الثاني : أنه تعالى لما قال :﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأرض﴾ [ الإسراء : ٧٦ ] أمره تعالى بالإقبال على عبادته لكي ينصره عليهم فكأنه قيل له لا تبال بسعيهم في إخراجك من بلدتك ولا تلتفت إليهم واشتغل بعبادة الله تعالى وداوم على أداء الصلوات فإنه تعالى يدفع مكرهم وشرهم عنك ويجعل يدك فوق أيديهم ودينك غالباً على أديانهم ونظيره قوله في سورة طه :﴿فاصبر على مَا يَقُولُونَ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشمس وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءانَاء الليل فَسَبّحْ وَأَطْرَافَ النهار لَعَلَّكَ ترضى﴾ [ طه : ١٣٠ ] وقال :﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَكُنْ مّنَ الساجدين * واعبد رَبَّكَ حتى يَأْتِيَكَ اليقين﴾ [ الحجر : ٩٧ ٩٩ ] والوجه الثالث : في تقرير النظم أن اليهود لما قالوا له اذهب إلى الشام فإنه مسكن الأنبياء عزم ﷺ على الذهاب إليه فكأنه قيل له المعبود واحد في كل البلاد وما النصرة والدولة إلا بتأييده ونصرته فداوم على الصلوات وارجع إلى مقرك ومسكنك وإذا دخلته ورجعت إليه فقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي في هذا البلد سلطاناً نصيراً في تقرير دينك وإظهار شرعك، والله أعلم.
المسألة الثانية :
اختلف أهل اللغة والمفسرون في معنى دلوك الشمس على قولين.
أحدهما : أن دلوكها غروبها وهذا القول مروي عن جماعة من الصحابة، فنقل الواحدي في البسيط عن علي عليه السلام أنه قال : دلوك الشمس غروبها.
وروى زر بن حبيش أن عبد الله بن مسعود قال : دلوك الشمس غروبها، وروى سعيد بن جبير هذا القول عن ابن عباس وهذا القول اختيار الفراء وابن قتيبة من المتأخرين.
والقول الثاني : أن دلوك الشمس هو زوالها عن كبد السماء وهو اختيار الأكثرين من الصحابة والتابعين واحتج القائلون بهذا القول على صحته بوجوه.


الصفحة التالية