الإخلاص جعل الشيء خالصاً عن شائبة الغير فنقول : كل من أتى بعمل فإما أن يكون قد أتى به لله فقط أو لغير الله فقط، أو لمجموع الأمرين، وعلى هذا التقدير الثالث فإما أن يكون طلب رضوان الله راجحاً أو مرجوحاً أو معادلاً، والتقدير الرابع أن يأتي به لا لغرض أصلاً وهذا محال، لأن الفعل بدون الداعية محال.
أما الأول : فهو الإخلاص في حق الله تعالى، لأن الحامل له على ذلك الفعل طلب رضوان الله، وما جعل هذه الداعية مشوبة بداعية أخرى بل بقيت خالصة عن شوائب الغير، فهذا هو الإخلاص.
وأما الثاني : وهو الإخلاص في حق غير الله، فظاهر أن هذا لا يكون إخلاصاً في حق الله تعالى.
وأما الثالث : وهو أن يشتمل على الجهتين إلا أن جانب الله يكون راجحاً، فهذا يرجى أن يكون من المخلصين، لأن المثل يقابله المثل.
فيبقى القدر الزائد خالصاً عن الشوب.
وأما الرابع والخامس : فظاهر أنه ليس من المخلصين في حق الله تعالى، والحاصل أن القسم الأول : إخلاص في حق الله تعالى قطعاً.
والقسم الثاني : يرجى من فضل الله أن يجعله من قسم الإخلاص وأما سائر الأقسام فهو خارج عن الإخلاص قطعاً، والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿قَالَ هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ ففيه وجوه : الأول : أن إبليس لما قال :﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ فلفظ المخلص يدل على الإخلاص، فقوله هذا عائد إلى الإخلاص، والمعنى : أن الإخلاص طريق علي وإلي، أي أنه يؤدي إلى كرامتي وثوابي، وقال الحسن : معناه هذا صراط إلي مستقيم، وقال آخرون : هذا صراط من مر عليه، فكأنه مر علي وعلى رضواني وكرامتي وهو كما يقال : طريقك علي.
الثاني : أن الإخلاص طريق العبودية فقوله :﴿هَذَا صراط عَلَىَّ مُسْتَقِيمٌ﴾ أي هذا الطريق في العبودية طريق علي مستقيم.


الصفحة التالية