وثالثها : كأنه قيل : الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة إنما رجحوا الحياة الدنيا على الآخرة إذا كانت مقرونة بالسعادة والغبطة والكرامة وإذا كان كذلك فليقاتلوا، فإنهم بالمقاتلة يفوزون بالغبطة والكرامة في الدنيا، لأنهم بالمقاتلة يستولون على الأعداء ويفوزون بالأموال، فهذه وجوه خطرت بالبال والله أعلم بمراده. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٤٤﴾
وقال الآلوسى :
﴿ فَلْيُقَاتِلْ فِى سَبِيلِ الله الذين يَشْرُونَ الحياة الدنيا بالآخرة ﴾ الموصول فاعل الفعل وقدم المفعول الغير الصريح عليه للاهتمام به، و﴿ يَشْرُونَ ﴾ مضارع شرى، ويكون بمعنى باع واشترى من الأضداد، فإن كان بمعنى يشترون فالمراد من الموصول المنافقون أمروا بترك النفاق والمجاهدة مع المؤمنين، والفاء للتعقيب أي ينبغي بعد ما صدر منهم من التثبيط والنفاق تركه وتدارك ما فات من الجهاد بعد، وإن كان بمعنى يبيعون فالمراد منه المؤمنون الذين تركوا الدنيا واختاروا الآخرة أمروا بالثبات على القتال وعدم الالتفات إلى تثبيط المبطئين، والفاء جواب شرط مقدر أي إن صدهم المنافقون فليقاتلوا ولا يبالوا. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٨١﴾
وقال ابن عطية :
هذا أمر من الله عز وجل للمؤمنين الذين وصفهم بالجهاد في سبيل الله، و﴿ يشرون ﴾ معناه : يبيعون في هذا الموضع، وإن جاء في مواضع : يشترون، فالمعنى هاهنا يدل على أنه بمعنى " يبيعون " ثم وصف الله ثواب المقاتل في سبيل الله، فذكر غايتي حالتيه، واكتفى بالغايتين عما بينهما، وذلك أن غاية المغلوب في القتال أن يقتل، وغاية الذي يقتل ويغنم أن يتصف بأنه غالب على الإطلاق. أ هـ ﴿المحرر الوجيز حـ ٢ صـ ٧٨﴾


الصفحة التالية