وقال القرطبى :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾
أكّد أمر الجهاد ؛ أي كونوا حوارِيّ نبيِّكم ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواريّ عيسى على من خالفهم.
وقرأ ابن كثِير وأبو عمرو ونافع "أنصاراً لله" بالتنوين.
قالوا : لأن معناه اثبتوا وكونوا أعواناً لله بالسيف على أعدائه.
وقرأ الباقون من أهل البصرة والكوفة والشام "أنصار الله" بلا تنوين ؛ وحذفوا لام الإضافة من اسم الله تعالى.
واختاره أبو عبيد لقوله :"نحنُ أَنْصَارُ الله" ولم ينوّن ؛ ومعناه كونوا أنصاراً لدين الله.
ثم قيل : في الكلام إضمار ؛ أي قل لهم يا محمد كونوا أنصار الله.
وقيل : هو ابتداء خطاب من الله ؛ أي كونوا أنصاراً كما فعل أصحاب عيسى فكانوا بحمد الله أنصاراً وكانوا حواريّين.
والحوَاريُّون خواصّ الرسل.
قال مَعْمَر : كان ذلك بحمد الله ؛ أي نصروه وهم سبعون رجلاً، وهم الذين بايعوه ليلة العَقَبة.
وقيل : هم من قريش.
وسمّاهم قتادة : أبا بكر وعمر وعليّ وطلحة والزبير وسعد بن مالك وأبا عبيدة واسمه عامر وعثمان بن مَظْعُون وحمزة بن عبد المطلب ؛ ولم يذكر سعيداً فيهم، وذكر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.
﴿ كَمَا قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ ﴾ وهم أصفياؤه اثنا عشر رجلاً، وقد مضت اسماؤهم في "آل عمران"، وهم أوّل من آمن به من بني إسرائيل، قاله ابن عباس.
وقال مقاتل : قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القَصَّارون فاسألهم النُّصرة، فأتاهم عيسى وقال : من أنصاري إلى الله؟ قالوا : نحن ننصرك.
فصدّقوه ونصروه.
ومعنى "مَنْ أَنْصَارِي إلىَ الله" أي من أنصاري مع الله، كما تقول : الذَّوْد إلى الذَّوْد إبل، أي مع الذَّوْد.
وقيل : أي من أنصاري فيما يقرّب إلى الله.
وقد مضى هذا في "آل عمران".


الصفحة التالية