أما القول الأول فتقريره أنهم كانوا يستعجلون عذاب الله تعالى وآياته الملجئة إلى العلم والإقرار :﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد﴾ [ الملك : ٢٥ ] فأراد زجرهم عن ذلك، فقدم أولاً ذم الإنسان على إفراط العجلة ثم نهاهم وزجرهم كأنه قال : لا يبعد منكم أن تستعجلوا فإنكم مجبولون على ذلك وهو طبعكم وسجيتكم، فإن قيل : مقدمة الكلام لا بد وأن تكون مناسبة للكلام، وكون الإنسان مخلوقاً من العجل يناسب كونه معذوراً فيه فلم رتب على هذه المقدمة قوله :﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ﴾ قلنا : لأن العائق كلما كان أشد، كانت القدرة عليه مخالفته أكمل، فكأنه سبحانه نبه بهذا على أن ترك الاستعجال حالة شريفة عالية مرغوب فيها.
أما القول الثاني : وهو أن المراد شخص معين فهذا فيه وجهان : أحدهما : أن المراد آدم عليه السلام، وهو قول مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدي والكلبي ومقاتل والضحاك، وروى ابن جريج وليث بن أبي سليم عن مجاهد قال : خلق الله آدم عليه السلام بعد كل شيء من آخر نهار الجمعة، فلما دخل الروح رأسه ولم يبلغ أسفله، قال : يا رب استعجل خلقي قبل غروب الشمس، قال ليث : فذلك قوله تعالى :﴿خُلِقَ الإنسان مِنْ عَجَلٍ﴾ وعن السدي لما نفخ فيه الروح فدخل في رأسه عطس، فقالت له الملائكة : قل الحمد لله، فقال ذلك : فقال الله له : يرحمك ربك.
فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة، ولما دخل الروح في جوفه اشتهى الطعام، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه إلى ثمار الجنة.
وهذا هو الذي أورث أولاده العجلة.
وثانيهما : قال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية عطاء : نزلت هذه الآية في النضر بن الحرث والمراد بالإنسان هو، واعلم أن القول الأول أولى لأن الغرض ذم القوم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا لفظ الإنسان على النوع.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon