فصل


قال الفخر :
واعلم أنه تعالى حكى عنهم بعد ذلك شبهتهم في إنكار القيامة وفي إنكار الإله القادر، أما شبهتهم في إنكار القيامة فهي قوله تعالى :﴿وَقَالُواْ مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ فإن قالوا الحياة مقدمة على الموت في الدينا فمنكرو القيامة كان يجب أن يقولوا نحيا ونموت، فما السبب في تقديم ذكر الموت على الحياة ؟ قلنا فيه وجوه الأول : المراد بقوله ﴿نَمُوتُ﴾ حال كونهم نطفاً في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، وبقوله ﴿نحيا﴾ ما حصل بعد ذلك في الدينا الثاني : نموت نحن ونحيا بسبب بقاء أولادنا الثالث : يموت بعض ويحيا بعض الرابع : وهو الذي خطر بالبال عند كتابة هذا الموضع أنه تعالى قدم ذكر الحياة فقال :﴿مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدنيا﴾ ثم قال بعده :﴿نَمُوتُ وَنَحْيَا﴾ يعني أن تلك الحياة منها ما يطرأ عليها الموت وذلك في حق الذين ماتوا، ومنها ما لم يطرأ الموت عليها، وذلك في حق الأحياء الذين لم يموتوا بعد، وأما شبهتهم في إنكار الإله الفاعل المختار، فهو قولهم ﴿وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدهر﴾ يعني تولد الأشخاص إنما كان بسبب حركات الأفلاك الموجبة لامتزاجات الطبائع، وإذا وقعت تلك الامتزاجات على وجه خاص حصلت الحياة، وإذا وقعت على وجه آخر حصل الموت، فالموجب للحياة والموت تأثيرات الطبائع وحركات الأفلاك، ولا حاجة في هذا الباب إلى إثبات الفاعل المختار، فهذه الطائفة جمعوا بين إنكار الإله وبين إنكار البعث والقيامة.


الصفحة التالية