وقال ابن الجوزى :
ثم إِن الله تعالى أمر نبيَّه ﷺ أن يذكِّر هؤلاء المتكبِّرين عن مجالسة الفقراء قصةَ إِبليس وما أورثه الكِبْر، فقال :﴿ وإِذ قلنا ﴾ أي : اذكر ذلك.
وفي قوله :﴿ كان من الجن ﴾ قولان.
أحدهما : أنه من الجن حقيقة، لهذا النص ؛ واحتج قائلو هذا بأن له ذريةً وليس للملائكة ذريةٌ وأنه كَفَرَ، والملائكة رسل الله، فهم معصومون من الكفر.
والثاني : أنه كان من الملائكة، وإِنما قيل :"من الجن"، لأنه كان من قَبِيلٍ من الملائكة يقال لهم : الجن، قاله ابن عباس ؛ وقد شرحنا هذا في [ البقرة : ٣٤ ].
قوله تعالى :﴿ ففسق عن أمر ربه ﴾ فيه ثلاثة أقوال.
أحدها : خرج عن طاعة ربه، تقول العرب : فسَقت الرُّطَبة من قشرها : إِذا خرجت منه، قاله الفراء، وابن قتيبة.
والثاني : أتاه الفسق لما أُمر فعصى، فكان سبب فسقه عن أمر ربه، قال الزجاج : وهذا مذهب الخليل وسيبويه، وهو الحق عندنا.
والثالث : ففسق عن ردِّ أمر ربِّه، حكاه الزجاج عن قطرب.
قوله تعالى :﴿ أفتتخذونه وذُرّيَّته أولياء من دوني ﴾ [ أي ] : توالونهم بالاستجابة لهم؟! قال الحسن، وقتادة : ذريته : أولاده، وهم يتوالدون كما يتوالد بنو آدم.
قال مجاهد : ذريته : الشياطين، ومن ذريته زَلَنْبُور صاحب راية إِبليس بكل سوق، وثبْر، وهو صاحب المصائب، والأعور صاحب الرياء، ومِسْوَط صاحب الأخبار يأتي بها فيطرحها على أفواه الناس، فلا يوجد لها أصل، وداسم صاحب الإِنسان إِذا دخل بيته ولم يسلِّم ولم يذكر اسم الله، فهو يأكل معه إِذا أكل.
قال بعض أهل العلم : إِذا كانت خطيئة الإِنسان في كِبْر فلا تَرْجُه، وإِن كانت في شهوة فارجه، فإن معصية إِبليس كانت بالكِبْر، ومعصية آدم بالشهوة.
قوله تعالى :﴿ بئس للظالمين بدلاً ﴾ فيه ثلاثة أقوال.
أحدها : بئس الاتخاذ للظالمين بدلاً.
والثاني : بئس الشيطان.
والثالث : بئس الشيطان والذرِّيَّة، ذكرهنَّ ابن الأنباري. أ هـ ﴿زاد المسير حـ ٥ صـ ﴾


الصفحة التالية