وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ﴾
"وَيْلٌ" وادٍ في جهنم.
توعد من ترك الاستدلال بآياته.
والأفّاك : الكذاب.
والإفك الكذب.
"أَثِيمٍ" أي مرتكب للإثم.
والمراد فيما رُوِيَ : النضرُ بن الحارث وعن ابن عباس أنه الحارث بن كَلَدة.
وحكى الثعلبي أنه أبو جهل وأصحابه.
﴿ يَسْمَعُ آيَاتِ الله تتلى عَلَيْهِ ﴾ يعني آيات القرآن.
﴿ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً ﴾ أي يتمادى على كفره متعظماً في نفسه عن الانقياد ؛ مأخوذ من صرّ الصُّرة إذا شدّها.
قال معناه ابن عباس وغيره.
وقيل : أصله من إصرار الحمار على العانة، وهو أن ينحني عليها صارًّا أذنيه.
و"أنْ" من "كأَنْ" مخففة من الثقيلة ؛ كأنه لم يسمعها، والضمير ضمير الشأن ؛ كما في قوله :
كأَنْ ظَبْيَةً تَعْطُو إلى ناضر السَّلَمْ...
ومحل الجملة النصب، أي يصرّ مثل غير السامع.
وقد تقدّم في أوّل "لقمان" القول في معنى هذه الآية.
وتقدّم معنى ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ في "البقرة".
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئاً اتخذها هُزُواً ﴾ نحو قوله في الزقوم : إنه الزبد والتمر، وقوله في خزنة جهنم : إن كانوا تسعة عشر فأنا ألقاهم وحدي.
﴿ أولئك لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ مذل مخزٍ.
﴿ مِّن وَرَآئِهِمْ جَهَنَّمُ ﴾ أي من وراء ما هم فيه من التعزز في الدنيا والتكبر عن الحق جهنمُ.
وقال ابن عباس :"مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ" أي أمامهم، نظيره :"مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ" أي من أمامه.
قال :
أليس ورائي إن تراخت منِيّتي...
أدُبّ مع الولدان أزْحَفُ كالنَّسْر
﴿ وَلاَ يُغْنِي عَنْهُم مَّا كَسَبُواْ شَيْئاً ﴾ أي من المال والولد ؛ نظيره :﴿ لَّن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ مِّنَ الله شَيْئاً ﴾ [ آل عمران : ١٠ ] ( أي من المال والولد ).


الصفحة التالية