ثم قال :﴿لّيُقْضي أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ أي أعماركم المكتوبة، وهي قوله :﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ والمعنى يبعثكم من نومكم إلى أن تبلغوا آجالكم، ومعنى القضاء فصل الأمر على سبيل التمام، ومعنى قضاء الأجل فصل مدة العمر من غيرها بالموت.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه ينيمهم أولاً ثم يوقظهم ثانياً كان ذلك جارياً مجرى الإحياء بعد الإماتة، لا جرم استدل بذلك على صحة البعث والقيامة.
فقال :﴿ثُمَّ إلى رَبّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ في ليلكم ونهاركم وفي جميع أحوالكم وأعمالكم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١ ـ ١٢﴾
وقال أبو حيان :
﴿ وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر استئثاره بالعلم التام للكليات والجزئيات ذكر استئثاره بالقدرة التامّة تنبيهاً على ما تختص به الإلهية وذكر شيئاً محسوساً قاهراً للأنام وهو التوفي بالليل والبعث بالنهار وكلاهما ليس للإنسان فيه قدرة، بل هو أمر يوقعه الله تعالى بالإنسان والتوفي عبارة في العرف عن الموت وهنا المعني به النوم على سبيل المجاز للعلاقة التي بينه وبين الموت وهي زوال إحساسه ومعرفته وفكره.
ولما كان التوفي المراد به النوم سبباً للراحة أسنده تعالى إليه وما كان بمعنى الموت مؤلماً قال :﴿ قل يتوفاكم ملك الموت ﴾ و﴿ توفته رسلنا ﴾ ﴿ تتوفاهم الملائكة ﴾ والظاهر أن الخطاب عام لكل سامع.
وقال الزمخشري : الخطاب للكفرة وخص الليل بالنوم والبعث بالنهار وإن كان قد ينام بالنهار ويبعث بالليل حملاً على الغالب، ومعنى ﴿ جرحتم ﴾ كسبتم ومنه جوارح الطير أي كواسبها واجترحوا السيئات اكتسبوها والمراد منها أعمال الجوارح ومنه قيل للأعضاء جوارح.


الصفحة التالية
Icon