الوجه الأول :﴿ييأس﴾ يعلم في لغة النخع وهذا قول أكثر المفسرين مثل مجاهد والحسن وقتادة.
واحتجوا عليه بقول الشاعر :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه.. وإن كنت عن أرض العشيرة نائياً
وأنشد أبو عبيدة :
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني.. إلم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
أي ألم تعلموا.
وقال الكسائي : ما وجدت العرب تقول يئست بمعنى علمت ألبته.
والوجه الثاني : ما روي أن علياً وابن عباس كانا يقرآن :﴿أفلم يأس الذين آمنوا﴾ فقيل لابن عباس أفلم ييأس فقال : أظن أن الكاتب كتبها وهو ناعس أنه كان في الخط يأس فزاد الكاتب سنة واحدة فصار ييأس فقرىء ييأس وهذا القول بعيد جداً لأنه يقتضي كون القرآن محلاً للتحريف والتصحيف وذلك يخرجه عن كونه حجة قال صاحب "الكشاف" : ما هذا القول والله إلا فرية بلا مرية.
والقول الثاني : قال الزجاج : المعنى أو يئس الذين آمنوا من إيمان هؤلاء لأن الله لو شاء لهدى الناس جميعاً.
وتقريره أن العلم بأن الشيء لا يكون يوجب اليأس من كونه والملازمة توجب حسن المجاز، فلهذا السبب حسن إطلاق لفظ اليأس لإرادة العلم.
المسألة الثانية :
احتج أصحابنا بقوله :﴿أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً﴾ وكلمة "لو" تفيد انتقاء الشيء لانتفاء غيره.
والمعنى : أنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس، والمعتزلة تارة يحملون هذه المشيئة على مشيئة الإلجاء، وتارة يحملون الهداية على الهداية إلى طريق الجنة، وفيهم من يجري الكلام على الظاهر، ويقول إنه تعالى ما شاء هداية جميع الناس لأنه ما شاء هداية الأطفال والمجانين فلا يكون شائياً لهداية جميع الناس.
والكلام في هذه المسألة قد سبق مراراً.
أما قوله تعالى :﴿ولا يزال الذين كفروا تصيبهم بما صنعوا قارعة أو تحل قريباً من دارهم﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
قوله :﴿الذين كفروا﴾ فيه قولان :


الصفحة التالية