ﴿أفهم يؤمنون﴾ [ الأنبياء : ٦ ] تعزية لرسول الله ـ ﷺ ـ في أمر قريش ومن قبل ما الكلام بسبيله، وقد تضمنت هذه السورة إلى ابتداء قصة إبراهيم عليه السلام من المواعظ والتنبيه على الدلالات وتحريك العباد إلى الاعتبار بها ما يعقب لمن اعتبر به التسليم والتفويض لله سبحانه والصبر علىلابتلاء وهو من مقصود السورة، وفي قوله ﴿ثم صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين﴾ [ الأنبياء : ٩ ] إجمال لما فسره النصف الأخير من هذه السورة من تخليص الرسل عليهم السلام من قومهم وإهلاك من أسرف وأفك ولم يؤمن، وفي ذكر تخليص الرسل وتأييدهم الذي تضمنه النصف الأخير من لدن قوله ﴿ولقد ءاتينا إبراهيم رشده﴾ [ الأنبياء : ٥١ ] إلى آخر السورة كمال الغرض المتقدم من التأنيس وملاءمة ما تضمنته سورة طه وتفسير لمجمل ﴿وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً﴾ [ مريم : ٩٨ ] انتهى.
ولما أخبر سبحانه عن غفلتهم وإعراضهم، علل ذلك بقوله :﴿ما يأتيهم﴾ وأعرق في النفي بقوله : من ﴿ذكر﴾ أي وحي يذكر بما جعل في العقول من الدلائل عليه سبحانه ويوجب الشرف لمن أتبعه ﴿من ربهم﴾ المحسن إليهم بخلقهم وتذكيرهم، قديم لكونه صفة له ﴿محدث﴾ إنزاله ﴿إلا استمعوه﴾ أي قصدوا سماعه وهو أجد الجد وأحق الحق ﴿وهم﴾ أي والحال أنهم ﴿يلعبون﴾ أي يفعلون فعل اللاعبين بالاستهزاء به ووضعه في غير مواضعه وجعلهم استماعهم له لإرادة الطعن فيه، فهو قريب من قوله ﴿لا تسمعوا لهذا القرآن والغو فيه﴾ [ فصلت : ٢٦ ] ﴿لاهية قلوبهم﴾ أي غارقة قلوبهم في اللهو، مشغولة به عما حداها إليه القرآن، ونبهها عليه الفرقان، وحذرها منه البيان، قال الرازي في اللوامع : لاهية : مشتغلة من لهيت ألهى : أو طالبة للهو، من لهوت ألهو - انتهى.